يتم التحميل...

المشاكل الزوجية

المشاكل الزوجية

تؤثر النزاعات بشكلٍ عام على حالة المودة والإلفة التي تسود الأسرة، وباستمرارها تقلب الأجواء الأُسريَّة الحميميَّة إلى أجواء الضغينة وإلى العداوة في بعض الأحيان.هذا على صعيد الزوجين، أما على صعيد الأطفال فإن الآثار تتخذ أشكالاً تهدد تربيتهم وتنشئتهم في الطريق المستقيم، فالنزاع يسمم جو الأسرة...

عدد الزوار: 18

تمهيد
تؤثر النزاعات بشكلٍ عام على حالة المودة والإلفة التي تسود الأسرة، وباستمرارها تقلب الأجواء الأُسريَّة الحميميَّة إلى أجواء الضغينة وإلى العداوة في بعض الأحيان.هذا على صعيد الزوجين، أما على صعيد الأطفال فإن الآثار تتخذ أشكالاً تهدد تربيتهم وتنشئتهم في الطريق المستقيم، فالنزاع يسمم جو الأسرة، كما وأن دخان المعارك لا بد وأن يحرق عيونهم إن لم نقل بأنه سيخنقهم ويقضي على مستقبلهم.لكن ينبغي أن لا يقتصر نظرنا إلى الأمر من الجهة السلبية فقط ، فإن في وجود بعض المشاكل جهة إيجابية أيضاً، حيث من خلال بروزها، وإصلاحها، يصل الطرفان إلى تفاهماتٍ يمكنُ أن تكون أرضيَّةً لراحةٍ طويلة الأمد.

آثار الزواج الفاشل
كما أن للزواج الناجح آثاره الإيجابية، فإن للزواج الفاشل آثاره السلبية، وقد تكون في بعض الأحيان خطيرة ومدمرة، ومن آثار الزواج الفاشل:

1- الطلاق:إن مسألة الطلاق هي من أخطر وأكبر المشاكل الناتجة عن فشل العلاقة الزوجية، والطلاق من الأمور المكروهة في الشرع المقدس ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "ما من شيء أبغض إلى الله عز وجل من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة"1.وعن الإمام علي عليه السلام: "تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز منه العرش"2. وللطلاق مفاسد كثيرة ومنها تضييع الأولاد، فإن الولد في حاجة دائمة إلى حنان الأم ولا يمكن لأي امرأة أخرى أن تحلَّ محلَّ الأم في تربية الأطفال، وبحاجة كذلك لظل الأب الذي لا يمكن لأحد أن يعوضه بسهولة، هذا فضلا عن الآثار النفسية التي تطال روح الطفل مما يشاهده من بُعْدِ أمه وأبيه والشعور بعدم الطمأنينة التي تبعثها في نفسه الأجواء الهادئة في الأسرة المستقرة.

2- العنف الأسري:فإن الزواج الفاشل يسبب حالات العنف الأسري التي تظهر من خلال العنف والاعتداء بالضرب خصوصاً على الزوجة من قبل الزوج، وقد يصل الأمر في بعض الأحيان ليطال الأطفال من قبل الزوج أو الزوجة، إذ أن بعض الأزواج ينفس توتره من شريكه في أطفاله من خلال الضرب، والتعامل السيئ.وحالات العنف الأسري هذه من المشاكل التي تهدد مستقبل المجتمع،نظراً لما تحمله من الخطورة المتمثلة في نشوء جيل عنيف متوتر يتوصل إلى إثبات مآربه بالعنف والصدام.إن الإسلام لم يجز العنف في الأسرة، وفي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إني لأتعجب ممن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها"3. وعن الإمام علي عليه السلام فيما أوصى ابنه الحسن عليه السلام: "لا يكن أهلُك أشقى الخلق بك"4.

3- المشاكل الاجتماعية:وهي تنشأ من عدم الاستقرار النفسي لكلا الزوجين بحيث يعيشان في دوامة من التوتر النفسي، والذي يعبر عنه بالغضب من الوضع القائم، أو الغضب من الطرف الآخر، وهذا ما يسبب لهما المتاعب من خلال الاصطدام مع الآخرين، ومن المشاكل التي تنبثق عن حالة عدم الاستقرار انعدام الفاعلية في العمل والحياة، وهذا ما يفتح الباب على مشاكل أخرى.ولا بد من الإشارة هنا إلى سلبية حالة الغضب، وآثاره التدميرية ففي الحديث عن الإمام علي عليه السلام: "الغضب شر إن أطعته دمر"5.
وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: "سبب العطب طاعة الغضب"6.

ما هي أسباب الخلاف؟
هناك أسباب كثيرة لوقوع النزاعات بين الأزواج، ولكن يمكن أن نجمعها في أربعة عناوين رئيسيَّة:


1- عدم الالتزام بالشرع المقدس: لقد وضع الله تعالى القوانين لتنظيم العلاقة الزوجية وجعلها على أفضل وجه بشكل يؤمن الحياة الزوجية السعيدة والموفقة، وعندما يتخلى الإنسان عن هذه الحدود الشرعية ويتجاوزها فإنه سيهدد الحياة الزوجية برمتها، من هنا كان لا بد من التعرف على الحقوق الزوجية وآداب العلاقة مع الزوج حتى تحصّل الحصانة التي تحمي بنيان الأسرة من التصدع.

2- الأخطاء: إن سوء التقدير الناشى عن الجهل بالطرف المقابل وخصوصياته وما يحب ويكره، أو عدم القدرة على الانسجام رغم المعرفة بالميول والخصوصيات، قد يتسبب أيضاً بالتشنج والوقوع بالأخطاء، فيشكل خطراً على الحياة الزوجية، لذلك فإن معرفة الطرف الآخر قد يساعد على تفهم التصرفات والمسلكية بشكل يساعد على الانسجام.

3- عدم الواقعية: إن التصورات الخاطئة أو الخيالية عن الحياة والمستقبل من المشاكل التي تعترض الأزواج، فإذا كان الشاب والفتاة يعيشان في عالم من الأحلام الوردية ويتصوران بأن المستقبل سيكون جنّة وارفة الظلال كما في القصص والروايات، ولكن وبعد أن يلجا دنياهما الجديدة، فيبحثان عن تلك الجنّة الموعودة فلا يعثرا عليها، فيلقي كل منهما اللوم على الآخر محمّلاً إياه مسؤولية ذلك ، ويبدأ بذلك فصل النزاع المرير الذي يُفقد الحياة طعمها ومعناها، فكلٌ يتهم الآخر بالخداع، وكل منهما يلقي بالتبعة على شريكه، في حين أن بعض الأماني والآمال تبلغ من الخيال بحيث لا يمكن أن تحقق على أرض الواقع.

4- رتابة الحياة: من الأمور التي تساعد على الخلاف رتابة الحياة، والتي تحدث بعد فترة طويلة من البرنامج اليومي المتكرر، مما يُشعِرُ الزوجين بالملل، فيتفرغان لانتقاد بعضهما، وتظهر الخلافات، ولهذا ينبغي على الزوجين التجدد لبعضهما والظهور بصورة لافتة للنظر، وهذا ما يوصي به ديننا الحنيف، ومنه التجدد والتجمل من خلالِ اللباسِ والمظهرِ وقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها"7.وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: "... وإظهار العشق له بالخلابة، والهيئة الحسنة لها في عينه"8.

كيف نتوقى فشل الزواج؟
إنّ من أهم الأمور التي تجعل الرجل والمرأة يتفاديا الفشل في العلاقة الزوجية:

أ- حسن الاختيار، قبل الزواج من الشريك للآخر، واعتماد المعايير التي ذكرناها في ذلك.

ب- حسن العشرة في الحياة الزوجية من الرجل للمرأة، وحسن التبعل للمرأة، وهو من خلال اعتبار كل من الزوجة والزوج للآخر نعمة من الله تعالى عليه، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "ما استفاد المؤمن بعد تقوى اللَّه عز وجل خيراً له من زوجة صالحة"9، والنعمة عادة محل ابتلاء واختبار إما أن يحسن الإنسان فيها وإما أن يسيء، والنعمة لا تنفع ولا تستمر نافعة إلا إذا تعامل الإنسان معها بإيجابية وأدى ما عليه من واجبات للآخر، وإلا سيخسر كلا الطرفان إن أساءا المعاملة مع هذه النعمة الإلهية.

ج- أداء الحقوق الإلهية المتوجبة على كلا الزوجين للآخر.

د- تحصين العلاقة من التدخلات الخارجية، ومن التأثر السلبي بالمحيط.فبمراعاة هذه الأمور يمكن الحفاظ على العلاقة الزوجية وجعلها سكنا ومستراحا ومحلا لتكامل الرجل والمرأة على حد سواء.

*الزواج الناجح, نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية, ط1، 2006م-1427هـ--ص:55-60.


1- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص1736.
2- كنز العمال، المتقي الهندي، ج9، ص661.
3- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1186.
4- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1187.
5- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج3، ص2264.
6- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص1232.
7- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1185.
8- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1185.
9- ميزان الحكمة، ج2، ص1184.

2010-04-20