يتم التحميل...

السؤال في القبر وعذابه ونعيمه

الموت والبرزخ

إذا كانت الحياة البرزخية هي المرحلة الأُولى من الحياة بعد الدنيا، يظهر لنا أنّ ما اتّفق عليه المسلمون من سؤال الميت في قبره، وعذابه إن كان طالحاً وإنعامه إن كان مؤمناً صالحاً، صحيحٌ لا غبار عليه، وأنّ الإنسان الحي في البرزخ مسؤول عن أُمور، ثم معذّب أو منعّم.

عدد الزوار: 19

إذا كانت الحياة البرزخية هي المرحلة الأُولى من الحياة بعد الدنيا، يظهر لنا أنّ ما اتّفق عليه المسلمون من سؤال الميت في قبره، وعذابه إن كان طالحاً وإنعامه إن كان مؤمناً صالحاً، صحيحٌ لا غبار عليه، وأنّ الإنسان الحي في البرزخ مسؤول عن أُمور، ثم معذّب أو منعّم.

قال الصدوق في عقائده: "اعتقادنا في المسألة في القبر أنّها حقّ لابدّ منها، ومن أجاب الصواب، فاز برَوح وريحان في قبره، وبجنة النعيم في الآخرة، ومن لم يجب بالصواب، فله نزل من حميم في قبره، وتصلية جحيم في الآخرة"1.

وقال الشيخ المفيد: "جاءت الآثار الصحيحة عن النبي أنّ الملائكة تنزل على المقبورين فتسألهم عن أديانهم، وألفاظ الأخبار بذلك متقاربة، فمنها أنّ ملكين لله تعالى، يقال لهما ناكر ونكير، ينزلان على الميت فيسألانه عن ربّه ونبيّه ودينه وإمامه، فإن أجاب بالحق، سلّموه إلى ملائكة النعيم، وإن ارتج سلّموه إلى ملائكة العذاب. وفي بعض الروايات أن اسمي الملكين اللّذين ينزلان على الكافر، ناكر ونكير، واسمى الملكين الذين ينزلان على المؤمن مبشّر وبشير". إلى أن قال: "وليس ينزل الملكان إلا على حي، ولا يسألان إلا من يفهم المسألة ويعرف معناها، وهذا يدلّ على أن الله تعالى يحيي العبد بعد موته للمسألة، ويديم حياته لنعيم إن كان يستحقه، أو لعذاب إن كان يستحقه"2.

وقال المحقق الطوسي، في التجريد "وعذاب القبر واقع، للإمكان، وتواترالسمع بوقوعه".

وقال العلامة الحلي في شرحه: "نقل عن ضرار أنّه أنكر عذاب القبر، والإجماع على خلافه "3.

والظاهر اتّفاق المسلمين على ذلك، يقول أحمد بن حنبل: "وعذاب القبرحق، يسأل العبد عن دينه وعن ربه، ويرى مقعده من النار والجنة، ومنكر ونكير حق "4.

وقد نسب إلى المعتزلة إنكار عذاب القبر، والنسبة في غير محلها، وإنّما المنكر واحدٌ منهم، هو ضرار بن عمرو، كماتقدم، وقد تاب عن الاعتزال ولحق بالمجبرة،قال القاضي عبد الجبار في فصل عذاب القبر: "وجملة ذلك أنه لا خلاف فيه بين الأُمّة إلاّ شيء يحكى عن ضرار بن عمرو، وكان من أصحاب المعتزلة ثم التحق بالمجبرة، ولا يقرّون به"، ثم استدلّ بآيات على حياة الإنسان في البرزخ5.

هذا كلّه ممّا لاريب فيه، إنّما الكلام فيما هو المراد هنا من القبر، والإمعان في الآيات الماضية التّي استدللنا بها على الحياة البرزخية، والروايات الواردة حول البرزخ، يعرب بوضوح عن أنّ المراد من القبر، ليس هو القبر المادي الّذي يدفن فيه الإنسان، ولا يتجاوز جثّته في السّعة، وإنّما المراد منه هو النشأة التّي يعيش فيها الإنسان، بعد الموت وقبل البعث، وإنّما كنّى بالقبر عنها، لأنّ النزول إلى القبر يلازم أو يكون بدءاً لوقوع الإنسان فيها.

والظاهر من الروايات تعلّق الروح بأبدان تماثل الأبدان الدنيوية، لكن بلطافة تناسب الحياة في تلك النشأة، وليس التعلق بها ملازماً لتجويز التناسخ، لأنّ المراد من التناسخ هو رجوع الشيء من الفعلية إلى القوة، أعني عودة الروح إلى الدنيا عن طريق النطفة فالعلقة، فالمضغة إلى أن تصير إنساناً كاملاً، وهذا منفى عقلاً وشرعاً، كما سيوافيك. ولا يلزم هذا في تعلّقها ببدن ألطف من البدن المادي، في النشأة الثانية.

قال الشيخ البهائي: "قد يتوهم أنّ القول بتعلق الأرواح، بعد مفارقة أبدانها العنصرية، بأشباح أُخر كما دلّت عليه الأحاديث قولٌ بالتناسخ، وهذا توهّمٌ سخيف، لأنّ التناسخ الّذي أطبق المسلمون على بطلانه، هو تعلّق الأرواح بعد خراب أجسادها، بأجسام أُخر في هذا العالم، وأمّا القول بتعلّقها في عالم آخر، بأبدان مثالية، مدّة البرزخ، إلى أن تقوم قيامتها الكبرى، فتعود إلى أبدانها الأولية بإذن مبدعها فليس من التناسخ في شيء"6.

قال الرازي: "إنّ المسلمين يقولون بحدوث الأرواح وردّها إلى الأبدان، لا في هذا العالم، والتناسخية يقولون بقدمها، وردّها إليها، في هذا العالم، وينكرون الآخرة والجنة والنار، وإنّما كفّروا من أجل هذا الإنكار"7.

نَفْخُ الصّور

إنّ الإنسان الّذي يعيش في هذا الكوكب، بالنسبة إلى المعارف الغيبية، كالجنين في بطن أمّه، فلو قيل له إنّ وراء الرحم أنجماً وكواكب وشموساً وأقماراً، وبحاراً ومحيطات، لايفقه منها شيئاً، لأنّها حقائق خارجة عن عالمه الضيّق، والإنسان المادّي القاطن في هذا الكوكب لايفقه الحقائق الغيبية الموجودة وراء هذا العالم، فلأجل ذلك لا مناص له من الإيمان المجرّد من دون تعمق في حقيقتها، وهذا أصل مفيد جداً في باب المعاد، وعلى ذلك تبتني مسألة نفخ الصور، فماهوالمراد من الصور، أهو شيء يشابه البوق المتعارف، أو شيء غيره؟ وماهو المراد من النفخ؟ لامناص لنا من الاعتقاد بوجوده وتحققه، وإن لم نتمكن من التعرف على واقعيته ومع ذلك فلابّد أن تكون هناك حقيقة واقعية، لها صلة بين نفخ الصور في هذا العالم، ونفخه في النشأة الأُخرى.

تدلّ الآيات على أنّ الإنسان يعيش في البرزخ إلى أن يفاجئه نفخ الصور، فعند ذلك يهلك كل من في السموات والأرض إلاّ من شاء الله، يقول سبحانه: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّموَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ(الزمر:68). ففي النفخ الأول موت كل ذي حياة في السّموات والأرض، كما أنّ في النّفخ الثاني، إحياءهم .

يقول سبحانه: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُون(يس:51)8.

*الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني،مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ج4،ص236-240


1- عقائد الصدوق،ص 81، من الطبعة الحجرية الملحقة بشرح الباب الحادي عشر.

2- شرح عقائد الصدوق: ص 45 ـ 46.
3- كشف المراد،ص266،طـ صيدا، ولاحظ إرشاد الطالبين،ص 425.
4- السنة، لأحمد بن حنبل، ص 47، ولاحظ الإبانة للأ شعري،ص 27.
5- شرح الأُصول الخمسة، ص 730.
6- البحار،ج1،ص277.
7- البحار، ج6،ص 278. نقلاًعن نهاية العقول للرازي.
8-  والآية ناظرة إلى النفخ الثاني.

2009-07-27