يتم التحميل...

الإسلام وَالوَلاء

تعرّف على الشيعة

هل يعتقد الإمامية أن الولاء ركن من أركان الإسلام، بحيث لا يكون مسلماً - عندهم - إلا إذا كان موالياً لأهل البيت عليهم السلام؟

عدد الزوار: 12

 

سؤال:
هل يعتقد الإمامية أن الولاء ركن من أركان الإسلام، بحيث لا يكون مسلماً - عندهم - إلا إذا كان موالياً لأهل البيت عليهم السلام؟

الجواب:

لقد نسب أكثر من واحد هذا القول إلى الإمامية، ولكن النسبة هذه لا تبتنى على أساس. فلقد اتفقت كلمتهم على أن كل من نطق بالشهادتين يكون حكمه حكم المسلمين، له ما لهم، وعليه ما عليهم، وبذلك صرحوا في كتب العقائد والتفسير والفقه، وعملوا به منذ أقدم العصور، فعن الإمام الرضا عن آبائه عن جده النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أُمرت أن أقاتل الناس، حتى يقولوا لا إله إلا اللّه، فإن قالوها حرم علي دماؤهم وأموالهم. وقال صاحب الجواهر ج 6 باب الإرث: "المسلمون يتوارثون، وإن اختلفوا في المذاهب والأصول والعقائد، كما هو المشهور، لعموم ما دل على التوريث بالنسب والسبب من الكتاب والسنة والإجماع لابتناء المواريث على الإسلام، دون الإيمان، وفي تلك الأدلة أن الإسلام هو ما عليه جماعة الناس من الفرق كلها، وبه حقنت الدماء، وجرت المناكح والمواريث. مضافاً إلى شهادة تتبع أحوال السلف من توريث المسلمين بعضهم من بعض في جميع الأعصار، مع الفتوى الظاهرة، والشهرة المعلومة. أما الغلاة والخوارج والنواصب، وغيرهم ممن علم منهم الإنكار لضرورة من ضرورات الدين فلا يرثون المسلمين قولاً واحداً".

بل قال صاحب "مصباح الفقيه" الآغا رضا الهمداني في الجزء الثالث من كتاب الطهارة ص 49: من أقر بالشهادتين يعامل معاملة المسلمين من جواز المخالطة والمناكحة والتوارث، حتى ولو علم نفاقه وعدم اعتقاده.

أنكر النواصب والخوارج ضرورة دينية، وهي مودة الآل التي ثبت وجوبها بصريح القرآن، والسنة المتواترة فخرجوا بذلك عن الإسلام عند الإمامية، أما الغلاة فإن اعتقدوا أن هذا الشخص بالذات هو اللّه، وأنكروا وجود خالق سواه فهم كافرون، وإن اعترفوا بوجود خالق مثله فهم مشركون، وإن اعتقدوا بأن اللّه حل أو اتحد فيه فهم منكرون لما ثبت بضرورة الدين من أن اللّه أجل وأعظم من أن يصير بشراً يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق. وبكلمة إن الغلاة والخوارج والنواصب ليسوا عند الإمامية من الإسلام في شيء، إما لأنهم يجحدون الإسلام من الأساس، كالغلاة، وإما لأنهم ينكرون ما ثبت بضرورة الدين، كالنواصب والخوارج.

لقد وقف الإمامية موقفاً وسطاً بين هؤلاء بالنسبة إلى أهل البيت، فهم لا يعادون، ولا يغالون، بل يوالون ويودون، كما أمر اللّه والرسول، وكما قال امير المؤمنين: هلك فيّ صنفان: محب مفرط يذهب به الحب إلى غير الحق، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق، وخير الناس فيّ حالاً النمط الأوسط.

هذي عقيدة الشيعة، وهذه أقوالهم يوجبون التوارث والتزاوج، وسائر الأحكام الإسلامية بين أهل القبلة جميعاً، ولا يستثنون إلا من استثناه القرآن الكريم، والسنة النبوية، ومع ذلك نقرأ بين الحين والحين، لبعض الأقلام الجاهلة، أو المأجورة، أن الإمامية يكفرون جميع المسلمين، وأن الشيعة بعامة يغالون في أئمتهم، ويجعلونهم آلهة أو شبه آلهة.

الخوارج والنواصب:

اتفق السنة والإمامية بكلمة واحدة على أن الغلاة الذين ألهوا علياً، أو غيره ليسوا مسلمين، أما الذين نصبوا العداء لأهل البيت، ومنهم الخوارج الذين كفروا علياً فهم تماماً كالغلاة عند الإمامية، لا يجري عليهم حكم الإسلام.

وقال جمهور من علماء السنة: لا يكفر أحد من أهل القبلة، فقد جاء في كتاب "المواقف" وشرحه ج 8 ص 339 ما نصه بالحرف: "جمهور المتكلمين والفقهاء على أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة، فإن الشيخ أبا الحسن قال في أول كتاب "مقالات الإسلاميين": اختلف المسلمون بعد نبيهم في أشياء ضلل بعضهم بعضاً، وتبرأ بعضهم من بعض، فصاروا فرقاً متباينين إلا أن الإسلام يجمعهم ويعمهم. فهذا مذهبه، وعليه أكثر أصحابنا أي السنة".

وفي ص 344 رد على من قال بكفر الروافض والخوارج، لأنهم قدحوا في الصحابة، وقال بكل صراحة ووضوح إن ذلك لا يستدعي كفرهم.

ونتساءل: إذا كان هذا قول أبي الحسن الأشعري، وهو إمام السنة، ومنه يأخذون عقائدهم، وهذا حكمه على الخوارج والروافض الذين قدحوا في الصحابة، فكيف ساغ لبعض شيوخ السنة الذين يزعمون أنهم على مذهب أبي الحسن الأشعري، كيف ساغ لهم أن يكفروا الشيعة لا لشيء إلا لمجرد التهمة بأنهم يسبون الصحابة ؟!

الإيمان والولاء:

قلنا إن الإيمان بمعناه الخاص لا يتحقق بمجرد النطق بالشهادتين، بل لا بد أن يضاف إليه التصديق في القلب، والعمل بالأركان من إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت. وقد زاد الإمامية ركناً آخر على هذه الأركان، وهو الولاء لآل الرسول مستندين إلى ما رواه الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ، قال كرد علي في كتاب "خطط الشام" ج 6 ص 251 طبعة 1928: "قال أبو سعيد الخدري: أمر الناس بخمس، فعملوا بأربع، وتركوا واحدة. ولما سئل عن الأربع ؟ قال: الصلاة والزكاة وصوم رمضان والحج. قيل: فما الواحدة التي تركوها ؟ قال: ولاية علي بن أبي طالب. قيل له: وإنها المفروضة معهن ؟ قال: نعم هي مفروضة معهن".

وقال الإمام الصادق: الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس، والإيمان هو معرفة هذا الأمر. وقال: بني الإسلام على خمس: الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية. أي بعد الإقرار بالشهادتين، حيث لا يقبل أي عمل بدونه.

وبهذا يتبين أن الولاء - عند الإمامية - ركن من أركان الإيمان، لا من أركان الإسلام، فغير الموالي مسلم، ولكنه غير شيعي، وبكلمة إن الولاء عندهم من أصول المذهب، لا من أصول الدين.

وبهذه المناسبة نشير إلى أن الإمامية حين يقولون في كتب الفقه: تعطى الزكاة للمؤمن، ويصلى خلف المؤمن فإنهم يريدون به خصوص الإمامي الاثني عشري، وقد أجازوا الوقف والوصية، وإعطاء الصدقات غير الواجبة، أجازوا إعطاءها للمسلمين وغير المسلمين، الفقراء منهم والأغنياء على السواء. وقد روي عن أهل البيت جواز الصدقة على اليهودي والنصراني والمجوسي.

الأئمة الاثنا عشر:

قال الشهيد الثاني في رسالة "حقائق الإيمان": "إن التصديق بإمامة الاثني عشر إماماً أصل من أصول الإيمان عند الطائفة المحقة الإمامية، حتى أنه من ضرورات مذهبهم، دون غيرهم، فإنه عندهم من الفروع، ثم إنه لا ريب أنه يشرط التصديق بكونهم أئمة يهدون بالحق، وبوجوب الانقياد إليهم في أوامرهم ونواهيهم، إذ الغرض من الحكم بإمامتهم ذلك، فلو لم يتحقق التصديق بذلك لم يتحقق التصديق بكونهم أئمة معصومين مطهرين عن الرجس، كما دلت عليه الأدلة العقلية والنقلية، والتصديق بكونهم منصوصاً عليهم من اللّه تعالى ورسوله.

وإنه لا يصح خلو العصر عن إمام منهم، وإن خاتمتهم المهدي صاحب الزمان، وإنه حي إلى أن يأذن اللّه".

ويكتفي الشهيد الثاني أن يعتقد الشخص بإمامة من مضى من الأئمة إلى إمام زمانه، فمن كان في عهد أمير المؤمنين يكفيه الإيمان بإمامته وحده، ومن كان في زمن الحسن يكفيه الإيمان بإمامة الاثنين، وهكذا يعتقد الإنسان بإمامة من تقدم، وإن لم يعتقد بإمامة الباقين الذين وجدوا، وانتهت إليهم الإمامة بعد انقراض زمن السابق.

ثم قال: "اعلم أن من مشاهير الأحاديث بين السنة والشيعة أن من مات، ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية، ونحن بحمد اللّه نعرف إمام زماننا في كل وقت، فلم يمت أحد من الإمامية ميتة جاهلية، بخلاف غيرنا، فإنهم لو سئلوا عن إمام زمانهم لسكتوا، ولم يجدوا إلى الجواب سبيلاً.

أما قول بعضهم: إن إمامهم القرآن العزيز، فلا يلتفت إليه، لأن القرآن قد نطق بأن الإمام غيره، قال عز من قائل: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ على أنه لو سلم ذلك للزم اجتماع إمامين في زمان واحد، وهو باطل بالإجماع منا ومنهم، كما صرحوا به في كتب أصولهم. ذلك أنهم قالوا بأئمة الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي في وقت وجود القرآن فيلزم ما ذكرناه من اجتماع إمامين في وقت واحد".


1- وهكذا زعم الأمويون من قبل، روى المسعودي في مروج الذهب أن العباسيين حين فتحوا الشام، وانتزعوها من الأمويين حلف لهم أشياخ أهل الشام وأرباب النعم والرياسة أنهم ما علموا أن لرسول اللّه قرابة ولا أهل غير بني أمية، حتى ذهب الأمويون، وجاء العباسيون.
2- تاريخ الشيعة للمظفر، وأعيان الشيعة ج 11 للسيد الأمين، وتاريخ إيران لمكاريوس، وتاريخ العراق بين احتلالين للغزاوي، وأربعة قرون من تاريخ العراق للونكريك، وعقيدة الشيعة لرولندس، والأدب في العراق لبراون وغير هذه الكتب.
3- لونكريك في «أربعة قرون من تاريخ العراق» ص 21 طبعة ثانية.
4- عن كتاب تحفة العالم إن السلطان التركي حين توجه إلى النجف الأشرف، ورأى القبة العلوية من مسافة أربعة فراسخ ترجل عن فرسه، ولما سئل عن السبب قال: اهتزت أعضائي لمرأى القبة، فقيل له: إنك لا تستطيع المشي، فتفأل بالقرآنِ الكريم، فخرجت هذه الآية: «فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى»، فاضطر إلى السير على الأقدام.
5- بعد أن ننتهي من الكلام عن الصفويين ندرج فصلاً عجيباً عن هذه الآثار التي تشبه السحر والأساطير، نقلناه عن جريدة النهار البيروتية.
6- كتاب «تاريخ إيران» لمكاريوس ص 153 طبعة 1898.
7- معادن الجواهر للسيد الأمين ج 2 وتاريخ الشيعة للشيخ المظفر.

2016-03-08