يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه جمعاً من أساتذة الجامعات والنخب العلمية والباحثين

2019

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه جمعاً من أساتذة الجامعات والنخب العلمية والباحثين

عدد الزوار: 9

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه جمعاً من أساتذة الجامعات والنخب العلمية والباحثين في اليوم الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك 1440 هـ. ق (1)_29/05/2019 م

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين،لا سيّما بقية الله في الأرضين.

أرحّب بكم كثيراً، إنّه لمجلس مغتنم حقاً، فهذا الجمع العظيم من الأساتذة والعلماء والمتخصّصين والخبراء في المجالات المختلفة ـ سواء الإخوة منهم أو الأخوات ـ لهو نعمة إلهية كبيرة للبلاد، وأنا أشكر الله أن وفّقت هذه السنة أيضاً لأكون في خدمتكم.

مكانةٌ حسّاسة تستدعي الحذر والدقّة
ثمّة مهمّة كبيرة تقع على عاتق أساتذة الجامعات وأعضاء الهيئات العلمية في الجامعات، وهي مهمّة، والحقّ يُقال، قلّما يمكن مقارنتها بمكانة أو شأن آخر من شؤون البلاد. ولو يجري التدقيق في مكانة الأستاذ الجامعي ومعلّم الطالب الجامعي والشباب فسيمكن الاقتناع بسهولة بأنّ هذه المكانة هي للحقّ والإنصاف مكانة نادرة، ولا نقول إنّها فريدة أو منقطعة النظير لكنّها نادرة حقّاً. هذه المكانة الحسّاسة تستدعي وتقتضي من الأساتذة المحترمين أنفسهم وأيضاً من الأجهزة الإدارية في التعليم العالي، أن يتحرّكوا ويعملوا ويبادروا ويتّخذوا قراراتهم بمزيد من الحذر والدقّة.

الكلمات التي ألقيت كانت جيدة جداً وقد أثيرت موضوعات متنوعة، وقد انتفعت أنا شخصياً بالمعنى الواقعي للكلمة. قد يكون الإنسان مطّلعاً على بعض الأمور ويعلم بها، لكنّ سماعها من الآخرين يلعب دوراً في الدلالة على أهميّتها وإظهار أهمّيتها للإنسان. الكثير من النقاط والآراء التي تفضّلتم بها ربّما نكون نسمعها للمرّة الأولى، ولقد استفدنا منها، فقد تحدّث الإخوة بشكل جيد، وكذلك الأختان المحترمتان اللتان تحدّثتا، فقد تحدّثتا بنحو جيّد جداً. وقد سجّلت العناوين العامّة، وسيتابع مكتبنا الموضوعات إن شاء الله كما جرت العادة، وسنقوم إن شاء الله بالأعمال التي تقع على كاهلنا، كما ستُحال الأعمال التي ينبغي إحالتها إلى الأجهزة الأخرى إلى الأجهزة المعنيّة. ما أريد التحدّث حوله، قسم منه يتعلّق بالجامعات، وإذا ما تبقى لنا من الوقت شيء فسنطرح في قسم منه نقاطاً تتعلّق بالشؤون الدولية الراهنة. لكن ما أريد التركيز عليه هو الجانب الأول.

.. بل هو تقدّمٌ حقيقي ملحوظ بكلّ ما للكلمة من معنى
حسنًا، التقدّم والتطوّر في جامعاتنا ملحوظ بالمعنى الحقيقي للكلمة، وهذا ما لا ينبغي الغفلة عنه. حين أؤكد على هذا الموضوع فالسبب يعود إلى التيار الذي انطلق لا في إيران فقط، بل في العالم، من أجل التقليل من حجم الحركة العلمية الهائلة في البلاد وتصغيرها والحطّ من قيمتها. ثمّة أعمال تجري الآن في العالم ضمن هذا السياق، فهم ينفقون الأموال ويخطّطون؛ ومثال عليه المشروع 2040 لجامعة استانفورد (2) – والمفترض أنّكم مطّلعون عليه أو ستطّلعون – حول إيران في العام 2040 والتشكيك في التطوّرات وحالات التقدّم العلمي في البلاد والأعمال الجامعيّة المهمّة في البلاد، ويوجد هنا أيضاً أشخاص يضمّون أصواتهم إلى أصواتهم، ويمرّرون لهم الكرة ليحرزوا هدفاً، هنا أيضاً تجري مثل هذه الأعمال.

إنّني أصرّ وأؤكّد بأنّ هذه الحركة المركّبة من الخبث والخيانة ليست صحيحة على الإطلاق، فقد تقدّمت الجامعة بالمعنى الحقيقي للكلمة، وحصلت أعمال وإنجازات كبيرة على هذا الصعيد في البلاد. وإذا أردنا مقارنة الجامعة الآن بها قبل الثورة فسيكون الفرق كما بين السماء والأرض. فالجامعة قبل الثورة كانت جامعة، لكنّها ضعيفة وعديمة التأثير في القضايا العالمية، ولا صيت لها في المجال العلمي على المستوى الدولي، وكانت محتاجة وتابعة للآخرين – حيث كان عليها الاستعانة بالأجانب والغربيّين في كثير من الأحيان لتقديم الخدمات التعليمية والعلمية – وهو أساساً ليس بشيء يُذكر؛ لكن حتّى الجامعة اليوم تختلف اختلافات ملحوظة عنها قبل عشرين سنة وخمس وعشرين سنة وثلاثين سنة، فقد تطوّرت الجامعة اليوم بالمعنى الحقيقي للكلمة. [وذلك] باعتراف مراكز التصنيف الدولية العالمية. فهناك عدد كبير وملحوظ من جامعاتنا يُعدّ من ضمن الجامعات البارزة في العالم. لدينا في الوقت الحاضر أربعة عشر مليون خريج جامعي في البلاد، وهو رقم عال جداً. كما أنّ خمسة في المائة بل أكثر بقليل من مجموع سكان البلاد، هم من الطلبة الجامعييّن المشتغلين بالتحصيل الجامعي، وهذا عدد كبير.

كانت جامعاتنا تابعة، باتت ترفع راية الاستقلال العلمي!
وهم الآن يشكّكون في نتاجاتنا العلمية وفي خريجينا أيضاً ولا أدري هل تصلكم هذه الأخبار والمفترض أنّكم على علم بها. مثلاً يكتب الكاتب المأجور السعودي الفلاني مقالاً حول نتاجاتنا الدفاعية المتطوّرة التي تبهر الناس العقلاء في العالم، يدّعي فيه أنّ هذه ليست بشيء فهي من صنع الآخرين وليست من صنع إيران، ليست من صنعهم! فهم لا يعرفون أصلاً [كيفيّة تصنيعها]. وهو إذ يقول هذا، وأيضاً ذاك الكاتب الأجنبي ـ الأمريكي أو الأوروبي ـ يتّهم بمساعدة الخونة من الإيرانيين، هذه الشريحة العظيمة المتعلّمة في الجامعات وهذه الجماعة العظيمة من أساتذة الجامعات اليوم بقلّة العمق وقلة التعلّم! إذا كان هؤلاء قليلي العمق فمن قام إذاً بتخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين في المائة في هذا البلد؟ ومن الذي يتابع تطوير علوم النانو في البلاد؟ ومن الذي يتقدّم في مجال الخلايا الجذعيّة في البلاد التي جرت الإشارة إليها ويسير بها قدماً؟ هذه كلّها تبهر الأنظار، حتماً، أنظار الناس العارفين المختصّين المطّلعين الفاهمين. وعليه فالجامعة بحمد الله أنجزت عملاً كبيراً، وحتّى هؤلاء الأفراد الذين يتحدّثون حول شؤون البلاد العلمية بقالب غير سياسي [علميّ]، يستبطن السياسة، يضطّرون للاعتراف في طيّات تقاريرهم بالتقدّم العلمي في البلاد. وعليه فهذه حقيقة قائمة موجودة، وينبغي علينا أن نفكّر ونعمل ونخطّط طبقاً لهذه الحقيقة.

وهذه أيضاً نقطة جديرة بالملاحظة حيث أشار أحد الأعزّاء الذين تحدّثوا إلى أن تأسيس الجامعة وهندستها في البلاد في البدايات، كانت هندسة من أجل تبعية البلاد وليس من أجل استقلال البلاد، فالجامعة تأسّست بهذا الشكل منذ البداية، بمنطق أمثال تقي زاده نفسه، وهو أن الإيراني يجب أن يكون غربياً من رأسه إلى أخمص قدميه. بهذه النظرة والرؤية تأسست الجامعة في البلاد. والآن فإنّ هذه الجامعة نفسها ترفع راية الاستقلال العلمي والتطوّر العلمي المستقل، هذه الجامعة نفسها. هذه حقيقة مهمّة جداً. حسناً، هذا فيما يتعلّق بكون الجامعة قد تطوّرت وتقدّمت من هذه الناحية بحمد الله.

وأقول بالتأكيد، إنّ هذا التقدّم الذي سجّلته الجامعة بهذا التوصيف الذي ذكرناه حدث عندما كانت هناك مضايقات وضغوط كثيرة تُمارس، بمعنى أنّ التقدم العلمي والتحصيل العلمي للشباب الجامعي في القطاعات المختلفة حصلا عندما كان هناك من يقوم بالمضايقة، أي كان هناك أفراد في داخل جامعاتنا ـ على سبيل المثال شوهد بعض الأساتذة ـ يشجّعون الطالب الجامعيّ على عدم مواصلة الدراسة هنا وعلى ترك [البلاد] والذهاب إلى الخارج. أو فيما يتعلّق بذلك الخريج والطالب الذي تابع دراسته في الخارج، حيث ذهب ودرس ورفع مستواه، وعاد الآن، وهو يرغب في البقاء في البلاد وتقديم الخدمة والمنفعة لبلاده، فقد كانت هناك مقررات وقوانين وأشخاص ومنفذون تعاملوا مع هذا الشخص تعاملاً جعله يندم على عودته. هذه الأمور التي أذكرها أعرف لها أمثلة ومصاديق. شابّ من نخبة النخبة، خريج البلد الفلانيّ المتقدم في العالم أو متعلّم في الجامعات الفلانية، عاد الآن ويتمّ التعاطي معه أحياناً بطريقة ما، أو توضع أمامه مقرّرات تجعله يندم حقّاً على عودته. ومع ذلك، ومع وجود مثل هذه العقبات سجّلت جامعاتنا هذا التقدّم بحمد الله.

.. لكنّنا لسنا في مكانتنا اللائقة
حسناً، الثناء المحقّ على الجامعة والشعور بالفخر والاعتزاز لوجود الجامعة لا يعني أنّنا قانعون بهذا المستوى من التقدّم، ولا يعني كذلك عدم وجود عيوب ونواقص ومشاكل في جامعاتنا الحالية، لا، إنّنا نثني على هذه الجامعة ونمجّدها ونمدحها ونفتخر بها، لكنّنا في الوقت نفسه نؤكّد على أنّ هذا القدر من التقدّم، لا يضع إيران والشعب الإيراني والمجتمع الإيراني في مكانته العلمية اللائقة في العالم بأي وجه من الوجوه، فنحن لا نزال متأخّرين وهذا ما قلته مراراً (3). فخلال فترة تاريخية مريرة جداً، ونتيجة لسوء سلوك الساسة والمديرين في البلاد تأخّرت بلادنا كثيراً عن ركب العلم، ونحن الآن نعوّض ذلك التأخّر. لا تزال تفصلنا مسافة كبيرة عن تلك المحطة التي يجب أن نصل إليها (وربّما أشير في تتمّة كلامي إلى نقاط سجلتها إذا تذكّرتها إن شاء الله) إنّنا لسنا في مكانتنا اللائقة في ساحة العلم. علينا في هذه «الخطوة الثانية» أن نصل إلى الذروة. قال أحد الأعزاء الآن «إنّ البلد لا يحتاج من الناحية العلمية إلى تقدّم بل إلى قفزة» وهذا صحيح، نحن بحاجة إلى قفزة وهذا حتماً ممكن تماماً فهو ليس مطلباً متعذّر التحقيق. وهو بالتأكيد محفوف بالتعب والمشقّة؛ فيه مشقّة، لكنّها حلوة، المشقّة الحلوة. هذا فيما يتعلّق بهذا المجال.

أمّا في مجال النواقص والمشكلات: نعم، فأجواؤنا الجامعية تعاني من مشكلات، سواء في مجال العلم أو في مجال الثقافة والتربية أم في نوع الإدارة. هناك مشكلات، وأنتم أنفسكم جامعيّون وقد أشار الأعزاء الذين تحدّثوا إلى هذه المشكلات وقدّموا ملاحظات صائبة، وهي ملاحظات واعية تماماً وتدلّ على نظرة للقضية عن قرب.

وقضية أخرى هي قضية نوعية الدراسة التي ينبغي أن تتطوّر حتماً، وهذا لا يتعارض مع ما قلناه من أنّ مستوانا عال من حيث النوعية العلمية، لا، ثمّة في جامعاتنا الآن شهادات لا يمكن أن تنمّ عن عمق علمي، بمعنى أنّها لا تتمتّع بقيمة علمية كبيرة، لكنّ لها قيمة رسمية وإدارية كبيرة، أي إنّ حمل هذه الشهادة له قيمته من الناحية الرسمية ومن حيث العثور على فرصة عمل وما إلى ذلك، بينما لا يوجد ولم يلاحظ العمق العلمي في هذه الشهادة.

حاولوا أن تربطوا الجامعة بالقضايا الاجتماعية
فضلاً عن المسؤوليّة التي تضّطلع بها الجامعة تجاه نفسها، تتحمّل أيضاً مسؤوليّة تجاه المجتمع. المسؤوليّة الداخليّة [تجاه نفسها] هي إنتاج العلم والتقدّم العلمي والتربية العلمية، والمسؤوليّة الخارجيّة [تجاه المجتمع] هي التأثير في المجتمع ككلّ. لا يمكن للجامعة أن تكون بعيدة ومنعزلة عن قضايا المجتمع. هذه نقطة مهمّة جداً أقولها للأساتذة المحترمين من الإخوة والأخوات: حاولوا أن تربطوا الجامعة بالقضايا الاجتماعية، وحتماً سأقول إنّ على الأجهزة والمؤسّسات المختلفة أن تطلب المساعدة والتوجيه والعمل من الجامعة، وعلى الجامعة أن تمدّ لهم يد المعونة، لكن ذلك، فيما يتعلق بالعلاقة بين المؤسّسات المختلفة والجامعة، وهذا الذي أقوله الآن يتعلّق بالعلاقة بين الناس والجامعات وقضايا المجتمع.

افترضوا مثلاً أنّنا عقدنا جلسة حول الآفات الاجتماعية. منذ سنتين أو ثلاث سنوات تعقد جلسات واجتماعات منتظمة بين الحين والآخر، أشارك فيها بنفسي، ويشارك فيها المسؤولون الأساسيون في البلاد، ويدور النقاش حول الآفات الاجتماعية مثل الإدمان والطلاق والسكن في ضواحي المدن وأمور من هذا القبيل، وتُتّخذ بشأنها قرارات معينة، وقد تمّ إنجاز أعمال جيدة وحصل تقدّم جيّد، هذه قضايا مجتمعنا. فما هو الدور الذي تلعبه الجامعة في هذه القضايا؟

على الجامعات، وخصوصاً أساتذة الجامعات، أن يكونوا على اتّصال بقضايا الناس والمجتمع، فما هو السبيل إلى ذلك؟ كيف يمكن للأساتذة أن يتواصلوا مع قضايا المجتمع؟

هذا موضوع لا ضرورة إطلاقاً لأن يأتي شخص من خارج الجامعة ويحدّده، أو أن أقول أنا شيئاً أو نقطة في هذا الخصوص، إنّما هذه مهمة الجامعة نفسها. ليجتمع الأساتذة والمجموعات والفرق العلمية والجامعية في الجامعة نفسها، ويفكّروا وينظروا كيف يجب أن يكون نوع ارتباط الأساتذة بقضايا المجتمع ومشكلات المجتمع؟ وما السبيل إلى ذلك؟ وإذا لم يحصل هذا كان الأساتذة معزولين عن المجتمع، وعندئذ لن يتحقّق هذا المطلب الذي يقول بأنّ على الجامعة أن تتمكّن من حلّ مشكلات المجتمع. يجب أن لا يعتزل الأساتذة المجتمع، كالبلاء الذي نزل بالحركة التنويريّة في بلادنا. مجتمعنا المتنوّر منذ أول تأسيسه وتكوينه سكن في الأبراج العاجيّة على حد تعبير المتنورين أنفسهم، ولم يخالط الناس ولم يواكبهم، وهذا ما يعترفون به هم أنفسهم، وما قالوه. ولقد قلت هذا قبل سنوات في الجامعة بين الطلبة الجامعيين (4) أنّه في تلك المسرحية التي كتبها ذلك الشخص (5) «آي با كلاه آي بي كلاه» هناك رجل يشاهد الأحداث من فوق الشرفة، يشاهد الأحداث والأمور لكن لا يصدر منه أي عمل أو خطوة أو مبادرة مطلقاً، هذا هو المتنوّر. هذا هو حال المتنوّر الغربي المنبثق من الغرب وهذا شأنه. شأنه شأن هذا الرجل الواقف على الشرفة في تلك المسرحية والذي لا يفعل أي شيء بل يتفرّج فحسب. إنّه يرى جيّداً ويمكنه أن يفهم الأمور ويميّزها لكنّه لا يخاطر ولا يرد الميدان، ولا يخلق لنفسه المشاكل والمتاعب، إنّما فقط يطلق كلمة بين الحين والآخر. وهذا ما شوهد في الثورة أيضاً، في الثورة الإسلامية، في هذه الحركة الشعبية العظيمة، كان الناس في الصفوف والخطوط الأمامية المتقدمة، وكان المستنورون يأتون أحياناً من الخلف بل إنّ بعضهم لم يأتِ أصلاً ولم يشارك، ولم يشاركوا إلى النهاية. يجب أن لا نفعل ما من شأنه أن يكون مصير أساتذة الجامعات والمنظومة الجامعية الكبيرة القيمة مثل هذا المصير، أي أن ينفصلوا عن الناس ولا يكترثوا لهم، ويبقوا غير مطّلعين على قضاياهم.

الأمل شرط أساسي للتقدّم..
حسناً، سجّلت عدّة نقاط لأتكلّم عنها فيما يخصّ قضايا الجامعة. إحدى النقاط هي أن الأمل شرط أساسي للتقدّم. يوجد اليوم، في داخل البلاد وخارجها، تيار يبثّ روح اليأس بدل بثّ روح الأمل، وقد أشرت في بداية كلامي إلى أنهم يجتمعون في الخارج ويتناقشون حول قضايا إيران ويستنتجون ويحلّلون بطريقة مغرضة وعلى أساس أخبار كاذبة أحياناً، أخبار مخالفة للواقع، ويقولون إنّ الحركة العلمية في إيران لا تشهد تقدّماً ولا يوجد أمل بأن تتقدّم. إنّهم يتجاهلون النجاحات بالتأكيد، وهذا ما يؤثر على الطالب الجامعي، هذا التيار الذي يبثّ اليأس يؤثر على ذهن الطالب الجامعي، وإذا يئس فلن يعمل. وإذا كان من النخبة – وقلّة من هم كذلك – وله قدراته وإمكانياته وطاقاته فسوف يهاجر ويذهب إلى الخارج ولا يعقّب ولا ينظر إلى الوراء. لكنّ الأكثرية لا تمتلك مثل هذه الإمكانيات والطاقات، لذلك تصاب باليأس وتبحث عن شهادة ذات قيمة رسمية ولو كانت من دون محتوى علمي، من أجل أن تحصل على عمل، فلا يتحقّق التقدّم العلمي. هكذا هو اليأس، إنّه يؤثر على الطالب الجامعي، وتأثيره على الأساتذة أقلّ، لكن شوهد أحياناً أنّه يؤثر على الأستاذ أيضاً. بمعنى أنّ هذه الدعايات والإعلام تصيب الأستاذ الذي يقف وسط ميدان الجامعة ويتصدّى لشؤونها باليأس من التقدّم العلمي فيها. بثّ اليأس خطر كبير جداً. وحينما يبثّ الآخرون – الأجانب - اليأس ويتحدّثون بهذا الكلام فإنّما يفعلون ذلك عن حسابات وتخطيط. لاحظوا، لقد كتبوا مقالات وصرّحوا فيها بأنّ التقدّم العلمي في إيران مبعث قلق. هذا ما كتبوه صراحة: «تقدم إيران العلمي مبعث قلق» مبعث قلق لمن؟ واضح، إنّه مبعث قلق للقوى الاستعمارية والمعتدية والسلطوية القائمة حياتها على السيطرة على الضعفاء، ولا يستطيعون رؤية بلد ما يقع في موقع حسّاس كبلدنا، يحرّر نفسه من الضعف ويوصلها إلى القوّة والقدرة؛ هؤلاء يتجاهلون النجاحات والإنجازات وحالات التقدم بسهولة وبعض الأشخاص ينسونها حقاً. إنّني أتعجّب حقّاً من الشخص أو الأستاذ الجامعي الذي يخبروننا أنّه يتكلّم في الصفّ مثلاً أو يتعاطى مع الطلّاب الجامعيّين بطريقة باعثة على اليأس، كيف يتجاهل نجاحات البلاد؟! هذا التقدّم العلمي الهائل، هذا الحراك العلمي الذي انطلق في البلاد خصوصاً في العقدين الأخيرين – في السبعة عشر أو الثمانية عشر عاماً الأخيرة، منذ بداية عقد الثمانينيات [العقد الأول من القرن الحادي والعشرين للميلاد] – ورفع سهم إيران في إنتاج العلم في العالم، ووضع القدرات العلمية أمام أنظار الجميع، ومع ذلك ترى تلك الوساوس والحيل الباعثة على اليأس تؤثر فيهم! هذا شيء يدعو إلى العجب والاستغراب.

فلتُعرّف حالات التقدم العلمي ليراها الجميع
حين أقول تقدّم علمي فهذا ليس ما ندعيه نحن – وهو بالتأكيد ما قلناه مراراً في هذه الجلسة في سنين عدّة – (6) بل هو تصريحات المراكز المقيّمة للعلم في العالم، حيث قالوا ذات مرّة إنّ سرعة حركة التقدم العلمي في إيران تفوق المعدل العالمي بثلاثة عشر ضعفاً. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية: سرعة التقدّم العلمي تعادل ثلاثة عشر ضعف المتوسط العالمي. ويلاحظ المرء المراتب العلمية العالية، حيث تحتلّ إيران في بعض المجالات مرتبة من المراتب العشر الأولى، كأن تكون المرتبة الرابعة أو الخامسة أو السادسة، وفي بعض المجالات تحتلّ المرتبة السادسة عشرة أو الخامسة عشرة مثلاً، وهذا على جانب كبير من الأهمية. إنهم لا يرون هذا ولا يلاحظون هذه النجاحات. لذا فإحدى المطالب التي نطالب بها هي: ليجري التخطيط بحيث تعرض النجاحات العلمية الهائلة التي حقّقتها الجامعات أمام مرأى العموم، لكي يراها الجميع. ولتكن هذه الجولات العلمية برنامجاً ثابتاً للأساتذة والطلبة الجامعيين في القطاعات المختلفة، فيقوموا بجولات علمية ويطّلعوا على حالات التقدّم العلمي ويشاهدوها. مثل هذه المعارض التي تُقام لعرض بضائع الصناعة الفلانيّة، فيذهب الجميع ويشاهدونها ويتعرّفون إليها، فلتُعرّف حالات التقدّم العلمي ليراها الجميع، وليعرفوا متى حصلت حالات التقدم هذه، في أيّ سنة، وخلال أي فترة زمنيّة، وذلك من أجل بثّ الأمل في النفوس. إنّني أشدّد على قضية الأمل والتفاؤل. رجائي أن يأخذ الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات من الأساتذة المحترمين المكرّمين، هذه النقطة بعين النظر في صفوف الدراسة وفي تعاطيهم مع الطلبة الجامعيين، فافعلوا ما من شأنه جعل هذا الشاب متفائلاً آملاً. العدوّ يريد بثّ اليأس، وثمّة تيار في الداخل للأسف يساعد العدوّ - وهذا شيء موجود بالتالي – فقفوا أنتم بوجه هذا التيار الخائن الخبيث وبثّوا الأمل والتفاؤل. هذه هي النقطة الأولى.

.. في مختلف قضايا البلد يجب الاستعانة بالجامعة
النقطة الثانية، تحدّثنا كثيراً عن «العلم النافع» (7) في مختلف اللقاءات الجامعية ومع الطلبة الجامعيين وأمثال ذلك. وقلنا إنّ «العلم النافع» هو العلم الذي يعالج مشكلات البلاد. بمعنى التعامل العلمي مع القضايا والمشكلات المتنوعة التي يشهدها البلد. وليست قضيتنا قضية الصناعة فقط. نعم، الصلة بين الصناعة والجامعة كانت نقطة خاصّة ومهمة شدّدنا عليها قبل فترة طويلة – وقد تحدّثت مع رئيس الجمهورية في حينها، وهذه المعاونية العلمية (8) تأسّست منذ ذلك الحين لمدّ الجسور العلمية بين الصناعة والجامعة – كان هذا أمراً يتعلّق بالصناعة لكنّه لا يقتصر على الصناعة. لدينا نقاط ضعف في قطاعات مختلفة. في الشأن الاقتصادي مثلاً لدينا أمراض مزمنة، منها على سبيل المثال «انخفاض القدرة والكفاءة الإنتاجية». من مشكلاتنا الاقتصادية انخفاض القدرة والكفاءة الإنتاجيّة للأعمال. هذه القضية لها حلّ علمي، ويجب العمل عليها علمياً، لأنّ لها حلّاً علميّاً. افترضوا مثلاً «الإسراف في استهلاك الطاقة» - حيث استهلاكنا للطاقة يفوق استهلاك العالم عدّة أضعاف – وهذه خسارة كبيرة وهائلة جداً، ولها حلّ. وهذا ما قلته بالتأكيد، في كلمة لي قبل سنوات (9) لكنّ الأمر لا يُحلّ بالكلام والنصائح مثلاً، لا، [بل]ينبغي العثور على حلّ علمي محدّد لهذه القضية. هنا وفي قضايا من هذا القبيل يجب الاستعانة بالجامعة.

أو خذوا على سبيل المثال قضية تبعيّة اقتصادنا للنفط وأنّ اقتصادنا اقتصاد نفطي، وكون الاقتصاد حكوميّاً [تابعاً للحكومة]، ومشكلات النظام الضرائبي، ومشكلات نظام التخطيط والميزانية، هذه كلّها مشكلات، وفي جميعها يبدو التواصل بين الأجهزة الحكومية والجامعة أمراً ضرورياً. افترضوا مثلاً مشاريع وخطط كسر الحظر. لسنا أول بلد في العالم يفرض عليه الحظر، فهناك الكثير من البلدان التي فرض عليها الحظر. وللحظر حلّ، وهناك خطط ومشاريع لذلك. ثمّة حلّ علمي لمواجهة الحظر. ينبغي البحث عن هذا الحلّ وإيجاده وعرضه على المسؤولين. أو الاستفادة المناسبة والمطلوبة من الحظر. الحظر محنة وله مشكلاته، لكن له أيضاً منافعه وفوائده التي تدفعنا وتحضّنا على الرجوع إلى قدراتنا الداخلية. إذاً، هذه أعمال يمكن القيام بها. أو «ازدهار الإنتاج» هذا الذي أعلنّاه شعاراً لهذا العام، فله بالتالي سبل علمية، وهذه السبل ينبغي مناقشتها ودراستها في الجامعة. ولا بدّ لذلك من إرادة قوية.

العلم النافع، يعالج احتياجات البلد ونقاط ضعفه
ينبغي فعلاً العثور على سبيل لمشاركة الأساتذة الجامعيين والباحثين والعلماء والفضلاء الجامعيين في هذه الأمور، بمعنى أنه ينبغي إيجاد آلية لكيفية مشاركتهم، وهذا بدوره من مهام الجامعة نفسها. على سبيل المثال، من الاقتراحات المطروحة في خصوص الصناعة، أن يمنح الأساتذة فرصاً بحثية في المراكز الصناعية، حيث يذهب الأستاذ الجامعي المعني إلى ذلك المركز الصناعي ويتعرف عن قرب إلى شؤون الصناعة ومشكلاتها. وقد تحدّثت قبل أسابيع (10) وقلت لتضع الأجهزة المختلفة لوائح باحتياجاتها العلمية. ومن حسن الحظ، فإنّ وزارة الصناعة قدّمت هذه اللائحة وعُرضت في الإذاعة والتلفزيون. لا بأس، وزارة الصناعة تقول أنا أواجه هذه المعضلات والمشكلات، ولديّ هذه الاحتياجات، فيجب على الجامعة أن تتدخّل، واعرضوا أنتم أيضاً ما لديكم، ولتعالج وزارة التعليم العالي هذه القضية بإدارة صحيحة ولتحدّد ما الذي يمكن للجامعة فعله في مقابل طلب وزارة الصناعة هذا، وسيكون ذلك مفيداً للصناعة وللجامعة أيضاً. على كلّ حال، هذا هو العلم النافع الذي ينفع في معالجة احتياجات البلاد ونقاط الضعف في مختلف القطاعات سواء الصناعية أو الاقتصادية أو الزراعية أو مختلف القطاعات الإدارية، عن طريق البحوث الجامعية والدراسات الجامعية. هذا هو العلم النافع والمفيد. حسناً، قلنا هذا ونقوله الآن أيضاً ونكرّره ونصرّ عليه، لكن ينبغي إلى جانب ذلك الاهتمام بالبحوث والدراسات العميقة الطويلة الأمد. هناك أعمال مهمّة ليس لها منفعة فوريّة وسريعة، ولا مكاسب قريبة لكنّها تُعدّ الطريق والمقدّمة للتقدم العلمي للبلاد. بمعنى أنّه ينبغي إتاحة هذه الفرصة للعالِم والسماح له بالتحليق عالياً في طموحاته، ويجب أن تكون له بحوثه العميقة الأساسية في القضايا العلمية فيتابعها. وعليه، هناك سياقان، فالعلم النافع الذي نتحدّث عنه ليس فقط العلم الذي له طابع نفعي عاجل، بل هذا أحد أقسامه، والسياق الآخر هو الأعمال المهمة والأساسية.

توجيه دراسي من قبل التربية والتعليم: صوب العلوم الأساسيّة
وفي هذا الخصوص أشير إلى [ضرورة] الخوض في العلوم الأساسية وهو ما ألمحت إليه سابقاً مرّة أو مرّتين في أحاديثي مع الجامعيين (11). العلوم الأساسية مهمّة للغاية، لكن لأنّها لا تستدرّ مكاسب مباشرة عاجلة وجاهزة، نجد أن الطلبة الجامعيّين قلّما يتوجّهون إليها حينما يختارون اختصاصاتهم العلمية. ينبغي العمل بحيث يزداد ويقوى توجّه الطلبة الجامعيّين نحو العلوم الأساسية. والعلوم الأساسية تحتاج إلى استثمار الحكومة – لأن الحكومات وللأسف عندما تواجه مشكلة مالية، أوّل ما تلغي ميزانيات القطاع العلمي والثقافي وما إلى ذلك. فهذه القطاعات ليس فيها أيّ متاعب لذلك تكون ميزانياتها أوّل ما يقطع ويُلغى. جاؤوني وقالوا إنّهم خفّضوا ميزانية القطاعات العلمية هذه السنة بنسبة خمسين في المائة، بمعنى أنّ خمسين في المائة من نشاطات البلاد العلمية يجب أن تتوقف – على الحكومة المساعدة، وعلى الخبراء والعلماء أيضاً أن يساعدوا، وهناك مسؤوليّة تقع على عاتق [مؤسّسة] التربية والتعليم في هذا المضمار، فيجب أن تكون هناك عمليات توجيه دراسي من قبل التربية والتعليم، فيحثّوا هذا الشاب ويوجّهوه علميّاً بحيث يتّجه صوب العلوم الأساسية وما شاكل. هذه أيضاً قضية سجلتها هنا.

علينا أن نستثمر باستمرار في العلوم الأساسية وأن تكون حركتنا حركة سبّاقة، بمعنى أن نسعى للتوجّه نحو حقائق العالم غير المكتشفة. هناك الكثير من الحقائق في العالم لم تكتشف بعد، كما أنّه قبل مائة عام لم تكن الكثير من الحقائق المكتشفة اليوم، قد اكتشفت بعد. كانت موجودة في الطبيعة لكنّها لم تكن قد اكتشفت بعد. ولا يكوننّ الأمر بحيث نتصوّر بأنّ الطاقة الكهربائية قد وُجدت وظهرت للتوّ على سبيل المثال. لقد كانت منذ بداية العالم، لكنّ أشخاصاً عقدوا الهمّة وأظهروا ذكاء واكتشفوها. لنبحث عن حقائق العالم غير المكتشفة. هذه من مهامّنا الأساسية. من مميّزات الخوض في العلوم الأساسية والعلوم البحتة أنه يقود المجتمع العلمي نحو اكتشاف حقائق غير مكتشفة، لا أن نتحرّك وندور فقط حول الحقائق المكتشفة والأعمال التي قام بها الآخرون.

نقطة أخرى تتعلّق بتقييم الجامعات ومراتبها؛
وهذا ما سبق أن تحدّثنا عنه، والمخاطب بهذا الكلام هو الأجهزة الإدارية في التعليم العالي، أي وزارة التعليم العالي ووزارة الصحة والمجلس الأعلى للثورة الثقافية والأجهزة الإدارية المتنوعة هي المخاطبة بهذا الأمر. علينا أن نقيّم جامعاتنا ـ حتماً توجد تقييمات دولية عالمية وهذا ممّا لا إشكال فيه في محلّه، بيد أن الكثير من التقييمات الدولية لا تُعنى بظروفنا وإمكانياتنا وتقاليدنا المحلية الداخلية، فهي ترسم بعض الأشياء كمزايا وامتيازات قد لا نعدّها نحن امتيازات ـ علينا نحن أنفسنا في الداخل أن نضع للجامعات درجات ورتب، ونمنحها الامتيازات ونشخّص سماتها ومزاياها – وحتماً، من هذه المزايا الجوانب الثقافية التي سوف أشير إليها لاحقاً – حتّى تتبيّن رتبتها ممّا يوجد حالة من التنافس الإيجابي بين الجامعات. فلنصنّف المراتب ولنقيّم. كأن نقول مثلاً إنّ لهذه الجامعة مرتبة عالية وقد حقّقت تقدماً جيّداً فنمنح علامات للجامعات. هذه من الأعمال التي أعتقد أنّ من الضروري القيام بها في إدارة التعليم العالي، ولها تأثيرها في رفع مستوى الجودة وخلق أجواء تنافسيّة.

وأشير إلى نقطة أخرى سجّلتها هنا وهي أن الأساتذة الثوريين والمتدينين كثيرون في الجامعات لحسن الحظ.
عدد هائل من أساتذتنا الجامعيين أساتذة مؤمنون ومعتقدون وملتزمون بالثورة في الصميم، وهم متديّنون ويرغبون أن تستمرّ حالات التقدّم الثوري على الصعد كافة. برأيي يجب على جماعة الأساتذة الثوريين هؤلاء أن يعقدوا العزم والهمّة ليخلقوا تياراً داخل الجامعات. هذا برأيي مهمّ جداً. الأجواء الجامعية، وبسبب بعض المشكلات الثقافية، ليست تلك الأجواء التي يتوقّعها النظام الإسلامي والجمهورية الإسلامية منها. بمعنى أنه كثيراً ما يحدث أن يدخل شاب بخلفيات دينية وثوريّة وأرضيّات فكرية جيّدة إلى الجامعة ويخرج منها خالياً من هذه الأرضيات أو من الكثير منها. هذه حالة موجودة وهي إرث من ماضي جامعاتنا. وكما قلت لم تكن هندسة الجامعات في بلادنا منذ البداية بحيث يتبلور فيها الاستقلال الفكري والثقافي بل كان الأمر على العكس من ذلك. وهذه الظاهرة لا تزال إلى اليوم جارية سارية في جامعاتنا إلى حدّ كبير. عليكم أنتم الأساتذة المحترمون المتدينون الثوريون أن تفعلوا ما من شأنه أن يجعل الحركة الثوريّة والفكريّة والإسلاميّة حركة شائعة في الجامعات.

وهذه العملية لا تحتاج إلى إمكانيات أمنية وشرطة وغير ذلك بالضرورة، لا، هذه العملية عملية إنسانية وإسلامية وثقافية، إنها صناعة تيار. من الطبيعي أن تكون لدى الطلبة الجامعيين أسئلتهم فهم شباب، وليجب الأساتذة الثوريون عن هذه الأسئلة. في الأسبوع الماضي (12) كان هنا حشد من الطلبة الجامعيين وتحدّث عدد منهم، فهذه هي أسئلة الطلبة الجامعيين بالتالي؛ هي أسئلة من هذا القبيل، وينبغي الإجابة عنها. والأجواء الجامعية وصفوف الدراسة هي المكان الأفضل للإجابة عنها، والشخص الأفضل والأجدر للإجابة عنها هو أنتم أساتذة الجامعات. فنوّروا أذهان الطلبة الجامعيين في مختلف المجالات.

كما ينبغي مواجهة الرجعية في الجامعات، ينبغي أيضاً مكافحة الالتقاط وكذلك مواجهة الانحراف. في الجامعات اليوم يتجرأ حتّى التيار اليساري الماركسي بأن يتكلّم. الماركسيّة التي انهارت وزالت مظاهرها الأصلية الأساسية تحت ضغوط حقائق عالم الوجود وواقعياته – ليست أمريكا هي التي قضت على الإتّحاد السوفياتي، إنّما قضى عليه عدم حقّانيّة ركائز التفكير الماركسي، وحتماً استفاد الأمريكان والغربيون من ذلك – ومع أن هذه الركائز قد انهارت وزالت لا يزال البعض يريدون إحياء الشعارات اليسارية الماركسية، وهم حتماً ليسوا جادّين كثيراً [في هذا]. أعتقد أنّ هؤلاء الذين يتكلّمون هذه الأيام حول مختلف قضايا اليسار واليسار الماركسي وما شاكل أشخاص، عندما يدقّق المرء في أعماق كلامهم يجد أنّهم اليسار الأمريكي نفسه. تماماً كأولئك الذين كان ظاهر شعاراتهم [في أثناء الثورة] يساريّاً وباطنهم أمريكيّاً غربيّاً، هؤلاء أيضاً على هذه الشاكلة نفسها. حسناً، هذه أيضاً نقطة.

النقطة الأخرى التي أريد طرحها تتعلّق بالأجواء الثقافية في الجامعات، ونموّ النشاطات الثقافية.
فهذا شيء لازم ولا يجري الاهتمام به. في بعض الجامعات لا توجد نشاطات ثقافية على الإطلاق، وهذه بدورها من النواقص. أيّها الإخوة الأعزاء أيتها الأخوات العزيزات، ليس هدف الجامعة أن تمنح الشاب المعلومات فقط بل هدفها بناء الشاب، بناء إنسان راقٍ متسلّح بسلاح العلم. وعليه فالأخلاق والتربية وأسلوب الحياة أيضاً من جملة العناصر التي ينبغي أن تمنح للشاب في الجامعة إلى جانب العلم لكي يتمّ بناء الشاب، هذا شيء ضروري. ينبغي إثراء الجامعات من الناحية الثقافية، ويجب منح الجامعات الغنى الثقافي اللازم. حتماً هذا الشيء موجود في بعض الجامعات إلى حدّ ما، وغير موجود في بعضها، وفي بعضها الآخر يوجد العكس! ينبغي تربية الشاب ليكون مؤمناً ثورياً طاهراً محبّاً لبلاده مستعداً لخدمة الناس، وإلا إذا كان الشاب لا يشعر بالمسؤولية ولا يكترث أبداً لمصير البلاد، فحتّى لو تخرّج من الجامعة بمعلومات عالية، فما ستكون فائدته للبلاد؟ هذه أيضاً نقطة. بالتأكيد هناك نقاط أخرى حول قضايا الجامعات لكن الوقت والمجال لا يسنحان لذكرها وسنتركها. [أمّا] فيما يتعلّق بـ "جامعة العلوم التطبيقيّة والتكنولوجيا" وبجامعات "إعداد المعلِّمين" فأردت أن أشير إلى بعض النقاط، وفيما يتعلّق بالبحوث المتعدّدة الحقول حيث قال أحد الإخوة «إنّ الاستفادة من هذه العلوم وتعاون هذه العلوم المختلفة فيما بينها يمكن أن يكون مثمراً ومفيداً» فهو كلام صحيح تماماً. فالأبحاث والعلوم المتعدّدة الحقول قد ازدهرت في العالم اليوم، والعلماء في مختلف الحقول والميادين العلميّة يعقدون الجلسات ويجتمعون فيما بينهم، ويحقّقون إنجازات كبيرة.

لا نتفاوض مع أحد حول قدراتنا العسكرية!
أما الموضوع الذي أريد التطرّق إليه حول القضايا السياسية والسياسات الدولية فهو نقطة واحدة، ولن أطيل الكلام كثيراً في هذا الخصوص. وهو الحديث الدائر حول ضجيج «المفاوضات» والذي يتحدّث عنه الأجانب دائماً، وتكتب عنه الصحف، ويتحدّث عنه الإعلاميون. القصد من المفاوضات التي يتحدثون عنها ويقولون «يجب على إيران أن تعود إلى طاولة المفاوضات» ليس مطلق المفاوضات بل المفاوضات مع الحكومة الأمريكية بخاصة، وإلّا فنحن نتفاوض الآن مع البلدان الأخرى ـ مع البلدان الأوروبية وغيرها ـ وليست لدينا مشكلة في ذلك. نعم، عندما نتفاوض مع الأوروبيين والآخرين فالأمر يكون مرتبطاً بتحديد موضوع المفاوضات، فنحن لا نتفاوض على أيّ موضوع. لا نتفاوض حول قضايا تتعلّق بشرف الثورة وعزّتها، ولأعبر بهذا التعبير حتى يكون الأمر أوضح. لا نتفاوض مع أحد حول قدراتنا العسكرية، لأن المفاوضات معناها المعاملة والمساومة، بمعنى أن يقولوا مثلاً «تنازل أنت وتخلَّ عن هذه القدرة الدفاعية التي تجعلك مقتدراً وقادراً على الدفاع». وهذا شيء لا يمكن التفاوض حوله. المفاوضات حول مثل هذه الأمور كلمتان وينتهي الأمر: «هو يقول نحن نريد هذا ونحن نقول لا نوافق» فلا تتقدّم المفاوضات ولا تحصل المعاملة. مثل قصة الخطوبة تلك حيث سأل سائل: إلى أين وصلت قضية زواجك؟ فأجاب: لقد أنجزنا كلّ شيء ولم يبقَ سوى كلمتين، والكلمتان هما أنّنا نقول نريد ابنتكم وهم يقولون أنت مشتبه! (13). فيما يتعلّق بالقضايا الأساسية ينتهي الأمر بكلمتين أي إنّها قضايا لا يمكن التفاوض حولها ـ التفاوض بمعنى المساومة والصفقة، ولأنّ المفاوضات تعني الصفقة فهي ليست مجرد اجتماع وحوار وجلسة ـ إذاً، فمرادهم من المفاوضات التي يكرّرون الحديث عنها والدعوة إليها ويقولون يجب أن تأتي إيران إلى طاولة المفاوضات – وهذا ما يقوله الأمريكان أنفسهم ويقوله الآخرون أيضاً –هو التفاوض مع أمريكا. وفيما يخصّ التفاوض مع أمريكا قلنا مراراً (14) إنّنا لا نتفاوض. ما السبب؟ السبب أيضاً ذكرته مراراً في كلماتي: أوّلاً لا توجد في المفاوضات مع أمريكا أيّ فائدة لنا، وثانياً فيها ضرر لنا. أي إنّها شيء عديم الفائدة ومضرّ. هذا ما شرحناه.

هذا هو السبيل الوحيد: استعمال أدوات الضغط في وجه أمريكا
وأشير هنا إلى نقطة أخرى. عندما يستهدف الأمريكان شيئاً مع حكومة ما أو بلد ما، يحاولون الوصول إلى هدفهم بالتعسّف والضغط. فالضغط هنا بالنسبة إليهم استراتيجية، لكن إلى جانب هذه الاستراتيجية لديهم أيضاً تكتيك وهو المفاوضات. يضغطون من أجل إتعاب الطرف المقابل وحينما يشعرون بأنّه التعب قد نال منه وأنّه ربّما يوافق الآن يقولون: لا بأس تعالوا نتفاوض. هذه المفاوضات استكمال لذلك الضغط. هذه المفاوضات من أجل قطف ثمار تلك الضغوط والحصول عليها فوراً وتكريسها. هذا هو هدف المفاوضات. إنّهم يمارسون الضغوط وحينما يتعب الطرف المقابل ويشعر، حقّاً، بأنّه لا مفرّ أمامه يقولون: جيد تعالوا الآن نتفاوض، فيجلسون خلف طاولة المفاوضات ويكرّسون الشيء الذي مهّدوا له الأرضية بالضغوط ويحصلون عليه فوراً. هذه هي المفاوضات مع أمريكا. المفاوضات ليست استراتيجية عندهم، استراتيجيّتهم هي الضغوط والمفاوضات تابعة وتتمّة للضغوط.

سبيل مواجهة هذه الحيلة شيء واحد لا أكثر، وهو أنّ الطرف المقابل إذا كانت لديه أدوات ضغط فيجب عليه أن يستخدمها. هذا هو السبيل فقط. إذا استخدم أدوات الضغط تلك فسوف يستطيع إيقاف الطرف الأول؛ سيمكنه إمّا تقليل الضغط أو إيقافه إذا استخدم أدواته. أما إذا انخدع بخدعة الدعوة إلى التفاوض وقال في نفسه «طالما يقول هذا تعال نتفاوض، إذاً فلست بحاجة لاستخدام أدوات الضغط التي أمتلكها، وما الداعي لذلك؟ فلنتفاوض». إذا انخدع بهذا وانزلق وذهب [إلى التفاوض] فمعنى ذلك الخسارة المحتّمة.

هذا هو السبيل الوحيد. نحن نمتلك أدوات الضغط مقابل ضغوط أمريكا. وأدوات الضغط هذه خلافاً لما يريدون الترويج له وقوله، ليست أدوات عسكرية وما إلى ذلك. وإذا اقتضت الضرورة فتلك أيضاً موجودة، لكن ما نقصده ليست هذه الأمور ولا هذه الأدوات، لا، لدينا أدوات ضغط. الفعل الأخير الذي قام به المجلس الأعلى للأمن القومي وأُعلن عنه، هو أحد أدوات الضغط. حيث قال طالما أنتم تتعاملون بهذا النحو، والأوروبيون لا يعملون بواجباتهم فلن نلتزم نحن أيضاً بتعهداتنا في هذا الجزء وفي هذا الإطار، أي سنخرج نحن أيضاً من التزاماتنا. كان [هذا] عملاً صحيحاً، والخطوة كانت خطوة صائبة. هذه إحدى السبل. إذا لم تستخدموا أدوات ضغطكم فسوف يرتاح باله ولن يستعجل، وسيماطل في الأمر لأنّه يعلم أنّ ضرراً لن يصيبه. أمّا إذا استطعتم استخدام أدوات ضغطكم، عندها سيفكّر بفعل شيء.

الكلّ متفق على عدم صوابية التفاوض الآن
إنّ قدراتنا العلمية والتقنية في المجال النووي عالية، ولا نسعى لامتلاك سلاح نووي على الإطلاق، لا من أجل أمريكا، ولا بسبب الحظر، بل بدافع المبادئ. مبادئنا الفكرية لا تجيز تصنيع أسلحة الدمار الشامل من قبيل الأسلحة النووية والكيمياوية وما إلى ذلك، فهي حرام شرعاً. وقد قال لنا البعض: اطلبوا منهم لينتجوا [السلاح النووي] لكن لا يستخدموه، لا، هذه أيضاً عملية خاطئة، لأنّنا إذا أنتجنا فمعنى ذلك أن نتحمّل إنفاقات وتكاليف باهظة من دون أن ننتفع منها أي انتفاع، وحينما يعلم الطرف المقابل أنّنا لا نعتزم استخدامها، فهذا سيكون كعدم امتلاكها تماماً، لا فرق بين الأمرين أبداً. وعليه، فالإنتاج في حال عدم عزمنا على الاستخدام لا يُعدّ شيئاً منطقياً وعقلائياً على الإطلاق. إذاً، نحن نعارض هذه القضية بنحو مبدئي، وهذه من مبادئنا الفقهية والدينية والشرعية. لا نسعى إلى امتلاك السلاح، لكنّنا نحتاج إلى التخصيب النووي. قد لا تكون هذه الحاجة ملموسة كثيراً في الوقت الحاضر لكنّها ستكون كذلك يقيناً بعد عشرة أعوام. إذا لم نستعدّ اليوم ونرفع من قدرات البلاد في هذا المضمار فعلينا بعد عشرة أعوام أن نبدأ من الصفر. هذا هو منطقنا. وعليه فنحن قادرون على الاستفادة من هذه القدرات وتعزيزها، هذه من أدوات ضغطنا التي توقف الطرف المقابل. وعليه، فهذا الكلام الذي يُطرح ويقول فلنتفاوض الآن ليس صائباً.

ومن حسن الحظّ الآن، أنّ مسؤولي البلاد جميعاً متفّقون على هذا الأمر، أي إنّ المسؤولين التنفيذيين، والمسؤولين الدبلوماسيين، والمسؤولين التنفيذيين السياسيين في البلاد متفقون كلّهم على عدم صوابيّة التفاوض مع الأمريكان. ليس فقط مع هذه الحكومة الأمريكية خاصّة، لا، فسلوك الحكومة الأمريكية السابقة أيضاً – حكومة أوباما – لا يختلف اختلافاً جوهرياً أساسياً عن سلوك هذه الحكومة، الظواهر كانت تختلف أما الباطن فواحد. إذاً، الكلّ متّفقون اليوم على هذا الأمر. ليعلموا هذا، وهو أنّنا بلا شك لن ننخدع بحيل الأمريكيين في هذا المجال. قرار المجلس الأعلى للأمن القومي هو هذا حالياً، ثمّ، بعد ذلك سنفعل كلّ ما تقتضيه المصلحة والضرورة؛ أي إنّ التوقف عند هذا الحدّ دائماً لا معنى له، إنّما هذا هو الوضع الراهن، وإذا اقتضت الضرورة ولزم الأمر، فيمكن في المرحلة اللاحقة استخدام أدوات ضغط أخرى.

بالنسبة إلى يوم القدس فهو يكتسب هذا العام أهمّيّة أكثر من كلّ الأعوام الماضية.
حتماً القضيّة الفلسطينيّة قضيّة أساسية ولا تختصّ بالحكومات والبلدان الإسلامية. القضية الفلسطينيّة قضية إنسانية، فالضمائر الإنسانية تضطر لإبداء ردود الفعل حيال ما نزل بالشعب الفلسطيني، وهي ليست قضية إسلامية محضة، بالتأكيد، لهذه القضيّة أهمية وأولوية أكبر عند المسلمين، وما عدا طابعها الإنساني لها جوانبها الشرعية والدينية أيضاً، إلّا أنّ القضية قضية إنسانية. وعليه، فمظاهرات يوم القدس التي هي دفاع عن فلسطين عبر مشاركة الشعب، والتي لطالما كانت مهمة، هي في هذا العام أكثر أهميّة، بسبب هذه الأعمال الخيانية التي يقوم بها بعض أذناب أمريكا في المنطقة بغية تكريس «صفقة القرن» (15) التي لن تتكرّس حتماً ولن تتحقّق أبداً، وسوف تهزم أمريكا وأذنابها في هذه القضية أيضاً بكلّ تأكيد. فرقهم عن الماضي أنّهم الآن يقولون بصراحة إنّنا نريد القضاء على القضية الفلسطينية ومحوها من لائحة القضايا المطروحة في العالم، وهم بالتأكيد لن يستطيعوا فعل هذا وسوف يخفقون.

اللّهم بمحمّد وآل محمد اجعل ما قلناه وما ننويه وما نقوم به كلّه لك وفي سبيلك. اللّهم قرّب جامعاتنا يوماً بعد يوم من الجامعات الإسلامية، اشمل بلطفك ورحمتك أساتذة الجامعات ومديريها والطلبة الجامعيّين وكلّ العاملين فيها.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

1 ـ في بداية هذا اللقاء ألقى عدد من الحاضرين كلماتهم.
2 ـ قيل إنّ الهدف من هذا المشروع إجراء بحوث في الموضوعات الاقتصادية والتقنية المرتبطة بالتنمية المستدامة الطويلة الأمد، ودراسة نتائجها المحتملة وتقييمها على الصعيد العالمي.
3 ـ من ذلك كلمة الإمام الخامنئي في لقائه حشداً من الطلبة الجامعيين وممثّلي التشكيلاتّ الطلابية الجامعية بتاريخ 07/06/2017 م .
4 ـ كلمته في حشد الطلبة الجامعيّين بجامعة طهران بتاريخ 12/05/1998 م .
5 ـ غلام حسين ساعدي.
6 ـ من ذلك كلمته في لقائه الطلبة الجامعيين والمواهب العلمية المتفوّقة ورؤساء الشركات العلمية المحور بتاريخ 19/10/2016 م .
7 ـ من ذلك كلمته في لقائه بأساتذة الجامعات بتاريخ 24/08/2011 م .
8 ـ معاونية رئاسة الجمهورية للشؤون العلمية والتقنية التي تأسست في الحكومة التاسعة.
9 ـ من ذلك كلمته في حشود زوار المرقد الرضوي الطاهر بتاريخ 21/03/2011 م .
10 ـ كلمته في لقائه القادة والمسؤولين في البلاد بتاريخ 14/05/2019 م .
11 ـ من ذلك كلمته في لقائه جمعاً من الأساتذة والباحثين الجامعيين بتاريخ 10/06/2018 م .
12 ـ لقاؤه بالطلبة الجامعيّين وممثّلي التشكيلات الطلابية الجامعية بتاريخ 22/05/2019 م .
13 ـ ضحك الإمام الخامنئي والحضور.
14 ـ من ذلك كلمته في لقائه القادة والمسؤولين في البلاد بتاريخ 14/05/2019 م .
15 ـ مشروع قدّمته الولايات المتحدة الأمريكية ضمن سياق عمليّة السلام بين فلسطين وإسرائيل بحيث يتمّ تقديم امتيازات كثيرة لإسرائيل مقابل الموافقة على تأسيس دولة فلسطينيّة مستقلّة تضمّ نصف الضفّة الغربية وقطاع غزة وعدّة أحياء من القدس الشرقية.

2019-06-03