يتم التحميل...

الرجعة

الموت والبرزخ

قضية الرجعة التّي تحدثت عنها بعض الآيات القرآنية والأحاديث المروية عن أهل بيت الرسالة، مما تعتقد به الشيعة من بين الأُمة الإسلامية، وليس هذا بمعنى أنّ مبدأ الرجعة يُعدّ واحداً من أصول الدين، وفي مرتبة الاعتقاد باللّه وتوحيده...

عدد الزوار: 16

قضية الرجعة التّي تحدثت عنها بعض الآيات القرآنية والأحاديث المروية عن أهل بيت الرسالة، مما تعتقد به الشيعة من بين الأُمة الإسلامية، وليس هذا بمعنى أنّ مبدأ الرجعة يُعدّ واحداً من أصول الدين، وفي مرتبة الاعتقاد باللّه وتوحيده، والنبوة والمعاد بل إنها تُعدّ من المسلّمات القطعية، وشأنها في ذلك شأن كثير من القضايا الفقهية والتاريخية التّي لا سبيل إلى إنكارها. مثلا اتّفقت كلمة الفقهاء على حرمة مسّ النساء في المحيض، بنص الكتاب العزيز يقول تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَـحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَـحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ(البقرة:222).

ودلّت الوثائق التاريخية على أنّ معركة بدر وقعت في السنة الثانية للهجرة. فالأُولى قطعية فقهية، والثانية قطعية تاريخية، ولكن لا يعدان من أصول العقائد الإسلامية، وشأن الرجعة في هذا المجال شأنهما.

إذا عرفت ذلك نقول: الرجعة في اللّغة ترادف العودة، وتطلق اصطلاحاً على عودة الحياة إلى مجموعة من الأموات بعد النهضة العالمية للإمام المهدي عليه السَّلام وهذه العودة تتم بالطبع قبل حلول يوم القيامة. وطبقاً لهذا المبدأ، فالحديث عن العودة، يُعدّ من أشراط القيامة.

وعلى ضوء ذلك، فظهور الإمام المهدي عليه السَّلام شيءٌ، وعودة الحياة الى مجموعة من الأموات شيء آخر، كما أن البعث يوم القيامة أمر ثالث، فيجب تمييزها وعدم الخلط بينها.

قال الشيخ المفيد: "ان اللّه تعالى يحشر قوماً من أُمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بعد موتهم، قبل يوم القيامة، وهذا مذهب يختص به آل محمد صلوات اللّه عليه وعليهم، والقرآن شاهد به"1.

وقال المرتضى متحدثاً عن الرجعة عند الشيعة: "اعلم أنّ الّذي تذهب الشيعة الإمامية إليه، أنّ اللّه تعالى يعيد عند ظهور إمام الزمان، المهدى عليه السَّلام، قوماً ممن كان قد تقدّم موته من شيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته، ومشاهدة دولته، ويعيد أيضاً من أعدائه لينتقم منهم، فيلتذوا بما يشاهدون من ظهور الحق وعلوكلمة أهله"2.

وقال العلامة المجلسي: "والرجعة انما هي لممحضي الايمان من أهل الملّة، وممحضي النفاق منهم، دون من سلف من الأُمم الخالية"3.

فالاعتقاد بالرجعة من الأُمور القطعية المسلّم بها، والروايات الكثيرة الواردة عن الأئمة المعصومين لا تُبقي أي مجال للشك في وقوعها.

يقول العلامة المجلسي: "كيف يشك مؤمن بحقيّة الأئمة الأطهار فيما تواتر عنهم فيما يقرب من مائتي حديث صريح، رواها نيّف وثلاثون من الثقات العظام، في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم كثقة الإسلام الكليني والصدوق و..."4.

وقد وصف الشيخ الحرّ العاملي الروايات المتعلّقة بالرجعة بأنها أكثر من أن تعد وتحصى وأنّها متواترة معنى5.

هذه بعض كلمات كبار علماء الشيعة ومحدثيهم حول الرجعة، ويقع الكلام في مقامين

الأول: إمكان الرجعة.

الثاني: الدليل على وقوعها في هذه الأُمة.

المقام الأول: إمكان الرجعة

يكفي في إمكان الرجعة، إمكان بعث الحياة من جديد يوم القيامة، فإنّ الرجعة والمعاد، ظاهرتان متماثلتان ومن نوع واحد مع فارق أنّ الرجعة محدودة كيفاً وكمّاً، وتحدث قبل يوم القيامة، بينما يبعث جميع الناس يوم القيامة ليبدأوا حياتهم الخالدة.

وعلى ضوء ذلك، فالاعتراف بإمكان بعث الحياة من جديد يوم القيامة، ملازم للإعتراف بإمكان الرجعة في حياتنا الدنيوية. وحيث إنّ حديثنا مع المسلمين الذين يعتبرون الايمان بالمعاد من أصول شريعتهم، فلابد لهؤلاء اذن من الاعتراف بإمكانية الرجعة.

أضف إلى ذلك أنّه قد وقعت الرجعة في الأُمم السالفة كثيراً، وفي القرآن الكريم شواهد من إحياء الموتى في الأمم السالفة نظير
1ـ إحياء جماعة من بني إسرائيل: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(البقرة:55-56).
2ـ إحياء قتيل بني إسرائيل: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(البقرة:72-73).
3ـ موت ألوف من الناس وبعثهم من جديد: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ(البقرة:243).
4ـ بعث عُزَير بعد مائة عام من موته: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(البقرة:259).
5ـ إحياء الموتى على يد عيسى عليه السَّلام: ﴿وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(آل عمران:49)

وبعد وقوع الرجعة في الأمم السالفة، هل يبقى مجال للشك في إمكانها؟ وتصوّر أنّ الرجعة من قبيل التناسخ المحال عقلا، تصوّر باطلٌ، لأنّ التناسخ عبارة عن رجوع الفعلية إلى القوة، ورجوع الانسان إلى الدنيا عن طريق النطفة، والمرور بمراحل التكوّن البشري من جديد، ليصير إنساناً مرة أخرى، سواء أدَخَلَتْ روحُه في جسم انسان أم حيوان، وأين هذا من الرجعة وعود الروح إلى البدن المتكامل من جميع الجهات، من دون أن يكون هناك رجوع إلى القوة بعد الفعلية.

المقام الثاني: أدلة وقوع الرجعة
يدل على وقوع الرجعة في هذه الأُمّة قوله تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الاَْرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ * وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يوزَعُونَ(النمل:82ـ83).

لا يوجد بين المفسرّين من يشك بأنّ الآية الأولى تتعلق بالحوادث التّي تقع قبل يوم القيامة ويدل عليه ما روي عن النبى الأكرم من أن خروج دابة الأرض من علامات يوم القيامة، إلاّ أنّ هناك خلافاً بين المفسرين حول المقصود من دابة الأرض ، وكيفيّة خروجها، وكيف تتحدث، وغير ذلك ممّا لا نرى حاجة لطرحه؟

روى مُسلم أنّه قال رسول اللّه: "إنّ الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: خسفٌ بالمشرق، وَخَسْفٌ بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب، والدخان، والدجّال، ودابّة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونارٌ تخرج من قعر عدن ترحل الناس"6.

إنما
الكلام في الآية الثانية، والحق أنّها ظاهرة في حوادث قبل يوم القيامة، وذلك لأنّ الآية تركز على حشر فوج من كل جماعة بمعنى عدم حشر الناس جميعاً، ومن المعلوم أنّ الحشر ليوم القيامة يتعلق بالجميع، لا بالبعض، يقول سبحانه: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الاَْرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدا(الكهف:47). أفَبَعْدَ هذا التصريح، يمكن تفسير ظرف الآية بيوم البعث والقيامة؟

وهناك قرينتان أُخريان، تحقّقان ظرفها لنا إن كنّا شاكين، وهما:

أوّلا: إنّ الآية المتقدمة عليها تذكر للناس علامة من علامات القيامة، وهي خروج دابة الأرض، ومن الطبيعي، بعد ذلك أنّ حشر جماعة من الناس يرتبط بهذا الشأن.

ثانياً: ورد الحديث في تلك السورة عن القيامة في الآية السابعة والثمانين، أي بعد ثلاث آيات، قال سبحانه: ﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّموَاتِ وَمَن فِي الاَْرْضِ إِلاَّ مَن شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ(النمل:87).

وهذا يعرب عن أنّ ظرف ما تقدم عليها من الحوادث يتعلق بما قبل هذا اليوم، ويحقّق أنّ حشر فوج من الذين يكذبون بآيات اللّه يحدث حتماً قبل يوم القيامة، وهومن أشراط هذا اليوم، وسيقع في الوقت الّذي تخرج فيها دابة من الارض تكلم الناس.

ومن العجب قول الرازي بأنّ حشر فوج من كل أمّة سيقع بعد قيام الساعة7. فإنّ هذا الكلام لا يستند إلى أيّ أساس. وترتيب الآيات وارتباطها ببعضها، ينفيه، ويوكّد ما ذهب إليه الشيعة من أنّ الآية تشير الى حدث سيقع قبل يوم القيامة.

أضف إلى ذلك انّ تخصيص الحشر ببعض، لا يجتمع مع حشر جميع الناس يوم القيامة.

نعم، الآية قد تحدثت عن حشر المكذبين، وأما رجعة جماعة أخرى من الصالحين فهو على عاتق الروايات الواردة في الرجعة.

وأمّا كيفية وقوع الرجعة وخصوصياتها فلم يتحدث عنها القرآن، كما هوالحال في تحدثه عن البرزخ والحياة البرزخية.

ويؤيد وقوع الرجعة في هذه الأمّة وقوعها في الأمم السالفة كما عرفت وقد روى أبوسعيد الخدري أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لَتتَّبِعُنّ سُنَنَ من كان قبلكم، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع. حتى لودخلوا جحر ضبّ لتبعتموه. قلنا يا رسول اللّه: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟"8.

وروى أبو هريرة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تُؤخذ أُمّتي بأخذ القرون قبلها، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، فقيل: يا رسول اللّه: كفارس والروم؟ قال: ومن الناس إلاّ اؤلئك؟"9.

وروى الشيخ الصدوق رحمه الله قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: "كل ما كان في الأُمم السابقة فإنه يكون في هذه الأُمة مثله، حذو النعل بالنعل، والقذّة بالقذّة"10.

وبما أن ّ الرجعة من الحوادث المهمة في الأمم السالفة، فيجب أن يقع نظيرها في هذه الأُمة أخذاً بالمماثلة، والتنزيل.

وقد سأل المأمون العباسي، الإمام الرضا عليه السَّلام عن الرجعة فأجابه، بقوله: إنّها حق، قد كانت في الامم السالفة، ونطق بها القرآن، وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: "يكون في هذه الأمة كل ما كان في الأُمم السالفة حذوالنعل بالنعل، والقذة بالقذة"11.

هذه هي حقيقة الرجعة ودلائلها، ولا يدّعي المعتقدون بها أكثر من هذا، وحاصله عودة الحياة إلى طائفتين من الصالحين والطالحين، بعد ظهور الإمام المهدي عليه السَّلام، وقبل وقوع القيامة. ولا ينكرها إلاّ من لم يمعن النظر في أدلتها12.

أسئلة وأجوبة حول الرجعة

السؤال الأول: كيف يجتمع إعادة الظالمين مع قوله سبحانه: ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَة أَهْلَكْنَاها أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُون(الأنبياء:95)، فإن هذه الآية تنفي رجوعهم بتاتاً، وحشر لفيف من الظالمين يخالفها؟

والجواب: إن هذه الآية مختصة بالظالمين الذين أهلكوا في هذه الدنيا ورأوا جزاء عملهم فيها، فهذه الطائفة لا ترجع. وأما الظالمون الذين رحلوا عن الدنيا بلا مؤاخذة، فيرجع لفيف منهم ليروا جزاء عملهم فيها، ثم يُردّون إلى أشد العذاب في الآخرة أيضاً. فالآية لا تمت إلى مسألة الرجعة بصلة.

السؤال الثاني: إن الظاهر من قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيَما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون(المؤمنون:99ـ100)، نفي الرجوع إلى الدنيا بعد مجيء الموت.

والجواب: إنّ الآية تحكي عن قانون كلّي قابل للتخصيص في مورد دون مورد، والدليل على ذلك ما عرفت من إحياء الموتى في الأمم السالفة، فلوكان الرجوع إلى هذه الدنيا سنة كليةً لا تتبعض ولا تتخصص، لكان عودها إلى الدنيا مناقضاً لعموم الآية.


وهذه الآية، كسائر السنن الإلهية الواردة في حق الإنسان، فهي تفيد أنّ الموت بطبعه ليس بعده رجوع، وهذا لا ينافي الرجوع في مورد وموارد لمصالح عُليا.

السؤال الثالث: إنّ الاستدلال على الرجعة مبني على جعل قوله سبحانه: (ويَومَ نحْشُرُ مَنْ كُلّ أُمّة فْوجاً ممّن يُكذبُ بآياتنا فهُم يوزعون)، حاكياً عن حادثة تقع قبل القيامة، ولكن من الممكن جعلها حاكية عن الحادثة التّي تقع عند القيامة، غير أنّها تقدمت على قوله سبحانه: (ويَومَ يُنْفَخُ في الصوّر)، وكان طبع القضية تأخيرها عنه، والمراد من الفوج من كل أُمّة هوالملأ من الظالمين ورؤسائهم؟

والجواب: أوّلا: إنّ تقديم قوله: (ويَوْمَ نَحْشُرُ...)، على فرض كونه حاكياً عن ظاهرة تقع يوم القيامة، على قوله: (ويَوْمَ يُنْفَخُ)، ليس إلاّ إخلال في الكلام، بلا مسوّغ.

وثانياً: إن ظاهر الآيات أنّ هناك يومين، يومُ حشر فوج من كل أُمة، ويوم نفخ في الصور، وجعل الأول من متمّمات القيامة، يستلزم وحدة اليومين، وهوعلى خلاف الظاهر13.


*الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني،مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ج4،ص289-297
1- بحار الأنوار، ج 53، ص 136 ، نقلا عن المسائل السروية، للشيخ المفيد.
2- المصدر السابق نفسه، نقلا عن رسالة كتبها السيد المرتضى جواباً على أسئلة أهل الريّ.
3- المصدر السابق نفسه، و قد نقل أقوال علماء الشيعة ونصوصهم في هذا الجزء من بحاره فمن أراد زيادة الاطلاع فليرجع إليه ص22ـ144.
4- المصدر السابق.

5- الإيقاظ من الهجعة، الباب الثاني، الدليل الثالث. 
6- صحيح مسلم، ج 8، كتاب الفتن، و أشراط الساعة، باب في الآيات التّي تكون قبل الساعة، ص 179.
7- مفاتيح الغيب، ج 4، 218.
8- صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بقول النبي، ج 9، ص 112.
9- صحيح البخاري ج 9، ص 102. و كنز العمال، ج 11، ج 133.
10- كمال الدين، ص 576.
11- بحار الانوار، ج 53، ص 59، الحديث 45.
12- بقي هنا بحثان: 1- من هم الراجعون. 2- ما هو الهدف من إحيائهم؟ واجمال الجواب عن الأول أن الراجعين لفيف من المؤمنين ولفيف من الظالمين. واجمال الجواب عن الثاني ما جاء في كلام السيد المرتضى المنقول آنفاً، حيث قال: "إن اللّه تعالى يعيد عند ظهور إمام الزمان المهدى عليه السَّلام، قوماً ممن كان تقدم موته من شيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته، ومشاهدة دولته، ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينقتم منهم..." إلى آخر كلامه. لاحظ تفصيل جميع ذلك في البحار، ج 53 و الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة، للشيخ الحر العاملي.
13- وإذا أحطت خُبراً بما ذكرناه، يتبين لك سقوط كثير ممّا ذكره الآلوسي في تفسيره عند البحث عن الآية. لاحظ تفسيره، ج 20، ص 26.
2009-07-27