يتم التحميل...

رواية زيارة الإمام الخامنئي للمناطق التي ضربها الزلزال الأخير

زيارات

قصّة مرافقة قائد الثورة المعظّم في تفقّد منطقة «سربل ذهاب» والمناطق المحيطة بها التي ضربها الزلزال.

عدد الزوار: 19
رواية زيارة الإمام الخامنئي للمناطق التي ضربها الزلزال الأخير_20/11/2017

أخبروني إلى متى؟


تفقّد منطقة «سربل ذهاب» والمناطق المحيطة بها التي ضربها الزلزال. بقلم مهدي قزلي

الخبر قصير: حدث زلزال. والحادثة أيضًا قصيرة؛ لم تستغرق سوى بضع ثوان، لكنّ تبعاتها كبيرة؛ يُؤلّف عنها كتاب، ولربّما كتب؛ إنّها طويلة، ربّما بمقدار عمر أو مرور جيل. من الآن فصاعدًا، سيترك زلزال 21 آبان / 13 تشرين الثاني 2017 أثره دائمًا في ذكريات وقصص «سربل ذهاب»؛ كما حدث في زلزال «رودبار» و«بم» و«ورزقان»و...


اتّصل بي أحد الإخوة العاملين في موقع khamenei.ir وسألني: هل أنت في طهران؟ في كلّ مرّة يسألني هذا السؤال أدرك أنّه يجب أن أكون في طهران! تريّثت قليلًا، وعرفت من خلال التجربة ما القضيّة؟ سألت: هل هي زيارة تفقّديّة؟ لم يُجب. إنّما اكتفى بالقول: إذن سأسجّل اسمك. قلت لربّما لن يمكنني الحضور. قال: لقد سُجّل اسمك من قبل، وانقطع الاتّصال.

المرّة الأولى التي واجهت فيها ظاهرة الزلازل كانت في «بم»؛ في اليوم التالي لوقوع الزلزال، عملت والرفاق على جمع وتهيئة المساعدات والأدوية والألبسة، وذهبنا في أوّل طائرة إلى بم. سلّمنا المساعدات للهلال الأحمر هناك، وانطلقنا لإغاثة المنكوبين. يومها أدركت أنّي لا أعلم شيئًا عن «الإغاثة» وأنّني لم أكن سوى عبء فوق كمّ مشكلات فريق الإغاثة الحرفيّ. فعدنا إلى طهران في طائرة النقل تلك، لتصبح تلك التجربة الفاشلة من أساسها، تجربة قيّمة جدًّا.

صباح يوم الاثنين ركبنا الطائرة متوجّهين نحو «كرمانشاه». سألت الإخوة عن قيمة تذكرة السفر؛ كان ثمنها يتراوح ما بين الـ90 ألفًا والـ 110 آلاف تومان. وكان من الواضح أنّ كلّ شخص مسؤول عن عمل كهذا، يحيط علمًا بعدد الرحلات إلى كرمانشاه وبقيمة التذكرة إلى هناك. في اليوم التالي لوقوع الزلزال وجدنا أنّ قيمة التذكرة إلى كرمانشاه قد وصل إلى المليون تومان بل سمعنا أنّه ناهزه. في الطائرة، ألقيت نظرة إلى أبحاثي السابقة؛ للسيّد القائد باع طويل في مساعدة المناطق التي اجتاحتها السيول وضربتها الزلازل. فمنذ ما يقارب الخمسين عامًا، وفي زلزال مدينة «فردوس» و«دشت بياض»، شكّل فريقًا مؤلّفًا من 70 شخصًا، ومن خلال نصبه لخيمة الإغاثة الأساسيّة في الساحة الرئيسيّة لمدينة فردوس، وإرسال المساعدات إلى القرى المحيطة، وبعد ذلك بفترة، تأمين الصوف والخيطان وآلات حياكة السجّاد اليدويّة لتأمين العمل الدائم نسبيًّا للناس، فإنّه يخوض تجربة حرفيّة منذ عمر الثلاثين عامًا. بعدها بـ 10 سنوات تمامًا وفي أوج النضوج، وبالطبع، في فترة الكفاح في سبيل الثورة، والنفي، خاض تجربة الإغاثة في حادثة سيل «إيرانشهر» وزلزال «طبس». وبعد الثورة أيضًا نزل بشكل مباشر إلى المناطق المنكوبة جرّاء الزلازل في «رودبار» و«بم» و«ورزقان»، وكانت له متابعات حثيثة [في هذا الصدد]. كلّ هذه الأمور تشير إلى أنّه ذو إلمام جيّد فيما يتعلّق بالكوارث الطبيعيّة والقهريّة. فيما بعد، التفتّ إلى هذا الإلمام من خلال حديثه إلى مسؤولي الإغاثة وإعادة إعمار «كرمانشاه». ربّما لهذا السبب، نزل بنفسه شخصيًّا بعد قرابة الأسبوع من وقوع الزلزلة، لتفقّد المنطقة والإطّلاع على الأمور عن كثب. الشخص الذي كان في فترة الحكومة البهلويّة يساعد الناس المتضرّرين من السيول والزلازل بقدر استطاعته، لا يمكنه الآن قطعًا، ومقدّرات البلد في يده، أن يمرّ مرور الكرام على هذه الحوادث ودون أن يكترث لها.

حطّت الطائرة. جاء إلينا نحن الثلاثة شابّ وسألنا: أتعرفون كيف يمكنني الذهاب إلى «سربل ذهاب«؟

لربّما استشفّ من حديثنا حول الزلزال أنّنا ذاهبون إلى هناك؛ قلنا له لا نعلم فذهب في طريقه. في أثناء انتظارنا لسيّارة تقلّنا، ثار فضولي، فتوجّهت إلى صفّ سيّارت «التاكسي» الخاصّة بالمطار، ورأيت شابّة تسأل أسئلتي الفضوليّة نفسها. والخلاصة أنّ أجرة سيّارة التاكسي إلى سربل ذهاب كانت 100 ألف تومان، وأنّ محطّة الحافلات في مدينة كرمانشاه لم تكن تشهد حركة نقل وانتقال باتّجاه سربل. اختارت الشابّة أن تذهب إلى جامعة العلوم الطبّيّة، وعلى ما يبدو أنّها كانت طبيبة، وكانت من أولئك الأطبّاء الذين أرادوا التطوّع بالذهاب إلى المناطق المنكوبة. وكذا كان الشابّ أيضًا على ما يبدو، وقد جاءا بمفردهما، ولم يكن من الواضح أنّهما جاءا وتشكّلا ضمن فريق خاصّ. وقد وقعا في الخطأ نفسه الذي وقعنا فيه نحن عندما ذهبنا بمفردنا إلى بم؛ عندما وصلنا إلى هناك ارتدى كلّ واحد منّا بزّة الهلال الأحمر، وحيث كنّا نشعر بالجوع، تناولنا غداءنا أوّلًا، ومن ثمّ دخلنا المدينة بواسطة سيّارة. كانت الأجساد لا تزال مرميّة على جانب الطرقات، وقد غُطّيت بالبطّانيّات. شعر بعضنا بالغثيان. وفي منطقة هُدمت بيوتها بدأنا برفع الردم بشكل عشوائي. وبعد ساعة التفتنا إلى أنّنا كنّا نرفع الردميّات عن الشارع. وبعد مضيّ ساعتين ظهرت البثور في أيدينا وانتشر الألم في أرجلنا وظهورنا، وأصبحنا أنفسنا بحاجة إلى المساعدة والماء و...

على المرء الذي يذهب للإغاثة أن يعلم بدقّة العمل الذي يذهب من أجله، والتشكيل الذي من المفترض أن يعمل فيه. بالمناسبة، هناك علمنا بأنّ أفضل الأماكن للمساعدة في مثل هذه الظروف هي المؤسّسات العسكريّة؛ لأنّها تكون منظّمة، ولديها قيادة، وأجهزة لاسلكي واتّصال، كما يكون لديها برامج واضحة و...

في تلك الفترة لم يكن يوجد تلغرام في بم، وإلّا لكنّا بعد تلكما الساعتين الأوليين تحوّلنا إلى عمّال إغاثة يفتقدون للتجربة في هذا الزلزال الأخير والذين عندما يعجزون، يضعون صورهم ونصوصهم ورسائلهم الصوتيّة المحبطة الممهورة بلحن التضرّع، وينشرون الرعب بين الناس. كان أحد رفاقي ممّن لديهم خبرة في هذا المجال يتذمّر من هؤلاء الذين يرسلون مثل هذه الرسائل؛ وكان يقول: عامل الإغاثة المحترف يحلّ المشكلة على الأرض وفي الميدان. فالمنكوب جرّاء الزلزال سيتعرّض للبرد في الليلة الأولى؛ حسنًا، فليخرج حرامًا من تحت الردم وليغطّه به، فتُحلّ مشكلة البرد. لماذا ترسل الرسائل عبر التلغرام وتذرف الدموع وتتأوّه وتطلب من الناس أن يرسلوا البطّانيّات. فلنفترض أنّ الناس أرسلوا البطّانيّات في تلك اللحظة نفسها؛ سيستغرق الأمر يومًا بالحدّ الأدنى لتصل البطانيّات. ماذا سيكون العمل في ذلك اليوم؟ هل نترك المنكوبين يموتون من البرد؟ من ناحية أخرى، ستظهر مشكلة جديدة، وهي أنّ البطّانيّات ستصل بأعداد كبيرة، وسيتمّ نسيان الاحتياجات الأخرى. رفيقنا المتمرّس هذا كان يقول: ينبغي أن توضع نقاط تفتيش على الطرقات، ولا يُفسح المجال لعديمي الخبرة بالدخول إلى المنطقة المنكوبة. فهذا يزيد المشكلات ولا يحلّها...

لقد استطردت قليلًا عن الموضوع؛ فموضوع ذهابنا يتعلّق بزيارة القائد. تجمّعنا في كرمانشاه في مكان ما منتظرين الخبر. اتّصلت برفاقي الذين كانوا قد ذهبوا إلى هناك واستطلعت منهم أخبار المنطقة. كانت عمليّات الإنقاذ قد تمّت، وقد وصلت أعمال الإغاثة إلى حدّ جيّد. والأوضاع كانت تحت السيطرة. الدمار الرئيسي كان في سربل ذهاب والقرى المحيطة بها، وقد بلغت الخسائر والأضرار هناك ما يقارب الـ 80% (أو أكثر). تفحّصنا أحوال الطقس، كان من المحتمل سقوط الأمطار. خاف المصوّرون ألّا يستطيعوا التقاط صور واضحة في ذلك الطقس الماطر. أمّا أنا فرحت أفكّر ماذا سيفعل المطر في هؤلاء الناس المشرّدين الذين أصبحوا بلا مأوى؟ لعلّها كانت من المرّات المعدودة التي دعوت الله فيها بأن لا يهطل المطر.

في الأسبوع الماضي أيضًا، كانت الأوضاع متأزّمة جدًّا. فقد قام قادة الجيش والحرس وبعض الوزراء ورئيس الجمهوريّة ورئيس المجلس بجولات تفقّديّة في المنطقة ورجعوا. وبالطبع، ينبغي أن يتولّى أمر الميدان من خاض التجربة في عدّة زلازل وحوادث، ومن يعلم بأنّ إغاثة المنكوب أمر تخصّصي وأنّ أولويّات عامل الإغاثة تتغيّر ساعة فساعة. فالأولويّة في الساعات الأولى هي «للإنقاذ». وبعد عدّة ساعات أخرى يصبح الإنقاذ بلا معنى، وتصبح الأولويّة للناجين. على المسؤول الميداني أن يدرك بأنّ عليه تأمين الماء والطعام والملابس الداخليّة للناجي المنكوب [المصدوم]، وبعد 48 ساعة عليه أن يبدّل أولويّاته إلى تأمين الإسكان المؤقّت في الخيم. وبعد الأسبوع الأوّل عليه أن يتفهّم بأنّ الأطفال لا يعون شيئًا عن الحادثة وأنّهم يريدون اللعب.

«أعمال الإغاثة» هي تخصّص، وينبغي أن تُنجز على يد المتخصّصين. إنّ جمع المساعدات الشعبية من قبل الأفراد والجماعات المتحمّسة أمر جيّد، ولكنّ الأخذ والردّ والحضور في الميدان ليس بالأمر الحرفيّ. على فريق الإنقاذ أن يكون لديه جدول أعمال. فالحماسة بعد اليوم الأوّل هي كالسمّ؛ على سبيل المثال، أولئك الذين لديهم كلاب مدرّبون للعثور على الأحياء، يشكّلون مع بعضهم البعض جمعيّة، وكلّما وقعت حادثة في مكان ما، يذهبون بشكل تطوّعي وبأقصى سرعة ممكنة إلى محلّ الحادثة للمساعدة في عمليّات الإنقاذ والعثور على الأحياء. هؤلاء على درجة عالية من الحرفيّة، بحيث إنّهم يعودون في اليوم الثاني من تلقاء أنفسهم، لأنّهم يعلمون أن لا جدوى لحضورهم بعد ذلك. في جمع المساعدات وتوزيعها ينبغي الامتثال لنداء وأمر واحد، وإلّا لأمكن للهرج والمرج في الأوضاع غير العاديّة لما بعد الزلزلة، أن يشكّل بنفسه هزّة إرتداديّة أسوأ من الزلزلة نفسها. ربّما لهذا السبب ينبغي لمسؤول قيادة الأزمة في البلاد ورئيس الهلال الأحمر أن يكونا غير سياسيّين تمامًا وأن يُنتخبا على أساس الخبرة، بحيث لا يتغيّران أو يُستبدلان بتغيّر الحكومات.

كانت هذه من الأمور التي حصلت عليها من خلال حضوري في الميدان بعد زلزال بم والحوارات التي قمت بها مع الخبراء بعد ذلك؛ هذه التجارب التي لم يُستفد منها، أو على الأقلّ لم يُستفد منها كما يجب.

انطلقنا من كرمانشاه إلى سربل ذهاب قرابة الساعة الثالثة عصرًا. حاولنا أن نخمّن البرنامج. كنّا نقرأ المسافات على الخريطة؛ كان أمامنا 160 كيلومترًا للوصول إلى سربل ذهاب. تعجّبنا. كان من المستبعد أن يكون القرار هو الذهاب إلى سربل ذهاب في حال لم تكن الإمكانيّات متوافرة فيها. رحنا ننظر في المدن وضواحيها لنتبيّن إن كان هناك مكان قريب لسربل ذهاب يأتي القائد إليه بالطائرة أم لا؛ لم نتوصّل إلى نتيجة. كنّا نعلم بأنّ برنامج الزيارة التفقّديّة سيكون في اليوم التالي، وأنّ القائد لن يأتي في الصباح الباكر لأنّ الناس سيكونون ما زالوا نائمين. وكنّا نعلم أيضًا بأنّه لن يمكث طويلًا هناك لئلّا تختلّ الأمور. ومن تجربة «ورزقان»، علمنا بأنّ برنامج الزيارة سيشمل القرى أيضًا. من خلال هذه التخمينات، لم نتمكّن من تبيّن طبيعة البرنامج. وبينما نحن نجوجل أفكارنا ونقوم بهذه العمليّات الحسابيّة، وصلنا إلى مدينة، وفي هذه المدينة دخلنا مدرسة؛ كانت المدينة سالمة، لكنّها لم تكن «سربل ذهاب». سألنا عنها، قالوا إنّها «كرند» وتبعد قرابة الخمسين كيلو مترًا عن سربل. تقع المدينة إلى جانب سلسلة جبال حادّة الارتفاع تشبه الجدار، وقد شمخت هذه الجبال برأسها إلى الأعلى من دون أن يكون فيها أيّ منحدر. وتصلح لموقع فيلم وقعت أحداثه في حقبة الستّينات. وكأنهّا بقيت من تلك الحقبة. البيوت فيها مؤلّفة من طبقة أو طبقتين، والجدران من الآجر ومن دون واجهات خارجيّة، وكأنّها زقاقنا منذ ثلاثين عامًا عندما كنّا في المرحلة الابتدائيّة! كانت المدينة عامرة بالحياة، لكن أن تكون «كرند غرب» مثل أحياء طهران الفقیرة والمعدمة قبل ثلاثين عامًا، ليس بالأمر الجيّد أبدًا.

دخلنا ملعب مدرسة. وجدنا الناطور قد نصب خيمةً وسط الملعب تمامًا، وقد جلست فيها عائلته. كان من الواضح أنّ الناس لا يزالون خائفين من زلزال جديد. نحن أيضًا دخلنا مبنى المدرسة واتّخذنا مواقع لنا في المصلّى والصفوف. كانت الصفوف سالمة ولم يظهر فيها أيّ تفسّخ وتصدّع. وقبل أن يلفّ الظلام بجنحه المكان، قمت بجولة في المدرسة. كان كلّ شيء سالمًا، وكأنّ الزلزال لم يحدث أيّ أضرار في مدينة «كرند»، ولكنّ حديث الجميع في كلّ مكان كان عن الزلزال، من الخبّاز إلى متجر البقالة، إلى النساء أمام بيوتهنّ؛ سألتنا إحدى جارات المدرسة: «هل جئتم لتقديم المساعدة؟ لستم من الهلال الأحمر، أليس كذلك؟... لكن مهما كنتم وفّقكم الله. إن احتجتم إلى أيّ شيء؛ سجّاد، بطّانيّات، دفّاية، فاطلبوه منّي». كانت كسائر أبناء الشعب الإيراني؛ محبّة، ولديها إحساس بالمسؤوليّة وتثق بنا كثيرًا وهي لا تعلم من نحن، لكنّها أحسّت بأنّنا ذاهبون إلى «سربل ذهاب» للمساعدة.

لو أراد الشعب والمسؤولون أن يشكروا الله على نعمة واحدة فقط فعليهم أن يشكروه لنعمة اتّحاد الشعب الإيراني وانسجامه ومحبّته لبعضه الآخر. على أيّ حال.


عند الصباح، حين كنت أتحضّر للمغادرة، سألتني ابنتاي فاطمة ونرجس: إلى أين أنت ذاهب يا أبي؟

أجبت: إلى كرمانشاه حيث منكوبي الزلزال. ذهبتا إلى غرفتهما وعقدتا جلسة هناك وعادتا إليّ بكيس يحوي دفترين، وعلبة تلوين مائي، ومحفظة مليئة بأقلام التلوين الخشبيّة، وحقيبة بنّاتيّة صغيرة بداخلها سيّارة صغيرة، وكتابين أو ثلاثة ودفترًا صغيرًا وصفّارة، لأقدّمهما إلى أحد الأطفال المتضرّرين من الزلزال. من الجيّد للناس أن يطلبوا من أولادهم على اختلاف أعمارهم إرسال المساعدات؛ أحيانًا يلتفت الأطفال إلى بعض الأمور بشكل أفضل منّا. وضعت هديّة ابنتيّ إلى جانبي وتمدّدت في صفّ السيّدة سلطاني في مدرسة «هاجر» في «كرند غرب». وجدت مكتوبًا على اللوح، موضوع إنشاء: «أين كنت حين حدث الزلزال؟ وماذا حدث؟ أو من فقدت؟ أو ماذا حدث لك؟...»؛ تلك النقاط الثلاث الأخيرة من الموضوع كانت جيّدة. فالزلزال نهايته مفتوحة؛ تبقى مفتوحة ولا تُغلق. عليك أن تكون من المبتلين بهذا الأمر حتّى تفهم معنى هذه النقاط الثلاث.

انتبهنا من النوم عند الساعة الثالثة والنصف صباحًا. صُدمنا حين نظرنا في هواتفنا الخلويّة. كانت كلّ المواقع الإخباريّة تقول إنّ القائد المعظّم قد قام بجولة تفقّديّة ليليّة على المناطق المنكوبة. لم نكن نعلم إن كان الخبر صحيحًا أم لا. ولم يكن لدينا طريق للتحقّق من صحّته. بعضهم على التلغرام كان يُقسم بأنّه رأى القائد وتحدّث إليه! ومن أجل أن نتبيّن تفاصيل المسألة كنّا مضطّرين لتسليم أغراضنا وهواتفنا الخلويّة والانطلاق. كانت السماء ترسل برذاذها، ولم يكن الجوّ باردًا كثيرًا كما طهران في فصل الخريف. وكانت الطريق خالية. وصلنا قرابة الخامسة والنصف إلى سربل ذهاب. كانت الخيم منتشرة على جانبي الطريق الرئيسيّة، وفي بعض الأماكن نُصبت وسط الطريق. كان بعضها مضاءً، وأكثرها مطفأً. يا له من منظر عجيب! المدينة مدمّرة، وقد هُدمت طبقات بعض المباني تمامًا، فيما بقيت بعض المباني الأخرى إلى جانبها سالمة تمامًا! وقد رُكنت السيّارات والدرّاجات الناريّة إلى جانب الطريق الرئيسي للمدينة أو بين الخيم. رؤية تلك الخيم المطفأة تصيب المرء بالاكتئاب. هل يتوجّب على هؤلاء الناس أن يناضلوا ویحاربوا لعدّة سنوات أخرى حتّى يستعيدوا حياتهم الطبيعيّة؟

كانت سيّارة الشرطة تجول على الطريق الرئيسي من دون أن تحدث أيّ صوت؛ ولا بدّ أنّها كانت تقوم بذلك من أجل أن يشعر الناس بالأمان. كما كان هناك نقطة للشرطة على مدخل المدينة.

الأمر الجيّد في الخيم أنّها كانت متشابهة ومتماثلة؛ بالحدّ الأدنى كان أكثرها كذلك. في [زلزال] بم [قبل سنوات]، تمثّلت إحدى المشاكل في كون هذه الخيم مختلفة فحصلت منازعات ومشاكل على توزيعها. أمّا هنا فالغنيّ والفقير سواء. فالبيوت كانت إمّا منهدمة تمامًا، أو غير آمنة للسكن، لذا، نصب الناس الخيم في أقرب مكان لبيوتهم.

كان الطقس غائمًا. صلّينا صلاة الصبح وتناولنا فطورنا، وتأكّدنا بأنّ أخبار منتصف الليل حول زيارة القائد لم تكن صحيحة. قرابة الساعة الثامنة صباحًا راحت سيّارة نُصب عليها مكبّر صوت تجول في المدينة وتذيع على الناس بأنّ قائد الثورة سيلقي بعد دقائق خطابًا إلى جانب مديريّة الكهرباء. وهكذا، أصبح الجميع على علم بالأمر، وأدركنا من التجربة بأنّ القائد سيأتي ما بين الساعة 9 و 10. كنّا مستعدّين، وكما فعلنا في برنامج رحلة «سنندج» و«قم» صعدنا على ظهر شاحنة صغيرة. داخل الشاحنة كان يجلس المراسلون والمصوّرون، ويسيرون أمام سيّارة القائد، بحيث يمكنهم تصوير مقاطع الفيديو والتقاط الصور من هناك. إنّ تجربة ركوب شاحنة المراسلين لهي تجربة مزعجة وغير مريحة. فعلى السائق أن يوائم في تحرّكه بين نفسه والازدحام وأوامر مسؤول الحماية، وعلينا نحن على ظهر الشاحنة أن نكيّف أنفسنا مع قوانين «نيوتن» للحركة والسكون!

أبكرنا الوقوف على ناصية الشارع نشاهد استيقاظ الناس. لم يبدُ أنّ الناس تظهر ردّة فعل على البيان الذي كانت السيّارة المتجوّلة تبثّه عبر المذياع. كان معظمهم مشغولين بخيمهم التي من الواضح أنّهم لم يعتادوا عليها بعد. وأنّى لهم أن يعتادوا بسرعة على مكان صغير وبارد وغير ثابت. كان ذلك أوّل برنامج وسفر محزن لي مع القائد. فالبرامج السابقة كلّها كانت برامج لقاءات فرحة وحماسيّة: في كردستان وتشالوس، وبندر عباس، وخوزستان، وقمّ وخراسان شمالي و... وكنّا نعلم في تلك البرامج أنّ الناس ستأتي ولو من باب الفضول، ولكنّ الناس هنا موجوعة ومتألّمة حتّى ولو لم تكن مفجوعة بأحد أقربائها.

كان الشباب يمرّون من أمام سيارتنا ويحدّقون بنا. تقدّم نحونا شخص أو اثنان وشرعا الباب للحديث. فالزلزال كما باقي الحوادث المشابهة، يفتح الباب للمبالغة واختلاق الشائعات. قال أحد الشباب إنّ قرية محاذية لسربل ذهاب تضمّ 170 وحدة سكنيّة قد سوّيت بالأرض تمامًا ومات كلّ سكّانها، في حال أنّ إحصاءات الخسائر التي حصلت عليها من أحد أصدقائي العاملين في حقل الإغاثة، تشير إلى أنّ معظم الأضرار والخسائر القرويّة كانت في قرى «كوئيك» الأربعة، حيث بلغت الأضرار والخسائر نسبة80%، يُقال إنّه قبل الزلزال الرئيسي بدقائق وقعت هزّة خفيفة فتنبّه الناس. ولهذا السبب، وعلى الرغم من الخراب والدمار الكبير الذي حلّ ببعض المناطق إلّا أنّ الخسائر البشريّة لم تكن موازية له.

لم يكن عدد من يرتدون البزّات العسكريّة في المدينة قليلًا. سمعت أنّ أعمال الإغاثة والإعمار قد أوكلت في «سربل ذهاب» إلى الجيش، فيما أوكلت هذه الأعمال في القرى إلى الحرس. ولهذا كان عدد العسكريّين كبيرًا. ولم تكن الشعارات التي كتبها الجيش على جدران المدينة قليلة من قبيل «الجيش في خدمة الشعب» وهكذا شعارات الحرس والهلال الأحمر التي تثني على الناس وتشكرهم. ولربّما كان السبب في إيكال أعمال الإغاثة هناك إلى الجيش هو أوضاع المنطقة؛ حيث المنطقة حدوديّة يمكن اختراقها من قبل أعداء الثورة وداعش.

وقف شابّ سمين ورفيقه أمام المصوّرين ووضع كلّ واحد منهما يده على كتف الآخر وقال السمين للمصوّر: «التقط لنا بعض الصور ولتسلم يداك».

كان من أهل خوزستان. من «رامهرمز» و«دزفول». قالا إنّهما ما إن سمعا بنبأ الزلزال حتّى جمعا موكبهما الذي كانا قد نصباه لزوّار الأربعين وجاءا به إلى هنا. كانا يقولان إنّ هناك 12 قرية تحت رعايتهما. قلت: وماذا تفعلان الآن في المدينة؟ قالا: وماذا تفعلون أنتم؟ وضحكا. قالا: اتّصل بنا رفاقنا من المدينة وأخبرونا بالزيارة التي سيقوم بها القائد، فقلنا حسن، فنذهب إلى ملاقاته. وقال: قرأت في كتاب «رواية زيارة القائد لسيستان»: «أينما وجدتَ المصوّرين، فمن المفترض أن يأتي القائد إلى هناك». التفت إليّ المصوّرون وقالوا: «ماذا يعني هذا الكلام؟ كلّما نعانيه هو من فعل يدك ومن طول لسانك وشطحات قلمك». قلت: «وما دخلي أنا بالموضوع، إنّ أمير رضا خاني هو الذي كتب هذا!».

سألت الشابّ السمين: هل هناك فرق في الأولويّة عندكم بين مساعدة الشيعة والسنّة؟ أجاب وقد اتّخذ وضعيّة جديّة بعد أن كان يضحك قائلًا: «معظم أهل القرى هم من السنّة وبعضهم من الشيعة، ولكنّنا لم نسأل أيّ منهم إن كان شيعيًّا أم سنّيًا؛ ولم نسألهم هل كانوا فرحين أم لا عندما جرى الإستفتاء على انفصال إقليم كردستان؛ فهذا بعيد عن المروءة والشهامة. إنّنا نقدّم لهؤلاء التقديمات نفسها التي نقدّمها لزوّار الامام الحسين (عليه السلام). يشهد الله أنّنا قدّمنا الكثير من الوجبات الساخنة بحيث صاروا يسألوننا: ما هو الطعام اليوم؟ أحيانًا كانوا يختارون نوع الطعام الذي يحبّون».

وهذا ما أكّده لي صديقي، عامل الإغاثة، وقال إنّ الناس قلّما استفادوا من الوجبات الجافّة (النواشف)، لأنّ الطعام كان يصلهم. كما أنّهم شرعوا بتوزيع المساعدات والتجهيزات من القرى. وأضاف أنّ المساعدات الشعبيّة والحكوميّة زادت عن مقدار الحاجة ما اُضطرّ المعنيّين إلى تخزينها للأيّام الآتية.

قال الشابّ السمين: «بما أنّنا صرنا رفاقًا دعنا نصعد معكم على ظهر الشاحنة. لنشبع من رؤية القائد، ونزيل التعب عن كاهلنا». هو نفسه كان يعلم بأنّنا لن نسمح له بالصعود على ظهر الشاحنة خاصّة أنّه كان قد قرأ رواية زيارة القائد إلى سيستان .

انطلقت الشاحنة مسرعة إلى آخر المدينة فتوقّفنا إلى جانب مجمّع «مهر» السكني؛ وكانت مبانيه لا تزال قائمة، إلّا أنّ واجهاتها الخارجيّة كانت متضرّرة وزجاجها محطّم. كنّا لا نزال نفكّر في الأسباب التي أدّت إلى عدم انهدام مباني مجمّع «مهر»، وإذا بالشاحنة تستدير وتعود بالسرعة نفسها إلى المكان الذي كنّا فيه. لم تكن المدينة كبيرة ولكنّ الخراب والدمار فيها كانا كبيرين. كان الناس يتوجّهون بهدوء إلى المكان الذي أبلغوا به. معظمهم كان ينتعل الحذاء البلاستيكي «المشايّة»، ويحمل في يده هاتفًا خلويًّا. يا له من وضع مضحك: لم نكن نحن نحمل الهواتف الخلويّة فيما كان كلّ الناس يحملونها! كان هذا السفر الأوّل الذي لم يكن فيه أيّ برنامج لهواتف الناس الخلويّة .

لم تكد الساعة تبلغ العاشرة حتّى وصلت سيّارة القائد. برأيي، إنّ الناس عرفوا بأنّ القائد قد وصل من معرفتهم بالسلوك العامّ لنا في مثل هكذا أوضاع. لأنّنا لم نفهم ماذا حدث حتّى اشتدّ الزحام. تداخلت الأمور ببعضها. مشت الشاحنة وسيّارة القائد خلفها. تقدّم شابّ وضرب بيده بقوّة على زجاج نافذة السيّارة، حيث يجلس القائد، وقال بضع كلمات بصوت عال لم نفهمها. انتاب القلق رجل الحماية الذي كان برفقتنا على ظهر الشاحنة. وبعد أن قال الشاب ما عنده مدّ عنقه إلى النافذة وطبع قبلة عليها. فاطمأنّ بال رجل الحماية.

لم يكن الفريق المرافق قد أعاد تنظيم نفسه، واحتشد الناس وحدهم حول السيّارة. دخلت الشاحنة إلى محلّة «فولادي» التي شهدت أكثر الأضرار والخسائر. كانت أزقّة محلّة فولادي شبيهة تمامًا بمدينة خرّمشهر أيّام الحرب التي شاهدناها في الصور والأفلام الوثائقيّة. كانت الحجارة والأتربة قد سقطت على الأرصفة. اقترب بعض الناس من سيّارة السيّد القائد وصعد بعضهم فاتحًا كاميرا جوّاله على تلّ الركام. أحيانًا كان شباب الحماية يسعون للسيطرة على أولئك الواقفين على التلّ يصوّرون، لكن، أنّى لهم صعود تلّ الركام هذا المليء بالزجاج والأتربة وأوتاد الحديد و...؟



توقّفت سيّارة القائد في مكان لخمس عشرة ثانية. لم يكن ممكن للسائق وشباب الحماية إيقاف السيّارة الحاملة له لخمس عشرة ثانية، إلّا إذا أراد القائد ذلك. وجدها الناس فرصة للاجتماع. اختلطت الشعارات ببعضها؛ أحدهم كان يقول «روحي فداء للقائد»، وآخر يقول «أنا خادمك»، جماعة أخرى راحت تردّد من هول الصدمة: «صلّ على محمّد ناصر القائد أتى!» استغرق الأمر بعض الوقت لتتّحد أصواتهم وشعاراتهم: «يا باقة ورد محمّديّة أهلًا وسهلًا بك في مدينتنا.»... وأيّ مدينة؟ ... فُتح باب السيّارة؛ فكّ القائد حزام الأمان الذي كان لا بدّ من وضعه في تلك الأوضاع وترجّل من السيّارة. قفزت من على ظهر الشاحنة وتوجّهت نحو السيّارة. تهافت الناس إلى الأمام. كانوا يمدّون أيديهم ليسلّموا على الإمام القائد الذي كان يسير وابتسامته تعلو وجهه، وهو يرتدي عباءة عسليّة اللون وجبّة «بيج» وحذاءً أسود يكاد يصبح بلون التراب وموحلًا.


اشتدّ الزحام من حوله. كانت تلك المرّة الأولى التي أرى فيها إدارة الميدان تخرج عن السيطرة. تدافع الجموع أعاق حركة القائد ولم يسمح له بالتقدّم إلى الأمام. شيئًا فشيئًا بدأ شباب الحماية يسيطرون على الوضع. حاول شابّ إيصال نفسه بالقوّة إلى القائد، فأزاحه شباب الحماية جانبًا. توقّف القائد في تلك الزحمة وأشار إليه أن تقدّم؛ ما اضطّر شباب الحماية إلى جلبه. تقدّم الشابّ وتحدّث لبضع ثوانٍ مع القائد وذهب إلى حال سبيله. كان الكثيرون يلقون السلام على القائد بصوت عال. صاح شابّ بصوت عالٍ: «عشت»، وردّت امرأة بصوت متمايز عن البقيّة قائلة: «روحي فداء للقائد». كم كنت أحبّ أن ألتقي هذه المرأة على هدوء لأسألها ماذا فعل الزلزال بحياتها وكيف هي أوضاعها لتقول بعد أسبوع من تلك الحادثة: «روحي فداء للقائد». كان القائد يمسك العصا وعباءته بيد، ويلوّح بالأخرى للناس. تصاعد الغبار من ازدحام الناس. مرّت عدّة دقائق على هذه الحال من الازدحام، فإذا بشباب الحماية يتقدّمون بالسيّارة ليركب القائد، ولنقفز نحن أيضًا إلى ظهر الشاحنة.

جالت السيّارة جولة أخرى في محلّة فولادي ودخلت باحة توجد منصّة إلى الأمام تلي بابها. ترجّلنا جميعًا خلف المنصّة. صعد القائد الخامنئي على السلالم فارتفعت أصوات الجميع. أردت أن أصعد المنصّة فلم يسمح لي الحارس وقال: إلى أين أنت ذاهب؟ قلت: في نزهة... أين يذهب المصوّرون الفوتوغرافيّون ومصوّرو الأفلام؟ ألقى نظرة إلى يدي فلم يجد سوى قلمًا وأوراقًا. قال: ليس بحوزتك كاميرا. قال أحد الحرّاس الآخرين: دعه يمرّ، لقد تمّ التنسيق فيما بيننا وبينه. بعد ذلك همس في أذني وقال: لتكتب هذه المرّة أيضًا كتابًا جيّدًا!

كان الناس يتدافعون تحت المنصّة. تأخّرت عن الكتابة. وقفت جماعة فوق تلّة من الركام. كتب بعضهم شعارات على قطع من صناديق الكرتون التي حملت المساعدات الشعبيّة ومساعدات الهلال الأحمر ورفعوها بأيديهم. وكان بين الجموع عمّال إغاثة من الحرس والجيش، وكذا طلبة العلم الذين كانوا قد جاؤوا لمساعدة أهالي سربل. ومن بعيد كان الناس يأتون أيضًا؛ البعض منهم على مهل والبعض عدوًا.


ألقى القائد التحيّة عليهم فردّ الناس عليه السلام بصوت عال. بدأ القائد كلامه على الشكل التالي: «كنّا نرغب أن نأتي إلى مدينتكم في أجواء الفرح، وأنتم في هناءة عيش، لا في أجواء غمّ وحزن ومصيبة وبلاء. إنّه لأمر مرير بالنسبة لنا. إنّنا نشعر بما يعتمل في قلب كلّ واحد منكم -سواءً في هذه المدينة، أو في المدن الأخرى، أو في القرى المتضرّرة في جميع أنحاء المحافظة- وبحزنكم؛ وهذا بالنسبة لنا يملأ قلوبنا غمًّا ويشغل بالنا.

وتحدّث القائد عن صمود أهل هذه الديار وشجاعتهم في زمن الحرب، وأوصاهم بالاستقامة في هذه الحادثة. ونوّه بالتكاتف والتعاطف بين المسؤولين والشعب في مواجهة زلزال كرمانشاه.

أثناء حديثه قال لأحد المصوّرين، وكان قد وقف بوجهه للتصوير: تنحَّ جانبًا، لأرى هذه الجموع. سُرّ بعض من سمع هذا الكلام، وأطلق صلوات على محمّد وآل محمّد. وحين أصبح قسم من الناس على مرأى من القائد مع تنحّي المصوّر، راحوا يلوّحون له بأيديهم. برأيي، لم يكن كلام القائد موجّهًا لهذا المصوّر فقط؛ إنّما لكلّ شخص في الجمهوريّة الاسلاميّة يحول بين القائد والشعب!

لم يطل الحديث؛ فلم يكن الوضع يتطلّب أكثر من هذا. تقدّم شخص يحمل طفلًا بين يديه بين الجموع ليصل إلى القائد، فعلق في زحمة الناس. على المنصّة، رأيت أبناء القائد واقفين في هذه الناحية وتلك؛ غير ولده الأكبر، كان أبناؤه الثلاثة الآخرون.

بينما كان القائد ينزل عن المنصّة وإذا برجل يبدو عليه أنّه من كبار أهلّ السنّة يتقدّم نحوه؛ بدا لي مألوفًا. سألت عنه فقيل لي: إنّه الملّا قادر قادري. تذكّرت؛ الملّا قادري من أهل باوه؛ وكان قد التقى بالقائد أيّام حصار باوه. وكنت قد رأيته أيضًا في زيارة القائد إلى كردستان. بعدها، لفت نظري أنّه جاء للمساعدة منذ الأيّام الأولى للزلزال؛ فاحتضنه القائد وغمره بشدّة.

إلى الأمام قليلًا، تقدّمت فتاة صغيرة تضع على رأسها غطاءً أخضر اللون وتكلّمت ببضع كلمات وأجهشت بالبكاء. وضع القائد يده على رأس الفتاة التي أخفت وجهها في عباءته. كان والدا الطفلة قد جُرحا في الزلزال فيما قضى أقرباؤها. كانت مفجوعة، وحين رأيتها تذكّرت الأطفال الذين أصبحوا أيتامًا منذ عدّة أيّام، وكأنّهم اليوم يلوذون بحضن القائد: «ألم يجدك يتيمًا فآوى؟» بقي القائد واقفًا إلى أن رفعت الفتاة رأسها عن عباءته. نبّهني أحد المصوّرين إلى أنّنا سنتحرّك. فجريت نحو الشاحنة وانطلقنا.


خرجت سيّارة القائد من الباحة وسلكت الطريق الرئيسي. فراح الناس يلوّحون بأيديهم للقائد وهو يردّ عليهم بدوره. خرجنا من المدينة ودخلنا في السهل متّجهين نحو القرى. على بعد عدّة كيلومترات عرّجنا على إحدى قرى كوئيك الأربعة: «كوئيك مجيد» لم يكن أهل القرية يعلمون لِمَ كلّ هذه الزحمة. كانت أعمال الإغاثة في القرية موكلة إلى عناصر الحرس والتعبئة. وهؤلاء عندما علموا بقدوم القائد سبقوا الناس لملاقاته. توقّفت سيّارة القائد في مكان، ودخل عبر سور خرب لبيت وورَدَ باحته. تفقّد خيمة أو اثنتين كانتا منصوبتين في الباحة واطمأنّ عن أحوال ساكنيها؛ لم يدخل إلى الخيمتين إذ لم يكن ثمّة رجال فيهما.

اجتمع أهالي القرية وراحوا يشيرون إلى القائد بأيديهم غير مصدّقين. وقف شابّ على حائط شبه منهدم وراح يصوّر. جيء بمكبّر صوت محمول. وطُلب من الجميع الجلوس. ألقى القائد بضع كلمات. وفي هذه الأثناء مرّت امرأة من أمامي وكانت تتمتم بكلمات. سألتها: ماذا هناك يا سيّدة؟ قالت: هذا الزحام كلّه من دون جدوى، لا أحد يهتّم لوجعنا. قلت: ما هي مشكلتك؟ غصّت بعبرتها وقالت: زوجي مريض. لا أجد دواءه. سجّلت اسم الدواء ورقم هاتفها على دفتري وقلت لها: لا تهتمّي بشأن الدواء، سأؤمّنه لك ولو من تحت التراب. فرحت المرأة وراحت تدعو لي باللهجة الكرديّة. حينذاك لم أكن أعلم ماذا سأفعل، ولكنّي كنت مطمئنًّا أنّني سأجد شخصًا يؤمّن طلب المرأة*.

بعد كلمة القائد، توجّهنا إلى «كوئيك حسن»؛ في القرية الثانية كان الناس على علم بمجيء القائد والظاهر أنّهم حصلوا على الخبر بواسطة هواتفهم الخلويّة. في هذه القرية، راح رجل ذو لحية بيضاء يعدو إلى جانب السيّارة ويقول: «قائدي الحبيب توقّف! بالطبع، لم يكن التوقّف بهذه السهولة. توقّفت السيّارة في باحة أكثر اتّساعًا. كانت قد هُدمت بيوت كثيرة. وقد خرجت الأعمدة الخشبيّة من بين الركام. البيوت القليلة التي بقيت قائمة على أصولها هي البيوت القائمة على دعائم وهياكل. نصب الناس الخيم في باحات بيوتهم؛ خيم الهلال الأحمر وخيم القصب التي كانوا قد نصبوها بأنفسهم. تقدّم القائد بين زحمة الناس المجتمعين متوجّهًا نحو أحد الخيم؛ أمام تلك الخيمة قال سماحته للمرأة التي كانت هناك: «أين هو زوجك؟» أجابت المرأة: في المستشفى. دفعتني جموع الناس إلى الخلف ولم أستطع سماع بقية الحديث. بعد ذلك دخل سماحته الخيمة التي تلتها وسأل أهلها عن أحوالهم. اقترب رجلٌ إلى الأمام وقال: أسألكم بالله أن تنتبهوا، جميع حاجياتنا وأدواتنا داخل الخيمة، انتبهوا أن لا تسحقوها وتخرّبوا حياتنا. قام بعض عاملي الإغاثة من الحرس الثوري والذين كانوا قد تجمعوا لرؤية الإمام الخامنئي بتشكيل حلقة حول خيمة الرجل وضبط وصدّ جموع الناس؛ لكي لا يتلف أثاث الخيمة والأغراض التي بداخلها تحت أقدام المحتشدين. كان أحد هؤلاء الشباب التعبويّين يبكي؛ أدار ظهره للناس وراح يصيح: عشت يا سيدي، عشت.



أظن أننا كنا في كوييك الثالثة حينما شاهدت شابًا يرتدي معطفًا أحمر اللون دفع جموع الناس وحاول جاهدًا الاقتراب من قائد الثورة الإسلامية حتى تمكَّن من الإمساك بيد سماحته. كان يريد التكلم عندما أشار إليه الإمام الخامنئي بأن يصبر حتى تتكلّم السيدة المتقدّمة في السن أولًا.....

انتبه الإمام الخامنئي إلى أن عناصر المرافقة يُبعدون صاحب المعطف الأحمر، فأشار سماحته إلى الشاب وقال: «أحضروا ذاك الشاب صاحب المعطف الأحمر لأرى ماذا يريد القول». اقترب الشاب وبمجرد وصوله قال لسماحته: تعرضنا للحرب لعدة سنوات، لكن بعد هذا الزلزال قسمًا بعزة الله أن وضعنا أسوأ مما كان عليه أيام الحرب، أملنا بالله أولًا وبسماحتكم ثانيًا. قال الإمام الخامنئي: «هل تتذكر أيام الحرب؟» فأجاب الشاب: «لا ولكني سمعت شيئًا عنها». قال الإمام الخامنئي: «لقد كنتُ في أيام الحرب تلك هنا أيضًا». أكمل الشاب كلامه: «إنه لفخرٌ لقريتنا أن تتشرف بزيارتكم لها، كنا نسأل الله أن تتفضلوا بالمجيء إلى هذه القرية في وقت غير هذا لنُقدِّم الأضاحي احتفالًا بمجيئكم».



تحدَّث الإمام الخامنئي بكلمة مقتضبة وتفقّد قرية «كوئيك الثالثة» كما فعل مع القرى التي سبقتها، لنتوجّه من ثمّ نحو قرية قلعة بهادري. في الطريق ارتفع صوت لاسلكي المسؤول عن الحافلة؛ كان مرافق الإمام الخامنئي يتحدث عبر اللاسلكي قائلًا: في القرية السابقة دخل بعض المصورين خيام الناس منتعلين أحذيتهم، نبِّه الصحفيين أن يراعوا هذا الأمر، فأعاد مسؤول الشاحنة ما قاله المرافق بصوتٍ عالٍ. بعدها كرّر مرافق الإمام الخامنئي القول عبر جهاز اللاسلكي: إنه تأكيد سماحة الإمام الخامنئي.
دخلنا قرية قلعة بهادري. توقفنا أمام أحد المنازل. دخل الإمام الخامنئي باحة المنزل، ولم يكن الناس قد تجمعوا بعد. خرجت امرأة مسنّة بِفعل الأصوات القادمة من الخارج. وبمجرد رؤيتها لسماحته فتحت يديها واتجهت نحوه وكأنها تريد احتضانه! جمع سماحته نفسه قليلًا؛ فأدركت المرأة أنَّ عليها السيطرة على حماسها، عندما وصلت على بعد قدم من سماحته ضبطت نفسها وقامت بتقبيل عباءته.

 


كان ثمة رجلٌ في أحد الخيام؛ استأذنتُ، خلعتُ حذائي ودخلت الخيمة. كان هناك سيدتان شابتان وسيدة ثالثة مسنّة. كانوا هم من قاموا بنصب تلك الخيمة مستخدمين القصب والبلاستيك. وقف الإمام أمام تلك الخيمة. قلتُ لكيومرث (1): تقدّم وادعُ الإمام للدخول. أسرع كيومرث وأعطى الطفل الذي كان يحمله لإحدى السيدتين الشابتين وذهب باتجاه باب الخيمة. مدَّ كيومرث يده إلى الأمام محاولًا مصافحة الإمام الخامنئي، فقام سماحته بالإمساك بيده ودخل الخيمة وقال السلام عليكم. قال كيومرث: نوَّرتم. قام سماحته بسؤال الجميع عن أحوالهم ثم أشار إلى القصب والخيمة وسأل: «هل قمتم أنتم بصناعة هذه؟» فأجابت النساء بالإيجاب. فدعا الإمام الخامنئي لهنّ؛ تقدّم سماحته خطوة نحو الأمام وأمسك بأطراف أصابعه وجنة الطفل الذي كان في حضن إحدى السيدات ثم قام سماحته بتقبيل أصابع الطفل الصغير.

خاطب سماحته أهالي هذه القرية عبر مكبر الصوت المحمول: .. «أسأله تعالى أن يشملكم بلطفه تعويضًا عن هذه المصيبة التي حلت بكم.. كما أسأله تعالى أن يوفقنا جميعًا للقيام بواجباتنا على أفضل نحو ممكن».

القرية الأخيرة التي قمنا بزيارتها كانت «سربل ذهاب». وكانت بيوتها قد سُوِّيت بالأرض. توقفت سيارة سماحته وسط القرية تمامًا. ترجّل القائد ووقف بين جموع الناس. صافح أولئك الذين مدّوا أيديهم نحوه. وعندما وصل مكبر الصوت المحمول إلى سماحته تحدث إليهم بقوله: «إخوتي وأخواتي الأعزاء السلام عليكم. نسأله تعالى ونتضرع إليه أن يشملكم برحمته وفضله... أتمنى أن أشارككم أفراحكم في يوم من الأيام..».

دعا سماحته للناس ومن ثمَّ تابعنا طريقنا. أدركت أننا في طريقنا نحو معسكر شهداء «بازي دراز». في مصلى المعسكر جلس الإمام الخامنئي على أحد الكراسي الموجودة في إحدى زوايا المصلى. فيما جلس الجميع في صفوف الصلاة منتظرين رفع الأذان، وهم سكوت.

خاطب سماحته الملا قادر قادري الذي كان يجلس في الصف الأول قائلًا: سقى الله تلك الأيّام عندما كنّا نقيم الصلاة في مسجدكم عام 60 (1981م).


ثم سأل سماحته الملا قادر عن الأضرار والخسائر التي لحقت بحيِّهم. ليحلَّ الصمت مرة ثانية، هذه المرة كان الصمت أطول، كان صمت الإمام الخامنئي عجيبًا، صمتًا يشوبه الحزن والغم. هزَّ سماحته برأسه، وأخذ نفسًا عميقًا وقال بصوت هادئ: «تحتاج هذه القرى للكثير من العمل، الكثير.. لقد سُوّيت بالأرض».

بعد الصلاة بدأ سماحته كلمته: «الزلزال من الآيات الإلهية. هذا الزلزال وزلازل العالم التي نشعر حيالها بالعجز والضعف، ليست بشيء مقابل زلزلة يوم القيامة. وينبغي أن يذكّرنا هذا الزلزال بذلك الزلزال. إذا أردنا الخلاص من هول يوم القيامة والدهشة التي تعتري كل البشر في مشهد القيامة بسبب الأحداث العجيبة في ذلك اليوم، علينا اليوم أن نرحم عباد الله هنا.. لأننا غير مبتلين لا نفهم الابتلاء.. إنّ حياة الناس هنا قد اختُصرت في هذه الخيم وما بداخلها. وهذه ليست بحياة. كانت لي مشاركتي في إغاثة المتضررين بالزلازل والسيول؛ نحتاج هنا إلى شيئين: الأول الإنقاذ والثاني الإغاثة والإمداد... ينبغي على خليّة الأزمة أن تكون حاضرة جاهزة بشكل دائم. الكوارث الطبيعية لا تُنبئ بوقوعها مسبقًا. ينبغي على خليّة الأزمة أن تكون حاضرة مستعدّة كحرس الحدود. الآن وقد انتهت عمليات الإنقاذ اعلموا أن عمليات الإمداد والإغاثة ليست بالعمل الذي ينتهي.. الأهم من كل هذا هو تأمين المسكن، وإزالة الأنقاض وإعادة الإعمار.

يجب القيام بهذا العمل بسرعة. في إحدى الخيم سألتُ سيدةً: هل أعطوكم الأغطية البلاستيكية التي توضع فوق الخيام، فقالت: نعم أعطونا الأغطية البلاستيكية. بعدها شعرت بالخجل من هذا السؤال، فحتى لو أعطوهم الأغطية البلاستيكية، وهل ستصنع هذه الأغطية البلاستيكية معجزة مع برودة الجوّ في هذا الفصل، وفي الليل؟ كيف يجب تأمين التدفئة اللازمة؟ .. ينبغي أن تكون هناك مركزية واحدة لتوزيع الإمكانيات والمساعدات على المنكوبين والمتضرّرين.


ويجب أن تُدار كل الأعمال من موقع واحد.. تأمين المسكن وإعادة البناء، يحتاجان لإدارة واحدة وإنجازات أساسية وسرعة في الأداء والإنجاز، وعلى الحكومة أن تقدم كل الدعم اللازم في هذا المجال، وعلى الأجهزة المتعددة ـ العسكرية وغير العسكرية ـ أن تتحمّل المسؤولية كلٌّ على قدر استطاعته، وأن تنهض بهذه المسؤوليات وتؤديها... علينا متابعة الأعمال بنَفَس جهادي. وإحدى خصائص الجمهوريّة الاسلاميّة أنه ينبغي للعمل [فيها] أن يكون جهاديًّا»...

أنهى القائد كلمته وأطلقت الجموع صلوات محمّديّة، وحين همّ بالخروج، مرّ شابّ من جانبي وقال للقائد: سيّدي، هلّا أعطيتني كوفيّتك؟ أشار القائد إلى المرافق الذي إلى جانبه بأن يعطي الكوفيّة للشابّ. كان الشابّ يجلس في الصفّ الثالث إلى الخلف. أشار القائد إليه بها. وفيما كان القائد ينزع الكوفيّة عن كتفيه أمسك شخص آخر بطرفها وجذبها نحوه. أراد القائد متابعة طريقه وإذا به يلتفت إلى أنّ الكوفيّة لم تصل إلى الشابّ وبقيت فوق رؤوس الجموع بين يدي شخص أو اثنين. وقف القائد واستدار ليرى إن كانت الكوفيّة ستصل إلى ذلك الشابّ أم لا. فتركها الشخصان اللذان كانا قد أخذاها وهما خجلان، ليسلّمها المرافق إلى الشابّ الذي أشار إليه القائد. غادر القائد فتبعناه بالتدريج.

جلس الإمام الخامنئي على المائدة في غرفة كبيرة بجانب المُصلَّى؛ وجلس بقية الحضور أيضًا. وكما في جميع مناسبات الغداء والعشاء، كان الآخرون يأتون إلى الإمام الخامنئي ويسألونه بعض الأسئلة. تركتُ طعامي ولم أكن قد أنهيته بعد وتسلّلت بهدوء باتجاه كرسي الإمام الخامنئي لأسمع ما يتمّ تبادله من أحاديث.

كان أحدهم يقول: إنّ إزالة الأنقاض وترحيلها أمرٌ بالغ الصعوبة؛ لا يمكن القيام به بهذه السرعة ولكننا سوف نعمد إلى إزالة هذه الأنقاض بمقدار يصبح معه بإمكاننا وضع بيت جاهز في باحة كل منزل.

وضع سماحته ملعقته جانبًا وقال: «أخبرني متى يتم القيام بإزالة الأنقاض بنحو يتسع معه المكان للبيت الجاهز؟»

لم يجب أحد. قال أحدهم: تم إبرام عقد بناء البيوت الجاهزة مع المعمل. سأل سماحته: «أي معمل؟» أجاب الرجل: معامل مختلفة. قال اللواء جعفري (2): لدي ألفا بيت جاهز. سأطلب بأحضارها. قال أحدهم: كل واحد من هذه البيوت الجاهزة يحتاج إلى شاحنة لنقله؛ وإحضار ألفي بيت يستغرق الكثير من الوقت، ولكن بالإمكان جلب 5 بيوت جاهزة عبر شاحنة حمولتها 10 أطنان. ويمكن تركيبها بسرعة أيضًا. قال قائد الجيش: يمكن القيام بهذا الأمر فيما يتعلق بالمنازل العادية والقروية ولكن لا يمكن القيام بهذا الأمر فيما يتعلق بالشقق السكنية. أمّا بالنسبة للشقق السكنيّة فسوف نقوم بتسوية الأرض وتمهيدها، ونعطي صاحب كلّ شقّة في كلّ حيّ بيتًا جاهزًا يتم تركيبه في الباحة.

أعاد الإمام الخامنئي الذي كان يستمع إلى كلامهم السؤال: «لم تخبروني متى سوف يتم تسليم الأهالي البيوت الجاهزة هذه؟».

خاطر أحدهم وقال: يستغرق الأمر شهرين.

فقال سماحته بهدوء: «شهرين!».

في هذه الأثناء اقترب الملا قادر قادري من الإمام الخامنئي ووضع يديه فوق رُتب اثنين من العسكريين اللذين كانا يجلسان بالقرب من الإمام الخامنئي وقال: سيدي جُعلت فداك، أنا ليس لدي رتبة عسكرية فوق كتفي كهذين العزيزين، ولكن أتمنى أن تعتبروننا جندًا من جنودكم.

ابتسم سماحته ونهض من مكانه وقبّل الملا قادر. بعدها جاء عالمٌ آخر من علماء أهل السنة لكي يُودِّع سماحته. كان القادة العسكريّون يتكلّمون مع بعضهم بهدوء وذهبوا إلى ناحية من الغرفة لمتابعة اجتماعهم. كان اجتماعًا شبيهًا باجتماعات أيام الحرب، كما شاهدنا في الصور والفيديوهات التي تمّ توثيقها؛ جلس الجميع بشكل حلقة وعاد النقاش حول كيفية حلّ مسألة إسكان المتضررين إلى حرارته السابقة. خرج سماحته من الغرفة وانتهت الأحداث التي جمعتنا بسماحته خلال تفقده لمحافظة كرمانشاه.

ما زال يتردّد في ذهني لحن سؤال القائد حين كان يقول: أخبروني متى سيتمّ تأمين البيوت الجاهزة للأهالي؟


1. اسم الرجل الذي كان في الخيمة برفقة النساء.ساء.
2. قائد حرس الثورة الإسلامية.
* الآن وأنا أنهي هذا النصّ، بعث لي أحد رفاقي برسالة نصّيّة قال فيها: الدواء الذي طلبته لتلك المرأة القرويّة في كوئيك قد وصل إلى يدها. لقد وصل دواؤها قبل أن يصل تقريري إلى الجهة المقصودة.

2017-12-21