يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في ذكرى رحيل الإمام الخميني (قُدّس سرّه)

2020

كلمة الإمام الخامنئي )دام ظلّه( في ذكرى رحيل الإمام الخميني (قُدّس سرّه)

عدد الزوار: 19

كلمة الإمام الخامنئي

كلمة الإمام الخامنئي )دام ظلّه( في ذكرى رحيل الإمام الخميني (قُدّس سرّه)_3-6-2020

بسم الله الرحمن الرحيم


والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى، محمد، وآله الطيبين الطاهرين المعصومين، ولا سيّما بقية الله في الأرضين.

تقام اليوم مراسم إحياء ذكرى رحیل إمامنا العظيم بشكل مختلف عن المعتاد. کیفیة إحياء هذه المراسم ليست مهمة؛ أصل القضية والمهم، هو الحديث عن الإمام العظيم، وهذا ما يحتاجه حاضر بلادنا ومستقبلها. لا يزال الإمام العظيم، وبعد مرور سنوات على رحيله وغيابه الظاهري، حيًّا بيننا، ويجب أن يبقى حيًّا بيننا، وعلينا أن نستفيد ونستفيض من حضوره وروحانيته وفكره وإشاراته الموجِّهة.

طلب التحوّل والاندفاع للتحوّل من أبرز مميزات سماحة الإمام
اليوم، أريد أنا العبد، أن أبحث في ميزة مهمة من خصوصيات الإمام العظيم؛ بالطبع، كان سماحته إنسانًا ذا أبعاد كثيرة، وكان لديه العديد من المميزات البارزة. هذه الميزة التي أستعرضها اليوم هي واحدة من أهم وأبرز مميزات الإمام العظيم، وهي عبارة عن طلب التحوّل والاندفاع نحو التحوّل.

كان الإمام ومن صميم روحه إنسانًا طالبًا للتحوّل وصانعًا للتحوّل أيضًا. بالنسبة لخلق التحوّل، لم يكن دورُه دورَ مجرّد معلّم وأستاذ ومدرّس، بل كان دورَ مسؤولٍ في ميدان العمليّات ودورَ قائدٍ بالمعنى الحقيقي. لقد صنع أكبر التحوّلات في عصره وزمانه بالمجالات المتعددة، وفي الساحات المتنوعة والكثيرة التي سأشير اليوم إلى بعضها.

أولًا، إن روحية طلب التحوّل عند هذا العظيم كانت لديه منذ زمن بعيد؛ ولم تكن أمرًا نشأ لديه في بداية النهضة الإسلامية سنة 1341 هجرية - شمسية [1962 ميلادية]؛ كلّا، لقد كان إنسانًا طالبًا للتحوّل منذ مرحلة الشباب، ومؤشرٌ على هذا، تلك الملاحظات والكتابات التي دوّنها في شبابه - في الثلاثينيات من عمره تقريبًا -، وقد كتبها في مكتب المرحوم وزيري يزدي، وأطلعني عليها المرحوم وزيري وقد كتبت بخط يده؛ ولاحظت أنها نُشرت لاحقًا وأتيحت لعموم القراء. في تلك الكتابة، يذكر الآية الشريفة: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾(1). التي تدعو عموم الناس إلى القيام لله. كان لديه روحية كهذه. ولقد قام بإعمال هذه الروحية، وكما أشرت "لقد خلق تحوّلًا". نزل ميدانيًّا نحو قضية التحوّل، وليس مجرد الكلام وإصدار التعاليم والأوامر؛ بدءًا من إيجاد التحوّل الروحي لدى مجموعة من طلاب العلوم الدينية الشباب في قم - وسوف أشرح هذا خلال كلامي - وصولًا إلى إيجاد التحوّل الواسع لدى عموم الشعب الإيراني.

التحوّل والثورة الروحية والمعنوية لدى الأفراد
قضية "قم" عبارة عن "درس أخلاق" الإمام. كان لسماحته في "قم"، قبل عشرات السنين؛ من بداية النهضة، فضلًا عن دروس الفقه والأصول والمعقول، درس أخلاق لسنوات طويلة. كان لديه جلسات في علم الأخلاق. وبالطبع، عندما ذهبنا إلى قم، كان قد تم إيقاف هذا الدرس منذ سنوات، ولم يكن موجودًا. بعض الذين شهدوا درس الأخلاق ذلك، كانوا يروون - كان لديه محاضرة أسبوعية في المدرسة "الفيضية"، وكان طلّاب العلوم الدينية الشباب يجتمعون هناك - أنه عندما كان يتكلم، كان يُحدث ثورة في الجلسة، كان يُحدث ثورةً في القلوب. ونحن بالطبع شهدنا هذا أيضًا، في درس الفقه والأصول. أي إن سماحته حتى في دروس الفقه والأصول تلك، كان يلقي مباحث أخلاقية في مناسبات مختلفة، كان الطلاب يبكون بكاءً شديدًا. عندما كان يتحدث عن القضايا الأخلاقية، كانوا يذرفون الدموع. كان بيانه مؤثرًا بهذا الشكل، وكان يُحدث ثورة روحية. هذا هو أسلوب الأنبياء؛ فقد بدأ الأنبياء جميع حركاتهم بالثورة الروحية في الأفراد. فما يقوله أمير المؤمنين: « لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ... وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ»(2)، هو هذا الأمر. «لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ» أي إنه كان يوقظ الفطرة الإنسانية الخفية فيهم، ويدفعهم إلى الحركة وهداية أعمال البشر وأفعالهم. بدأ الإمام من هنا وبهذا النحو. بالطبع، لا يمكنني أن أدّعي قطعًا أنه نظّم تلك الدروس واللقاءات من أجل أن تؤدّي إلى حركة سياسية كبيرة لاحقًا؛ أنا لا أقول هذا. لكن، ما هو مسلّمٌ به أنّ خلق الحركة، وهذا التحفيز للميول المعنوية والفطرة الإنسانية عن طريق درس الأخلاق والتذكير وتحضير القلوب، كان أسلوب الإمام العظيم؛ بدأ سماحته من هنا وصولًا الى إيجاد تحوّل لدى الشعب على مستوى واسع، سواءٌ خلال مرحلة النضال - سأعطي الآن بعض النماذج عن هذا التحوّل - أو بعد انتصار الثورة. أحدث تحوّلًا حقيقيًّا في الشعب الإيراني بكلّ ما للكلمة من معنى.

التفتوا إلى أن المخاطب في هذا التحوّل، هو الشعب الإيراني. قبل بداية نهضة الإمام، كان هناك حركات نضال، كانت هناك تحركات سياسية معارضة في إيران، كانت هناك جماعات متعددة لعشرات السنين، لكنّ نطاق عملها كان محدودًا؛ مثلًا بعدد من الطلاب الجامعيين بحدّه الأكثر. وهؤلاء مثلًا يمكن أن يؤثّروا في مئة شخص، مئة وخمسين شخصًا من الطلاب، ويجذبوهم إلى مراسم معينة. قضية الإمام لم تكن قضية مجموعة محدودة أو جماعة محدودة أو مهنة معينة، لقد كانت قضية الشعب الإيراني. الشعب كالمحيط، ليس بمقدور أيّ كان أن يحدث طوفانًا في المحيط. يمكن إيجاد أمواج في المسبح، ولكنّ خلق الأمواج في المحيط هو عمل عظيم. الشعب محيط، والإمام قام بهذا: لقد خلق تحوّلات.

التحوّل من الخمول والخضوع لدى الشعب إلى روحية المطالبة
أحد التحولات، كان التغيير في روحية الخمول والخضوع لدى الشعب. في أيام شبابنا، في المرحلة التي بدأت فيها هذه النهضة كما نتذكر، كان الشعب الإيراني شعبًا لا علاقة له أبدًا بالقضايا الأساسية لمصيره. كان الناس خاضعين، كانوا خاملين، لا إرادة ولا تأثير لهم في حياتهم الشخصية. هذه الحالة من الحركة الميدانية، والنزول إلى الميدان، والمطالبة، تلك المطالبة بأشياء عظيمة ومهمة، لم تكن موجودة سابقًا في أخلاقيات شعبنا وأعرافه على الإطلاق. هذا ما أوجده الإمام. لقد حوّل هذا الشعب الساكن الخاضع إلى شعب مُطالب؛ تلك الخطابات الحماسية والعاصفة للإمام، الكلمات ذات البيان الهادر للإمام، هزّت الشعب لدرجة أنه أصبح شعبًا مُطالبًا؛ من النماذج على ذلك: قضايا عام 1341 هجريًّا ــ شمسيًّا [1962 ميلاديًّا] - إذ إن بداية النهضة كانت في 1341 هجريًّا ــ شمسيًّا [1962 ميلاديًّا] - [حين] كانت تظاهرات الناس في مختلف المدن، وقد وصلت إلى الخامس عشر من خرداد [4 حزيران/ يونيو 1962]. في الخامس عشر من خرداد، وعلى الرغم من تلك المجزرة الرهيبة، لم يستطع نظام الشاه إيقاف هذه الحركة. بل استمرت تظاهرات الناس طوال تلك الفترة حتى نهاية مرحلة النضال. وكان هذا تحولًا عجيبًا أحدثه سماحته.

التحوّل في نظرة الناس، وخلق العزة والثقة الوطنية بالنفس
التحوّل الآخر، كان التحوّل في نظرة الناس إلى أنفسهم ومجتمعهم. كان لدى الشعب الإيراني نظرة احتقار لنفسه وشعور بالدونية؛ أي إنه لم يكن ليخطر في ذهن أحد أبدًا، أن يتمكن هذا الشعب من التغلب على إرادة ومشيئة القوى العظمى.. ليس القوى العالمية فقط، بل حتى إرادة القوى الداخلية، حتى إرادة المسؤول الفلاني - لنفترض - دائرة أمن أو شرطة، لم يكن ليخطر في أذهان الناس على الإطلاق أنهم قادرون على التغلب على ذوي الإرادات الشريرة والخطيرة.

كانوا يشعرون بالدونية، ولم يشعروا بالقدرة. بدّل الإمام هذا إلى شعور بالعزة، شعور بالثقة بالنفس، الناس الذين يعتقدون أن الحكم الاستبدادي شيء طبيعي - في ذلك الوقت، كان تصورنا هكذا: إن هناك شخصًا على رأس البلاد وإرادته هي الحاكمة، حسنًا هذه هي طبيعة الأمر، وكنا نعتقد أنه أمر طبيعي وعادي - حوّلهم إلى ناس يحدّدون نوع نظام حكمهم بأنفسهم. كان أحد شعارات الناس في الثورة: أولًا النظام الإسلامي، ثم الحكومة الإسلامية، ثم الجمهورية الإسلامية. الشعب نفسه كان المحدِّد والمطالِب. ولاحقًا، في الانتخابات المختلفة، تم تعيين شخص الحاكم والمسؤولين عن مختلف أقسام الدولة على يد الناس. أي إن حالة احتقار النفس والدونية الموجودة عند الناس تحوّلت كليًّا إلى حالة من العزة والثقة الوطنية بالنفس.

التحوّل في نوع مطالبات الناس
التحوّل الآخر، كان التغيير في المطالبات الرئيسية للناس؛ أي إذا افترضتم أنه في ذلك الوقت كانت لدى مجموعة من الناس مطالب من قطاع ما، أو من الجهات والنافذين في ذلك الزمان، كانت على سبيل المثال تعبيد هذا الطريق في الحيّ، أو تخطيط هذا الشارع بهذا الشكل، كانت المطالبات بهذا المستوى! بدّل الإمام ذلك إلى المطالبة بالاستقلال والحرية. أي المطالبة بالـمُثل العليا العظيمة. أو شعار «لا شرقية لا غربية»؛ حصل تحوّل كهذا في مطالب الناس، وتبدّلت من هذه الأشياء المتواضعة والصغيرة والمحلية والمحدودة لتصبح أهدافًا رئيسية وعظيمة وإنسانية وعالمية.

التحوّل في نظرة الناس إلى الدين
التحوّل الآخر الذي أوجده الإمام، كان التحوّل في النظرة إلى الدين؛ كان الناس يعتبرون الدين وسيلة فقط للأمور الشخصية، والمسائل العبادية، والأحوال الشخصية على أكبر تقدير، ولمسائل الصلاة والصوم، أو الواجبات المالية والزواج والطلاق، في هذه الحدود فقط. كانوا يرون أن مهمة الدين ومسؤوليته ورسالته تنحصر في هذه الأمور. [بيّن] الإمام وعرّف للدين رسالةَ بناء النظام والحضارة والمجتمع والإنسان وأهداف كهذا؛ وتحوّلت نظرة الناس إلى الدين بشكل كامل.

التحوّل في النظرة إلى المستقبل، وبناء حضارة إسلامية جديدة
هناك تحوّل آخر، هو التحوّل في النظرة إلى المستقبل. في ذلك الزمن الذي انطلقت فيه النهضة ونزل الإمام إلى الميدان، ورغم كل الشعارات التي كانت تطلقها بعض الأحزاب وبعض المجموعات والفرق الصغيرة - التي كانت محدودة جدًّا وصغيرة أيضًا -لم يكن المستقبل يُرى في أنظار الناس! أي إن الناس لم يكونوا يملكون أفقًا ومستقبلًا واضحًا أمام أعينهم؛ تبدّل هذا إلى [أفق] بناء حضارة إسلامية جديدة. فانظروا اليوم إلى الشعب الإيراني، إنها يد الإمام المباركة التي صنعت هذه الحالة؛ يسعى الناس إلى بناء وتشكيل حضارة إسلامية جديدة؛ الى بناء اتحاد إسلامي عظيم، وتأسيس الأمة الإسلامية. أضحت هذه نظرة عامة الناس وجماهير الشعب.

التحوّل في المباني المعرفية التطبيقية، ودخول الفقه الى ساحة بناء النظام
في ساحة أكثر تخصصية، هناك تحوّل في المباني المعرفية التطبيقية. الإمام أوجد هذا، وهو أمر تخصصيٌّ، من ضمن المسائل الحوزوية، ولمن له تخصّص في علم الفقه وفي علم الأصول وما شابه ذلك. أدخل الإمام الفقه في مجال بناء النظام؛ كان الفقه بعيدًا عن هذه المسائل. بالطبع كانت قضية ولاية الفقيه موجودة وتُطرح بين الفقهاء منذ ألف سنة، لكن بما أنه لم يكن هناك أمل في أن تتحقق ولاية الفقيه، لم يتم التعرض أبدًا إلى تفاصيلها. أدخل الإمام هذا الأمر في المسائل الأصلية والفقهية. في حوزة النجف العلمية، طرح الولاية، وطرح حولها أبحاثًا ونقاشات علمية متقنة ومتينة أثارت اهتمام الأشخاص الذين كانوا من أصحاب رأي في هذه المجالات؛ أو قضية مصلحة النظام - التي هي المصالح العامة، المصالح الوطنية، وليست شيئًا آخر - طرحها الإمام في الفقه. مسألة «التزاحم» و«الأهم والمهم» المعروفة في الفقه والأصول، التي كانت تستخدم في المسائل الشخصية والمسائل الصغيرة، دخلت في مجال الشؤون العامة، فصارت تطرح مسألة «الأهم والمهم» في مجال إدارة الدولة وفي مسألة مصلحة النظام. أي إنه أدخل هذه الأمور في الفقه، الأمر الذي أتاح للفقه فرصة كبيرة، بحيث يطلق يد الفقه بما يمكنه التصرف في القضايا المتنوعة. وأنا أرى، أنه يجب على الحوزات العلمية تقدير هذا الأمر كثيرًا، والاستفادة منه والترحيب به. بالطبع، ما فعله الإمام في هذا المجال من الفقه كان منهجيًّا ووفق القواعد بشكل كامل؛ أي إنّ ذلك وفق - بتعبير الإمام - "الفقه الجواهري" نفسه. أي إنه لا بدعة في الفقه؛ بل استخدام صحيح للموازين الفقهية المتعارفة التي هي عند الفقهاء.

التأكيد على التعبّد، المترافق مع النظرة التجديدية الى الفقه
نموذج آخر من هذا التحوّل في النظرة إلى الدين والقضايا الدينية هو الإصرار على التعبّد المترافق مع النظرة التجديدية للقضايا؛ أي إن الإمام، كان فقيها مجدِّدًا، كان عالم دين مجدِّدًا؛ كان ينظر إلى الأشياء بعين التجديد؛ وفي الوقت نفسه كان ملتزمًا بالتعبّد بکل قوة وشدّة. في ذلك اليوم، وفي تلك الأيام، طبعًا كان هناك علماء دين متبحّرين في مسائل التنوير الثقافي، وكانوا يناقشون [هذه المسائل] ويتحدثون عنها، وهؤلاء كانوا أيضًا علماء دين ومتخصصين بالدين، لكنهم كانوا نوعًا ما تحت تأثير بعض الظروف، ولم يكن لديهم الالتزام المطلوب بالنسبة إلى قضايا التعبّد - في السلوك الشخصي، نعم، كانوا ملتزمين - ولكن في إعلامهم وتبليغاتهم لم يعتمدوا كثيرًا على قضية التعبّد. جاء الإمام ووقف بقوة عند قضية التعبّد، مع وجود تلك الرؤية التجديدية للمسائل الفقهية، والقضايا الإسلامية، والقضايا الدينية، وما شابه ذلك. على سبيل المثال التأكيد العجيب الذي كان لديه بشأن مجالس العزاء ومراسم الحداد، وما إلى ذلك؛ كل ذلك يشير إلى التزامه وتعبّده العظيم.

التحوّل في النظرة إلى جيل الشباب والثقة به
نموذج آخر من التحوّل الذي أحدثه سماحته هو التحوّل في النظرة إلى جيل الشباب؛ النظرة إلى الشباب. وثِق الإمام بفكر الشباب وعمله؛ كان هذا تحوّلًا بكلّ ما للكلمة من معنى. خذوا على سبيل المثال، «حرس الثورة الإسلامية» الذي تم تشكيله: لقد تقبّل الإمام للشباب في سن العشرين ونيفًا أن يكونوا على رأس الحرس، ومعظم هؤلاء كانوا من الشباب الذين تصل أعمارهم إلى الثلاثين كحد أقصى مثلًا. كانوا بقيادة «حرس الثورة الإسلامية»، وقادة فرق وفيالق. هؤلاء جميعهم من الشباب الذين أُوكلت إليهم مهمات كبرى. وهكذا الحال في مجالات أخرى أيضًا. في المسائل القضائية، وفي مجالات أخرى أيضًا، كانت لدى الإمام ثقة عجيبة بالشباب الذين كانوا موضع رضاه واعتماده. كان يُوكِلُ الأعمال الى الشباب، وكان يثق بتفكير الشباب وعملهم.

النزعة الشبابية بالتزامن مع الثقة بالكهول وذوي التجارب
بالطبع، في الوقت نفسه كان سماحته لا ينكر طاقات غير الشباب. عندما نطرح النزعة الشبابية كثيرًا اليوم، يظنّ البعض أن النزعة الشبابية تعني أن على المرء إخراج المسنين كليًّا من الساحة؛ كلا، لم يكن هذا رأي الإمام على الإطلاق؛ اعتمد على الشباب بصفتهم ذخرًا للنظام، ولكونهم ثروة للنظام، واعتمد على غير الشباب على حدّ سواء أيضًا. لنفترض، على سبيل المثال، عندما عيّن الإمام هذا العبدَ الحقير - لم أكن مسنًّا كثيرًا آنذاك - لإمامة الجمعة في طهران، وفي الوقت نفسه عيّن المرحوم الشهيد أشرفي [أصفهاني](3)، الرجل الثمانيني، لإمامة الجمعة في كرمانشاه، أو المرحوم دستغيب(4)، أو [سائر] شهداء المحراب الذين عيّنهم؛ هؤلاء جميعهم كانوا رجالًا في الستينيات والسبعينيات، وما شابه ذلك. أو في القوات المسلحة، على سبيل المثال، عيّن الشباب في حرس الثورة الاسلامية. في الجيش: الشهيد فلّاحي(5)، أو مثلًا المرحوم ظهير نجاد(6)، كانوا في سن الستين وأكثر من الستين. استفاد الإمام من هؤلاء، ولم يكن الأمر أن نقول: اعتمدوا على الشباب، أي إخراج الطاقات غير الشبابية كليًّا. أو عندما عيّن المرحوم عسكر أولادي(7) في «لجنة الإمداد»، ولم يكن شابًّا نسبيًّا في ذلك الوقت.

إذًا، ما نقوله هو إن الإمام وثق بالشباب - وحاليًّا نحن كذلك نعتقد أنه يجب الثقة بالشباب والاعتماد عليهم، وأنه يجب الاستفادة من طاقات الشباب للتقدم بالبلاد، وسوف أبيّن ذلك لاحقًا - ما يعني أنهم ذخر وثروة للبلد ويجب الاستفادة من هذه الثروة - هذا لا يعني عدم الاستفادة من الأشخاص ذوي الخبرة والتجارب من غير الشباب، فهم ثروة أيضًا ولهم حضورهم -.

التحوّل في النظرة إلى القوى العالمية والقوى العظمى والإيمان بالقدرة على هزيمتها
حسنًا، لقد أوجد الإمام هذه التحولات، لكنْ، هناك تحوّل آخر هام قام به، وربما كان أكثر أهمية من بعض هذه التحولات، وهو عبارة عن التحوّل في النظرة إلى القوى العالمية والقوى العظمى. في ذلك الوقت، لم يكن أحد يتخيل أنه يمكن مخالفة كلام أمريكا، والقيام بحركة معارضة لإرادة أمريكا. ما قام به الإمام دفع الرؤساء الأمريكيين أنفسهم إلى القول: «إن الخميني أذلّنا». هكذا كان الوضع فعلًا: الإمام وأنصار الإمام والشباب الذين كانوا يتحركون بإيماءة من يد الإمام أذلّوا القوى العظمى بكلّ ما للكلمة من معنى، فقد كسروا إرادتها وأخرجوها من الميدان. أثبت الإمام أنه يمكن توجيه الضربات إلى القوى العظمى وهزيمتها، والمستقبل أثبت الشيء نفسه أيضًا. لقد شهدتم مصير الاتحاد السوفياتي السابق الذي سقط بهذا الشكل، وهذه أمريكا اليوم أيضًا، وأنتم تلاحظون أحداث أمريكا اليوم! لم يكن لأحد أن يتصوّر شيئًا كهذا أبدًا؛ وضع الإمام هذا في قلوب الناس منذ ذلك اليوم، ليعرفوا أن هؤلاء يمكن هزيمتهم وبالإمكان توجيه الضربات إليهم.

نظرة الإمام الإلهية والتوحيدية إلى كل هذه التحوّلات
حسنًا، النقطة الهامّة هي أن الإمام العظيم الذي صنع كل هذه التحولات، وكان إمام التحوّل بكلّ ما للكلمة من معنى، لكنه اعتبر كلّ هذه التحولات من الله؛ الإمام لم ينسب هذه الأمور إلى نفسه؛ كان يرى أنها من عند الله. لاحظوا هذا التحوّل الروحي نفسه الذي حدث في الشباب – وقد نُشر في صحيفة الإمام - كان يلتفت إليه ويتعجب منه ويكرّر ذلك في خطاباته كثيرًا، أي إنه كان أمرًا مثيرًا للدهشة عند الإمام! مع العلم أن الإمام قام بذلك بنفسه، كانت يده في هذا العمل، لكنه كان يعدّ هذه الأعمال والإنجازات من الله. وحقيقة الأمر أنها كانت من الله؛ لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، كل شيء وكل حول وقوة من عند الله. وقد آمن الإمام بهذه [الآية]: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ﴾(8) بالمعنى الحقيقي للكلمة. لقد أولى سماحته الكثير من الاهتمام لحركة الشباب هذه، والتحوّل عند الشباب، وكان متعجبًا مندهشًا من هذه الواقعة. في مكان آخر، كان يقول إن التحوّل الذي حدث في روحية الشباب أهم من الانتصار على نظام الطاغوت، لأن الانتصار على النظام كان انتصارًا على الطاغوت، ولكنّ هذا التحوّل الذي حدث عند الشباب هو انتصار على الشيطان، والشيطان أقوى من الطاغوت. أي إنه ينظر للمسألة على هذا النحو، وقد كان مُعجبًا بهذا المعنى. هذا بالنسبة إلى هذه المسألة التي تحدثنا عنها.

حاجة كل مجتمع حي إلى التحوّل والحيوية
حسنًا، بناءً على ما ذكرنا، كان الإمام إمام التحوّل. هذا البحث الذي نطرحه، ولا يتعلق الأمر فقط بأن يصبح لدينا مثلًا معرفة ومعلومات أكثر عن شخصية الإمام - وبالطبع فهذا أمر مهم في محله - ولكنّ الغاية منه استلهام الدروس؛ يجب أن نتعلم دروسًا من الإمام. كل مجتمع حيّ وحيوي يحتاج إلى التحوّل؛ نحن اليوم بحاجة إلى التحوّل في المجالات المختلفة. بالطبع، أود أن أقول إنه بعد وفاة الإمام لم تبتعد الثورة والبلاد عن التوجه التحوّلي. أي إن الشعب الإيراني، بفضل لله، تمكن من اتّباع توجّه الإمام التحوّلي والمضيّ به قُدمًا. لقد قمنا بالتحوّل وأصبحنا أقوى من الماضي أكثرَ في مختلف المجالات بالمعنى الحقيقي للكلمة، وفي بعض المجالات أصبحنا أكثرَ حيويةً ونشاطًا من أيّ وقت مضى؛ هذا الأمر واقع ومحقّق. هذا التطور العلمي الذي حدث ليس بالعمل البسيط؛ إنه أمر بالغ الأهمية.

في السابق، من الناحية العلمية، لم نكن شيئًا مذكورًا أصلًا؛ اليوم لدينا مكانة مرموقة في العالم بوصفنا من روّاد الحركة العلمية والجهود العلمية. أو مثلًا في القدرات الدفاعية؛ اليوم قدراتنا الدفاعية في الحقيقة والواقع تلامس مستوى الردع؛ هذا أمر مهم جدًّا استطاعت البلاد الوصول اليه. أو مثلًا على الصعيد السياسي، وهي وجه هيبة البلاد في العالم. تظهر الجمهورية الإسلامية بوجه مقتدر وذي هيبة في العالم، وهذه كلها تحوّلات حصلت وهي جديرة بالاهتمام.

خلال هذه السنوات الثلاثين، لم تتوقف حركة البلاد، حركة التحوّل التي أوجدها الإمام، وتقدّمت إلى الأمام. في بعض الأمور أيضًا، تم إيجاد بنًى تحتية للتحوّل، ولكنها لم تصل الى مرحلة الفعل والتحقق؛ هي موجودة ولكنها ليست كافية. ما أطرحه الآن هو أننا في بعض الأمور لم يكن لدينا تحوّل - في بعض الأمور المهمة، لم يكن لدينا تحوّل - وفي بعض الأمور تراجعنا للوراء، وهذا أمر مؤسف للغاية وغير مُرْضٍ ولا يمكن القبول به، ويتعارض مع طبيعة الثورة. بقاء الثورة حيةً رهنٌ باستمرار التجدّد والتحوّل والتقدّم. التحوّل يعني الوصول إلى وضع أفضل بشكلٍ واضح، أي نقلة نوعية، حركة عظيمة. كنا بحاجة إلى ذلك في مجالات مختلفة؛ في بعض المجالات لم نمتلك القدرة على فعل ذلك على الإطلاق.

تقدُّم المجتمعات وتخلُّفها يرتبط بإرادة الناس وأدائهم العملي
النقطة المقابلة للثورة، هي الرجعية. العديد من الثورات في العالم ابتُلي بالرجعية. أي إنه بعد خمس سنوات، أو عشر سنوات، أو خمس عشرة سنة من بداية الثورة، بسبب عدم انتباهها، ابتُليت بالرجعية والتخلّف والعودة إلى الوراء. هذا التراجع هو نقيض الثورة. وكلاهما - أي التقدّم الثوري والتخلّف أيضًا بمعنى الرجوع إلى الوراء - يعتمد على إرادة الناس. فإذا تحرّك الناس في الاتجاه الصحيح، سيتقدمون إلى الأمام، وإذا تحركوا بشكل خاطئ، سيتراجعون إلى الوراء، وكلاهما أشير إليه في القرآن أيضًا. في سورة الرعد المباركة: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾(9)، إذ إن سياق الآيات يُظهر أن هذه الآية تعبّر عن هذا الجانب الإيجابي، أي عندما تقومون بتغييرات إيجابية في أنفسكم، الله - تعالى - أيضًا سيخلق أحداثًا إيجابية ووقائع إيجابية لكم. [المورد] الثاني في سورة الأنفال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾(10)، وهذا الجانب السلبي، جانب الرجعية والتخلّف إلى الوراء، فإذا أنعم الله على شعبٍ ما بنعمة، وهذا الشعب لم يتحرك بصورة صحيحة، ولم يعمل بنحو صحيح، سيسلب الله هذه النعمة من هؤلاء. أنتم تقرأون أيضًا، في دعاء كميل: «اللّـهُمَّ اغْفِرْ ليَ الذُّنُوبَ الَّتي تُغَيِّـرُ النِّعَمَ»(11). تغيير النعمة هذا، أي سلب النعمة، هو شيء ينبع من الإرادة. ينبغي لنا المراقبة بحذر شديد كي لا نصاب بهذه الحالة.
بناءً على هذا، وُجد هذا المعنى في هذا النظام، بعد رحيل الإمام، كانت هذه الحركة التحوّلية موجودة، غاية الأمر أنها برأينا، لم تكن بالمقدار الكافي. إننا قادرون ولأسباب ومقدّمات متعددة، على إحداث تحوّل في القطاعات الحضارية المتنوعة للبلاد والنظام. لكنْ، هناك نقاط للعرض طبعًا؛ أي إن توقعي من نفسي ومن شبابنا ومن شعبنا ومن نُخبنا، هو أن نقوم بالتفكير في إيجاد تحوّل في المجالات المختلفة التي هي موردُ حاجةٍ كذلك.

طلب التحوّل؛ الميل المستمر نحو الأحسن واجتناب الجمود
والآن، ما هي الأقسام التي يجب أن يحصل تحوّل فيها؟ هذا يحتاج إلى نقاش منفصل. سوف أشير إلى مسألة لاحقًا، ولكنْ، هناك بعض النقاط في التحوّل. إذا أردنا أن يحدث التحوّل بالمعنى الحقيقي للكلمة وبمعناه الصحيح، يجب أن ننتبه إلى هذه النقاط. هناك نقطة، وهي أن التحوّل لا يعني بالضرورة الاعتراض [الاحتجاج]، بل يعني: الميل المستمر إلى الوضع الأحسن؛ هذا هو طلب التحوّل. أي عدم الاكتفاء بما هو موجود. يمكن أن يكون هذا منشأ التحوّل. بالطبع، قد يكون المنشأ في بعض الحالات هو الاعتراض على الوضع القائم، ولكن ليست الحال هكذا دائمًا. في حالات كثيرة، يكون التغيير بمعنى أننا لا نكتفي بما لدينا، ونخطو خطوة أبعد، ونطلب مرحلة متقدمة. فليس الأمر أن نشعر دومًا بالانكسار والفشل في مكان ما؛ كلا، ففي بعض الأحيان، لا نشعر بانكسار. ماذا أريد أن أستنتج من هذا التحليل؟ أود أن أقول إنه حتى في الأماكن التي قمنا فيها بتحوّل إيجابي - لنفترض، في مجال العلم - لا ينبغي لأحد أن يقول لقد قمنا بتحوّل ولا حاجة أكثر من هذا؛ كلا، يجب أن لا نكتفي بما لدينا، ولا نقنع بالأشياء التي نملكها، بل يجب أن نطلب التحوّل أكثر ونراه ضروريًّا ونتابع باتجاهه. وهذا حتى في المجال نفسه الذي قمنا بتحوّل فيه، أو في مختلف المجالات الأخرى التي حدث فيها تحوّل. لذلك، بناءً على هذا، التحوّل يعني الرغبة في التسريع، وسرعة الحركة والنقلة النوعية في الحركة، واجتناب الجمود والتحجّر، واجتناب الإصرار على الأمور المشهورة الخطأ؛ هذه معاني التحوّل، وحيث لا يوجد حتى اعتراض أيضًا فإن هذا المعنى موجود بشكل كامل. وعليه فإن هذه نقطة مهمة.

التأسيس الفكري؛ من مستلزمات التحوّل الصحيح
النقطة الثانية هي أن التحوّل الصحيح يحتاج إلى دعامة فكرية؛ أي إنه لا يمكن اعتبار أي حركة غير مدعومة فكريًّا بأنها تحوّل. لا يمكن وضع بعض الحركات الخفيفة والسطحية بحساب التحوّل، لأن التحوّل يحتاج إلى أسس فكرية. لنفترض مثلًا أن إحدى القضايا التي يتوجب حتمًا إحداث تحوّل فيها اليوم هي قضية العدالة. في مجال العدالة، يجب أن نقوم بتحوّل، ويجب أن يقوم ذلك على أساس فكري، يحدّد ما هو فكرنا المتقن والمتبلور في مجال العدالة؛ عندها، نتحرك نحو التحوّل على أساس هذا الفكر؛ أي إن هذا الأساس الفكري هو من الأمور الضرورية المطلوبة، وهو من مواردنا المعنوية. أي إننا يجب أن نستفيد من مواردنا المعنوية في هذا المجال، وهي عبارة عن أحكام الإسلام والتعاليم الإسلامية، والآيات القرآنية الشريفة، وكلمات أهل البيت (عليهم السلام). يجب علينا الاستفادة من هذه الأسس، وإيجاد التحوّل بناءً عليها.

كل ما أنجزه الإمام في مجال التحولات، كان مستندًا الى هذه الحركة الإسلامية ومباني الإسلام المعرفية نفسها؛ لقد تحرك الإمام ضمن إطارها. إذا لم يكن هناك مثل هذا التأسيس الفكري، فإن التحوّل لدى الإنسان سيكون خطأً، ومن المحتمل أن تزل قدم الإنسان، ثم إنه لن يُثابر ويتابع. أي إنه في حالة التحوّل لن يكون سليم الخطى ثابت القدم.

يتذكر الإنسان هنا بعض الأشخاص، كان لدينا في ثورتنا هذه أشخاص ثوريون وحريصون، ولكن غاية الأمر، أُسسهم الفكرية لم تكن قوية، أُسسهم الإيمانية لم تكن متينة وصلبة، ولم تَتحلَّ بدعائم عقلانية واستدلالية قوية، فإنهم بعد مرور فترة من الزمن، أو بعد تخطّيهم سنّ الشباب على سبيل المثال، تبدّلوا إلى أولئك المتحجّرين أنفسهم الذين كانت الثورة ضدهم في الأساس! أي إن الثورة الإسلامية في الحقيقة أزاحت جانبًا عددًا من المتحجّرين المنحرفين. بعض الشباب الذين كانوا من الثوريين أمس، بعد دخولهم مراحل مختلفة من الحياة ومضي سنوات الشباب، اقتربوا بالواقع - الآن إما أن بعضهم اقترب، وإما تبدّل بالفعل - إلى شيء يشبه أولئك المتحجّرين. وكما يقول المرحوم أميري فيروزكوهي في بعض أشعاره:
(ترجمة شعر)
"شباب العمر انقضى بالعلم، والشيب بالجهل
كتاب عمري ذو فصول وأبواب، ما قبل وما بعد"12.

في الحقيقة، البعض هم هكذا.

الانقلاب الفكري والخروج عن الهوية الحقيقية، مقابل التحوّل
هناك نقطة هامة للغاية، وهي أنه ينبغي عدم الخلط والاشتباه بين التحوّل والانقلاب الفكري. قبل مدة قصيرة من حكم النظام البهلوي وبعد ذلك، وكان أوج هذه المسألة خلال حكم النظام البهلوي، دخل شيء إلى البلاد باسم "التجدّد"، وكانوا يعتبرونه تحوّلًا في حياة الشعب الإيراني؛ لم يكن هذا تحوّلًا، بل كان انقلابًا واستلابًا للشعب الإيراني، كان سلبًا لهوية الشعب الإيراني. أي إن الشعب الإيراني فقدَ هويته الدينية وهويته الوطنية وهويته التاريخية العريقة في هذا التجدّد والتحديث. التجدّد في عهد النظام البهلوي، وبواسطة رضا خان، وكذلك بدعم ممن يسمونهم "منوّري الفكر" المبهورين بالغرب والمسحورين في زمن رضا خان - الذين كانوا يدفعون به، ويقودونه، ويساعدونه ويبررون أفعاله - كان في الواقع سلبًا لهوية الشعب الإيراني، أي إن الشعب أُخرج من تلك الهوية الحقيقية؛ هذا انقلاب و«استحالة»، وليس تحوّلًا. يجب أن يكون التحوّل نحو الأمام، بينما كانت تلك حركة إلى الوراء. إذا فقدت الشعوب هويتها، وفقدت مواردها المعنوية، فإن هذا يعدّ في الواقع موتًا حضاريًّا لها؛ هذا موت حضاري، وللأسف، كان الوضع هكذا في بلدنا أيضًا. أي في الأبحاث العلمية والاجتماعية والأكاديمية، وصل بهم الأمر إلى درجة أنهم، على سبيل المثال، كانوا يرون أن كلام عالم غربي هو القول الفصل. وكانوا حين يتناقشون، حينما يقال مثلًا هكذا قال العالم الغربي الفلاني، يحسم الأمر وينتهي النقاش! وهذا يعني أن نغلق طريق التفكير. عندما يأتي التقليد، وتظهر مسألة تقليد الآخرين فلا يجرؤ المرء على تخطّي كلام عالم غربي عن مسألة ما في العلوم الإنسانية أو ما شابه، هذا يعني أنه يجب وضع التفكير جانبًا، وأن يرمى الاجتهاد جانبًا، وأن يكون الإنسان مقلّدًا، وهذا على عكس تعليم الأنبياء تمامًا: «وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ»(13)، دفائن العقول تلك، ودفائن الفكر التي أحيوها عند البشر، والتي أثاروها وأظهروها. هذه النقطة هي النقطة المقابلة لهم تمامًا، وهذه نقطة [مهمة] أيضًا.

ضرورة الصبر خلال التحوّل والحاجة إلى اليد الموجِّهة الموثوقة
هناك نقطة أخرى، هي أن التحوّل لا يحدث لزومًا دُفعةً واحدة؛ في بعض الأحيان، يحصل التحوّل تدريجيًّا؛ فينبغي تجنّب الاستعجال وقلة الصبر. إذا تم تحديد الهدف والتصويب بصورة صحيحة، وتمت الحركة بالمعنى الحقيقي، لا توجد مشكلة إذا وصلنا إلى هدف التحوّل في وقت متأخر؛ المهم في الأمر هو إكمال السير في الطريق، والقيام بالحركة، وينبغي تجنب التسرّع وقلة الصبر. ليس الأمر أن نتصور، أنه يجب حتمًا القيام بعمل ما دُفعةً واحدة. كلا، ليس الأمر كذلك.

الإشكال في هذا "التجدّد" الذي أعطتنا إياه الحكومات العميلة هو أنه لم يمتلك يدًا مُوَجِّهة مرشدة. كان هذا أحد إشكالاتها. يجب أن تكون هناك يد مرشدة موثوقة تقود هذا التحوّل التدريجي المراد تحقيقه، ويجب توجيه هذه الحركات التحوّلية بأيدٍ موثوقة وجديرة بالثقة. وإلّا، إذا لم يكن هناك هداية وتوجيه، فسيكون الوضع كالذي كان موجودًا في تلك الأيام. هذه نقطة [هامّة] أيضًا.

تجنب الأعمال السطحية والمتسرّعة
نقطة أخرى؛ هي أنه لا ينبغي الخلط والاشتباه بين التحوّل وسلسلة من الأعمال السطحية والسهلة. فبعض الأعمال السطحية التي تجري بطريقة متهورة ومتسرعة ليست تحوّلًا. في بعض الأحيان، يحدث ذلك لإخماد "غريزة" و"شهوة" القيام بفعل ما! لكن هذه الأفعال ليست ذات قيمة. التحوّل فعل بالعمق، عمل أساسي، ويجب أن يحدث. بالطبع السرعة مهمة، لكنّ السرعة تختلف عن التسرّع والعجلة. حسنًا، كانت هذه بعض النقاط حول التحوّل، ويجب أن نسعى إليها، يجب أن يسعى إليها الشعب الإيراني، خاصة شبابنا. ويجب أن تؤخذ هذه النقاط بالاعتبار.

فهرس ونماذج من حاجة المجتمع إلى التحوّل
حسنًا، في أي المجالات يجب أن يحدث التحوّل؟ قلت إن هذا الموضوع يلزمه بحث طويل آخر، نحتاج فيه إلى تحديد المجالات التي نعاني فيها من نقص، وأين نحتاج إلى إجراء تحوّل بكلّ ما للكلمة من معنى. لكن وبصورة فهرس على سبيل المثال، يمكن أن نذكر بعض النماذج وبعض الأمثلة: مثلًا، في مجال الاقتصاد؛ التحوّل هو أن نتمكن من قطع "حبل سرة" اقتصاد البلاد من النفط! يعني أن نتمكن من إنشاء "اقتصاد بدون نفط". هذا تحوّل بالمعنى الحقيقي للكلمة. أو لنفترض في مجال الموازنات الحكومية أن تقر الحكومة والبرلمان الموازنة بطريقة تناسب القضايا والمشاكل والأداء العملي، بالمعنى الحقيقي للكلمة. بتعبير آخر: «موازنة عمليّاتيّة». بالطبع، يُزعم ذلك، والحكومات غالبًا ما تدّعي أن الموازنة «عمليّاتيّة» لكنها ليست كذلك. يمكن لموازنة الدولة أن تحدث تحوّلًا بكلّ معنى الكلمة في موضوع الاقتصاد إذا تم تخصيصها بصورة صحيحة. أو لنفترض في مجال قضايا التعليم؛ في الحقيقة نحن بحاجة إلى التحوّل في مجال التعليم. التحوّل في قضايا التعليم هو أنه في التعليم الجامعي والثانوي وحتى الابتدائي، يجب اعتماد منهج عمقي وعملي وليس مجرد الحفظ؛ اطرحوا الدروس والأبحاث المتمحورة حول الفائدة (العلم النافع).

يجري في مدارسنا أو جامعاتنا إعطاء بعض الدروس التي لا تنفع المتعلم أبدًا حتى آخر عمره! لأنه لا يحصل على تخصص في هذا المجال، ومعلوماته حوله ليست مفيدة عمليًّا؛ مثل المعلومات العامة، فيتعلم شيئًا عديم الفائدة ويستهلك الكثير من وقته كذلك. أي إنه في مجال التعليم، إن أردنا إحداث تحوّل بكلّ معنى الكلمة، فالتحوّل هو أن يكون الدرس متمحورًا حول الفائدة، أن يكون عميقًا، أن يكون عمليًّا؛ وحاليًّا بعد إقرار وثيقة التحوّل البنيوي في التربية والتعليم(14) إذا تم تنفيذها عمليًّا، فستتولى قسمًا من هذا المطلوب.

أو في مجال القضايا الاجتماعية، مثل قضية إقامة العدالة، أو الحل النهائي لمشكلات مثل الإدمان؛ في الواقع هذه مشكلات اجتماعية؛ يجب علينا نحن أن نحلها؛ أو في مجال قضايا الأسرة: إننا نحتاج إلى إيجاد تحوّل بكلّ ما للكلمة من معنى. واليوم، تفيدنا الأخبار والتقارير الموثوقة أن بلدنا يسير نحو الشيخوخة بسرعة. هذا خبر رهيب للغاية، خبر سيّئ؛ من جملة تلك الأشياء التي عندما تظهر آثارها لن يكون هناك تصوّر لأي علاج لها. حسنًا، هذه القضايا يجب حلّها بواسطة التحوّل؛ يجب خلق التحوّل في هذه المجالات.

عدم الخوف من العداوة والمخالفة شرط لإيجاد التحوّل
حسنًا، هناك شرطٌ مهمٌّ لإيجاد التحوّل، هو عدم الخوف من العدو والعداوات. يقول الله تعالى لرسوله: ﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾(15)؛ يجب ألا تخاف من الناس؛ يجب ألا تخاف من كلام هذا وذاك. فأيّ فعل إيجابي، أيّ عمل مهم قد يكون له عدد من المخالفين؛ والمخالف شأنه الخلاف. اليوم، ومع ظهور الفضاء الافتراضي، غالبًا ما يكون نوع المعارضة صِداميًّا وحادًّا ومؤذيًا. إذا كانت هناك حركة مهمة وصحيحة ومتقنة ومحسوبة ستنطلق، يجب على أصحابها أن يتجاهلوا هؤلاء ولا يلتفتوا إليهم. يجب أن يتجاهلوا العدو الخارجي كذلك؛ أيّ نوع من الحركات التي تحدث في البلاد نحو الصلاح، سيقابلها جبهة واسعة للعدو، إذ إن الأعداء يجلسون ويفكّرون باستمرار في توجيه الضربات، سواءٌ في مجالات "الأقسام الصلبة" أو مجالات "البرمجیات". و"برمجیاتهم" أنهم يشكّكون في القرارات المهمة والصحيحة والمنطقية التي تُتخذ في البلاد، عبر الإعلام والدعاية الواسعة التي لديهم، فیضعفون تلك القرارات ویقضون علیها بواسطة هذه الإمبراطورية الإعلامية التي هي في أيدي الصهاينة. يجب ألا تخافوا من هؤلاء. يجب التحرك. وأعتقد أن السبيل إلى ذلك هو حضور طاقات الشباب؛ فمن لا يكترث ولا يخاف من العدو ويتحرك من دون اعتبارات ومسايرة هم الشباب. بالطبع حضور القوى الشابة على النحو الذي ذكرناه سابقًا؛ أي الاستفادة من فكر الشباب وروحيّة الشباب، ومن حالة المبادرة والشجاعة والحركة التي يقوم بها الشباب، لا بمعنى نفي حضور الذخائر [الطاقات] وذوي التجارب من غير الشباب. الشرط هو عدم الخوف.

انهيار القوى العظمى وسقوطها، بسبب التوكل على الله
لحسن الحظ، عندما تثق البلاد بالله، تكون النتيجة ما ترونه حاليًّا. قسم من جبهة العدو كان الاتحاد السوفياتي الذي صار بهذا الشكل. أحد الأقسام هو أمريكا التي تشاهدون وضعها المضطرب اليوم. ما تشاهدونه اليوم في المدن والولايات الأمريكية هو انكشاف حقائق كان يتم إخفاؤها دائمًا. هذه ليست أشياء جديدة، [بل] هي ظهور لحقائق الواقع. فعندما تصعد الحمأة والأوساخ الراكدة من قاع البركة إلى سطحها، فإنها تظهر بنفسها؛ هكذا هي الحال الآن.

أن يضع شرطيٌّ بمنتهى البرودة ركبته على عنق رجل ذي بشرة سمراء ويبقيها هكذا، ويضغط عليها إلى أن يفارق الحياة - هو يتوسل إليه، ويستغيثه، وهذا يجلس عليه ببرودة أعصاب ويضغط - وبعض رجال الشرطة الآخرون يشاهدون ذلك ولا يفعلون شيئًا.. إنه ليس شيئًا جديدًا حدث حاليًّا؛ هذه هي الطبيعة الأمريكية. هذا ما كان يفعله الأمريكيون في أنحاء العالم حتى الآن. لقد فعلوا الشيء نفسه في أفغانستان، وفعلوا هذا نفسه في العراق، وفعلوا الشيء نفسه في سوريا، وفعلوا الشيء نفسه سابقًا مع عدد من دول العالم ومع فيتنام. هذه هي أخلاق أمريكا، وهذه هي طبيعة الدولة الأمريكية. وهي تكشف عن نفسها اليوم بهذا الشكل. أن يهتف الناس الآن: «دعونا نتنفس» أو «لا أستطيع أن أتنفّس»، الذي صار اليوم شعار الشعب الأمريكي في الولايات، والمظاهرات الواسعة في مختلف المدن، في الواقع هذا هو لسان حال جميع الشعوب التي دخلت إليها أمريكا ظلمًا وفعلت بها ما فعلت.

فضيحة النظام الأمريكي وإحراج الشعب الأمريكي
على أي حال، وبتوفيق من الله ولطفه، افتُضح الأمريكيّون بتصرفاتهم. تلك إدارتهم لمسألة «كورونا» التي فضحتهم في العالم، والتي ما زالت مستمرة حتى الآن، رغم أنهم أصيبوا في وقت متأخر عن عدد من البلدان، وكان بإمكانهم الاستفادة من تجارب الآخرين، وكان بإمكانهم أخذ الاستعدادات اللازمة، فقد أدّى ضعف الإدارة في أمريكا الى أن يكون عدد ضحاياهم اليوم أعلى من ضحايا الدول الأخرى بأضعاف، وأن تكون مصائبهم كذلك أيضًا. لم يتمكنوا من أن يديروا [الأزمة] ولا يمكنهم أن يديروها بسبب تجذّر هذا الفساد الموجود في النظام الحاكم في أمريكا. هذه هي حال إدارتهم للناس، وهذه نماذج سلوكهم مع الناس، هم ثرثارون أيضًا؛ يقتلون الناس بجريمة واضحة وعلانيّة، ويفضحون أنفسهم ولا يعتذرون. وفي الوقت نفسه يثرثرون؛ يتشدّقون بحقوق الإنسان! يبدو أن الرجل ذا البشرة السمراء الذي قتل هناك لم يكن إنسانًا! وليس له حقوق؛ هكذا هو الوضع عندهم.

على أي حال، أعتقد أن الشعب الأمريكي - لقد قلت ذلك من قبل، وأقوله الآن أيضًا - يشعر بالخجل والإحراج من حكومته. يجدر بالشعب الأمريكي أن يشعر بالمهانة والحرج من هذه الدولة في أمريكا. كذلك الأشخاص - سواءٌ في بلدنا، أي الإيرانيين الموجودين داخل بلدنا، أو بعض الإيرانيين في الخارج - الذين كان عملهم الدفاع عن أمريكا وتجميلها، أعتقد أيضًا أنهم لن يستطيعوا رفع رؤوسهم بعد الآن خجلًا من هذا الوضع.

نامل أن يجعل الله تعالى أحداث العالم في مصلحة الشعب الإيراني، إن شاء الله، وأن يضاعف من اقتدار الجمهورية الإسلامية يومًا بعد يوم، وأن يحشر الروح الطاهرة للإمام العظيم ولشهدائنا الأعزاء ولشهيدنا الأخير، الشهيد [قاسم] سليماني، مع أوليائه، إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله.


1 - سورة سبأ، جزء من الآية 46.
2 - نهج البلاغة، الخطبة الأولى.
3 - الشهيد آية الله عطاء الله أشرفي أصفهاني، خامس شهداء المحراب.
4 - الشهيد آية الله السيد عبد الحسين دستغيب، ثالث شهداء المحراب.
5- المرحوم الشهيد العميد ولي الله فلّاحي الذي نُصب قائدًا للقوات المسلحة بعد بني صدر.
6- المرحوم اللواء قاسم علي ظهير نجاد الذي تولى مسؤولية قيادة الجيش عام 1979.
7- حبيب الله عسكر أولادي، من الوجوه السياسية في الثورة الاسلامية.
8- سورة الأنفال، جزء من الآية 17.
9- سورة الرعد، جزء من الآية 11.
10- سورة الأنفال، جزء من الآية 53.
11- كتاب مصباح المتهجّد، الجزء 2، صفحة 844.
12- كريم أميري فيروز كوهي، غزليات، الغزل رقم 91.
13- نهج البلاغة، الخطبة الأولى.
14- وثيقة "التحول البنيوي في التربية والتعليم في الجمهورية الإسلامية".
15- سورة الأحزاب، جزء من الآية 37.

2020-06-17