يتم التحميل...

المثل الحادي والثلاثون والثاني والثلاثون

الأمثال في القرآن

يقول الله تعالى في الآية 48 من سورة الاسراء: اُنظُر كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطيعُونَ سَبيلاً. هذا المثل يختلف عمَّا تقدَّم وعمَّا سيأتي من أمثال، لأنَّ الأمثال التي جاءت في القرآن أوضحت أموراً عقلية معقَّدة وغير حسية، أمَّا هذه الآية فحكت الأمثال التي جرت على ألسن الكفَّار في حق الرسول صلى الله عليه وآله،

عدد الزوار: 68

المثل الحادي والثلاثون: أمثال الكفَّار

يقول الله تعالى في الآية 48 من سورة الاسراء: ﴿اُنظُر كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطيعُونَ سَبيلاً. هذا المثل يختلف عمَّا تقدَّم وعمَّا سيأتي من أمثال، لأنَّ الأمثال التي جاءت في القرآن أوضحت أموراً عقلية معقَّدة وغير حسية، أمَّا هذه الآية فحكت الأمثال التي جرت على ألسن الكفَّار في حق الرسول صلى الله عليه وآله، وهي أمثال استهدفوا بها الإضلال، عكس أمثال الله حيث استهدفت الهداية والإرشاد. ويستفاد من آية المثل الشريفة أنَّ المشركين كانوا قد ضربوا للرسول أكثر من مثل واحد عَدُّوه فيها مسحوراً أو مجنوناً أو كاهناً وساحراً وشاعراً.

المثل الثاني والثلاثون: المستكبرون والمستضعفون

إثنى عشر آية من سورة الكهف (وهي الآية 32 إلى 44) تشكِّل المثل الثاني والثلاثين يقول الله في هذه الآيات: ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كلتا الجَنَّتَينِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظلِم مِنْهُ شَيئاً وفجَّرنَا خِلالهُمَا نَهَراً * وكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصَاحِبِه وهَوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أكْثَرُ مِنكَ مَالاً وأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفسِه قَالَ مَا أُظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أبَداً * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَّكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أحَداً * وَلَولاَ إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ باللهِ إنْ تَرَنِ أَنَا أقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً *فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أوْ يُصِبحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَن تَستَطِيعَ لَهُ طَلَباً * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُن لَهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ ومَا كَانَ مُنتَصِراً * هُنَالِكَ الوَلايةُ لله الحَقِّ هُوَ خيرٌ ثَوَاباً وَخيرٌ عُقْباً.

تضمَّنت الآيات الإثنى عشر مثلاً هو من أكبر أمثال القرآن، وهو مثل المؤمنين والكافرين أو المستكبرين والمستضعفين، فشبَّه الله الطائفتين بشخصين، أحدهما: ثري ومغرور بماله وثروته، والآخر: مستضعف لكنه موحِّد. ونهاية هذين الشخصين زوال ثروة الثري وفناءها، ممَّا أدى إلى استيقاظه من نوم الغفلة. والمثل يستبطن نكات ظريفة ولطيفة نعرض لها تدريجياً.

يطلب الله من الرسول أن يضرب لهم مثل رجلين أخوين أو صديقين. ﴿جَعَلْنا لأحَدِهمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أعْنَاب وَحَفَفْنَاهُما بِنَخْل وَجَعَلْنا بَيْنهُما زَرْعَاً كِلْتا الجَنَّتَينِ آتَتْ اُكُلَهَا وَلَمْ تَظلِمْ مِنْهُ شَيئاً وَفجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً وَكَانَ لَهُ ثَمَر. المستفاد من عبارة ﴿وَفَجَّرْنَا خِلالَهُما نَهَراً أن البُستان كان يُسقى من الخارج، ثم اكتفى ذاتياً من حيث السقي بعد ما فُجرِّ النهر في داخل آرضه.

﴿فَقَالَ لِصَاحِبِه وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً. عندما ينال ضيّقو الصدر والمغرورون شيئاً من مال الدنيا ويبلغون مستوى فيها يبدون وكأنَّ الزمان والمكان يدين لهم، فبعضهم عندما يبلغ شأناً في المجتمع ينسى صديقه الذي كان إلى جنبه مدَّة سنوات، وعندما يلتقيه يتصرَّف وكأنَّه لم يلتقِ به من قبل. إن صاحب البستان الثري الذي تحدَّثت عنه الآية كان من هذا القبيل، فقد اغترَّ بنفسه عندما شاهد بستانه والنهر الذي يجري فيه وما انتج من ثمار، فكان يتفاخر بما حصل وينظر إلى صديقه القديم والفقير نظرة تحقير ويقول: أنا أكثر منك مالاً وأعزُّ نفراً من العمال والمزارعين والحشم والخدم.

﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لَنْفسِهِ قَالَ مَا أظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أبَدا أي أنه ما كان يظن أن بستانه سيفنى يوماً ما بل سيبقى دون أن يزول بآفة أو ما شابه.

عبارة ﴿وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِه تشير إلى أن كل ظالم يبدأ بظلم نفسه في البداية ثم ظلم الآخرين، كما هو حال المحسنين حيث يفيدون أنفسهم بأعمالهم الصالحة ثمّ يفيد الآخرون بها. على أي حال، نسى هذا المغرور ذكر الله الذي خلق له هذه الجنَّة والذي يمكنه أن يفنيها في كل لحظة بحيث لا يبقى لها أثر مذكور.

﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمةً وَلئِنْ رُدِدْتُ إلى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَبا. لقد أنكر هذا الرجل يوم القيامة بسبب تفاخره وغروره ونسيانه ربّ العالمين، وبلغ جحوده مستوى أن قال لصديقه: لا أظن أنَّ هناك قيامة، ولو كانت هناك قيامة كان ذلك يعني موتي وانفصالي عن أموالي وجنتي وزراعتي، وأنا لا اُريد الانفصال عن الدنيا لذلك أنكر يوم القيامة.

ثمّ قال: على فرض وجود قيامة فإنِّي سأكون من المقرّبين كذلك، ولو لم أكن من المقرّبين لما أعطاني الله هذا المقدار من المال والثروة، فكثرة الثروة دليل على قربي إلى الله في عالم الآخرة ـ على فرض وجوده ـ وسأكون هناك أقرب منك إلى ربِّ العالمين. هذا هو ظن كثير من الأثرياء، جهلاً منهم بأنَّ ذلك اختبار إلهي وقد يكون بلاءً.

﴿قالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أكَفَرْتَ بالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُراب ثُمّ مِن نُطْفَة إلى أخر الآيات. صديقة الفقير صاحب الصدر المشروح يرى رفيقه مريضاً فيهمُّ في علاجه بأساليب نفسانية جميلة لعلاج مرض الغرور فيه، أي مرضه الأساس الذي سببته كثرة النعم، ولو عالج مرضه هذا تعالجت باقي أمراضه 1.


1-الأمثال في القرأن / مكارم الشيرازي_ المثل 31_32.؟

2011-11-04