يتم التحميل...

التبعية تخلف وشقاء

العلم والتطور

التبعية تخلف وشقاء: التقدم العلمي أحد أهم العناصر للخلاص من التبعية

عدد الزوار: 19

كلمة الإمام الخامنئي في مجموعة من النخب العلمية بمناسبة "ملتقى الغد" 18/10/2017

التبعية تخلف وشقاء: التقدم العلمي أحد أهم العناصر للخلاص من التبعية

العلم سلطانٌ واقتدار للبلاد
النقطة أو الفكرة الأولى، هي أن التقدم العلمي يجعل البلد مقتدرًا. قرأ مقدم البرنامج العزيز (3) اليوم حديثًا يقول: «العلم سلطان». ومعنى السلطان هو الاقتدار، فالعلم هو اقتدار. وكل من يمتلك هذا السلطان «صَالَ». ومعنى صال أنه ستكون له اليد القوية الفاعلة. وكل من لم يمتلك هذا السلطان «صِيلَ عليه» (4). ومعنى صيل عليه، أي إن يدًا قوية سوف تسيطر عليه، أي إنه سيكون خاضعًا للآخرين. هذا هو العلم.

• أميركا والأوروبيون سيطروا على العالم بالعلم
وأنتم تشاهدون هذا اليوم، كيف استطاعت أمريكا والأوروبيون أن يسيطروا على كل العالم بسبب العلم الذي قاموا بتحصيله، أنتم تعلمون أن أمريكا وبريطانيا وفرنسا والكثير من البلدان الأوروبية - وحتى البلدان الصغيرة منها - طوال سنين متمادية وبعضها لقرون من الزمن، استطاعت أن تحتل بلدانًا وتعبث بمقدراتها ووجودها وتقضي عليها. اكتسبوا تفوّقًا وتسلّطًا على الشعوب وسيطروا عليها بسبب العلم؛ لأنهم ساروا وراء العلم وطلبوه. أما نحن فغفلنا عن العلم ولذلك تأخرنا رغم كل أمجادنا التاريخية ومواهبنا المتألقة، إلّا أن الآخرين سبقوا. يجب علينا تعويض هذا التأخر.

التبعية للغرب لا تجلب سوى التخلف والبؤس
كان هناك عدد من المتغرّبين (المنبهرين بالغرب) يروّجون منذ مئة عام بأنكم إذا أردتم لبلادكم أن تتقدم وإذا أردتم لإيران أن تتقدم فيجب أن تعرّفوا[تقدّموا] أنفسكم في ظل الغرب وتحت جناحه. التغريب هو ذلك التعبير الذي طرحه المرحوم جلال آل أحمد وكتب عنه. كان هذا تفكيرا خاطئًا. بالطبع بعض الذين كانوا يُروّجون لهذه الفكرة كانوا يفعلون ذلك بدافع الخيانة، لكن بعضهم الآخر كان يقوم بذلك جهلًا وليس خيانةً. لا يزال اليوم أيضًا بعض أتباعهم - ويجب القول رواسبهم وبقاياهم - يروّجون لهذه الأفكار: "أننا يجب أن نتقدم على هامش الغرب وتحت ظلاله". كلاّ، لقد عاشت البلاد خمسين عامًا خلال العهد البهلوي تابعةً للغرب؛ خمسين عامًا: كانت لمدة من الزمن في أواسط عهد رضا خان تابعةً لألمانيا، وبعد ذلك صارت تابعةً لأمريكا إلى النهاية؛ فأيّ تقدم حقّقته البلاد؟ ما الذي جنته البلاد سوى التعاسة والتخلف والقضاء على مواردها الأساسية؟ كلا، لا يمكن التقدم تحت ظلال الغرب. الذي يقول إنّ البلد يمكن أن يتقدم في ظل الغرب، فإنه خائنٌ للوطن إن كان يعلم ما الذي يقوله، أو قد يكون جاهلًا.

يجب القضاء على التبعيّة بكلّ أشكالها
حسنًا، ما الذي ينبغي فعله إذًا؟ يجب أن نقضي على التبعية. والتبعية طبعًا قد تكون تبعية سياسية أو تبعية اقتصادية أو تبعية ثقافية. جميع أشكال التبعية، وأساسها هو التبعية السياسية. التبعيات السياسية بالدرجة الأولى، هي التي تستتبع باقي أنواع التبعية.

التبعية السياسية تؤدي طبعًا إلى التسلل ونفوذ الثقافة أيضًا، وإلى نفوذ الاقتصاد أيضًا، ويمكن أن تستتبع التبعية في كل القطاعات والجوانب بما في ذلك الجانب الأمني. وقد كانت هذه هي الحال خلال فترة الطاغوت (الحكم الشاهنشاهي). لقد كنا تابعين حتى في الجانب الأمني، وفي القطاع الاقتصادي من باب أولى، وكذا الحال بالنسبة للجانب الثقافي.

تحررنا من التبعية السياسية ونحتاج للتحرر إقتصاديا وثقافيا
وقد زالت التبعية السياسية بفضل الثورة. أما باقي أنواع التبعية فهي صعبة وشاقة وتحتاج إلى مساع وجهود. وهذا ليس كلامًا جديدًا أقوله اليوم. لقد قلتُ هذا في خطبة صلاة الجمعة في زمن رئاسة الجمهورية وهو أن تبعيتنا السياسية قد زالت ونجونا والحمد لله، لكننا لا نزال تابعين، نحن تابعون من الناحية الاقتصادية، وتابعون من الناحية الثقافية، ويجب أن نركز تفكيرنا ونخطط لمواجهة هذا الموضوع. فالتبعية تنتج التعاسة والبؤس.

أقول لكم إنه عندما ينظر الإنسان في المذكرات المتبقية عن أصدقاء (الشاه) محمد رضا بهلوي- لقد قرأت الكثير من هذه الكتب- يجد أن محمد رضا هذا الملك الطاغوتي نفسه يعتريه الغضب بشدة من الأمريكيين أحيانًا، ويكيل لهم السِّباب أحيانًا، ويشتمهم. طبعًا في الغرف الخاصة ومع أصدقائه المقربين. تمامًا كالذي صعد على سطح منزله وراح يشتم حارس تلك المدينة البعيدة. هكذا كان هو أيضًا. يذكرهم بسوء في الغرف الخاصة المغلقة. ولكن في الوقت نفسه إذا وجّه سفير بريطانيا أو سفير أمريكا رسالة أو تحدث بالهاتف وأمر بأمر ما، فكان مطيعًا منحنيًا ويده على صدره جاهزًا لتنفيذ ذلك الأمر. ولم تكن لديه حيلة أو مهرب، فقد كان مجبورًا. هذه هي التبعية. هذا ما يجب أن يزول.

التقدم العلمي أحد أهم العناصر للخلاص من التبعية
حسنًا، لحسن الحظ زالت هذه التبعية من الناحية السياسية واستؤصلت بالكامل في بلادنا. ولكن، ينبغي أن تُبذل جهود كثيرة للقضاء عليها في المجالات الأخرى. والتقدم العلمي الذي يحصل على أيديكم هو واحدٌ من أهم العناصر الأساسية للخلاص من هذه التبعية. وإذًا، ينبغي أن لا يكون هناك أي مانع أو عقبة على طريق التقدم العلمي والتقني. الأجهزة الحكومية والأجهزة العامة والناشطون في القطاعات الثقافية المختلفة وما إلى ذلك يجب أن لا يوجدوا أي عقبات على طريق التقدم العلمي. وهناك- والحمد لله- إمكانات وطاقات عظيمة، وثمة نماذج منها شاهدتموها في هذه الجلسة. وقد شاهدتُ الكثير من هذه النماذج في مراحل مختلفة أو اطلعت عليها أو تلقيت تقارير عنها، أو التقيتهم مباشرة. وأشعر أن الإمكانات والطاقات كبيرة جدًا ونستطيع أن نتقدم. هذه هي النقطة الأولى.

الحركة العلمية تتقدم لكن الطريق أمامنا طويل
النقطة الثانية تتعلق بوضعية مؤسسة النخبة والمعاونية العلمية. والحمد لله على أنها تقدمت وتطورت كثيرًا؛ حدثت خلال هذه الأعوام الكثير من الأمور حسّنت وضعية المعاونية العلمية وكذلك معاونية مؤسسة النخبة. لقد شهدت الشركات العلمية نقلة نوعية. في سنة ثلاث وتسعين [2014م] أكدتُ على دور وأهمية الشركات العلمية المحور في مثل هذا الاجتماع. ولحسن الحظ فإن الشركات العلمية المحور شهدت قفزة نوعية ونموًّا كبيرًا؛ حصلت استثمارات جيدة. تكوّنت هيئات علمية وخلايا علمية في الجامعات. والحمد لله. وقد كان هذا الأمر موضع تأكيدنا أيضًا، وتصحّحت الاتجاهات الفكرية في إعداد النخب وتخريجهم. الكثير من الآراء التي طرحتموها هنا أيها الأصدقاء حاضرة في أذهان المسؤولين في مؤسسة النخبة والمعاونية العلمية، وقد طرحوها عليّ. وثمة نهج ومسار مصحح ومستكمل من المقرر أن يحصل ويُتبع. هذا شيء موجود. ومع ذلك فأنا العبد غير قانع بهذا القدر. ليس الأمر بأني لست قانعًا، بل لا يمكن الاكتفاء بهذا القدر. فأمامنا طريق طويل والمسافة طويلة حتى نصل إلى الأهداف المنشودة.

ضرورة تحويل التقدم العلمي إلى تيار ورؤية
هذا شيء أؤكده على السيد الدكتور ستاري وعلى المسؤولين وعليكم أيضًا أيها النخب الأعزاء. في مجال التقدم العلمي يجب أن لا نكتفي بحركة في الجامعة الفلانية أو المركز العلمي الفلاني وما شاكل، إنما يجب إيجاد سياق ومضمار؛ يجب خلق تيار ومنهج. يجب إطلاق تيار في البلاد في خصوص العلم والتقدم العلمي. يجب أن يتحول هذا الأمر إلى تيار وسياق لا يمكن أن يتوقف. فلا يكون الأمر بحيث إذا جاءت هذه الحكومة وكان لها ذوقها الخاص فسيكون بوسعها التأثير على التقدم العلمي للبلاد فتخلق انتكاسة أو تراجعًا مثلًا. أو إذا جاء المسؤول الحكومي الفلاني وكانت له عقيدة مختلفة فيمكنه أن يسبب مثل هذا التراجع أو المراوحة. يجب أن لا تتمكن الأذواق والأساليب الإدارية من أن تؤثر في تقدم البلاد العلمي. وهذا سيحصل عندما يتحول التقدم العلمي إلى رؤية وتيار.

أ ــ لزيادة ميزانية العلم والتقنية
فيما يتعلق بالشركات العلمية المحور ينبغي عدم التقليل من ضوابطها. دققوا في أن تكون ضوابط الشركات العلمية المحور ذات مستوى عال. فلا يكون الأمر بحيث نحاول زيادة العدد فقط. ويجب عدم خفض ميزانية العلم والتقنية، بل ينبغي زيادتها. طبعًا قال لي الأصدقاء إن "صندوق الإبداع" هذا يعاني من مشكلة، وسوف أوصي- إن شاء الله -وأؤكد على رفع هذه المشكلة، وطبعًا ينبغي إدارة المصادر المالية بشكل صحيح.

ب ــ لرفع مستوى الجودة والنوعية في المقالات العلمية
هناك نقطة أخرى حول المقالات العلمية، ولحسن الحظ فإن لدينا، من حيث عدد المقالات، نسبًا ومستويات مرتفعة، غير أن هذا لا يكفي، بل يجب القول إن هذا لا يحظى بأهمية كبيرة. المهم هو الجودة والنوعية العالية للمقالات. وكما سمعت ورفعوا لي من تقارير فإن وضعنا من الناحية النوعية ليس جيدًا جدًا. ينبغي رفع مستوى الجودة والنوعية، ويجب رفع مؤشرات الجودة. وينبغي بدلًا من زيادة عدد المقالات الاهتمام بارتباط هذه المقالات بشؤون البلاد واحتياجاتها. وهذا ما ذكره بعض طلبة الجامعات الأعزاء، لي. وهذه هي عقيدتنا نحن أيضًا. ينبغي أن تصب المقالات العلمية والبحثية في خدمة حاجات البلاد ويجب تبيين هذه الحاجات للنخبة. وقد يكون الكثير من النخبة غير مطلعين ولا يعرفون حاجات البلاد كما هي في الواقع.

ج ــ للإستفادة من مختلف المؤسسات ذات الصلة
ونقطة أخرى في هذا المجال، تتعلق بقضية سبق أن نبّهت لها السيد ستاري. على المعاونية العلمية ومؤسسة النخبة أن تهتم بعمل اللجان. أي ليكن هناك ما يشبه اللجنة وتستفيد من كل الأجهزة المتنوعة في البلاد التي يمكنها أن تمارس دورًا في مجال العلم والتقنية. ليستفيدوا من الوزارتين المعنيتين بشؤون التعليم العالي، ومن الجامعة الحرة (جامعة آزاد)، ومن الوزارات المتعلقة بالصناعة والنفط. فلدى هذه المؤسسات إمكانات كبيرة يمكنها أن تصب لمصلحة خدمة التقدم العلمي والتقني. ويمكن للمعاونية العلمية بالاعتماد على مكانتها الإدارية أن تقوم بهذه المهمة.

د ــ ضرورة مطالبة النخب العمل
كما ينبغي مطالبة النخب بالعمل. يجب أن تشعر النخبة بأن وجودها نافع، أي يجب أن تشعر أنها نافعة مفيدة. هذا هو ما يرضي النخبة ويفرحها ويثبّت أقدامها ويجعلها مستقرة في البلاد. يجب أن تفهم أنها مفيدة للبلاد ونافعة. يجب مطالبتهم بعمل، وهذا ما يمكن أن يتحقق بعمل اللجان الذي تحدثنا عنه.

هـ ــ لتحول من "صناعة المونتاج" إلى صناعة الإبتكار
ونقطة أخرى هي أننا يجب أن نفكر مليًا ونخطط للصناعة في البلاد. وقد لاحظت في الكلمات التي ألقاها الأعزاء أن جانبًا مهمًّا منها يتعلق بهذه المشكلة. صناعة البلاد تعاني من آفة "المونتاج" (التجميع) وهي آفة قديمة. عندما تكون الصناعة صناعة "مونتاج" وتجميع فلن يكون للإبداع معنىً وتأثير. وعندما لا يكون هناك إبداع فلن يكون هناك تحرك علمي وعمل علمي. وعندما لا يكون هناك عمل علمي فلن تتحقق حال التواصل بين الصناعة والجامعة التي نتكلم ونصرخ كل هذا الصراخ من أجل تحقّقها. إذا تواصلت الصناعة مع الجامعة فسوف تتقدم الجامعة وسوف تتقدم الصناعة على حد سواء. وهذا شيء واضح. وأنا طبعًا طرحت قضية الارتباط بين الصناعة والجامعة هذه على الحكومات منذ وقت طويل، إلى أن تشكلت هذه المعاونية العلمية أخيرًا نتيجة ضغوطنا وإصرارنا، والهدف منها هو تحقيق هذا التواصل والارتباط بين الصناعة والجامعة. لكن ارتباط الصناعة بالجامعة سيتحقق بالمعنى الواقعي للكلمة عندما تشعر الصناعة بالحاجة للجامعة. وفي عملية التجميع والمونتاج لا يوجد مثل هذا الشعور بالحاجة. يجب مطالبة الصناعات، كما قال أحد الأصدقاء الأعزاء، يجب الطلب من الصناعات. حسنًا، الطلب من الصناعة شيء وشعور الصناعة في البلاد بالحاجة شيء آخر. يجب أن يكون هناك شعور بالحاجة. وهذا يحصل عندما تعالج هذه المشكلة القديمة. يجب علاجها خلال فترة زمنية تمتد مثلًا لعشرة أعوام- ولا نريد الاستعجال كثيرًا- خلال عشرة أعوام يجب أن تتحول الرؤية "من التجميع والمونتاج إلى الإبداع والابتكار" في الصناعة، وينبغي أن تسود هذه النظرة والمنهج في البلاد.



3 ـ السيد عيسى زارع پور.
4 ـ ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة، ج 20 ، ص 319.
 

2017-10-30