يتم التحميل...

الخِلاف لا يمنَع مِن الإنصَاف

تعرّف على الشيعة

لقد اثبتت التجارب أن الأنظمة والقوانين لا يمكن أن تعيش إذا لم تستمد قوتها من إِيمان ديني أو فلسفي، وأن أي نظام لا يستقبله الشعب بالرضا والقبول لا يلبث أن يزول، وإن دعمته قوة النار والحديد. وهذه حقيقة اعترفت بها حتى الفاشية والشيوعية لأنها بديهة لا تقبل الشك والريب.

عدد الزوار: 9

الخِلاف لا يمنَع مِن الإنصَاف *

لقد اثبتت التجارب أن الأنظمة والقوانين لا يمكن أن تعيش إذا لم تستمد قوتها من إِيمان ديني أو فلسفي، وأن أي نظام لا يستقبله الشعب بالرضا والقبول لا يلبث أن يزول، وإن دعمته قوة النار والحديد. وهذه حقيقة اعترفت بها حتى الفاشية والشيوعية لأنها بديهة لا تقبل الشك والريب.

وقد راعاها الإسلام وأولاها عنايته، حيث لم يفرض أحكامه على غير المسلمين، وإنما ترك أهل الأديان وما يدينون، فما هو صحيح عندهم هو نافذ في حقهم، في نظر الإسلام، فالخمر والخنزير لا يملكهما المسلم، ويصح تملكهما، وتمليكهما لغير المسلمين، ومن أحكام الإسلام جواز أنكحة غير المسلمين، وإن لم تتوافر فيها الشرائط المعتبرة في أنكحة المسلمين.

وقد اتفقت المذاهب الإسلامية على هذا الأصل، ونطقت به كتبهم، فمن كتب السنة كتاب "البدائع والصنائع" ج 2 ص 310 و311 الطبعة الأولى، وكتاب "المغني" ج 6 ص 613 و627 الطبعة الثالثة : ان أنكحة غير المسلمين لها أحكام الصحة، لأنا قد أمرنا بتركهم وما يدينون، وفي المغني ج 6 ص 306 "مجوسي تزوج ابنته، فأولدها بنتاً، ثم مات عنهما فلهما الثلثان".

ومن كتب الشيعة الإمامية كتاب "الجواهر" باب الزواج والطلاق، وكتاب "مقابس الأنوار" أول باب الزواج : إِن ما في أيدي غير المسلمين من النكاح وغيره صحيح. وإن كان فاسداً عندنا، وان كل قوم يفرقون بين النكاح والسفاح فنكاحهم جائز، لحديث "الزموهم بما الزموا به أنفسهم".

وهذا مبدأ عام من مبادئ التشريع الإسلامي لا يختص بمذهب دون مذهب. بل أن فقهاء المسلمين قد تسامحوا أكثر من ذلك، قال صاحب المغني ج 8 ص 132 "من مذهب الخوارج تكفير كثير من الصحابة، ومن بعدهم، واستحلال دمائهم وأموالهم واعتقادهم التقرب بقتلهم إلى اللّه، ومع ذلك لم يحكم الفقهاء بكفرهم لتأولهم".

وإذا كان الفقهاء يقرون ما في أيدي غير المسلمين من أنظمة وقوانين تخالف الشريعة الإسلامية، ولا يحكمون بتكفير الخوارج الذين كفروا الصحابة، واستحلوا دماء المسلمين وأموالهم، لأن عقيدتهم تبيح ذلك لهم، فكيف يسوغ لمسلم أن يكفر طائفة تؤمن باللّه ورسوله واليوم الآخر، وتستمد أصولها وفروعها من كتاب اللّه وسنة نبيه، وتقول : من قال لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه حقن ماله ودمه، كيف يكفرها مسلم، لأنها تخالف المذهب الذي ارتضاه لنفسه، أو ورثه عن آبائه، تخالف مذهبه في بعض شرائع الزواج والطلاق، أو بعض مسائل الإرث والرضاع!

ان مذهب الخوارج يخالف جميع المذاهب الإسلامية السنة والشيعة، ومع ذلك فقد عذروهم فيما اجتهدوا فيه فأخطأوا، اذن، بالاحرى أن تعذر طائفة إسلامية إذا خالفت المذاهب الأربعة في مسألة من مسائل الرضاع أو الإرث، مستندة إلى آية أو رواية.

إن الشيعة الإمامية لم يتقيدوا بمذهب من المذاهب الأربعة، وإنما اتبعوا طريقة الأصحاب والتابعين في استخراج الأحكام من الكتاب والسنة. فكل ما ادى إليه الكتاب والسنة فهو حجة عندهم، ولو خالف جميع المذاهب، لأن قول اللّه ورسوله فوق الأقوال كافة، أي أن الفقيه الإمامي يعمل بما أدى إليه نظره وفهمه لأصول الشريعة، لا بما فهمه فقهاء السنة أو الشيعة.


* - نشر في رسالة الإسلام عدد تشرين الأول سنة 953 .

2016-03-08