يتم التحميل...

لتأسيس مركز للحريات الفكرية في قم

العلم والتطور

لتأسيس مركز للحريات الفكرية في قم

عدد الزوار: 12

من كلمة الإمام الخامنئي في لقاء خاص بالأساتذة والفضلاء والمبلغين والمحققين في الحوزات العلمية في البلاد.الزمان: 8/9/1386هـ. ش ـ 18/11/1428هـ.ق ـ 29/11/2007م.

لتأسيس مركز للحريات الفكرية في قم
ومن المواضيع المهمة التي أجد من اللازم طرحها عليكم أيها الأخوة، هي مسألة الحرية الفكرية التي تحدث عنها بعض الأصدقاء في كلامهم، فلماذا لا يتم تأسيس مركزٍ للحريات الفكرية في قم؟ وما الإشكال في ذلك؟ فحوزاتنا العلمية كانت دائماً مركزاً ومهداً للحرية الفكرية العلمية، ومازالت كذلك حتى الآن.

فنحن نفتخر بحوزاتنا العلمية وقلما نجد نظيراً لذلك في المراكز الدراسية الأخرى غير الحوزة، أن يعترض الطالب ويشكل على أستاذه في الدرس، ويناقشه في الموضوع دون أن يمتعض الأستاذ أو يظن بوجود سوء غرض أو عداء عند الطالب.

فالطالب يتكلم ويشكل على الأستاذ بحرية كاملة، دون مراعاة في إشكاله للأستاذ، كما أن الأستاذ يتقبل هذا الأمر بسعة صدر، ولا يتأذى من ذلك. فهذا أمر مهم، وهو نابع في الأصل عن حوزاتنا العلمية، لأنها تضم الكثير من العلماء والفضلاء الذين يختلفون في آرائهم ونظرياتهم الفقهية والأصولية، ويتبعون مناهج مختلفة في دراستهم؛ كما تضم الفلاسفة، والعرفاء، والفقهاء، الذين يعيشون ويعملون مع بعضهم البعض.

فهذا كان أسلوب العمل والدراسة في حوزاتنا العلمية، فإننا نجد أحد العلماء يتبنى رأياً علمياً، لا يقبله العالم الآخر، ويمكنكم مشاهدة نماذج كثيرة على هذا الأمر عند مراجعة السيرة الذاتية والعلمية للعلماء والفقهاء العظام.

فمثلاً كان المرحوم صاحب الحدائق معاصراً للمرحوم الوحيد البهبهاني؛ وكان كلاهما يسكن مدينة كربلاء، ويتباحثان معاً أحياناً.

وينقل أنهما بدءا في إحدى الليالي في الحرم الطاهر لسيد الشهداء (عليه السلام)، ببحث ومناقشة إحدى المسائل الفقهية، واستمر بحثهما حتى أذان الصبح ـ وكان الوحيد البهبهاني أصغر سناً في ذلك الوقت من صاحب الحدائق الذي كان كهلاً ـ فكانا يتباحثان معاً، ويتناقشان معاً، ويدرسان معاً، لكنهما أيضاً يختلفان أحياناً في الآراء حول بعض المسائل، حتى إني سمعت أن بعض طلاب الوحيد البهبهاني ـ الذي كان يتميز بتعصبه الشديد ضد الإخباريين ـ مثل صاحب الرياض وغيره، كانوا يحضرون في درس المرحوم صاحب الحدائق.

إذاً، يجب علينا إشاعة روح التحمل وقبول الآراء في الحوزة العلمية، فلا ضير في تعدد المشارب العلمية، بأن يكون لأحد العلماء مشرباً فلسفياً، ولآخر مشرباً عرفانياً، ولآخر مشرباً فقهياً، حتى لو لم يقبل أحدهما رأي الآخر.

وقد ذكرت قبل بضعة أشهر في مشهد، أن المرحوم الشيخ مجتبى القزويني (رضوان الله تعالى عليه) كان يتميز بمخالفته لفلسفة الحكمة المتعالية مشرب الملا صدرا ـ حتى أنه كان شديداً جداً في مخالفته ـ لكن الإمام (قدس) كان في آرائه ونظرياته يمثل خلاصة وزبدة لمدرسة الملا صدرا، ليس فقط في نظرياته الفلسفية؛ بل حتى في آرائه العرفانية أيضاً.

ورغم ذلك، كان المرحوم مجتبى القزويني طيلة حياته من المؤيدين للإمام (قدس) والمروجين لأفكاره، حتى أنه قدم من مشهد الى قم لرؤية الإمام (قدس) ولقائه. وهكذا الأمر بالنسبة للمرحوم الميرزا جواد الطهراني الذي كان في مشهد أحد المؤيدين لتلك المدرسة، لكنه مع ذلك اشترك في الجبهة والحرب، وكان يخالف تفسير الإمام (قدس) لسورة الحمد عندما تم عرضها على التلفاز، وقد أخبرني بهذا الرأي؛ وهكذا بالنسبة للمرحوم مرواريد، كانوا يخالفون الإمام (قدس) في الرأي والمشرب، ولكنهم يؤيدونه في التعامل السياسي والاجتماعي، ويأنس بعضهم ببعض، ويتحمل أحدهم الآخر.

لذا يجب أن يكون التعامل في قم بهذا الشكل أيضاً.

فمثلاً، لو طرح أحد الطلاب نظرية فقهية شاذة، فمن المفروض التعامل منطقياً مع هذا الموضوع بتشكيل اجتماع يضم خمسة أو عشرة من الفضلاء لبحث هذه النظرية ومناقشتها، والرد عليها بالدليل القوي.

وكذلك الأمر بالنسبة للنظريات الفلسفية، والنظريات العرفانية أو الكلامية. ولا ينبغي اللجوء في الحوزة الى التكفير، والاتهام، والقدح وغيرها من التصرفات التي تسيء الى العلماء الكبار.

إذ لا يجوز لي أن أسيء الى الآخر لو خالفني في بعض كلامه، وأبدأ باتهامه والقدح به. ولا يمكن الابتعاد عن هذه الأساليب إلا بإشاعة روح التحمل بين الطلاب، وتشكيل جلسات البحث والمناظرة، وتشجيع نهضة الحرية الفكرية التي تحدثنا عنها سابقاً؛ بحيث يصبح هذا الأمر عرفاً في الحوزة العلمية، ويتم التبليغ له في المجالات والمقالات المختلفة.

فلا إشكال في أن يطرح أحد الأفراد رأياً أو نظرية فقهية؛ فيرد عليه شخص آخر برسالة أو مقالة؛ أو يتباحثون علمياً حول هذا الموضوع؛ فالبحث العلمي أمر جيد ومطلوب.

 

2017-02-24