يتم التحميل...

الزواج الثاني

المشاكل الزوجية

تتطلب الحياة المشتركة في الأسرة انسجاماً في الفكر ورعاية كل من الزوجين للطرف الآخر، ذلك أن السعادة في الحياة العائلية إنما تقوم على التسامح والتضحية والحب، فالرجل يتحمل في ذلك مسؤولية كبرى، كذلك المرأة لها دورها الفاعل في إشاعة الدفء في الجو العائلي وتربية الجيل.

عدد الزوار: 13

تتطلب الحياة المشتركة في الأسرة انسجاماً في الفكر ورعاية كل من الزوجين للطرف الآخر، ذلك أن السعادة في الحياة العائلية إنما تقوم على التسامح والتضحية والحب، فالرجل يتحمل في ذلك مسؤولية كبرى، كذلك المرأة لها دورها الفاعل في إشاعة الدفء في الجو العائلي وتربية الجيل.

فالحياة الزوجية والأسرة تحتاج في تنظيم روابطها إلى اعتماد الأسس والضوابط الشرعية والعقلية بعيداً عن جموح الرغبات والطموحات الفارغة، فمنطق العقل ضروري جداً في إشاعة الاستقرار العائلي حتى لو اصطدم ببعض الرغبات والمشاعر.

الزواج الجديد والنزاعات
من القضايا التي تؤدي إلى تفجير النزاع في الحياة الزوجية هو إقدام الرجل على الزواج مرة أخرى، وقد يتفاقم الوضع ليتخذ شكلاً أكثر خطورة عندما نشاهد بناء أسرة جديدة على أنقاض أسرة أخرى. ولقد أيدت الشواهد أن النساء قد يتساهلن في العديد من المسائل ولكن عندما يصل الأمر إلى إقدام الرجل على الزواج الثاني فإنهن يرفضن ذلك بشدة، إذ أن المرأة تعتبره شكلاً من أشكال الخيانة التي لا يمكن تحملها أو السكوت عليها.

وما أكثر الأسر التي تقوضت وعصفت بسعادتها الرياح بسبب إقدام الرجل مرة أخرى، ذلك أن المرأة تعتبر قدوم الزوجة الأخرى سيفاً مسلّطاً فوق رغبتها، كما أنها تنظر إلى الرجل من خلال ذلك باعتباره مجرد متصاب يحاول استعادة أيام الشباب. ويبقى إقناع المرأة بذلك بالرغم من احتمال وجود مصلحة شرعية واجتماعية وأخلاقية أمراً صعباً إذا لم نقل مستحيلاً، فلقد بقي حل تلك المعضلة العويصة مستعصياً على الرجال طوال التاريخ.

أسرار النزاع
ما أن تحل الزوجة الجديدة حتى يسود المنزل جو متوتر وهدوء مشوب بالحذر، ثم سرعان ما ينفجر الموقف ليكون بداية لنهاية مأساوية.. وإذا ما أردنا الغوص في بواعث النزاعات التي تنجم عن الزواج الثاني فيمكن الإشارة إلى ما يلي:

1- طبيعة المرأة
إن المرأة ذلك المخزون الهائل من العاطفة والحنان الذي تتجلّى عظمته في تربية الجيل لا يمكنها تحمل منافس أو شخص يحاول القيام بدورها أو تقويض نفوذها في المنزل، ولذا- ومع دخول المرأة الأخرى إلى منزلها- يستقيظ في أعماقها الحقد والغيظ ولا يمكن السيطرة عليه، بل ان الأمر قد يصل حداً يمنعها حتى من الترحيب بذلك الضيف الجديد إن لم نقل رفضه ومواجهته بأعنف الوسائل.

2- خمود الحب
للحب دور فاعل في تعزيز وتمتين الروابط الأسرية، ذلك أن الألفة والأنس إنما ينبعثان من الحب، كما أن كل تضحية وفداء وتسامح يقف وراءه الحب كدافع أساسي في ذلك.

ولذا فإن الإقدام على الزواج الثاني سوف ينسف هذه القاعدة المتينة، ذلك أن المرأة ستتصور نفسها وقد أخفقت في علاقتها وأن زوجها لا يضمر لها أي قدر من الحب، وعندها تتحفز روح المقاومة في نفسها ويبدأ عهد جديد من الحياة القلقة المتزلزلة.

3- الشعور بالضعف
تشعر المرأة بالانهيار النفسي والعجز لدى إقدام زوجها على الارتباط بامرأة أخرى ذلك أنها تشعر وكأنها قد فشلت فشلاً ذريعاً في الاحتفاظ برجلها مما مكّن الآخرين من اختطافه، وهذا ما يولّد في نفسها الشعور بالضعف والخور فتتجه إلى نفسها باللوم أو تتوجه به إلى زوجها وتتهمه بعدم الوفاء، وبالتالي بدء عهد من المشكلات والنزاعات.

4- الغضب
تشعر المرأة بالغضب عندما ترى زوجها ولا همّ له إلا تلبية رغباته والبحث عن امرأة أخرى ولديه من المال والثراء ما يمكنه من تحقيق رغباته وشهواته، ويقوم الرجل من أجل تحقيق أهدافه تلك بالتضييق على زوجته وافتعال المشاكل أو خداعها بمختلف الوسائل، وهناك الكثير من النساء من هن خبيرات بذلك فيعمدن إلى المقاومة والاستعداد للنزاع.

5- استغلال القوة
قد تنشأ النزاعات بسبب محاولة الرجل استغلال القوة في تنفيذ إرادته وإشباع رغبته في التسلط، فيبدأ- مثلاً- بإعلان عزمه على الزواج من امرأة أخرى ثم يبدأ بتنفيذ وعيده دون اكتراث بموقف زوجته ورأيها في ذلك، وهكذا يبدأ العراك والصراع وينقلب نظام البيت رأساً على عقب، كل ذلك من أجل تنفيذ رغبته في التسلط والسيطرة.

6- غياب العدالة
تعود جذور العديد من النزاعات إلى الظلم وانعدام العدالة في الحياة الزوجية، ولعل المسألة تتجلى بوضوح لدى إقدام الرجل على الزواج الجديد، فالقضية ليست بهذه السهولة التي قد يتصورها البعض حتى أننا نرى القرآن الكريم يحذّر من الزواج إذا انجر إلى الظلم وانعدام العدالة، قال تعالى في محكم كتابه: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً.

إن الزواج الجديد لا بد وأن يزلزل الزوجة الأولى ويزحزحها عن موقعها السابق، ولا بد أن يكون هناك غياب في العدل في التعامل بين الزوجين ومعاشرتهما، وحتى في توفير بعض مستلزماتهما، وإذا أمكن لأحدهم أن يكون عادلاً في كل ما ذكرناه فكيف له أن يعدل في حبّهما ومودّتهما، وهذا القرآن يصرح في قوله تعالى: ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ وفي الروايات تحذيرات شديدة من الظلم في الحياة الزوجية، خاصة في هذا الجانب البالغ الحساسية.

7- الحياة القلقة
ما أكثر النزاعات الزوجية التي تنشب إثر الزواج الجديد، فتتحول معاملة الرجل لزوجته الأولى إلى شكل من أشكال التعذيب النفسي، حيث يبقيها معلّقة لا هو يمسكها بمعروف ولا هو يسرّحها بإحسان، وعلاوة على أن هذه المعاملة تعتبر عملاً جباناً فإنها تخلق لدى المرأة الشعور بالمهانة والإذلال المتعمدين مما يدفعها إلى التمرد والنزاع في محاولة لدفع الرجل إلى الشعور بمسؤوليته تجاهها أو تقرير مصيرها على الأقل.

8- تحريض الآخرين:
ربما يشتعل النزاع بسبب تحريضات يقوم بها الآخرون، كما نشاهد ذلك لدى بعض النسوة سواء كن جاراتها أو من صديقاتها أو قريباتها، وعندما تصغي المرأة إلى مثل هؤلاء فإن مشاعرها تتغير تدريجياً تجاه زوجها، الأمر الذي يهيء الظروف لنشوب نزاعات لا حد لها ولا نهاية.

وينبغي مكافحة مثل هذه التحريضات كما تفعل المبيدات بالحشرات السامة والضارة. إن البعض من الناس- ومع الأسف- يرى سعادته في مشاهدة الدموع في مآقي الآخرين، ويرى راحته في سلب الراحة من بيوت الآخرين.

آثار النزاع في الأسرة:
تؤدي النزاعات بشكل عام إلى القضاء على حالة المودة والألفة التي تسود الأسرة، إذ يحل محلها الضغينة والحقد، وإذا ما استمرت هذه الحالة فإن تراكم ذلك سوف يهدد أمن الأسرة واستقرارها. هذا على صعيد الزوجين، أما على صعيد الأطفال فإن الآثار تتخذ أشكالاً تهدد تربيتهم وتنشئتهم في الطريق المنشود، فالنزاع يسمم جو الأسرة كما أن دخان المعارك لا بد وأن يحرق عيونهم إن لم نقل بأنه سيخنقهم ويقضي على مستقبلهم.

إن النزاع في الحياة الزوجية يهدد شعور الأطفال بالأمن ويخلق لديهم حالة من الشعور بالخوف مما يشكّل خطراً على نموهم الروحي.

وتحدث الطامّة الكبرى عندما يؤدي النزاع إلى الطلاق والانفصال، إذ يصل الأمر أخيراً إلى أخطر مراحله ويفقد الأطفال تماماً شعورهم بالأمن ويسلبهم ذلك الجو الدافىء الذي كانوا ينعمون في أحضانه ويتحولون إلى كرات يتقاذفها هذا وذاك، يقضون وقتهم بانتظار من يمد لهم يداً تساعدهم أو تمسح على رؤوسهم.

حق المرأة
إن تعدد الزوجات لا يعد امتيازاً للرجل إذا انطوى على مصلحة اجتماعية وأخلاقية، فتعدد الزوجات يمكن تفسيره على أنه حق للمرأة أيضاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار المسألة الاجتماعية كلها لتشمل الدائرة نساء المجتمع، وعلى المرأة أن لا تفكر بنفسها فقط، فهناك من لا تجد من يعيلها، وهناك من لا تجد المأوى الذي تلجأ إليه، أليس من واجب المرأة هنا أن تفسح مجالاً لغيرها ؟ أليس من حق كل امرأة أن تشكل الأسرة ؟ إذا أضفنا هذا الجانب إلى جميع حسابات المسألة فيمكن أن نطرح تعدد الزوجات على أنه حق للمرأة وليس حقاً للرجل فقط.

المبررات
هناك مبررات عديدة لتعدد الزوجات منها: المرض المزمن، العقم، صيانة المرأة من الانحراف والسقوط الأخلاقي، ومع كل ذلك تعتبر بعض النساء وفود المرأة الأخرى بمثابة احتلال، ويتحول المنزل إلى ساحة حرب مدمرة. إن على المرأة أن تحكّم عقلها في هذه المسألة وأن تأخذ مصلحة أطفالها بنظر الاعتبار، ذلك أن الرجل إذا ما شعر بحاجته إلى امرأة أخرى فمن الأفضل أن يتمّ الأمر بعلم زوجته وإلا فإنها سوف تفاجأ ذات يوم بما لا يحمد عقباه لأن الرجل سوف يجنح إلى وسائل عديدة لتأمين حاجته تلك وقد ينتهي بعضها بفضيحة مخجلة للأسرة كلها.

مساوىء المنع
إن رفض المرأة لإقدام زوجها على اختيار امرأة أخرى لن يحل المشكلة بل سيعقدها ويجعل من الحياة الزوجية سلسلة من النزاعات والصراعات المريرة، إضافة إلى أثره في نشر الفساد الأخلاقي والأمراض النفسية، وقد يؤدي الأمر في بعض الأحيان إلى فرار المرأة من المنزل، إن موافقة المرأة على خطوة زوجها ربما يعتبر أفضل الحلول لحفظ الاسرة من الأنهيار إضافة إلى أثره في الحد من توسع الفساد الخلقي والفحشاء.

حديث مع الرجال
تعتبر المرأة وفود أخرى ومشاركتها لزوجها تهديداً مصيرياً، ذلك أنها تنظر إلى زوجها وكأنه قد اعتبرها مجرد سلعة قديمة أو شيئاً استنفذ أغراضه، ومع الأسف فهناك من الممارسات ما يؤيد هذه النظرة. إن انعدام العدالة في التعامل، والظلم الذي يرتكبه الرجل بحق الزوجة الأولى هو أساس أكثر النزاعات التي تنشب في الحياة الأسرية.

إن تعامل الرجل يجب أن يكون بمستوى الإنسانية على الأقل وأن لا يقدم الرجل على جرح عواطف زوجته أو يعرّضها وأولادها إلى الشعور بالضياع والحرمان، وأخيراً فإن إقدام الرجل على اختيار امرأة أخرى لا يعني أهمال زوجته الأولى وحرمانها من حقوقها، وسقوطها من قائمة الحسابات.

*الأُسرة و قضايا الزواج،الدكتور علي القائمي،دار النبلاء،لبنان، بيروت،ط1ـ1414هـ 1994م،ص88ـ93.

2010-05-14