يتم التحميل...

أكبر الكبائر (1) - الشِّرك بالله، اليأس من روح الله، الأمن من مكر الله

مآب المذنبين

إنّ مصطلح "أكبر الكبائر" قد مرّ معنا في رواية السيد عبد العظيم الحسني (رضوان الله عليه)، حيث روى عن الإمام عليه السلام أنّ أكبر الكبائر هي إحدى وعشرون كبيرة، وهذه الرواية التي سوف نعتمدها في هذه المجموعة.

عدد الزوار: 53

إنّ مصطلح "أكبر الكبائر" قد مرّ معنا في رواية السيد عبد العظيم الحسني (رضوان الله عليه)، حيث روى عن الإمام عليه السلام أنّ أكبر الكبائر هي إحدى وعشرون كبيرة، وهذه الرواية التي سوف نعتمدها 1 في هذه المجموعة.


الشِّرك بالله تعالى:

إنَّ أعظم ما عُصي به الله تعالى منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا هو الشِّرك بالله سبحانه، حتَّى وَصف تعالى الشِّرك بأنّه ظلمٌ عظيم، قال تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ2.

والشِّرك هو أن يجعل الإنسان لله تعالى شريكاً في الذات، أو في الصفات، أو في الأفعال، أو في العبادة.
ومفهوم الشِّرك يقابله مفهوم الكفر، أي كلّ مشركٍ فهو كافرٌ، وليس كلُّ كافرٍ مشركٌ؛ لأنّ الإنسان قد يقوم بأعمالٍ أو يعتقد بأمورٍ توجب كفرَهُ دون أن يتخذ مع الله تعالى شريكاً، كمنكر ضروريات الدين، إذ ينطبق عليه عنوان الكفر دون الشِّرك.

فالشِّرك ظلم عظيم، كما قال لقمان عليه السلام لابنه وهو يعظِه: ﴿وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشِرك بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرك لَظُلْمٌ عَظيمٌ3.

وهو من أعظم المهلكات، ومن أكبر الكبائر، وقد وردت آيات كريمة وروايات شريفة تحذّر من خطورة هذا المعتقد الفاسد، الذي يمنع من قبول أيّ عمل يصدر من الإنسان، منها قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشِرك بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشِرك بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيما4، وقوله تعالى: ﴿مَنْ يُشِرك بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النّار وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَار5.

ومما روي عن رسول الله صلى الله عليه واله أنّه قال لعبد الله بن مسعود: "إيّاك أن تشِرك بالله طرفة عين، وإن نشرت بالمنشار، أو قطّعت، أو صلبت، أو حرقت بالنّار"6.


أنواع الشِّرك:

قسّم العلماء الشِّرك إلى قسمين:

  الشِّرك الأكبر: وهو صرف العبادة كلياً لغير الله، أو الاعتقاد بربوبية أو ألوهية أحدٍ غير الله. وهذا النوع مخرج من الإسلام.

  الشِّرك الأصغر: وهو إشراك غير الله تعالى بالعمل، كالصلاة والصيام من أجل الناس وعلى أعينهم، وهو ما يُصطلح عليه بالرياء، روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: "كلّ رياء شِرك، إنّه من عمل للناس كان ثوابه على الناس، ومن عمل لله كان ثوابه على الله"7.

والرّياء هو عبارة عن إظهار وإبراز شيءٍ من الأعمال الصّالحة، أو الصِّفات الحميدة، أو العقائد الحقّة الصّحيحة للناس؛ لأجل الحصول على منزلة في قلوبهم، والاشتهار بينهم بالصَّلاح، والاستقامة، والأمانة، والتديُّن، بدون نيّةٍ إلهيّةٍ صحيحةٍ وخالصةٍ.


والرِّياءُ أنواعٌ ودرجاتٌ، منها:

الأوّل: أن يُظهر العقائد الحقّة الإلهية، و أن يبعد نفسه عن العقائد الباطلة أيضاً بهدف الحصول على الجاه والمنزلة في قلوب الناس.
الثاني: أن يُظهر الخصال الحميدة، أو أن يتبرّأ ممّا يقابلها.
الثالث:" أن يأتي بالأعمال والعبادات، أو أن يترك أعمالاً محرّمةً أو مكروهة، كلّ ذلك بهدف مراءاة الناس، وجلب قلوبهم"8.

رُوي عن زيد الشّحّامِ قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنّي سمعتك تقول: نيَة المؤمن خيرٌ من عمله، فكيف تكون النيّة خيراً من العمل؟ قال: لأنّ العمل ربّما كان رياءً للمخلوقين، والنيّة خالصة لربّ العالمين، فيعطي عزّ وجلّ على النيّة ما لا يعطي على العمل"9.

وفي رواية أخرى عن الإمام الرضا عليه السلام: "ليس من رجل يعمل شيئاً من الثواب، لا يطلب به وجه الله، إنّما يطلب تزكية الناس، يشتهي أن تسمع به الناس، إلا أشرك بعبادة ربّه في ذلك العمل، فيبطله الرياء، وقد سمّاه الله تعالى الشِّرك"10.


علاج الشِّرك:

علاج الشِّرك يكمن في تقوية دواعي الإيمان في النفس، من خلال العلم، والتعلّم، والأخذ بعين الاعتبار الأسباب الكامنة وراء هذه الآفة والمسبّبة لها. ولا بد من دراسة كلّ سبب من أسباب الشِّرك، وعلاجه على حدة. فعلى الفرد المؤمن   لتجنب الوقوع في شراك الشِّرك بالله تعالى المهلكة   المسارعة والمبادرة إلى معالجة الشبهات في أوّل ظهورها؛ لأن استفحال الشبهة قد يمنع من علاجها في أغلب الأحيان.

ولكن يبقى أنّ العلاج الأنجع والأسلم هو تقوية أسس الإيمان في العقل والقلب، ﴿وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإيمانَ وَزَيَّنَهُ في‏ قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ11.


اليأس من روح الله تعالى:

مفهوم اليأس من روح الله وخطورته:

حين تضعف الإرادة، وتلين العزيمة، فإنّ النفس تنهار عند مواجهة أحداث الحياة ومشاكلها، فمن مشكلة اقتصادية ومالية، وأخرى أُسرية، وثالثة دراسية، وهكذا... فتتراكم المشاكل على الإنسان، وتحيط به من كلّ جانب، ويفشل مراراً وتكراراً في حلّها، ويواجه مواقف متعدِّدة، لا يعرف كيف يخرج منها، في هذه الحالة يُصاب البعض باليأس، الذي يكون بمثابة قيدٍ يشلّه، ويمنعه من حريّة الحركة، فيقبع في مكانه غير قادر على العمل والاجتهاد لتغيير واقعه؛ بسبب سيطرة اليأس عليه، ونظرته التشاؤمية إلى كلّ ما هو موجود وقادم، وقد تصل هذه الحالة إلى درجة سوء ظنّه بربّه، وضعف توكّله عليه، وانقطاع رجائه به، ومن تحقيق مراده، هذه الحالة نطلق عليها اسم "اليأس من روح الله" وهي من أكبر الكبائر بعد الشِّرك بالله تعالى.

اليأس في أيّ مرتبة كان، هو عنصرٌ نفسيٌ سيء، فكيف إذا وصل إلى درجة اليأس من كرم الله وعدله، فذلك يُفقد الهمم عن العمل، ويُشتت القلب، ويُورث القلق والألم النفسي، ويقتل روح الأمل. وعلى الإنسان المؤمن أن لا يسمح لليأس بأن ينال من عزيمته وقوّته، وقد قال الله تعالى: ﴿...وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُون12.

فما دام الإنسان حيّاً، وفيه عِرق ينبض، لا ينبغي له أن ييأس، بل لا بدّ من أن يراجع أسباب فشله، ويدرسها بدقّة، ويَعمد إلى علاجها، راجياً من الله تحقيق مقصوده، ووصوله إلى أهدافه. وإذا دقّقنا في الآية المتقدِّمة، نفهم منها أنّ الكفر هو منشأ اليأس من روح الله تعالى؛ فالآية تفيد بحسب منطوقها أنّ اليائس من الله كفر، وتفيد بمفهومها أنّ المؤمن لا ييأس من روح الله تعالى أبداً.


آثار اليأس من روح الله:

هناك علاقة تبادلية بين اليأس والكفر، بمعنى أنّ النتيجة العملية التي يصل إليها الكافر هي نفسها النتيجة التي يصل إليها اليأس، فالكافر يُرجع ظواهر الطبيعة إلى العلل والأسباب الماديّة المحضة، ولا يرى شيئاً وراء نظام العلّة والمعلول الماديين، بينما المؤمن يعتقد بأنّ وراء هذه العلل الظاهريّة، مسبّبٌ حقيقيٌ، هو الله تعالى، وأنّ إرادته تعالى هي الحاكمة على نظام الأسباب والمسبّبات.

فالشخص الذي يسيطر عليه اليأس، سيصل بالنتيجة إلى قطع الأسباب عن مسبِّبها الحقيقي، وهو الله تعالى، فهي   عملياً   نفس نتيجة الكفر. أمّا المؤمن فلا يسيطر عليه اليأس أصلاً؛ لأنّه يعلم علم اليقين أنّ الإرادة الإلهية فوق كلّ شيء، وأنّها المهيمنة على ذرّات الوجود، فلن يُصاب باليأس أو القنوط. إذن هناك ملازمةٌ واضحةٌ وطبيعيةٌ بين اليأس من رحمة الله وبين الكفر به، كما إنّ هناك ملازمةٌ بين الإيمان بالله، والأمل بالله، ورحمته الواسعة، وقدرته المطلقة.

لتوضيح ذلك أكثر نبيّن الفكرة على الشكل الآتي:

1. إنّ الله تعالى رتّب النظام الكوني على أساس العلل والأسباب، سواء في الأمور الماديّة أو في الأمور المعنوية، فالله تعالى في النهاية هو مسِّبب الأسباب.

2. ويمكن للبشر في لحظات الغفلة وسكرات القدرة أن يتخيلوا أنّ الأسباب تؤثّر بمفردها، أي بمعزل عن الخالق تعالى، ما يؤدّي إلى نسيان مسبِّب الأسباب الحقيقي، وحزنهم عند زوال الأسباب لاعتمادهم على الأسباب الظاهرية.

ولكن الذي يراجع الظواهر المختلفة التي حصلت مع الأنبياء عليهم السلام، وبالأخصّ مع النبيّ إبراهيم عليه السلام، تجعل الناس يطمئنون إلى أنّ السبب بمفرده لا يؤثّر بلا إرادة المسبِّب الحقيقي، وهو الله تبارك وتعالى. وذلك لكي يأملوا بكرمه، وجوده، ولطفه، والاعتماد المطلق عليه، مع وجود الأسباب، ومع عدمها.

وعليه، يُعدّ اليأس من روح الله ثاني الذنوب الكبيرة، بعد الشِّرك بالله تعالى؛ لأنّ أيّ ذنبٍ من الذنوب التي يرتكبها الإنسان يمكن أن يغفرها الله تعالى بالتوبة النصوح، ولكن اليأس يؤدّي بصاحبه إلى أمرين:
1. ألا يحتمل عفو الله تعالى؛ لأنه لا يأمل بعفوه ومغفرته حتَّى يتوب.
2. اليأس يسبِّب الجرأة على الله تعالى.


علاج اليأس من روح الله:

إنّ علاج اليأس من روح الله، يكمن في أمرين أساسيين:

الأوّل: في الأمور الدنيوية:
أن يعتقد الإنسان بأنّ حوائجه وحوائج جميع الخلق ليست بشيء أمام قدرة الله اللامتناهية، وأن يفكّر في فعل الله فيه وصنعه معه، منذ لحظة انعقاد نطفته إلى وجوده الفعلي، فهو الذي يتلطّف على الإنسان في كل لحظة من لحظات حياته العديدة.
وعليه فليس الله تعالى بعاجز عن فعل كلّ ما فيه مصلحة الإنسان وصلاحه، ولا هو بخيل فيمنع الخلق عن حاجاتهم، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

الثاني: في الأمور الأخروية:
إذا اعتقد الإنسان بأنّ العفو والمغفرة الإلهية لن تناله أبداً، فاعترته حالة اليأس، فعليه أن يعلم:

1. أنّ يأسه هو من أسوأ الذنوب وأقبحها، بل هو أخطر على الإنسان من أيّ ذنب آخر؛ لأن اليأس سوف يمنعه من طلب العفو والمغفرة من الله تعالى.
2. أنّ كلّ الذنوب يمكن غفرانها، وأنّ الله يقبل التوبة، بشرط تحقّق شروطها، والتي هي ليست بالأمر المعجز والمشكل، كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ13.

وقال عزّ اسمه: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ14.


الأمن من مكر الله تعالى:

المؤمن بالله تعالى كما أنّه لا يقنط من رحمة الله، كذلك لا يأمن مكر الله، فيسير في هذه الحياة بين خوفه من ربّه ورجائه له، فهو يجمع بين الخوف والرجاء. فإذا خاف فلا يقنط من رحمة الله تعالى، بل يرجو رحمته تعالى من غير أن يتّكل على ذلك ويتمادى في الرجاء حتَّى يأمن عقوبة الله، وهو مصرٌ على الذنوب، ولكنّه يسير بين الأمرين، فهو خائف وراجٍ في آن واحد، يخاف ذنوبه، ويعمل بطاعة ربّه، ويرجو رحمته، كما قال تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ15، وقال تعالى في آية أخرى: ﴿...إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ16.


مفهوم المكر:

إنّ الله تعالى يصف نفسه بقوله: ﴿...وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ17.

المكر في الأصل: صرف الغير عما يقصده، وهو عبارة عن التدبير الخفيّ المفضي بالممكور به إلى ما لا يحتسب. فالمكر إذا نُسب إلى الإنسان، فمعناه إقامة الحيلة، والخديعة، والوقيعة بالآخرين.

أما إذا نُسب إلى الله تعالى، فهو يعني تدبيره تعالى الذي يخفى على الناس. ويكون بصورٍ وأشكالٍ متعدِّدة، منها إيصال الجزاء والعقوبة للماكرين من حيث لا يشعرون، ومنها إحباط وإبطال الأعمال الشيطانية والمؤامرات التخريبية التي يقوم بها أعداء الدين.


الأسباب المؤدّية إلى الأمن من مكر الله:

الأسباب التي تؤدّي إلى هذه المعصية قد تكون دوافعها موجودةً عند المؤمن والفاسق، على الشكل الآتي:

1. إعراض العبد عن الدين، وغفلته عن الله تعالى وما له من الحقوق، وتهاونه بذلك، فلا يزال مُعرضاً، غافلاً، مُقصِّراً عن الواجبات، مُنهمكاً في المحرمات، حتَّى يضمحلّ خوف الله من قلبه، ولا يبقى في قلبه من الإيمان شيء؛ لأنّ الإيمان بالله يحمل على الخوف منه عزّ وجلّ، وخوف عقابه الدنيوي والأخروي، قال تعالى: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ18.

2. إذا كان العبد جاهلاً، ومعجباً بنفسه، ومغروراً بعلمه، وبقي على هذه الحالة فقد يتجرأ بعمله، ويزول الخوف عنه، ويرى أنّ له عند الله المقامات العالية، فيغدو آمناً من مكر الله، متّكلا على نفسه الضعيفة، فيُخذل ويحُال بينه وبين التوفيق.


علاج الأمن من مكر الله:

إنّ العلاج الحقيقي للأمن من مكر الله، يكمن في تعادل حالة الخوف والرجاء وتوازنهما في نفسه؛ لأنّ الأمن من مكر الله يرجع بشكل رئيس إلى حالة الإفراط في الخوف أو التفريط في الرجاء. وهي في نهاية المطاف خروجٌ عن الاعتدال، وحتَّى يصحّ العلاج لا بدّ من الاعتدال في حالتي الخوف والرجاء، كما ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام.

فالأمن من مكر الله هي الحالة المعاكسة تماماً لليأس من روح الله تعالى، وتعني استرسال العبد بالمعصية معتمداً على الرحمة الإلهيّة، وأنّ الله تعالى لن يعذّبه، بل سيرحمه ويعفو عنه، فيسترسل في المعاصي والكبائر.

عن ابن المغيرة، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: قلت له: ما كان في وصية لَقمانَ؟ قالَ: كان فيها الأعاجيب، وكان أعجب ما كان فيها أن قال لابنه: خَفِ الله عز وجل خيفة لو جئته ببرِّ الثقلين لعذّبك، وارجُ الله رجاءً لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك. ثمّ قال أبو عبد الله عليه السلام كان أبي يقول: إنّه ليس من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نوران " نور خيفة ونور رجاء، لو وزِنَ هذا لم يزد على هذا، ولو وزِنَ هذا لم يزد على هذا"19.

من هنا ينبغي على المؤمن الالتفات إلى عدّة أمور، منها:

1. أن يخاف الله ربّه المطّلع على أمره في سرّه وعلانيته خوفاً شديداً، يبعثه على طاعته، ويردعه عن جميع معاصيه، ويمنعه عن اتّباع الشهوات التي تبعده عن مرضاته، وتوجب له استحقاق غضبه ومقته.

2. أن يرجو رحمة الله وعفوه، وإن سبقت منه المعاصي وكثرت الذنوب، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "ارجُ الله رجاءً لا يجرِّئك على معاصيه، وخف الله خوفاً لا ييئسك من رحمته"20.

3. أن يكون عاملاً لما يخاف ولما يرجو، وقد قيل للإمام الصادق عليه السلام: قوم من مواليك يلمّون بالمعاصي، ويقولون نرجو، فقال عليه السلام: "كذبوا، ليسوا لنا بموال، أولئك قوم ترجّحت بهم الأماني، من رجا شيئاً عمل له، ومن خاف من شيءٍ هرب منه"21.

يقول العلامة الطباطبائي قدس سره : "إنّ البعث من القبور هو السبب والعمدة الداعي إلى الإيمان بالكتاب، واتّباعه فيما يدعو إليه، وأما الاعتقاد بيوم الحساب هو الذي يستتبع الخوف والرجاء، خوف العقاب، ورجاء الثواب الداعين إلى عبادة الله"22.

* كتاب مآب المذنبين، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1   هناك اعتبارات متعددة جعلتنا نعتمد رواية عبد العظيم الحسني، منها: كونها صحيحة السند، اشتمالها على أكبر عدد من الكبائر، وكون الرواية قد بيّنت الكبائر حسب ورودها في القرآن الكريم، مع ذكر آية لكلّ كبيرة.
2   لقمان، 13.
3  لقمان، 13.
4  النساء:48
5  المائدة:72
6   بحار الأنوار،ج 75، ص107.
7 أصول الكافي،ج،2ص3930
8  راجع الأربعون حديثاً،ص46 47
9   وسائل الشيعة، ج1، ص53.
10  فقه الرضا،ج1ص287
11  الحجرات، 7.
12   يوسف، 87.
13  الشورى:25
14  الزمر:9
15  الزمر، 9.
16  الأنبياء،90.
17  التوبة، 30.
18   الأعراف، 99.
19  أصول الكافي،ج2ص670
20  بحار الأنوار،ج67، ص384.
21   أصول الكافي،ج2، ص384.
22  راجع: الميزان في تفسير القرآن، ج 17، ص305.

2015-08-31