يتم التحميل...

ضرورة الإمامة بعد النبوة الخاتمة

إضاءات إسلامية

ضرورة الإمامة بعد النبوة الخاتمة

عدد الزوار: 10


 
إن الإسلام دين الحياة الصحيحة، بمعنى أن كل تشريعاته ذات بعدين دنيوي وأخروي، يعمل على تحسين نمط الحياة، على كافة الصعد والمستويات، الفردية والاجتماعية، بمختلف أبعادها الدنيوية، كما يعمل على صقل النفس، لإيصالها إلى الفوز بالحياة الآخرة، إن التزم الناس بما تقتضيه تعاليمه.

ويمكن أن نتلمس البعد الدنيوي في الإسلام من خلال سيرة النبي (صلى الله عليه وآله)، بعد هجرته إلى المدينة المنورة، حيث أقام دعائم الدولة وأسسها، فأدار شؤون المسلمين السياسية والقضائية والاقتصادية والعسكرية، منطلقا في كل ذلك من المسجد، الذي شرع في بنائه بعدما وصل إلى المدينة مباشرة، في إشارة ذات دلالات ظاهرة على أن الدين الحنيف، الذي ينطلق إلى الحياة من المسجد، لا يترك صغيرة ولا كبيرة من  شؤون الحياة، إلا ويتصدى لها ولحل مشاكلها إن وجدت، وأن المسجد يشكل نقطة الارتكاز في كل عمل يدعو الإسلام إليه.

إن تصدي النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) لهذه المهام دليل، على أنه قد حاز منصب الإمامة، إلى جانب منصب النبوة، فإن الإمامة تعني القيادة والرئاسة، وأما النبوة فهي عبارة عن الدعوة وابلاغ الرسالة عن الله تعالى، وهو يكشف بالملازمة على أن هذا المنصب هو منصب إلهي، وليس مجرد إجراء بشري، لأن الناس مأمورون بإطاعته وإطاعة أولي الأمر، قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[1].

ولقد بلغت ولاية النبي (صلى الله عليه وآله) حدًا صار فيه أولى بالناس من أنفسهم، قال تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾[2].

وساوى تعالى بين معصية الرسول وبين الكفر، قال تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾[3].

وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلً﴾[4].

والآيات التي قرنت طاعة الله بطاعة الرسول وإنهما متلازمتان كثيرة، ولو لم يكن مقام الإمامة إليهما يجب الالتزام به والعمل بمقتضاه لكان الأمر الإلهي بوجوب إطاعته، وقرن طاعة الرسول وولي الأمر بطاعته تعالى، مفتقرا إلى الحكمة، وخاليا من المعنى، بل يشتمل على تناقض في ذاته، هذا من جهة.

من جهة أخرى، فإن تنفيذ الأحكام الإلهية، وإجراء السياسات المرضية له تعالى، وفض الخصومات بين الناس، على أساس القوانين الدينية، يحتاج إلى قوة إجرائية، تسهر على تطبيقها، ولو ترك أمر القوى الإجرائية للملوك والسلاطين، لظلت القوانين الإلهية رهينة لرغبات الحكام وأهوائهم، يتعاملون معها من خلال ما تمليه عليه مصالحهم الخاصة، وهو ما نراه في الحكومات المختلفة في هذا العصر، بعد إقصاء الدين عن واجهة الأحداث.

ويلزم من ذلك أن تفقد الأحكام الإلهية قيمتها الواقعية في إصلاح شؤون الناس، وتنحصر في قوالب نظرية، تحمل إسم القيمة الأخلاقية المجردة، إن قدر لها ذلك.

من ناحية ثالثة، إذا كانت الأحكام الإلهية قد أنزلت لغرض إجرائها ووضعها موضع التنفيذ، فلا بد من وجود قيم على تنفيذها عالما بها علما تفصيليا.

ولما كان القرآن الكريم مبينا لكليات الأحكام، وأصولها العامة، دون بيان التفاصيل المرتبطة بجميع الحالات والأفراد والعصور، فإن ذلك غير ممكن، لعدم تناهي هذه الحالات، فلا بد من وجود قادر على استخراج جواهره ودرره، دون أن يتطرق إليه احتمال الخطأ أو الشبهة، وإلا لأدى إلى نقص الغرض من الرسالة.
  
سماحة الشيخ حاتم اسماعيل


[1] سورة آل عمران، آية: 132
[2] سورة الأحزاب، آية: 6
[3] سورة آل  عمران، آية: 32
[4] سورة النساء، آية: 59

2021-06-17