يتم التحميل...

ضرورات الحياة المشتركة

المشاكل الزوجية

يتعاقد الفتى والفتاة على عهد في الحياة المشتركة وتشكيل الأسرة، ويقرران، تبعاً لذلك، العيش معاً تحت سقف واحد وأن يقف أحدهما إلى جانب الآخر إلى الأبد والسير سوية في الطريق الذي انتخباه، طريق الحياة الزوجية وتربية الجيل. إن عهداً كهذا لا يمكن المحافظة عليه بيسر وسهولة...

عدد الزوار: 19

يتعاقد الفتى والفتاة على عهد في الحياة المشتركة وتشكيل الأسرة، ويقرران، تبعاً لذلك، العيش معاً تحت سقف واحد وأن يقف أحدهما إلى جانب الآخر إلى الأبد والسير سوية في الطريق الذي انتخباه، طريق الحياة الزوجية وتربية الجيل.

إن عهداً كهذا لا يمكن المحافظة عليه بيسر وسهولة، ذلك أن الحياة المشتركة تلزمها العديد من الضوابط والشروط التي لا يمكن بدونها الاستمرار والدوام، فالزواج يستلزم استعداداً مسبقاً من قبل الطرفين يجنبهما الوقوع في المزالق، ويستلزم كذلك يقظة كاملة في الشهور الأولى لكي يمكن إرساء دعائم متينة للبناء الجديد. وهذا التأكيد يتضاعف في الأيام الأولى التي تكون عادة أياماً قلقة متزلزلة، فأقل خطأ يحصل سوف يلقي بظلاله القاتمة في النفس ويشعرها بالمرارة. وأساساً فإن الزواج تحمل للمسؤولية، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستمر بعده حالة العزوبية من الشعور بالتجرد وفراغ البالِ.

أسس الحياة المشتركة
هناك، فيما أعتقد، أسس وضوابط ضرورية في الحياة المشتركة، ينبغي على الطرفين رعايتها واحترامها، وإلا فإن العش الزوجي سيكون في معرض عاصفة ثلجية وستمتد جذور الكراهية، التي سرعان ما تؤدي إلى نشوب النزاع وبداية النهاية. وفي هذا البحث محاولة لأن نستعرض- ببساطة- بعضاً منها:

1- حسن المعاشرة
الزواج بداية مرحلة جديدة من المعاشرة تنتهي في ظلالها عزلة الرجل والمرأة، ويبدأ عهد جديد من الألفة والأنس بينهما، وعلى أثر ذلك يحصل نوع من التقارب بين أفكار الزوجين ورؤاهما، كذلك الأمر بالنسبة للأذواق والخطط المستقبلية لحياتهما المشتركة.

من الضرورة بمكان أن يجلس الزوجان، وبعد الانتهاء من عملهما إلى جانب بعضهما البعض ساعة على الأقل يتحدثان خلالها عن ذكرياتهما الحلوة والمرة، وتداول مختلف المسائل والقضايا التي تهمهما معاً، ذلك أن الصمت المطبق يشبه في مساوئه الثرثرة في الحديث ولا يجلب معه سوى الألم.

فالأحاديث المتبادلة، وإضافة إلى أنها تعزز من الألفة والأنس بين الزوجين، تخفف من عقدهما وتحدّ من توقّعات كلّ منهما.

2- الانسجام الفكري
الرجل والمرأة يعضد أحدهما الآخر ويرافقه في رحلته من أجل أن يصل قارب حياتهما إلى شاطىء السعادة، وعلى هذا فإنه لا ينبغي عليهما السير في عكس الاتجاه المنشود حتى لا تتعثر رحلتهما وتتقاذفهما الأمواج.

إن على الزوجين، ومن أجل استمرار حياتهما في ظلال من الطمأنينة والأمن، أن يحاولا تطبيع فكريهما على أساس من النقاط المشتركة والأذواق المتماثلة، وفي طريق ذلك تصبح الأمور طبيعية بشرط أن يدرك كل منهما الآخر.

والزوجان العاقلان الناضجان يعمل كل منهما على مساعدة الآخر ودعمه مادياً ومعنوياً. وكثيرون هم الأفراد الذين أحرزوا نجاحات باهرة في الحياة بسبب إستفادتهم من أزواجهم فكرياً ومن خلال استلهامهم سلوكاً وأفكاراً ورؤى عايشوها وتأثروا بها.

3- احترام الحقوق
هناك حقوق وواجبات من وجهة نظر الإسلام تتعين في ظلال الحياة الزوجية، وإن عدم رعايتها أو احترامها يوجب عقوبات محدّدة.

وفي ضوء أداء تلك الواجبات ورعاية تلك الحقوق تتوضح بواعث النزاع والممارسات الخاطئة، وتنشأ في ظلال ذلك حالة من الاستقرار مما يضمن استمرار الحياة الزوجية.

ومن خلال هذه الحقوق ينمو الحب في القلوب والاحترام والإجلال والوفاء وأداء الواجب، وغير ذلك من ضرورات الحياة المشتركة.

إن الإسلام لا يسمح أبداً بحسم الخلاف لصالح الطرف الأقوى أو يجعل له الحق في حل المسألة في ضوء ما يرغب.

إن الممارسات يجب أن تنطلق من اعتبارات إلهية محددة وأن لا تكون مدعاة للتشكيك في قداسة الأسرة.

4- توزيع العمل
من أجل استمرار الحياة الزوجية ينبغي تقسيم العمل، بحيث لا ينوء أحدهما تحت عبء ثقيل يعجز عن النهوض به. ومن الخطأ الكبير أن يلقى على عاتق المرأة مسؤولية تربية الأولاد وإدارة البيت في حين يجلس الرجل فارغ البال في زاوية من زوايا البيت. ومن الظلم أيضاً أن يلهث الرجل من الصباح إلى المساء من أجل تأمين لقمة العيش في حين تجلس المرأة في المنزل ناعمة البال.

ومن خلال سيرة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يتضح أن العمل داخل البيت هو على عاتق المرأة، بينما يبقى العمل خارج المنزل من واجبات الرجل، وطبعاً فإن هذا لا يمنع الرجل إذا ما وجد فراغاً من مساعدة زوجته ولا يمنع المرأة أيضاً إذا ما وجدت فرصة من المبادرة إلى التخفيف عن أعباء الرجل.

إن الهدف من تقسيم العمل هو تحقيق العدالة بين الطرفين.

5- التأمين
وعلى أساس ما ذكرنا يتضح على من يقع واجب التأمين الاقتصادي وعلى من تقع وظيفة تأمين الاستقرار والدفء في الأسرة.

نعم، من الممكن أن تكون المرأة ثريّة أو تعمل في وظيفة معينة، ولكن الإسلام لم يوجب عليها الإنفاق على الرجل، ذلك إن الإسلام أوجب على الرجل القيام بهذه المهمة، ومن حق المرأة أن يوفّر لها الرجل المسكن والملبس والغذاء المناسب بل وعلى أساس بعض الروايات أن يوفّر لها قدراً معيناً من وسائل الزينة.

ومن الطبيعي إذن، أن تنهض المرأة بمهمتها تجاه الرجل حيث تتولى إدارة المنزل وأن يكون تعاملها معه ودوداً ودافئاً يجعل الرجل يتلهف إلى العودة إلى البيت بشوق، وأن على المرأة واستجابة لغرائزها الطبيعية تربية الأطفال وجعلهم مدعاة لإشاعة الفرحة والأمل داخل البيت.

6- المداراة وضبط النفس
يؤدي اختلاف المشارب والأذواق بين الزوجين إلى ظهور الاختلافات والنزاعات بينهما، وأن القول إن الحياة الزوجية لا تشهد نزاعاً أو تصادماً بين الطرفين أمر خيالي بعيد عن الحقيقة، ولكن المهم في مثل هكذا حالات هو المداراة وضبط النفس.

إن الإسلام يوصي في حالة بروز نزاع عائلي أن يلجأ أحد الطرفين إلى الصمت في سبيل الله وأن يغض الطرف عن أخطاء الطرف الآخر، وأن يتعامل معه بما يرضي الله ورسوله.

وما أكثر النزاعات التي تنشأ من حساسية المرأة أو غيرتها ولكن فطنة الرجل ويقظته تعيد المياه إلى مجاريها فيخفت النزاع ويعم الاستقرار في محيط الأسرة.

إن الحياة الزوجية ترافقها المشاكل ولا يمكن تحملها إلا بالصبر وضبط النفس، وتفويت الفرصة على شيطان الغضب، والتسامح، وغض الطرف قليلاً عن أخطاء الطرف الآخر. وهذا رسول الله قمة الخلق الإنساني يقول: " خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي ".

إن من ينتخب لنفسه زوجة ينبغي عليه أن يحترمها.

*الأُسرة و قضايا الزواج،الدكتور علي القائمي، دار النبلاء،لبنان، بيروت، ط1ـ1414هـ 1994م،ص20ـ24.

2010-05-10