يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه لجنة مؤتمر تكريم ذكرى الفقيه المتألّه السيد علي القاضي

خطاب القائد

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه لجنة مؤتمر تكريم ذكرى الفقيه المتألّه السيد علي القاضي-10-11-2012م

عدد الزوار: 282

الحمد للّه ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين لا سيّما بقيّة اللّه في الأرضين. العلامة القاضي 1.

أحد حسنات الدهر
إنّ تكريم المرحوم الميرزا السيّد علي القاضي هو عملٌ مناسبٌ جداً، وذو فائدة كبيرة - إن شاء الله تعالى - وهو عمل كبير. لقد كان السيد القاضي - الميرزا علي - أحد حسنات الدهر، وكان بحقّ من الشخصيات العلمية والعملية نادرة النظير، إن لم نقل منقطعة النظير. فهو مضافاً لمقاماته المعنوية والعرفانية، قام بتربية مجموعة كبيرة من الطلّاب، وهذا أمرٌ على مستوىً كبير من الأهمية... لقد كان طلاّبه من الشخصيات الكبيرة، وكنت قد التقيتُ ببعضهم، كالمرحوم السيد الطباطبائي، والمرحوم السيد محمد حسن إلهي ـ شقيق المرحوم الطباطبائي ـ والمرحوم الميرزا إبراهيم شريفي ـ صهر المرحوم السيد القاضي ـ الذي كان في مدينة زابل ـ وهو أحد أبرز طلاّبه ـ والمرحوم الحاج الشيخ عباس قوشاني، وفي المدّة الأخيرة هذه المرحوم الشيخ بهجت، وآخرين من الأكابر كالمرحوم الحاج الشيخ محمد تقي آملي، والمرحوم الحاج الشيخ علي محمد بروجردي، والعديد من الشخصيات الأخرى.

علماءٌ قدوة للجميع
إنّ أهم مسألة في موضوعنا هي أنّه لدينا داخل هذه السلسلة العلمية والفقهية والحكمية الموجودة عندنا في الحوزات العلمية ـ في هذا الصراط المستقيم ـ معبر وتيّار خاصّ الخاص، يمكن أن يكون قدوة للجميع، سواء للعلماء ـ كبارهم وصغارهم ـ أم لعموم أفراد المجتمع، وللشباب أيضاً. هؤلاء أشخاص لم يكتفوا بالتمسّك بالظواهر؛ فسعوا وجاهدوا، وعملوا في طريق العرفان، وطريق السلوك وطريق التوحيد ووصلوا إلى المقامات العالية. والمهم أنّ هذه الحركة السلوكية العظيمة والرياضة لم تحصل بطرق الاستنباطات الشخصية والتخيّلات ـ مثل بعض السلاسل والدكاكين الصوفية والعرفانية وأمثالها ـ بل هي عن طريق الشرع المقدّس فقط، وبخبرة عالية أيضاً.

أساتذة مجتهدون فقهاء
لقد كان جميع أتباع هذه الطريقة التي ينتمي إليها السيد علي القاضي، والتي تبدأ بالمرحوم السيد علي الشوشتري، مجتهدين من الطراز الأول. فالسيد علي الشوشتري الذي تتلمذ على يد الشيخ الأنصاري في الفقه والأصول، وكان في الوقت نفسه أستاذ الشيخ الأنصاري في الأخلاق والسير والسلوك ـ أي كان تلميذ الشيخ الأنصاري في الفقه والأصول، وأستاذ الشيخ الأنصاري في السلوك والأخلاق ـ فكان الأنصاري يستفيد منه في هذه المجالات ـ بقي حياً (بعد وفاة أستاذه الشيخ الأنصاري) لمدة قليلة، ويقول حضّار درس السيد علي الشوشتري: "لم نرَ فرقاً بين درسه ودرس الشيخ". لقد بلغ مستواه العلمي والفقهي إلى هذه الدرجة. التلميذ المهمّ الآخر للشيخ الأنصاري هو المرحوم الآخوند الملا حسين قلي الهمداني، والذي كان في القمة2 من حيث العرفان والروحانية والسلوك - وعظمة مقامه فاقت الوصف - وكان باللحاظ العلمي التقليدي من خيرة تلامذة الشيخ الأنصاري في الفقه والأصول، إلا أنّه غلب عليه طابع العرفان والسلوك والتوحيد؛ لأنّه سار في هذا الطريق. تلامذة العلامة قلي الهمداني، وهم أساتذة المرحوم السيد القاضي، كالمرحوم الحاج السيد أحمد الكربلائي، والمرحوم الحاج الشيخ محمد البهاري، وغيرهما من هذا القبيل كانوا جميعاً من حيث الفقاهة في المرتبة العليا. فالمرحوم الحاج السيد أحمد الكربلائي كان على درجة بحيث إنّ الميرزا محمد تقي الشيرازي كان يُرجع في احتياطاته إليه، وكان بمستوى المرجعية قطعاً، لكنه امتنع عنها؛ وعاتب من أرجعوا احتياطاتهم إليه، وبقي هائماً في عوالم المعنوية. يقول المرحوم جدّنا السيد هاشم نجف آبادي الذي كان قد عاصر السيد أحمد الكربلائي والتقاه: عندما كنّا في طريقنا من وإلى مسجد السهلة في الليالي والأسحار، كنا نسمع صوت بكاء المرحوم السيد أحمد يخرج من بيته الذي كان على الطريق، هكذا كانت الحالات التي تعتريه.

تعلّمت منه كيف أصلّي
حسناً، المرحوم السيد القاضي كان تلميذاً لهؤلاء. بالطبع، كان أيضاً تلميذاً لوالده السيد حسين، وبعد مجيئه إلى النجف صار تلميذاً للمرحوم السيد أحمد. وكان تلميذاً للمرحوم السيد مرتضى الكشميري لمدة عشرة أو اثني عشر عاماً، لكن السيد محمد حسن ابن المرحوم القاضي كتب في كتاب له يقول: "إنه لم يدرس عند السيد مرتضى الكشميري، لكنه استفاد من مجالسته والحديث معه". إلا أنّه في ذاك الكتاب أو في كتابات المرحوم السيد محمد حسين الطهراني وجدت أنّ المرحوم القاضي يقول: لقد تعلّمت من المرحوم السيد مرتضى الكشميري كيف أصلّي. لاحظوا كم هي عميقة معاني هذه الكلمات. كلنا نصلّي ونتصوّر أننا نصلّي على الوجه الأتمّ. لكنّ هذا العارف الكبير الذي تربّى وتكامل طوال سنين في كنف والده في تبريز، حين انتقل إلى النجف ليبقى عشرة أعوام متتلمذاً على يد السيد الكشميري، يقول إنّي تعلّمت الصلاة منه. هذا في حين ينقل تلامذة المرحوم الميرزا السيد علي القاضي أنه رغم كثرة مشاكله المعيشية وثقل مسؤوليات عائلته الكبيرة والفقر والفاقة، مع ذلك كان إذا صلى يغفل عن الدنيا كلها، أي إنّه لشدة خشوعه وتوسّله وذكره في الصلاة ينقطع عن العالم. حسن، هذا معبر استثنائيّ ممتاز وهو معبر خاصّ الخاصّ. وهي من هذه الجهة حجة علينا جميعاً لكي نفهم أنّ هذا المعبر موجود، وهذه المقامات والمسيرة والسلوك والإخلاص في سبيل الله حالات موجودة.

لم يكن من أهل إظهار المكاشفات وأمثالها على الإطلاق. ولقد نُقل الكثير عنه، وهي منقولات موثّقة وكثيرة تعدّت الحالة والحالتين في حياته المليئة بالعجائب، إلى درجة حصول اليقين بصحة طرقها. لكنّ هذه الأمور لا أهمية لها ولا دور في حياة هؤلاء العظماء. وكان يقول لطلابه: "إذا انتابتكم حالة من المكاشفة فلا تعتنوا بها.. أكملوا أعمالكم وأذكاركم وحافظوا على خشوعكم". أي أن مقامات هؤلاء هي هذا. على كل حال، من المهمّ جدّاً إحياء هذه الشخصيات بهذه الطريقة؛ فيُعرفوا ويعرّف بهم، لكن بشرط أن يجري التعريف من قبل أهل الخبرة، فالذي يريد التعريف بهذه الشخصيات لا بدّ له أن يستطيع إيضاح مقاماتهم المعنوية لنا لكي نستفيد ونغتنم، أما صرف بيان مقاماتهم العلمية والفقهية ـ التي كانوا في الحدّ الأعلى منها ـ فهذا لا يكفي لتعريف شخصيات من قبيل المرحوم السيد علي القاضي.

رسائل العلّامة القاضي
وقد كان عمره طويلاً والحمد لله، وكانت له الكثير من التوفيقات والنجاحات، وخرّج الكثير من الطلاب. كما كان من حيث معاني السلوك والعرفان وما إلى ذلك من النوادر القلائل كما ذكرنا. عموماً كان بحقّ من الشخصيات المبرّزة. في الكتاب الذي كتبه ولده المرحوم السيد محمد حسن، والذي اطّلعت عليه قبل سنوات، وراجعته مراراً، توجد مجموعة من رسائله. وفي هذا الكتاب ثمة حاشية مختلطة بالمتن إلى درجة لا يميّز معها المرء الحاشية من المتن. إذا استطعتم الحصول على نصوص هذه الكتابات، وهي موجودة بالتأكيد لدى ورثة هذين المرحومين - ثمّة أربع أو خمس رسائل، إحداها باحتمال قويّ موجّهة للسيد الطباطبائي، وهي بلا عنوان طبعاً، لكن يمكن الحدس من نصّها أنّها موجّهة للسيد الطباطبائي. وإحداها موجّهة احتمالاً للسيد محمد حسن الإلهي، ورسالة أو رسالتان موجّهتان لصهره المرحوم الشيخ إبراهيم شريفي زابلي. وإحداها موجّهة لعموم تلامذته بمناسبة حلول شهر رجب أو شهر ذي القعدة، يقول فيها: "إنّ الشهر الحرام قد حلّ"، ويتحدّث عن أهمية الأشهر الحرم. وربما كانت بعض الرسائل الأخرى لآخرين - وإذا نشرتم هذه الرسائل مستقلة، فأعتقد أن ذلك سيكون ذكرى حسنة جداً. على أيّ حال أتقدّم لكم بالشكر، متمنياً لكم أداء عملكم على أفضل وجه إن شاء الله تعالى...

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ألقيت الكلمة بتاريخ 16-7-2012 ونشرت في الاعلام مع بداية شهر 11/2012


1-هو قدوة العرفاء السيد علي القاضي، المشهور بالميرزا علي القاضي التبريزي، وهو أستاذ نخبة من العلماء البارعين المتقدّمين، وفي مقدِّمتهم السيد الطبطبائي (قده)، صاحب كتاب الميزان.من مواليد تبريز عام 1282هـ، توفي (رضوان الله تعالى عليه) عام 1366هـ، ودفن في وادي السلام بجنب قبر والده السيد حسين القاضي، وكان يوم وفاته وتشييعه يوماً عظيماً وحزيناً على مدينة النجف الأشرف وحوزتها.
2-عبر القائد بكلمة: (العرش).

2013-04-01