يتم التحميل...

لتوحيد الجهود بين السلطات وتفعيل إمكانات البلد إلى الحدود القصوى

وصايا القائد

لتوحيد الجهود بين السلطات وتفعيل إمكانات البلد إلى الحدود القصوى

عدد الزوار: 17

من كلمة الإمام الخامنئي أمام مسؤولي الدولة 04-05-2010
لتوحيد الجهود بين السلطات وتفعيل إمكانات البلد إلى الحدود القصوى

لشحذ الهمم وتفعيل الإمكانات
وحول ما ذكرناه عن الهمّة المضاعفة والعمل المضاعف، فإن المضاعفة لا تعني الضعفين. فلو رفعنا مستوى الهمّة وصارت عشرة أضعاف لكان لازماً. فما هو مهم جداً تلك الإمكانات الموجودة في المجتمع. فنحن في جميع المجالات مثل منجمٍ لم يُستخرج أو أنه لا زال قيد الاستخراج. فأهل الاختصاص والخبرة في جميع المجالات ـ الاقتصادية والتقنية والعلمية ـ يقولون لنا إن إمكانات البلد لا نظير لها.

الأصدقاء الذين يعملون في مختلف الفروع ولهم أعمال مهمة في القطاعات المختلفة في المجتمع ولهم اطلاع على القضايا عندما يقدّمون التقارير فيما يتعلق بقطاعهم ويقارنون شعبنا ودولتنا مع الكثير من الدول الأخرى يوصلوننا إلى هذه النتيجة وهي أن إمكاناتنا هائلة. ففي المجال الاقتصادي إمكانات البلد عظيمة جداً. وفي المجال العلمي، هو في الواقع مدهشٌ، فإذا أسرع الإنسان في حركته وجدّ أكثر وأصرّ سوف يرى فجأة هذه الورود التي تتفتّح في هذا البستان والشتول التي تنمو في هذه الحديقة ما كانت تخطر على باله أو فكره, لكننا نرى أنها تحققت وتتحقق.

في القطاعات الثقافية المختلفة عندما ينظر الإنسان يرى الإمكانات الكثيرة والفياضة، أشخاصٌ يمتلكون القابليات وهم كثيرون. وفي المجالات التقنية يرى الإنسان أنّ هذه الحركة الممكنة في البلد عظيمة جداً ومدهشة. فيمكن القيام بأعمالٍ كبرى. هذه هي إمكانات البلد.

وهذه الإمكانات الآن في القطاعات المختلفة وُضعت بيدي وأيديكم. فإذا لم نتعرّف إلى هذه الإمكانات نكون قد قصّرن, وإذا تعرّفنا إليها ولم نفعّلها نكون قد قصّرنا أيض, وإذا قنعنا بالحد المتوسط نكون قد قصّرنا أيضاً. فينبغي أن نتحرّك نحو القمّة، تماماً مثل الرياضي الذي يمتلك استعداداً رياضياً وبنية مناسبة وتوجد أمامه الإمكانات والوسائل الرياضية، فلا يحق له أن يقول إنني سأعطي كل يوم نصف ساعة أو عشرين دقيقة لليونة, يجب عليه أن يتحرك نحو البطولة, عليه أن ينظر إلى القمة.

وفي الأعمال الأخروية الأمر كذلك. وهكذا في الأعمال المعنوية والحركة التوحيدية, في طلب الثواب الإلهي الأمر على هذا المنوال، لا ينبغي أن نقنع بالقليل. حسنا.ً إذا لم نُعمِل هذه الهمّة العالية نكون قد ظلمنا وقصّرنا. وتقصيرنا ظلمٌ, ظلمٌ لأنفسنا ـ لأننا سنتعرض للعقاب الإلهي ـ وكذلك ظلمٌ لأولئك الذين لديهم هذا الاستحقاق الذي يؤهّلهم للاستفادة من هذه الاستعدادات والانتفاع بها. فإن لم يصلهم نفعها نكون قد قصّرنا. قول هذه الكلمات سهلٌ. لكن العمل والتحرّك صعبٌ, يحتاج إلى الهمّة.

حسناً، ها أنتم أيها السادة والسيدات، لقد شرفتمونا كمسؤولين, وهذه الكلمات التي أذكرها لكم أنتم تقولونها للناس, هي ليست كلمات جديدة عليكم إنما هي ذكرى فحسب. الإنسان يحتاج إلى التذكّر وفي التذكّر فوائد عظيمة لا توجد في العلم. فالإنسان يعرف أشياء كثيرة ولكن من اللازم أن يذكَّر بها دائماً. فلنلتفت أين نحن وماذا نفعل وما هو هدفنا. فإن الهدف ليس قرشاً من أموال الدنيا بحيث ننسى بسببه تكليفنا الكبير وندوس على أهدافنا السّامية. ليس الهدف مدح وتمجيد هذا وذاك بحيث إنه على سبيل الفرض نعتلي لعدّة أيام هذا الكرسي ويحيط بنا أربعة أشخاص ينحنون لنا أو يطيعوننا.

فمثل هذا الأمر لا قيمة له في جنب الإنسان. الهدف هو الفلاح, والنجاح (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)1 يجب أن يكون الفَلاح هدفاً. يجب التفكير في الحياة الحقيقية حتى تبدأ هذه الحياة الحقيقية, وها نحن عاجلاً أم آجلاً، بعد أيامٍ أو ساعات أو سنوات سنبدأ حياة حقيقية بالموت المادي والجسماني. والهدف هو أن نعمّره, وكل هذه الأشياء أمامنا مقدّمات.( وصايا)

ضرورة وحدة الحركة والعمل فيما بين السلطات الثلاث
إن أحد الأشياء المهمّة جداً ـ حيث إن رؤساء السلطات الثلاثة تقريباً كلهم حاضرون هنا ـ هو الوحدة في الحركة، ولو لم يكن هناك توحّدٌ في الفكر والرأي والسلائق, حيث إنه غير ممكن وليس مطلوباً إلى هذا الحد. فاختلاف السلائق والآراء يؤدي إلى التباحث، وهذا ينتهي إلى كشف ميادين جديدة. لهذا فإننا لا نوصي بتاتاً بضرورة أن يكون الجميع على فكرٍ واحد في جميع القضايا. كلا، ففي الأساس هذا غير ممكنٍ. الاختلاف في الرأي وفي السليقة وفي الفكر وفي الفهم كان بذاته من بداية الخليقة وسيلة لتقدّم الإنسان. ولكن مع وجود تلك الاختلافات الحاصلة من اللازم وجود الانسجام في التحرّك. لو أن قافلة اختلف أفرادها فيما بينهم، وتباحثوا بشكلٍ علمي وسياسي وتباحثوا في القضايا المختلفة والمعاصرة، فدراسة الآراء فيما بينهم لا إشكال فيه إذا وصلوا إلى نتيجة فَبِها وإذا لم يصلوا إلى نتيجة فلا بأس كذلك, لا إشكال في هذ, لكن هذه الحركة التي يقومون بها لا ينبغي أن تتوقف. فلا ينجرّ الأمر إلى حيث يُؤدي ذلك إلى توقف الوسيلة التي ينبغي أن تنقلهم إلى حيث يريدون، هذا يترك العمل للاشتغال باستمزاج الآراء أو يقول أحياناً بما أننا لم نصل إلى نتيجة موحدة في هذه القضية العلمية فعليك أنت أن تسلك هذا الطريق وأنا أسلك طريقاً آخر. كلا ؛ نحن سائرون والهدف محدّدٌ. وعلى السلطات الثلاث التحرك بهذه الطريقة. أصدقائي الأعزاء، إخواني وأخواتي الأعزاء الموجدون في السلطات الثلاث, انتبهوا إلى وحدة الحركة، الوحدة في التحرّك وفي القرارات الكبرى ينبغي أن تُحفظ, وأن لا تؤدي إلى الإختلاف في العمل الأساس.

أمامنا الآن خطة خمسية. ولهذه الخطة لوازم كثيرة جداً تقع على عاتق الجميع. وفي وسط الميدان هذه الدولة بلا شك التي هي الجهاز التنفيذي, ولكن الجهاز التشريعي والجهاز القضائي والأجهزة المحاذية كلها مسؤولة ومؤثرة. فلو بنينا في كل تحرّك على التوافق في كل شيء لما تحقق شيء، ولا يتحقق أي تعاون، ولن يتقدّم العمل. تعاونوا وقدّموا العون والتسهيلات لهذا الذي يقف وسط ميدان التنفيذ. لا شك بأنه من اللازم أن تأخذوا المصلحة بعين الاعتبار لكن قدّموا العون حتى يتحقق العمل التنفيذي ويتقدّم.

لديّ وصيّة مؤكدة بضرورة تعاون الأجهزة التابعة للسلطات الثلاث، حتى نتمكن إن شاء الله من بلوغ الآفاق. فأهداف الآفاق أهدافٌ مهمّة جداً. ولا شك بأنكم لو بذلتم جهداً مضاعفاً فإنكم لتقدتم أكثر نحو تلك الأهداف, وهذا الأمر ممكنٌ ولا نستبعده بتاتاً. ها نحن نشاهد الآن في بعض القطاعات تقدّماً من حيث الوقت المفترض فيما يتعلّق بأهداف الآفاق. من الممكن أننا في بعض القطاعات قد تخلّفنا قليلاً. ولكن في بعضها الآخر فإننا متقدّمون على الزمان المتوقع في أذهاننا، ولا يوجد لدينا أية مشكلة. فيمكننا أن نتقدّم على تلك الأهداف. ونحن نحتاج إلى أن نعرف أننا قادرون على التقدّم أكثر والتحرّك والسعي. فالهمّة المضاعفة ضرورية.

ينبغي السعي في المجالات الأخروية وفي المجالات الدنيوية. وعلى الإخوة أن يضاعفوا في المجالات الفردية وفيما يتعلّق بارتباطهم بالله قدر الإمكان من هممهم وعملهم, فلا ينبغي إغفال هذا الأمر ونسيانه. فالقضايا الشخصية والفردية ـ أي كل ما يكون بين الإنسان وربّه ـ لها أهمّية فائقة. فلو بدأنا بذلك واستأنسنا به، فبمشيئة الله تعالى سيعيننا أكثر, مثلما أنه تعالى ولحدّ الآن قد أمدّنا بالكثير من العون.

من كلمة الإمام الخامنئي في ذكرى استشهاد الشهيد رجائي والشهيد باهنر وأسبوع الحكومة 30-08-2010
توصيات القائد للحكومة في إدارة شؤون البلد وفي الوضع الإقتصادي والمسألة الثقافية
أولا ، توصيات عامة

أ ــ ضرورة الثبات على التوجهات العامة
سوف أقوم بذكر بعض التوصيات ضمن بضعة عناوين. بالنسبة للتوجّهات العامّة والرئيسة في الحكومة، أوصي بحفظ هذه التوجّهات بقوّة، وعزم وإصرار. لا تُعرضوا عن هذه التوجّهات: التوجّه الديني، التوجّه الأخلاقي، التوجّه العدالتي، التوجّه الخدماتي، توجّه مواجهة ومقارعة الاستكبار والمتجبّرينفي العالم. لقد أدّى نمو الشعب المتزايد يوميّاً على صعيد الفهم والقراءة والبلوغ السياسي إلى طلب هذه الأمور أكثر. لقد باتت اليوم قضيّة مقارعة الاستكبار أوضح وأنصع وأكثر مطلوبية من السنوات الماضية، ومن أوائل الثورة. لقد رأى الشعب اليوم الكثير من الأمور رأي العين، واختبروها بشكل واضح, لذا تبلور لديهم الكثير من المسائل. قضيّة تأمين الخدمات هكذا، قضيّة الجهاد الحثيث من أجل تقدّم البلد كذلك, يجب أن تكون هذه توجّهاتكم الأساس, فلا تخسروها ولا تتركوها.

ب ــ تسهيل أمور الناس الحياتية
إحدى الأمور التي يجب أن تعتني بها الدولة في توجّهاتها، مسألة تسهيل أمور الحياة على النّاس. يجب أن تسهّل أمور الحياة للنّاس. هذا موضوع مهم، بحيث إنّ الإنسان إذا أراد أن يتوسّع فيه فسنرى أنّ الكثير من الاحتياجات الاقتصاديّة، والكثير من أعمال الحكومة ـــ الحكومة الإلكترونيّة مثلاً ـ وصولاً إلى قضيّة تفعيل دور القرى، والوقاية من الهجرة ــ هذه جميعها تنضوي تحت عنوان تسهيل حياة النّاس، كي يتمكّنوا من العيش براحة، ويتمكّنوا من العيش بأمان. وهذا العمل سيترك أثراً في المجالات المختلفة.

ج ــ ضرورة العمل بوثيقة " آفاق الرؤية "
إنّ أحد الأمور التي يجب أن نلحظها في توجّهات الحكومة العامّة، هو قضيّة "وثيقة آفاق الرؤية". لقد كانت وثيقة آفاق الرؤية هذه، عملاً أساساً تمّ إنجازه في البلد، وتمّ بحثه ومراقبته ودراسة حيثيّاته. ولم يكن ما جاء في هذه الوثيقة شعاراً، فقد أبصرت هذه الوثيقة النور آخذة الإمكانات والوقائع بعين الاعتبار. إنّ هذه الوثيقة هي في الواقع خطّة طريقنا ذات العشرين عاماً. لقد مضت خمس سنواتٍ من هذه العشرين. أحياناً نشعر بأنّ الأعوام العشرين هذه قد مضت بطرفة عين. يجب أن نعرف كم تطوّرنا. هذا أحد الأعمال التي يجب أن نقوم بها, يجب أن نرى أيّ مدى استطعنا السير وفق هذه الخطّة نحو تلك الأهداف. وإلا، فإذا لم يكن لدينا اهتمام وتذكّر لهذا الأمر، سنفتح أعيننا في وقت ما لنرى أنّه قد مرّت عشرة سنوات أو اثنا عشر سنة من هذا الزمان، ولا زلنا لم نقطع المسافة التي كان علينا أن نقطعها. ولا يمكننا أن نطوي ذلك المسير فيما تبقّى من الوقت. وعليه، يجب علينا أن نفصل بطريقة صحيحة بين المساعي والنشاطات التي يجب أن تؤدّى، وبين هذه المسيرة التي تفصلنا عن أهدافنا، لكي نستطيع التقدّم خلال كلّ فترة من الزمن، بمقدار ما تسمح به هذه الفترة. يجب أن يُبحث هذا الأمر برأيي في مناسبة ما. وهذا يقع على عاتق الحكومة, فلتبحثوا هذا الأمر.

إذا وجدتم أنّه خلال خمس سنوات مثلاً، أنكم لم تستطيعوا الاقتراب من تلك الأهداف بالشكل الصحيح، يجب أن نعي أنّ هذا يعني أنّ برنامجنا الخمسيّ هذا لم يكن كافياً. إذ لم يستطع أن يطوّرنا بمقدار خمس سنوات. برأيي عليكم أن توكلوا إلى بعض الأشخاص مهمّة أن يجلسوا ويبحثوا بعقلانيّة وتدبير وتدبّر آخذين الوقائع بعين الاعتبار، ليروا هل كان تطوّرنا متناسباً أم لا. طبعاً، من الممكن أن لا تتمّ المحاسبة بدقّة عالية في أمورٍ كهذه، ولكن يمكن إجمالاً تحديد ما إذا كنّا تطوّرنا أم لا.

د ــ ضرورة تحديد معايير "مراعاة العدالة " في مختلف المجالات
أحد الأمور المهمّة كذلك بالنسبة لموضوع التوجّهات مسألة عقد التطوّر والعدالة، حيث كنّا قد قلنا فلتكن هذه السنوات العشر، عقد التطوّر والعدالة. حسناً، لقد لاقت قبولاً، وقالت أجهزة الدولة المختلفة نعم، فلنجعل هذا العقد عقد التطوّر والعدالة. وقد مرّت سنتان على هذا العقد. لا شكّ أن المرء يلاحظ مصاديق التطوّر في مختلف مجالاته. لقد كانت التقارير التي عرضوها تقارير جيّدة, فهي تظهر حصول تطوّر في مختلف المجالات. لكن كيف تُؤمَّن العدالة؟ يعني، هناك حاجة لمقياس، هناك حاجة لمعيار لكي نرى هل هناك مراعاة للعدالة في المجالات المختلفة ـ المجالات الثقافيّة، المجالات التعليميّة، المجالات الاقتصاديّة ـ أم لا؟ ما هو معيار العدالة في قسمٍ من أقسام التربية والتعليم، أو أقسام التعليم العالي؟ كيف تُؤمَّن العدالة؟ يجب أن يتمّ تشخيص هذا الأمر، لكي نتمكّن من دمج هذا المعيار في تخطيطنا، ولكي نصل إلى تلك العدالة التي نتوخّاها في مقام العمل وفي الإطار التنفيذي. لا يحقّ لنا أن نتكلّم طالما لم نعلم. وعليه، يبقى أن تحديد شاخص ومعيار للعدالة في المجالات المختلفة شيء مهم بحدّ ذاته. كيف تكون مراعاة العدالة في صرف الميزانيّات المختلفة؟ أنا أشير إلى المجال الثقافي مثلاً. كيف يطمئنّ الإنسان إلى أنّه تمّت مراعاة جانب العدالة في صرف هذه الميزانيّات أم لا؟ هذه أمور بحاجة إلى معيار وشاخص.

هـ ــ التعامل مع القضايا بنظرة كلية موحدة
من الأمور الضروريّة الأخرى في هذه التوجّهات، الخطط الخمسيّة, وهذه الخطة الخامسة تتمّ دراستها في المجلس الآن، وآمل أن يكون هناك تعاون جدّي بين الحكومة والمجلس. لو فرضنا أنّ الحكومة حضّرت شيئاً ما وعبّرت بناء على ذلك عن إصرارها، ثم أتى المجلس وأجرى تعديلات أساسيّة فهذا سيودي بتناسق الخطّة. أو فلنفترض أن تغييراتٍ ما طرأت على الخطة الخامسة، ولم تكن هذه التغييرات منبثقة عن نظرة موحّدة وكليّة إلى البلد، بل كانت ناتجة عن نظرة إلى قسمٍ أو نظرة إلى منطقة، فهذا سيضرب التناسق الموجود في الخطّة كذلك. عندما ينظر الإنسان بنظرة مناطقيّة، ستبرز أمامه بعض الأمور بحجم كبير وضخم. وهكذا هي الأمور حقاً، الحاجة واقعيّة, ولكن عندما ينظر الإنسان إلى الأمور بنظرة جامعة، سوف نشعر بأنّ تلك الحاجة التي كانت في محلّها ضخمة، أنّ لونها يبهت وحجمها يصغر, لأنها بالطبع لن تكون ذات أولويّة عند مقارنتها مع سائر الأعمال التي لا بدّ من إنجازها، وبالنظر إلى الإمكانات المحدودة المتوفّرة.

هكذا يُرى البرنامج. يجب أن لا يحكم نظرتَنا إلى البرنامج الطابع الموضعي والمحلّي والمناطقي. هذا كان بالنسبة لتلك الجهة, أمّا من هذه الجهة، يجب أن تعتبر الحكومة الشيء الذي أعدّته وقدّمته قابلاً للتغيير والنقد. يجب أن تكون هناك طريقة يتحلّى من خلالها المجلس والحكومة بالليونة من منطلق المستوى الذي وضعوا أنفسهم فيه, يجب أن يستطيعوا التحرّك ليصلوا إلى بعضهما بعضاً، لكي ينتج عن ذلك برنامج متناسق، يتّفق عليه الحكومة والمجلس ليدخل حيّز العمل. بالنسبة للمسائل الاقتصادية، هناك أعمال جيّدة تمّ الفراغ منها، وقد أشار إليها رئيس الجمهوريّة في تقريره. حبّذا لو يكون هذا التقرير على مرأى من عامّة الناس, يعني أن يسمعوا تقرير الحكومة هذا بأكمله حول الأعمال التي أنجزت.

ثانيا ، في الوضع الإقاصادي
ضرورة متابعة العمل بخطط التحول الإقتصادي
ما أريد التركيز عليه الآن هو خطّة التحوّل الاقتصادي2 التي طرحت في الحكومة التاسعة. إن ترشيد الدعم الذي يعتبر جزء من خطّة التحوّل تلك هو قيد البحث وقد اقترب من موعد التنفيذ, الجميع متفقون ؛ وإن اختلفت الآراء حول طريقة التنفيذ . لكن هناك أقسام أخرى من خطّة التحوّل الاقتصادي في مجال الأنظمة المالية والتجاريّة والجمركيّة وأمثالها التي يجب أن لا يُغفل عنها, وهذه أيضاً أمور لا بدّ من متابعتها.

لقد كانت خطّة التحوّل الاقتصادي أمراً مهمّاً وكبيراً. نحن نوصي بأن من جملة الأمور التي يجب أن لا تتراجعوا عنها في منتصف الطريق، مشروع التحوّل الاقتصادي هذا, فلتتابعوه حقّاً. من الأمور التي نشدّد عليها كذلك، قضيّة الاهتمام بالمؤشّرات الإقتصاديّة العامّة. طبعاً لقد وردت في تقرير السيد رئيس الجمهوريّة نقاط في هذا المجال، ونحن أيضاً بدورنا نؤكّد عليها. يجب أن يُعمل حقّاً على مسألة معدّل النموّ.

ما رأيناه من نسبة معتمدة للنموّ في خطّة أو وثيقة آفاق الرؤية، يختلف عمّا هو في الواقع بفارق شاسع. ولسنا طبعاً غافلين عن عوامل الركود الاقتصادي في العالم، والمشاكل الاقتصاديّة العالميّة . فلهذه أثرها حتماً ، ولكن في النهاية لا بدّ من بذل الجهد لكي نقترب ممّا حدّدناه وذكرناه كشاخص. وهكذا بالنسبة لمسألة الاستثمارات الداخليّة والخارجيّة. ما يقدّمونه من إحصاء ات هي إحصاء ات جيّدة وتبعث الأمل. وعلى كلّ حال، مسألة الاستثمار هي مسألة ذات أهمّية كبيرة. المستقبل يرتبط بالاستثمار في القطاعات المختلفة, سواء في قطاع الطاقة، أم في القطاعات الأخرى. الاستثمار ضروريٌّ في القطاعات المتنوّعة. قضيّة فرص العمل هي قضيّة مهمّة أيضاً. وما وُضع من خطط منذ عدّة سنوات حتى الآن لم يأت بما هو مأمول. صحيح أنّ هناك بعض الأعمال أنجزت، وكانت جيّدة، ولا بأس بها, لكنّها لم تغنينا عن إيلاء اهتمام خاصّ لقضيّة فرص العمل. وكذلك الأمر بالنسبة لمسألة رفع مستوى الإنتاجيّة.

· الإهتمام بسياسات المادة 44
كذلك من الأمور التي نشدّد عليها، ونطرحها كتوصية جازمة في مجال المسائل الاقتصادية، قضيّة سياسات المادّة (44). لا بدّ من الاهتمام كثيراً بهذه السياسات.

حسناً، هناك الآن إحصاء يُذكر حول الخصخصة في السنوات الطويلة الماضية مقارنة بهذه السنوات, هذا الإحصاء صحيح, إلّا أنّ سياسات المادّة (44) لم تكن قد أُعلنت حينذاك. أي لم يأت أحد على ذكر سياسات المادّة (44) في ذلك الوقت. لذا لا يمكننا ملاحظة ذلك الزمان, عندما أعلنت هذه السياسات فيما بعد، تغيّر وضع الاقتصاد, فقد بدأت في الواقع حركة جديدة في اقتصاد البلد. لذا فإنّ المقارنة مع ما قبل هذه الحقبة هي مقارنة غير كاشفة. علينا أن ننظر ما الذي أنجزناه في هذه الحقبة في موضوع المادّة (44), هذا أمر مهمّ.

· روح المادّة (44)
انتبهوا، لقد كانت روح المادّة (44) هي أن نستطيع أوّلاً إدخال رؤوس أموال النّاس، ومن بعدها إدارة النّاس إلى معترك الاقتصاد. يجب أن تدخل رؤوس أموال النّاس وإدراتهم ـ القطاع الخاص ـ إلى معترك الإقتصاد, أمّا إذا بقيت الإدارة حكوميّة فلن يتحقّق المطلوب. طبعاً، ضمن الحدود التي تسمح بها هذه السياسات، والاعتبارات التي لوحظت في القانون ـ وهو قانون دقيق وجيّد ـ يجب أن تراعوا هذه الأمر. طبعاً، هناك بعض الاستثمارات التي يعجز القطاع الخاصّ عن استيعابها، أي إنّه حقّاً فاقد لقدرة الاستثمار فيها. حسناً، ما الحلّ؟ إذا بقي القطاع الخاصّ عاجزاً هكذا، لن تُحلّ أيّ مشكلة, يجب أن تتحرّك السياسات باتّجاه تأهيل القطاع الخاص لكي يستطيع تحمّل ضغوط بعض الاستثمارات الكبرى، وهكذا يمكن أن تصبح هذه واحدة من السياسات. طبعاً، عندما تلقي الحكومة النشاطات الاقتصاديّة عن ظهرها، فهذا لا يعني أن تنعزل عن الاقتصاد, كلا، فرسم السياسات يبقى بيد الحكومة, فالحكومة يجب أن ترسم السياسات، والإشراف يقع على عاتق الحكومة.

في سنوات العقد السابع في الستّينات (هجري شمسي)3، عندما كان السادة (المسؤولون) يتحرّكون باتّجاه تضخيم الاقتصاد الحكومي، كنت أضرب مثالاً فأقول: فلنفترض أن آليّة تستطيع أن تنقل هذا الحمل الثقيل، ويمكنكم أن تسيروا بجانب هذه الآلية، أو أن تمسكوا بالمقود وتقودوها، فتركتم هذه الآلية ووضعتم كلّ هذا الحمل الذي كان في شاحنة متوسّطة على أكتافكم، وصرتم تمشون وتلهثون, عندها لن تصلوا، وستتعبون، ولا يمكنكم حمل الحمل بأكمله، كما أنّ الآليّة عندها تكون عاطلة عن العمل. هذه الآليّة هي القطاع الخاص. كنت أقول لهم هذا الأمر في السابق، ولكن لا فائدة . عندما كان الإمام الخميني قدس سره يقول أعطوا الشعب، كانوا يقولون إن الإمام لا يقصد القطاع الخاص ـ كانوا يحوّرون المقصود من رأي الإمام ـ الشعب يعني عامّة الشعب. كيف نساعد عامّة الشعب؟ على الحكومة أن تضع يدها على الاقتصاد، وتساعد النّاس. هكذا كانوا يفسّرون كلام الإمام . حسناً، لقد كان هذا التبرير خاطئاً.

الجوّ الآن جوٌّ آخر. أولئك الذين كانوا في تلك الفترة يقولون ذلك، قد حوّلوا وجهتهم 180 درجة, أي أنّهم مرّة أخرى، لم يراعوا حدّ التوازن، ولم يراعوا الحدّ الوسط. كان عملهم ذاك إفراطاً، وها هم الآن يقعون في التفريط.في النهاية، يوجد خطّ توازن. خط التوازن هو: أن تكون رؤوس أموال النّاس وإدارتهم هي الحاملة لعبء الاقتصاد، وأن تكون الرقابة والقيادة على عهدة الحكومة. إذا تمّ إنجاز هذا العمل بشكل جيّد إن شاء الله ـ وهو بالطبع ما لا يمكن إنجازه في فترة قصيرة, هذا من الأعمال المتوسطة أو البعيدة الأمد ويحتاج إلى بذل الجهد ـ فهذا ما سيحمل معه فرجاً لاقتصاد البلد حقّاً. طبعاً، بالنسبة لموضوع مكافحة التهريب ومكافحة الفساد الاقتصادي وأمثالها من المواضيع المطوّلة، كلّ واحدة من هذه ترتبط بنحوٍ ما بالمسائل الاقتصاديّة. وبما أنّنا تحدّثنا كثيراً في هذا المجال، ليس هناك من أمورٍ أريد ذكرها.

ثالثا ، في إدارة البلد
أ ــ مسؤولية مجلس الوزراء التنسيق بين مختلف الأجهزة التفيذية
أمّا العنوان التالي الذي نريد أن نذكر بضع توصيات بشأنه، فهو قضيّة إدارة البلد. إنّ مجلس الوزراء هذا هو أحد أهمّ الإدارات. إنّ مجلس الوزراء شيء مهمّ جدّاً. نحن نعتقد أنّ مجلس الوزراء يؤدّي دوراً ثقيلاً للغاية. إن القرارات المتّخذة في مجلس الوزراء تضع مسؤوليّة قانونيّة على عاتق الجميع, على عاتق المسؤولين وعلى عاتق الشعب. ما يصادق عليه مجلس الوزراء له هذه الأهميّة. أمّا في الأمور التنفيذيّة فالحكومة هي في الواقع كلّ شيء. هناك بضعة مسائل لا بدّ من التعرّض لها. أحدها أنّ مجلس الوزراء يجب أن يساعد في عمليّة التآزر بين الأجهزة, يعني إذا كان هناك من تعارض بين الأجهزة ـ وهذا هو الحال عادة, تحصل عادة بعض الصدامات والتعارضات بين الأجهزة المختلفة بشكل طبيعي, وليس هذا خاصٌّ بنا، فهذه هي الحال أينما توجهنا, هذه هي طبيعة العمل ـ يجب على مجلس الوزراء أن يوصل هذه الصدامات إلى حدّها الأدنى، أو أن يزيلها إن استطاع. هذا من الأمور المهمّة. هناك مثال أضربه دائماً: لدينا هنا تقاطع طرق، بل طرق كثيرة، ورئيس الجمهوريّة هو بمثابة شرطي السير ـ وهو في الواقع بمثابة رئيس الوزراء، يقوم بمهمّة الإرشاد ـ يوقف هذا، ويأمر ذاك بالسير, أي أنّه يقوم بقيادة هؤلاء ليتآزروا، فلا يتصادموا. هذا أحد أدوار مجلس الوزراء.

قد تنعكس أحياناً هذه الصدامات والتعارضات التي تطرأ في سير العمل والتنفيذ في الإعلام, وهنا طبعاً سيتضاعف حجمها, في الواقع سيتضاعف حجم ما هو سيّئ. فلنفترض أنّ جهازاً ما قال شيئاً، مثلاً حول موضوعٍ أو ظاهرة ما، كأن ينقل خبراً، أو يعبّر عن رأي، فيأتي جهازٌ آخر ويقول العكس سيقع الناس في حيرة, أي إنّهم واقعاً لا يعرفون هل هذا صحيح أم ذاك. وهذه مسألة تجد طريقها إلى حياة النّاس, فلا يمكن أن تبقى خارج إطار حياتهم, بل هي ترتبط بأمور حياتهم بشكل مباشر. ترى أحدهم يصدر إحصاء، ويصدر آخر إحصاء آخر, يجب أن لا تحصل أمور من هذا القبيل. لطالما عانت الحكومات من أمورٍ كهذه. حاولوا قدر المستطاع أن تحجّموا هذا التصادم أكثر فأكثر، في عمليّة توزيع الأدوار على مجلس الوزراء وإثمار هذه المجموعة التي تجلس مع بعضهم بعضاً وتستهلك وقتاً ثميناً.

ب ــ مسؤولية الوزراء مسؤولية مشتركة
المسألة التالية المهمّة بالنسبة لمجلس الوزراء هي دور هؤلاء الوزراء. في النهاية، المسؤوليّة هنا مشتركة. عندما تجلسون هناك، لديكم مسؤوليّة مشتركة. لا يستطيع أحدٌ ما أن يقول لا دخل لي، لست مسؤولاً . كلّا، عندما يتمّ اتّخاذ قرار في هذه المجموعة، السادة والسيّدات الحاضرون هناك، جميعهم مسؤولون, كلّ من له رأي فهو مسؤول، كلّهم مسؤول. وبما أنّكم مسؤولون، فيتوجّب عليكم إذاً أن تساهموا في بلورة وتصحيح وتكميل الشيء المصادق عليه. من غير المقبول أن يكون أحدهم في مجلس الوزراء مشغولاً بحقيبته، أو أن يشارك في الجلسة دون أن يكون لديه ملاحظة موضوعيّة, كلا، عندما يكون هناك قضيّة يراد طرحها، يجب أن يكون لكم رأي فيها.

يجب أن تكونوا مؤثّرين في صنع القرار، وبما أنّكم مؤثّرون بحسب القانون، عليكم أن تفكّروا في الموضوع، أن تقرأوا، أن تُشركوا خبراء جهازكم ووزارتكم في هذا الأمر الذي تريدون إصدار قرار بشأنه في الحكومة. طبعاً، هناك صلاحيّات معطاة للوزراء، ولا بدّ من الثقة بهم. يجب أن تعتمدوا على الأشخاص الذين هم على رأس القوة التنفيذيّة ـ الوزراء ـ ويجب أن يُعترف برسميّة مسؤوليّات الوزراء, إحذروا تمييع الأمور.

ج ــ الإمتناع عن القيام بأعمال موازية داخل الحكومة
هناك مسألة أخرى بالنسبة للإدارات الحكوميّة، وهي العمل بالموازاة. يجب أن لا تنجز أي أعمال بالموازاة. العمل بالموازاة يعاني من عدّة عيوب:

أوّلاً: صرف طاقة إنسانيّة كبيرة في غير موردها.
ثانياً: تحمّل نفقات ماليّة جمّة.
ثالثاً: حصول تناقض بين القرارات، عندما يكون جهازان مسؤولان عن عمل واحد، يتخذ هذا قراراً، ويتّخذ ذاك قراراً آخر.
رابعاً: الأهم من جميع ما ذكرنا، تمييع المسؤوليّات.

في المسألة الفلانيّة ـ الإقتصاديّة أو الثقافيّة أو السياسية الخارجية أو أيّ شيء آخر ـ إذا حصلت مشكلة كهذه، ستتعرّض المسؤوليّة للتمييع. عندما يقوم أحدهم بعمل موازٍ، تتميّع المسؤوليّة. هناك بعض الأعمال الموازية بين الحكومة ـ أي القوة التنفيذيّة ـ وبين بعض الأجهزة خارج نطاق القوة التنفيذيّة. إنّا نبذل كامل سعينا علّنا نحلّ مشكلة الأعمال الموازية، نصلحها، نعالجها. يجب أن لا يظهر بعد الآن أعمال موازية داخل الحكومة. قد تكون هناك بعض الموارد الإستثنائية, ولكن بشكل عام، ليست الأعمال الموازية شيئاً جيّداً.

د ــ ضرورة تقبل المسؤولون الحكوميين النقد
أريد أن أقول جملة أخرى في مجال الإدارة. أستمع أحياناً إلى شكاوى من بعض الأحبة في الحكومة من الأجهزة الأخرى, وكثيراً ما تكونون محقّين, أي أنّ الأمر يكون واقعاً كما شكوتم من بعض السلطات الأخرى، مثل القوى المسلحة وغيرها, غالباً ما يلاحظ المرء أنّ المسؤولين التنفيذيّين محقّون، الحقّ معهم واقعاً, فأنا كنت شخصيّاً في القوة التنفيذيّة، وأعرف كم هو حجم وطريقة العمل، لذا أرى أنّ هذه الشكاوى محقّة, لكن من الممكن في نفس الوقت أن تكونوا محقّين في أغلب الموارد، وأن يكون في بعض الحالات الانتقاد الموجّه إليكم في محلّه.

لذا عليكم أن تغرسوا في نفوسكم ميزة استيعاب النقد. يجب أن يتقبل المسؤولون الحكوميّون فكرة استيعاب النقد في نفوسهم. لا شكّ أنّ هذا عملٌ صعب، ولكن لا بدّ من سعة الصدر في المعاملة، فـ "آلة الرياسة سعة الصدر"4. طبعاً، ليست الرياسة بمعنى الجلوس في الأعلى. إذا أردتم الإدارة، لا بدّ أن تتحلّوا بسعة الصدر، وأن تتحمّلوا بعض الأمور.

رابعا ، المسألة الثقافية
أ ــ ضرورة تحديد الأولويات الثقافية والعمل وفقا لها
قبل سنة أو سنتين، عندما كانت هذه المجموعة حاضرة هنا، كنت قد عبّرت عن شكوى من الحكومة فيما يتعلٌق بالمسألة الثقافيّة، ولكن لحسن الحظ، يشعر المرء الآن بأنّه يجري الاهتمام في الحكومة بالعمل الثقافي.

الميزانيّات الثقافية الكبرى والضخمة، والأعمال المتنوّعة في الواقع، وتكرار المسائل الثقافيّة، هذه أمور جيّدة, يشعر المرء بالسرور عندما يشاهد هذا النوع من الاهتمام, إلا أنّه أوّل هذه السنة أو السنة الماضية ـ لا أتذكر ـ عندما جرى الحديث مع رئيس الجمهوريّة حول هذه الميزانيّة، قلت له عندما سمعت أنّكم صادقتم على هذا الرقم الثقافي الكبير والثقيل، أصابني القلق من طريقة صرفه وتقسيمه, على الرغم من أنّ المرء يجب أن يُسرّ عندما تزيد الميزانيّة الثقافيّة. يحبّ مدراؤنا أن يسحبوا الميزانيّات عندما يحصلون عليها، لأنّهم يعرفون أنّهم إذا لم يسحبوها هذه السنة، لن يبقى لهم شيء في السنة القادمة, لذا يضطرّون إلى سحبها. حسناً، إنّ سحب الميزانيّة الثقافيّة إلى المورد المناسب عملٌ صعبٌ للغاية, ليس عملاً سهلاً. يختلف العمل الثقافي عن الإعمار، فلا يمكننا أن نقول مثلاً، هذه الأرض، وهذه مواد البناء، فلنذهب ونبنِي. إن مواد العمل الثقافي لا تتيسّر إلّا بصعوبة بالغة, يصعب كثيراً العثور على بنّاء وحِرَفيّ له. لذا أرى أنّه يجب الاهتمام شيئاً ما عندما نكون أمام عمل ثقافي ما. فلنرَ أوّلاً ما هو نوع العمل الثقافي الذي نوليه الأهميّة. في بعض الفترات السابقة ـ التي لا نريد أن نكون واضحين حولها ونذكر الأسماء، لكن لا مفرّ, يجبر المرء على الكلام لكي يجري مقارنة ـ أرادوا أن يقوموا بعمل ثقافي، فطلبوا ميزانيّة ثقافيّة, ونووا أن يرمّموا نزلاً للقوافل من زمن الشاه عبّاس على طريق السفر . نعم، ترميم نزل للقوافل ينتمي إلى فترة الشاه عبّاس أمرٌ جيّد، وهذا أحد المواقع الأثرية, ولكن هل هذا هو العمل الثقافي ذو الأولويّة؟

1ــ ترميم " نزل القوافل " من زمن الشاه عباس اليوم ليس أولوية
نحن الذين نواجه ضغوطات ثقافيّة عالميّة عظيمة, السياسة في خدمة الثقافة، الاقتصاد في خدمة الثقافة، الفنّ في خدمة الثقافة، لكي نركّز الجهود على ثقافة شعبنا الداخليّة. إنّهم يعلمون أنّهم إذا استطاعوا أن يغيّروا الثقافة، فلن تكون هناك أيّ معركة. إذا كان هناك من مقارعة للاستكبار، إذا كان هناك رغبة بالصمود والتصدّي للتدخّل الأجنبي، فهو بسبب الثقافة. عندما يمتلك الإنسان ثقافة، ويأتون ويغيّرون ثقافته هذه، سوف يصبح كلّ شيء ملكاً لهم, لذا فإن الجهود جميعها منصبّة على الثقافة. عندما نكون في مواجهة حركة ثقافيّة تريد أن تسلبنا روح الثورة، روح الاستقلال، روح الدين، هل ستكون أولويّتنا هي أن نرمّم نزلاً للقوافل من زمن الشاه عبّاس مثلاً؟! هنا يكمن الخطأ في تشخيص نوع العمل الثقافي, هذا أحد الإشكالات. فما هو الذي يجب أن نطلبه في العمل الثقافي إذن؟ الإنتاج هو المطلوب

2ــ مقدار الإنتاج الثقافي المناسب للواقع أولوية ثقافية
في اللقاء الذي جرى الأسبوع الماضي مع الجامعيّين ـ ومن حسن الحظ أنّ لقاءاتنا مع الجامعيّين ليست بالقليلة ـ وجدت أن هؤلاء الشباب الثوريّين، هؤلاء الشباب الذين هم أمل غدنا، من التنظيمات المختلفة ومن النخب غير المنتمية إلى التنظيمات ـ أكّدوا على موضوع الإنتاجات الثقافيّة, أنّه ما هو مقدار الإنتاج الثقافي الذي نقدّمه، وما هو الحجم المطلوب تأمينه. حسناً، لقد قمتم بعملٍ فائق الأهميّة هنا، ولعلّي أشير إلى موارده في مناسبة خاصّة فيما بعد.

ب ــ ضرورة الإهتمام بالمحتوى الثقافي الأصيل والواقعي
النقطة الثانية في هذا المجال هي: عندما نعثر على مورد للإنفاق الثقافي، إذا عثرنا على النوع المناسب لننفق هذه الموازنة، يجب أن نتابع محتواه. قرّرنا فرضاً في نهاية المطاف أن نصنع الأفلام. أردنا مثلاً صناعة عشرة أفلام عن الثورة, عشرة أفلام محورها القيم. أو أردنا أن ننشر العدد الفلاني من الكتب, ما هو المحتوى المطلوب؟ كيف يجب أن يكون؟ على أيّ درجة من القوّة؟ بأي درجة من المتانة؟ ما هو حجم المخزون العلمي والفنّي الذي يجب أن يحمله؟ هذه أعمال صعبة ودقيقة. يجب أن لا نسعى وراء الأعمال الاحتفائيّة والاستعراضيّة في المجالات الثقافيّة. تحويل العمل الثقافي إلى عمل استعراضي ـ عدا عن أنّه لا يحمل خيرا ـ هو مضرّ. يجب أن نهتمّ في المجال الثقافي بالأعمال ذات المحتوى، الأًصيلة والواقعيّة، وهذه هي حاجتنا الرئيسة في البلد اليوم.

من كلمة الإمام الخامنئي في المسؤولين التنفيذيين بمحافظة قم المناسبة: الزيارة الخاصة لمدينة قم 27-10-2010
ضرورة تعامل المسؤولين مع الناس وأمورهم بإخلاص ورفق
من الأمور المهمة جداً طريقة تعامل المسؤولين على اختلاف مستوياتهم مع الناس والمراجعين.. ولا بد أن يكون هذا التعامل بوجه بشوش. يقول الشاعر:

فلا تعقـد حاجبيـك إذا لم تـستطع حـلّ العقد
كن منبسط الوجه والحاجبين إن لم تكن منبسط اليد

أحياناً لا يستطيع المسؤول تحقيق الأمور والمطالب المتوقعة منه. قد تكون اعتمادات المؤسسة وإمكانياتها وميزانيتها قليلة.. لا إشكال في ذلك.. إذا تمّ التعامل مع الناس بقدر المستطاع ولكن بوجه بشوش وأذرع مفتوحة وبصميمية فإن الناس سوف يرضون ويفرحون. أحياناً يراجعوننا إلى مكتبنا في طهران، وبعضهم لديهم مطالب لا يمكن لنا تحقيقها، فيقال لهم: نعم، وصلنا طلبكم، ولكن ليس في وسعنا إنجاز هذا الطلب، أو إنه بخلاف القانون، أو لمشكلات وعقبات أخرى. فيقولون: نحن راضون لمجرد أنكم اهتممتم بطلبنا وتابعتموه حتى لو لم يُنجز الطلب. الناس يفرحون لشعور المسؤولين بآلامهم وأوجاعهم ومشاركتهم همومهم. طبعاً، يجب عليهم السعي والعمل ورفع احتياجات الناس بقدر الإمكان. وقد ذكرنا أن إمكانيات الحكومة محدودة. يجب أن لا نتصور أن جميع الأعمال والمهام الضرورية بوسع الحكومة تحقيقها كيفما تريد، لا، ثمة قيود متنوعة لأسباب عديدة، ولكن يجب العمل بالقدر الممكن، وما نعمله ينبغي أن نعمله بوجه منفتح.. يجب أن تكون وجوهنا منفتحة بشوشة. هذه من أهم الأعمال التي تقع على عاتقنا وعلى عاتق جميع المسؤولين.

· إن الله لا يضيع أجر المحسنين
أنتم أيها المسؤولون المحترمون في القطاعات المختلفة ـ سواء في القطاعات التعليمية أو الخدمية أو الصناعية أو الزراعية أو الثقافية أو الصحية والعلاجية أو العسكرية والأمنية وسواها ـ اعلموا أن ثواب هذه الخدمة التي تقدمونها ليس مجرد الأجر الذي تتقاضونه من المؤسسة التي تعملون فيها، إنما ثوابها عند الله. الثواب الذي يعطيه الله تعالى أعلى وأحلى وأعظم بكثير من الأجور التي تمنح للإنسان في الدنيا، سواء الأجور الدنيوية المادية أو حتى الشكر والتقدير. قد نفعل أحياناً ما يستدعي شكر الناس لنا، وهذا بدوره أجر، بيد أن الأجر الإلهي أكبر من هذا بكثير. إنكم تقدمون خدمة وتخلصون في عملكم، وتخصصون وقتكم للعمل أكثر من أوقات العمل العادية، وقد لا يعلم بذلك أي إنسان، لكن الله به عليم. كثيراً ما يحدث ـ وقد شاهدنا ذلك كثيراً طوال خدمتنا على مدى إحدى وثلاثين سنة ـ أن يكون هناك أفراد يعملون عملاً مخلصاً من دون أن يدري بذلك أحد، ومن دون أن يعلم حتى رئيس الشخص أو مرؤوسوه بذلك. ينظر الشخص في ملف معين أو يتابع عملاً معيناً، وحينما ينتهي وقت الدوام، يقول لنفسه: سأبقى نصف ساعة أخرى أو ساعة أخرى لأنهي هذا العمل. ولا يعلم بالأمر أي شخص ولا يشكره أي شخص. اعلموا أن هذا باق عند الله. إن لم يعلم أي إنسان بذلك، فالكتّاب الإلهيون والكرام الكاتبون يعلمون ويكتبون ذلك ويسجلونه. يوم تحتاج كل العيون والقلوب للطف الله ورحمته ومغفرته، ستكون هذه الأعمال قرة عين وطمأنينة قلب لكم.. ستكون هذه الأعمال في يوم القيامة المهول العسير ظلاً على رؤوسكم. إذن، الأجر الإلهي أعلى بكثير.. خذوا هذا الأجر بنظر الاعتبار. أي عمل تقومون به وأية خدمة تقدمونها للناس فهي محفوظة مسجلة عند الله تعالى. حينما تعملون بهذه الروح فلن تتعبوا من العمل وسوف لن يستنـزفنا العمل، خصوصاً في ضوء أن بلادنا تحتاج إلى العمل حقاً. علينا التقدم والسير بسرعة كبيرة في كافة الميادين.


1- سورة المؤمنون, الآية 1.
2- خطة التحول الإقتصادي: مشروع يهدف الى تحقيق العدالة الاجتماعية وخفض الضغوط الاقتصادية بشكل ملموس للشعب.
3- من 1981 إلى 1991 تقريباً.
4- نهج البلاغة، حكمة 176.
 

2017-03-03