يتم التحميل...

دور الإمام السيّد موسى الصدر في حفظ شيعة لبنان وقوّتهم

التشيُّع والمقاومة

نسبه: الإمام السيد موسى الصدر، هو ابن السيد صدر الدين بن إسماعيل بن صدر الدين بن السيد صالح شرف الدين من جبل عامل. تعرّض السيد صالح لاضطهاد الدولة العثمانية زمن الجزّار 1143هـ، وكان يملك مزرعة اسمها (شدغيت) بالقرب من قرية معركة (قضاء صور).

عدد الزوار: 58

الإمام الصدر في سطور

نسبه: الإمام السيد موسى الصدر، هو ابن السيد صدر الدين بن إسماعيل بن صدر الدين بن السيد صالح شرف الدين من جبل عامل. تعرّض السيد صالح لاضطهاد الدولة العثمانية زمن الجزّار 1143هـ، وكان يملك مزرعة اسمها (شدغيت) بالقرب من قرية معركة (قضاء صور). استطاع السيد صالح الفرار من سجن عكّا، حيث وصل إلى النجف الأشرف، وأقام بها.
 
تمكّن أبناؤه من بلوغ درجة عالية من العلوم الدينية، وأحدهم جدّ السيّد موسى الصدر السيّد صدر الدين الذي انعقدت له المرجعية في العراق. قاد السيد صدر الدين والد السيد موسى حركة دينية تقدّمية في شبابه في العراق، ثمّ هاجر إلى إيران ليستقرّ أخيراً في قم المقدسة.

نشأته وعلومه: ولد السيد موسى الصدر في 15 نيسان 1928م في قمّ. وتلقّى علومه في مدارسها الابتدائية والثانوية، كما تلقّى دراسات دينية في الحوزة العلمية في قم المقدّسة، وتابع دراسته الجامعية في كلّية الحقوق بجامعة طهران، وحاز أيضاً على إجازة في الاقتصاد. وكان يتقن اللغتين العربية والفارسية، وألمَّ باللغتين الفرنسية والإنكليزية، وصار أستاذاً محاضراً في الفقه والمنطق في جامعة قم الدينية. انتقل إلى النجف الأشرف سنة 1954م. جُمعت محاضراته وأبحاثه في كتابين (منبر ومحراب) و(الإسلام عقيدة راسخة ومنهاج حياة).
 
قدومه إلى لبنان: قدم السيد موسى الصدر إلى لبنان أول مرة سنة 1955م، وحلَّ ضيفاً على قريبه السيد عبد الحسين شرف الدين. وبعد وفاة الأخير استدعت مدينة صور السيد موسى الصدر فلبَّى الدعوة في أواخر سنة 1959م، وأقام في مدينة صور.
 
وكان ذلك بناءً على وصية العلّامة السيد عبد الحسين شرف الدين قدس سره، إضافة إلى تشجيع زعيم الحوزة العلمية في قم للسيّد موسى الصدر على السفر، حيث كان الإمام الصدر في إيران حينها.
 
نشاطاته السياسية والاجتماعية

بدأ السيّد موسى الصدر نشاطاته بالرعاية الدينية والخدمات العامّة في مدينة صور، موسّعاً نطاق عمله بالمحاضرات والندوات والاجتماعات والزيارات، ثمّ راح يتحرّك في مختلف قرى جبل عامل، ثمّ في قرى منطقة بعلبك والهرمل، ثم تجوّل في باقي مناطق لبنان متعرّفاً إلى أحوالها ومحاضراً فيها ومنشئاً علاقات مع مختلف الطوائف وداعياً إلى نبذ التفرقة الطائفية، وداعياً إلى نبذ المشاعر العنصرية وإلى مكافحة الآفات الاجتماعية والفساد والإلحاد. أنشأ العديد من المؤسسات الاجتماعية وكان أهمها (مدرسة جبل عامل المهنية) في البرج الشمالي في صور، وأنشأ معهداً للدراسات الإسلامية.
 
سافر السيد إلى العديد من البلدان العربية والأفريقية والأوروبية، مساهماً في المؤتمرات الإسلامية، ومحاضراً ومتفقداً أحوال الجاليات اللبنانية والإسلامية.
 
تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى:
عقد العزم على تنظيم شؤون الطائفة الشيعية في لبنان أسوة ببقية الطوائف، فتوصّل إلى الحصول على مرسوم جمهوري يسمح بإنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأوّل في 19/2/1967م. وانتخب السيد موسى الصدر الرئيس الأوّل للمجلس شيعي في 23/5/1969م. وقد سعى السيد موسى الصدر بعد تولّيه رئاسة المجلس الشيعي لتنظيم شؤون الطائفة الشيعية والقيام بدور إسلامي كامل، وعمل على الوحدة بين المسلمين والتعاون والتعايش مع الطوائف الأخرى، وحفظ وحدة لبنان واستقلاله وسلامة أراضيه، وعمل جاهداً لمحاربة الفقر والجهل والتخلّف والفساد الخلقي والظلم الاجتماعي، ودعا إلى دعم المقاومة الفلسطينية والمشاركة مع الدول العربية لتحرير الأراضي المغتصبة.
 
الدور الجهادي للإمام موسى الصدر

قاد الإمام حملة المطالبة بتحصين قرى الحدود وتسليح أبناء الجنوب وتدريبهم للدفاع، ووضع قانون خدمة العلم وتنفيذ المشاريع الإنمائية في جبل عامل، وقاد حملة توعية لعدم النزوح من القرى الحدودية ومجابهة الاعتداءات الإسرائيلية.
 
قاد التحرّكات الشعبية لإنقاذ الجنوب على أثر الاعتداءات الإسرائيلية منذ أوائل العام 1970م حيث توصّل إلى الاتّفاق مع الرؤساء الروحيين للطوائف في لبنان إلى تأسيس هيئة نصرة الجنوب، واستطاع أن يتوصّل إلى إنشاء مجلس الجنوب بمرسوم جمهوري في 2/6/1970.
 
ومع تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية وتجاهل أهل الحكم بعد العام 1970م المطالب المحقّة للجنوبيين، أسّس السيد موسى الصدر عام 1974م حركة المحرومين، وَصَعَّدَ حملته من خلال المهرجانات الشعبية المتنقّلة في المناطق اللبنانية، ونجح في إرغام الحكومة على تنفيذ العديد من المطالب. لكنّ تغيّر الأوضاع السياسية في لبنان واندلاع شرارة الحرب الأهلية بعد استشهاد النائب معروف سعد وحادثة أوتوبيس عين الرمانة، اضطرّ السيد الصدر إلى إنشاء أفواج المقاومة اللبنانية أمل في 20/1/1975م.
 
موقفه من الحرب الداخلية في لبنان: بذل السيد الصدر المساعي الحميدة والجهود الحثيثة لوأد الفتنة وتهدئة الوضع، ووجّه العديد من النداءات والدعوات بوجوب المحافظة على العيش المشترك واعتماد الحوار واتّباع السُّبل والوسائل الديمقراطية لتحقيق الإصلاحات السياسية والاجتماعية، ورفض القهر الطائفي منادياً بالمحافظة على التعايش اللبناني الفلسطيني وصيانة الثورة الفلسطينية، وعمل على فكّ الحصار عن قرية القاع المسيحية في منطقة الهرمل.
 
التعايش الإسلامي المسيحي

أكّد السيد الصدر على وجوب استمرار التعايش الطائفيّ، والدعوة إلى الحوار ووقف القتال، وتبنّي مطالب تحقيق العدالة الاجتماعية، وإنصاف المحرومين، والتمسّك بالسيادة الوطنية، ورفض التقسيم ودعم القضية الفلسطنية وأعلن ورقة الحوار الوطني.
 
وبعد مجزرة السبت الأسود في 6/12/1975م أكّد أنّ ملامح تقسيم لبنان قد برزت، وحذّر من إقامة إسرائيل جديدة ومن تصفية القضية الفلسطينية والاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب، ودعا للتدريب وحمل السلاح دفاعاً عن النفوس ومنعاً للتقسيم.
 
نادى السيد الصدر بوجوب فصل الأزمة اللبنانية عن أزمة الشرق الأوسط، وبوضع اتّفاق جديد ينظّم العلاقات اللبنانية – الفلسطينية، ودعا الحكم اللبناني لاتّخاذ المواقف الحازمة ممّن يعرقلون مسيرة السلام والوفاق.
 
سعيه لإنقاذ جنوب لبنان

لم تدخل قوات الردع العربية جنوب لبنان، ولم تتمكّن السلطة اللبنانية من بسط سيادتها على المنطقة، واشتدّت محنة الجنوب، وباتت المنطقة مسرحاً لأحداث خطيرة تهدّد مصيرها، فيما راح السيد موسى الصدر يتابع مساعيه مع القيادات اللبنانية والعربية، ويرفع صوته بالخطابات والنداءات والأحاديث الصحفية محذّراً من كارثة في جنوب لبنان، ومن خطر تعريضه للاحتلال الإسرائيلي ولمؤامرات التوطين. وبعد تعرّض هذه المنطقة للاجتياح الإسرائيلي في 14/3/1978م قام السيد الصدر بجولة على ملوك ورؤساء بعض الدول العربية مطالباً بإبعاد لبنان عن الصراع العربي. وبعد زيارته لسوريا والأردن والسعودية والجزائر انتقل إلى ليبيا، بناءً على إشارة من الرئيس الجزائري بتاريخ 25/8/1978م.
 
إخفاؤه في ليبيا

سافر السيد موسى الصدر في 25/8/1978م إلى ليبيا للاجتماع بالعقيد القذافي. وقد شوهد في ليبيا آخر مرّة في ظهر يوم 31/8/1978م، وبعدها انقطعت أخباره وأخبار رفيقيه، وأثيرت ضجّة عالمية حول اختفائه، وادّعى النظام الليبي أنّه سافر ورفيقيه إلى إيطاليا، فيما أنكرت هذه الدولة وصول السيد ورفيقيه إليها. وما زالت قضية إخفاء السيد الصدر ورفيقيه مبهمة حتى بعد زوال حكم القذافي، ولم يُعرف أيّ شيء عن مصيرهم إلى الآن.


* كتاب منار الهدى، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

2014-10-16