يتم التحميل...

نبذةٌ عن تاريخ الفلسفة الإسلاميّة

علم الفلسفة

يُعدّ تاريخ الفلسفة في الإسلام جزءاً من تاريخ العلوم الإسلامية، سواءً في ذلك العلوم التي أبدعها المسلمون، كالفقه، والأصول، والتفسير، والحديث، والدراية، والرجال، والصرف، والنحو، والمعاني، والبديع، والبيان،

عدد الزوار: 52

نبذة تاريخية:
يُعدّ تاريخ الفلسفة في الإسلام جزءاً من تاريخ العلوم الإسلامية، سواءً في ذلك العلوم التي أبدعها المسلمون، كالفقه، والأصول، والتفسير، والحديث، والدراية، والرجال، والصرف، والنحو، والمعاني، والبديع، والبيان، أم تلك التي تُرجمت من خارج العالَم الإسلامي، ثمّ صارت جزءاً من علوم المسلمين، كالطبّ والنجوم، والحساب، والهندسة، والمنطق، والفلسفة.

الحياة الفكريّة: إنّ التعرّض للحياة العلميّة والفكريّة لدى المسلمين يضطرّرنا لدراسة الفكر الإسلاميّ منذ نزول الوحي على النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وممّا لا شكّ فيه أنّ القرآن الكريم قد تعرّض في بعض آياته لبعض المسائل العقليّة والفكريّة، وقد استعمل الاستدلالات المنطقيّة والقياسيّة، وحثّ كثيراً على التعقّل والتأمّل والتدبّر.

كما أنّنا نجد في الكلمات المأثورة عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وبالخصوص في الآثار المرويّة عن أمير المؤمنين عليه السلام ، أبحاثاً عقليّةً دقيقةً وعميقةً. وهذا يعني رسوخ التفكير العلميّ والأبحاث العقليّة في المجتمع الإسلاميّ. ومن الشواهد على هذا الجوّ العلميّ السائد آنذاك، الأبحاث الكلاميّة العقليّة والاستدلاليّة، والنقاشات الفكريّة حول الجبر والاختيار والمشيئة الإلهيّة والتفويض وكلام الله وخلق القرآن وما شابه ذلك من الأبحاث التي تعرّض لها المسلمون في بدايات العهد الإسلاميّ.

الحياة الفلسفيّة: بعد قرنين من بزوغ الإسلام ساد1 المجتمع الإسلاميّ جوٌّ خاصٌّ من الحياة العلميّة العقليّة، هي ما نعبّر عنه بالحياة الفلسفيّة، بدأت بترجمة الآثار اليونانيّة والإسكندرانيّة إلى اللغة العربيّة، وإن كان عهد الترجمة لم يدم طويلاً، حيث تعود الترجمات إلى القرون الثاني والثالث والرابع الهجريّة، وبلغت الترجمة أوجها في خصوص القرن الثالث، لكنّها انحسرت في هذا القرن حيث بدأ المسلمون بالتأليف والتصنيف والتحقيق. ويُعدُّ يعقوب بن إسحاق الكنديّ المتوفّى 260هـ2، أوّل فيلسوفٍ إسلاميّ ترك آثاراً ومؤلّفاتٍ كثيرةً.

مراحل الفلسفة الإسلاميّة:
وبعد أن اتسعت منطقة النفوذ الإسلاميّ، ودخلت في الإسلام أممٌ متنوّعةٌ، خضع كثيرٌ من المراكز العلميّة للنّفوذ الإسلاميّ، فتبادل العلماء العلم والمعلومات، والكتب والمكتبات، من شتى المعارف والعلوم واللغات، ممّا ساعد أيضاً على نموّ الثقافة، لا سيما الفلسفيّة منها.

لكن تبقى المشكلة الأساس هي فقدان اللغة المشتركة3 والاصطلاحات المتّفق عليها بين المترجمين، والمؤلّفين، والاختلاف في الأُسُس الفلسفيّة بين الشرق والغرب. وهذه المشكلة جعلت تعليم الفلسفة أمراً عسيراً، وعمليّة البحث والاختيار أمراً أشدّ عسراً. لكنّه لم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتى ظهر نوابغٌ من قبيل أبي نصر الفارابي وابن سينا، وغيرهما ممّن بذلوا جهداً جبّاراً، فتعلّموا مجموعة الأفكار الفلسفيّة في ذلك العصر، وبدأوا بالبحث والاصطفاء، بما مُنحوا من مواهب واستعداداتٍ تفتّحت في ظلّ أنوار الوحي وأحاديث قادة الدين، فصاغوا نظاماً فلسفيّاً ناضجاً يتضمّن أفكار أفلاطون، وأرسطو، والأفلاطونيّين المحدثين، وأفكاراً أخرى جديدةً هم ابتكروها، وإن كانت صبغة الفلسفة الأرسطيّة والمشائيّة هي الغالبة على فلسفتهم4.

ثمّ خضع هذا النظام الفلسفيّ للنقد مجدّداً على يد علماء آخرين أمثال: الغزالي، وأبي البركات البغدادي، والفخر الرازي. وفي المقابل أسّس السهروردي مذهباً جديداً خاصّاً عُرف باسم المذهب الإشراقيّ، مستفيداً من آثار حكماء إيران القديمة، ومقارنتها بأفكار أفلاطون والأفلاطونيّين المحدثين، وإن كانت صبغة الفلسفة الأفلاطونيّة هي الغالبة على فلسفته. وبذلك توفّرت الأرضيّة مجدّداً في الساحة الفكريّة الإسلاميّة، لصراعٍ فكريٍّ فلسفيٍّ جديدٍ بين مدرسةِ أفلاطون ومدرسةِ أرسطو المدعّمتين بالتفكير الإسلامي، ممّا ساعد على نموّ التفكير الفلسفيّ الإسلاميّ.

ومرّت عدّة قرون ظهر فيها فلاسفةٌ عظامٌ كالشيخ نصير الدين الطوسيّ، والمحقّق الدوّاني، والسيد صدر الدين الدشتكي، والشيخ البهائي، والميرداماد، فأغنوا الفلسفة الإسلاميّة بأفكارهم الخصبة والنيّرة، إلى أن انتهى الأمر إلى صدر الدين الشيرازي المعروف بالملا صدرا، أو بصدر المتألّهين، الذي جاء- نتيجة نبوغه الفريد- بنظامٍ فلسفيٍّ جديدٍ، ركّب بين جميع الفلسفات المتقدّمة عليه بشكل منسجمٍ، وأضفى عليها الغطاء القرآنيّ والروائيّ، مضيفاً أفكاراً عميقةً وآراءً قيّمةً، وسمّى فلسفته بالحكمة المتعالية.

مسائل الفلسفة:

بعد أن اطلعنا على موضوع الفلسفة وأنّه الوجود أو الموجود بشكلٍ مطلقٍ، وتعرّضنا لنبذةٍ تاريخيّةٍ مختصرةٍ حول سير الفلسفة في الأوساط الإسلاميّة، فمن المناسب جدّاً أن نطّلع على المسائل الفلسفيّة التي يدور البحث عنها في هذا العلم، ولو كإشارةٍ مع بعض التوضيحات حتى يصبح هذا العلم واضحاً عمّا يتحدّث، وحول أيّ شيءٍ يتمحور.

تدور مسائل الفلسفة حول محور الوجود أو الموجود، فهو من قبيل جسم الإنسان بالنسبة لعلم الطبّ، أو من قبيل العدد بالنسبة لعلم الحساب. وجميع مسائل الفلسفة تدور حول هذا الموضوع الذي هو الوجود. ومن الطبيعيّ جدّاً أن لا تتعرّض الفلسفة للبحث عن الموجودات الجزئيّة حيث إنّها لا حصر لها، فهي تتعرّض للبحث عن الوجود من ناحيةٍ كليّةٍ، ولكن يمكن أن نرتقي أكثر من ذلك ونوضّح طبيعة هذه المسائل عبر بيان أنواع المسائل الفلسفيّة:

1- المسائل المرتبطة بالوجود والتي تشكّل نقطةً مقابلةً له، أي الماهيّة والعدم. ففي الواقع والعالَم العينيّ لا يوجد شيءٌ سوى الوجود، ولكنّ الذهن البشريّ- القادر على خلق الصور والمفاهيم

- ينتج في مقابل الوجود مفهوم العدم، ومفهوم الماهيّة. وفي الفلسفة الإسلاميّة توجد سلسلةٌ من المسائل ترتبط بالوجود والعدم، وهناك سلسلةٌ أخرى ترتبط بالوجود والماهيّة.

2- المسائل المساوية للوجود، فهناك بعض الصفات والمسائل التي تبحث عنها الفلسفة وتريد أن تثبتها للوجود وهي عبارةٌ عن أشياء مساويةٌ لنفس الوجود، من قبيل: كلّ وجودٍ هو شيءٌ، وكلّ شيءٍ هو وجودٌ. فالشيئيّة من أحكام الوجود ومساويةٌ للوجود. ومن قبيل العينيّة والخارجيّة فهي مساويةٌ للوجود، فكلّ موجودٍ خارجيٌّ، يعني له عينيّة، وكلّ خارجيٌّ موجودٌ. ومن قبيل الأصالة فإنّها مساويةٌ للوجود، فكلّ وجودٍ أصيلٌ، وكلّ أصيلٌ وجودٌ. والوحدة مساويةٌ للوجود، فكل وجودٍ واحدٌ، وكلّ واحدٍ وجودٌ5.

3- المسائل التي تعدّ أخصّ من الوجود: وهذا النوع هو البحث عن تقسيمات الوجود. فهناك صفاتٌ ومسائلٌ غير مساويةٍ للوجود، ولكن مع ذلك لها مقابلٌ وجوديٌّ. وتكون هذه الصفات مع مقابلها مساويةً للوجود، مثلاً يقسّم الموجودٍ إلى موجود بالفعل أو موجود بالقوة، فبالفعل وبالقوّة معاً مساويان للوجود. فبعض الموجودات فعليّة بالنسبة لبعض الموجودات بالقوّة، وبعض الموجودات هي موجودات بالقوّة بالنسبة لموجودات فعليّة. فعلى سبيل المثال النطفة والإنسان، تكون النطفة بالقوّة إنساناً، ويكون الإنسانُ فعليةَ النطفة، فالنطفة بالقوّة بالنسبة للإنسان، والإنسان موجود بالفعل بالنسبة للقوّة، ومن قبيل الموجود إمّا خارجيّ أو ذهنيّ، وإمّا واحدٌ أو كثيرٌ، وإمّا واجبٌ أو ممكنٌ، وإمّا حادثٌ أو قديمٌ، وإمّا ثابتٌ أو متغيّرٌ، وهكذا.ومن الطبيعيّ جدّاً أن يكون المراد هو التقسيمات الأوليّة للوجود، أي التي يتصف بها الوجود من الناحية الكليّة، أي من حيث هو وجودٌ، فلا تتعرّض الفلسفة للتقسيمات الثانوية، كتقسيم الموجود إلى أبيضٍ أو أسود، و كبيرٍ أو صغيرٍ، و مفردٍ أو زوجٍ، وهكذا، فإنّها تقسيمات للموجود لكن بما هو جسمٌ لا بما هو موجودٌ.

4- المسائل المرتبطة بالقوانين الكليّة: الحاكمة على الوجود، من قبيل العليّة، فإن عالَم الوجود بأسره خاضعٌ لنظام العلّة والمعلول، ومن قبيل الضرورة الحاكمة على نظام العليّة، والتقدّم والتأخر والمعيّة التي هي من مراتب الوجود.

5- المسائل المرتبطة بإثبات طبقات الوجود، أو ما يعبّر عنه بعوالم الوجود، فالحكماء المسلمون يعتقدون بأنّ للوجود أربع نشآت أو أربعة عوالم كليّة وهي:

عوالِم الوجود:
أ- عالَم الطبيعة ويعبّر عنه بعالَم الناسوت، وهو عالَم المادة والحركة والزمان والمكان، أي عالم الدنيا والمحسوسات.
ب- عالَم المثال ويعبّر عنه بعالَم الملكوت، وهذا العالَم أعلى من الطبيعة، وله صورٌ وأبعادٌ لكنّه يفتقد الحركة والزمان والتغيّر.
ج- عالَم العقل ويعبّر عنه بعالَم الجبروت، وهذا العالم هو عالم العقول وعالَم المعنى المتجرّد عن الصوَر والأشباح وهو فوق عالَم الملكوت.
د- عالَم الألوهيّة ويعبّر عنه بعالَم اللاهوت، وهو عالَم الأحديّة.

ونلاحظ أنّ كلّاً من هذه العوالِم له مسائلٌ ترتبط به، ولكن بعضٌ منها يرتبط بعالَم الطبيعة مع ما فوقها، وهي المسائل التي تتعلّق بالسير النزولي للوجود من عالََم اللاهوت حتى عالَم الطبيعة، وبالسير الصعودي للوجود من عالَم الطبيعة حتى العوالم التي فوقها، خصوصاً بالنسبة للوجود الإنساني، والذي يعبّر عنه بالمَعاد، وهو البحث الذي احتلّ قسماً كبيراً من الفلسفة الإسلاميّة خصوصاً فلسفة الحكمة المتعالية لصدر المتألّهين

* علم الفلسفة, سلسلة مداخل العلوم , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1- ويعزو الباحثون في تاريخ العلوم الإسلامية هذا النموّ الثقافيّ وبالخصوص الفلسفيّ إلى أحد عاملين رئيسين: الأرضيّة التي أسّسها القرآن الكريم ورسول اللهPفي الحثّ على العلم والتعلّم ولو بسفك المهج وخوض اللجج، والحرص على طلب العلم ولو في الصين، والعامل الآخر سياسيّ بطبعه، فقد كان يشعر الخلفاء بضرورة تزيين بلاطهم بالعلماء المزوّدين بعلوم اليونان والرومان والفرس؛ وذلك لجلب النظر إليهم ولفته عن غيرهم ممّن هو أهل وأحقّ بالخلافة.
2- ابن النديم / الفهرست / تحقيق تجدد ـ رضا / طهران/ ص 257، 258.
3- لا نقصد بذلك عدم وجود لغةٍ مشتركةٍ بين الشعوب، فإنّ اللغة العربيّة كانت هي اللغة المشتركة، وكانت المرجع، فهي لغة القرآن والنبي ّوالأئمّة، وكلّ الأحاديث كانت بهذه اللغة الأمّ، ولكن نقصد بذلك لغة الاصطلاح الخاصّ ضمن العلم الواحد.
4- راجع: مصباح ـ محمد تقي/ المنهج الجديد في تعليم الفلسفة: / ترجمة: الحاقاني ـ محمد عبد المنعم/ دار التعارف للمطبوعات ط.1990/ ج1 ص 20.
5- وهذه المصطلحات تتعرّض لها الفلسفة، وتشرحها بشكلٍ دقيقٍ حتى لا يحصل أيّ التباسٍ أو تشويشٍ عند التعرّض لإثباتها أو نفيها. وإذا كان هناك نوع غموضٍ في هذه المصطلحات، فإنّ رفع هذا الغموض موكولٌ للورود في ضمن أبحاث الفلسفة. وأما توضيحها في هذه الصفحات فسوف يخرجنا عن الهدف من هذا الدرس، لأنّه مجرّد مدخلٍ إلى علم الفلسفة، لا أنّه دراسة لنفس الفلسفة ومسائلها.

2015-11-01