يتم التحميل...

المثل الثالث والعشرون، الرابع والعشرون والخامس والعشرون

الأمثال في القرآن

يقول القرآن في الآية 18 من سورة إبراهيم: مَثَلُ الّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِم أعْمَالُهُمْ كَرَمَاد اشتَدَّتْ بِهِ الرِّيْحُ فِي يَوْم عَاصِف لا يَقْدِرُونَ مِمّا كَسَبُوا عَلى شَيء ذَلك هُوَ الضَّلال البَعِيْدُ. تناولت الآية بيان أعمال الكفار الصالحة، وتلمّح بأنَّ أعمالهم بسبب كفرهم غير مقبولة. من هنا كان احتمال حساب أعمالهم الصالحة بمعزل عن كفرهم أمراً مرفوضاً.

عدد الزوار: 39

المثل الثالث والعشرون

يقول القرآن في الآية 18 من سورة إبراهيم: ﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ. تناولت الآية بيان أعمال الكفار الصالحة، وتلمّح بأنَّ أعمالهم بسبب كفرهم غير مقبولة. من هنا كان احتمال حساب أعمالهم الصالحة بمعزل عن كفرهم أمراً مرفوضاً.

﴿مَثَلُ الّذِيْنَ كَفَرُوا بِرَبِّهِم إنَّ أمثال القرآن على قسمين: قسم يُضرب على أعمال الإنسان، وآية المثل هذه من هذا القسم حيث تناولت دراسة أعمال الكفار. القسم الآخر هو الامثال التي تضرب على الشخصيات ذاتها بأن يشبّه الاشخاص أنفسهم بشيء ما مثل ما مرّ في الآية الشريفة 261 من سورة البقرة، حيث شبّهت المنفق بحبة الحنطة التي تنتج سبعمائة حبّة.

على أي حال، الآية الشريفة تناولت اولئك الذين كفروا بربهم، لكن الملفت في الآية هنا هو أنَّها استخدمت مفردة (رب) بدل مفردة (الله)، وكأنها تريد الاشارة إلى الآثار الربوبية في كل مكان ورحمة الله وبركاته على جميع أعضاء جسم الإنسان وفي جميع اللحظات، فهي تريد القول للإنسان: إنَّك تستفيد من نعم الله - التي يكفي واحدة منها لشكر الله - كل يوم وعلى طول العمر، رغم ذلك تكفر وتجحد به، مع أنَّ على الإنسان أن يكون شاكراً لله على نعمه دائماً.

﴿أعْمَالُهُمْ كَرَمَاد الآية شبَّهت أعمال الكفار الصالحة بالرماد، ولم تتطرق الآية إلى أعمال الكفار السيئة، وذلك لأنَّها دون القيمة التي تستدعي التطرّق لها وبحثها.

﴿اشْتَدّتْ بِهِ الرِّيْحُ فِي يَوْم عَاصِف لاَ يَقْدِرُونَ على شيء مِمّا كَسَبُو من الواضح أنَّ اليوم اذا كان عاصفاً أخذ الريح معه كل ما كان خفيفاً ودقيقاً، وكلما كان ذلك الشيء أدق كلّما صعب جمعه، أما اذا كان رماداً فاستحال الجمع; وذلك لصغر الأجزاء المكونة للرماد وتلوّنها بلون البيئة التي تسقط فيه. وإذا اجتمع اهالي المدينة كلهم - لا صاحب الرماد فحسب - ما استطاعوا أن يجمعوا شيئاً مما فقدوه من الرماد ولو بمقدار مثقال، إنّ عاصفة الكفر والجحود تعمل بأعمال الكافر كما تعمل العاصفة الطبيعية بالرماد، بحيث لا يبقى شيء من ذلك العمل للكافر يتمتع به ﴿ذَلك هُوَ الضّلاَلُ البَعِيْدُ إنَّ انحراف هؤلاء عن الصراط المستقيم كالانحراف والضلال البعيد عن الطريق الذي يصعب جبرانه والرجوع عنه نحو الطريق الصواب.

المثل الرابع والخامس والعشرون: الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة

جاء في الآيات 24 و 25 و 26 من سورة إبراهيم ما يلي: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ.

هذه الآيات من أجمل الآيات ومن أبلغ الأمثال القرآنية. إنّ في الآيات الثلاث تمثيلا جميلا وبليغاً للكلمة الطيبة من جانب، وللكلمة الخبيثة من جانب آخر، وفيها يعدّ الله الفوائد والآثار المترتبة على كل واحدة منهما.

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجرَة إنَّ هذه الشجرة التي ضرب الله بها مثلا ذات خصائص طَيِّبَةً. أول خصائصها أنها طيّبة أي طاهرة وذات رائحة مطلوبة. أصْلُهَا ثَابِتٌ الخاصية الاخرى لهذه الشجرة أن جذورها ثابتة ومحكمة في الأرض. من مظاهر قدرة الله تعالى أنه جعل تناسباً بين غصون الشجرة وجذورها فكلما كانت الغصون أعظم وأكثر، كانت الجذور عظيمة وكثيرة وعميقة بتلك النسبة التي لللغصون ، وهي تحفظ الشجرة وغصونها من العواصف والفيضانات كما يفعل الحبل بما شدّ به.

﴿فَرْعُهَا فِي السَّماء الخاصية الاخرى أنّ نموها صعودي وعمودي نحو السماء

﴿بإذْنِ رَبِّهَا الخاصية الاخيرة لهذه الشجرة هي أنَّها رغم كون ثمارها تنضج في جميع الفصول، إلاّ أنَّها تنمو وتعمل حسب قوانين الطبيعة ولا تشذّ عنها، وهي مطيعة لهذه السنن التي جعلها الله تعالى. إن هذا الأمر لم يختص بأمثال هذه الشجرة، بل جميع ما في الطبيعة خاضع وخاشع له:﴿وَلَهُ أسْلَمَ من فِي السّمَاوَاتِ والأرْضِ.

فهذه الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، وهي في الحقيقة شجرة سعادة الإنسان. إنّ هذه الشجرة التي هي حقيقة التوحيد، تحيي قلب الإنسان وتكسر كل ما فيه من أصنام، بحيث تجعله لا يسجد أمام أصنام المال والرشوة والربا والسرقة والاعتداء. ولا يكذب الآف الكذبات لأجل الحفاظ على مقامه، ولا يرتكب الجرائم لأجل الحفاظ على مال الدنيا; وذلك لأنّ أعمالا كهذه تعدّ شركاً ولذلك يُدعى المرائي في الاخرة منافقاً أو فاجراً.وعكس ذلك الكلمة الخبيثة التي لا تفيد إلا الفتن والإنشقاق والدمار والخراب كالشجرة الخبيثة التي لا فائدة للبشر من وجودها ..1


1- الأمثال في القرأن/ مكارم الشيرازي _ المثل 23_25.

2011-11-04