يتم التحميل...

سياسات المادة 44: تنمية الثروة الوطنية وتوفير العدالة الإجتماعية

العلم والتطور

سياسات المادة 44: تنمية الثروة الوطنية وتوفير العدالة الإجتماعية

عدد الزوار: 14

كلمة الإمام الخامنئي في اجتماع لمسؤولي‎ لجنة تطبيق‎ الخطوط العريضة‎‎ للمادة 44 من‎ الدستور. 30/11/1385هـ.ش، ــ 1/2/1428هـ.ق ــ 19/2/2007م

سياسات المادة 44: تنمية الثروة الوطنية وتوفير العدالة الإجتماعية
في البداية أرحّب بجميع الحضور من الأخوة الأعزاء الذين اجتمعوا هنا من ناشطين وسياسيين ومسؤولين وعاملين في المجال الاقتصادي، وأدخل إلى صلب الموضوع بلا مقدمات.

التساؤل عن تعثر العمل بسياسات المادة 44
في مستهلّ شهر خرداد عام 1384هـ.ش تمّ إبلاغ السياسات العامة للمادة الرابعة والأربعين ما عدا البند(ج). وبعد ذلك بعام تقريباً أي في تاريخ 11/4/85 تم إبلاغ هذا البند وهو المتعلق بخصخصة المؤسسات الاقتصادية الحكومية.

وفي اليوم التالي، وردّاً على رسالة من رئيس الجمهورية المحترم، أعطينا تصريحاً بإمكانية تحويل نسبة مئوية من أسهم مؤسسات البند(ج) إلى المجموعة المسمّاة بأسهم العدالة(سهام عدالت) وتقسيم هذه الأسهم بين عدد من المجموعات المعنية.

ومنذ إبلاغنا الأخير وحتى الآن، أي منذ يوم 12/4/85، مضت عدة شهور، كما مرّ نحو عام ونصف على تاريخ الإبلاغ الأول، أي منذ أول شهر خرداد 1384 وحتى اليوم، من دون إحراز تطورات ملحوظة بهذا الصدد.

ولقد أبلغت رؤساء السلطات الثلاث المحترمين بهذا الأمر منذ شهرين تقريباً، وذلك بكل صراحة، وهاأنذا أتحدث إليكم الآن حول نفس الموضوع، بصفتكم مسؤولين في المجالات المختلفة المتعلقة بتفعيل هذا العمل.

فلماذا تعثّرت هذه الخطوات؟ هل السبب في ذلك يعود إلى عدم الاهتمام الكافي بهذه السياسات وما يتعلق بتلك القضية ـ أي ما يرتبط بآثار وأبعاد التطور الاقتصادي الكبير في إيران ـ أم أنه يعود إلى وجود انطباعات مختلفة عن هذه المسألة؟

إنّ المعنيين بهذا الأمر في المؤسسات المختلفة، أو حتى في المؤسسة الواحدة لا تتفق أقوالهم ولا يتمتعون بفهم واحد، أو انطباع واحد حول البنود المختلفة لهذه السياسات وأهدافها ونتائجها المتوخّاة.

ومن هنا فقد جاء هذا الاجتماع لكي أتحدث معكم بكل صراحة أيها الأخوة الأعزاء حول أهمية هذا الموضوع من وجهة نظرنا؛ وذلك سعياً نحو تكوين فَهْم وانطباع حول هذه القضية، وحتى لا تقف الأذواق المختلفة عائقاً في طريق انجاز هذا العمل المهم جداً، والضروري والحياتي.

ضرورة تطوير وجهات نظرنا وسياساتنا حول قضايانا الاقتصادية
أيها الأخوة .. إنه يتعيّن علينا إيجاد تحوّلات فيما يتعلق بتقديراتنا حول قضايانا الاقتصادية، وينبغي أن نخلص من هذا الاجتماع إلى ضرورة تطوير وجهات نظرنا وأساليب عملنا، وما لدينا من بُنىً إدارية ومؤسساتية، وقوانين وقواعد وضعية، وبرامج وطروحات في شتى المجالات، ثم نعمد إلى بناء غَدِنا ومستقبلنا انطلاقاً من هذه التطورات والسياسات الجديدة. وهو ما يُعتبر من الواجبات الأساسية لكافة أجهزة ومؤسسات البلاد.

كما أنه من الضروري أن تتحدد الميزانية بناءً على هذه السياسات. وفي هذا النطاق تقع مسؤوليات جِسام على عاتق مجلس الشورى والحكومة والسلطة القضائية، ولابد من أدائها.

علينا تقديم نموذج للإقتصاد يوفر الإزدهار والعدالة الإجتماعية معا
إنّ علينا بالدرجة الأولى إعطاء توضيحات حول الهدف من هذه القرارات. فعندما نلقي نظرة على واقعنا منذ بداية الثورة الإسلامية وحتى الآن فإننا سنلمس تطورات بالغة العمق والأهمية في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وعلى صعيد إثبات وتأكيد هويتنا الوطنية. إنها تحوّلات على قدر كبير من الأهمية تصل إلى 180 درجة.

ورغم ما يوجّهه إلينا خصومنا وبعض أصدقائنا الغافلون من انتقادات، فإن هذه الإنجازات ستزداد عظمة وشموخاً دون أن ينال أحدٌ منها. على أنني أقول بصراحة: إنّ ما حدث من تطورات في الحقل الاقتصادي لا يكاد يتناسب مع ما وقع من تحوّلات في المجالات والحقول الأخرى.

كان ينبغي علينا تقديم نموذج أكثر نجاحاً في الاقتصاد للعالم من حولنا.

وخلاصة القول: أنه كان يجب علينا أن نوقف العالم على ما لدينا من خبرات واستعدادات في مجال الازدهار الاقتصادي، وتوفير العدالة الاجتماعية.

إنّ ما تمّ من إنجازات كان فائق الأهمية ولا يمكن إنكاره، ومع ذلك فإننا لم نبلغ ذلك المستوى المطلوب، وهو ما يحزّ في نفوسنا.

إننا نلحظ وجود قاعدتين أساسيتين عندما نلقي نظرة فاحصة على ساحة الاقتصاد
الإسلامي، ولابدّ من الأخذ بالاعتبار كل ما يقدّم من وصايا وطروحات تتعلق بترسيخ هاتين القاعدتين.

إنّ ما نعثر عليه من وصايا بهذا الصدد حتى ولو كانت قائمة على أساس مصادر توحي بأنها دينية، فإنها ليست في الواقع إسلامية.

إنّ إحدى هاتين القاعدتين تتمثل بزيادة الثروة الوطنية.

إنّ البلاد الإسلامية لابدّ وأن تكون غنية لا فقيرة، وعليها أن تستغل ثرواتها وقدراتها الإقتصادية في تحقيق أهدافها السامية على الصعيد الدولي.

وأما القاعدة الثانية فتتمثل في عدالة التوزيع ومكافحة الحرمان داخل المجتمع الإسلامي. فلابدّ من الاستحواذ على هاتين الركيزتين، والأولى من شروط الثانية.

إننا سنعجز عن مكافحة الحرمان والتغلب على الفقر بلا تنمية للثروة وإيلاءها ما تستحق من الإهتمام؛ ولهذا فلابدّ من وجود هاتين القاعدتين.

إنّ عليكم كمفكرين اقتصاديين وملتزمين بالمبادئ الإسلامية ألا تتجاهلوا هاتين الركيزتين في أطروحاتكم التي تتقدمون بها، وإلاّ فسيكون هناك خلل وأخطاء.

إذا كان علينا أن نصل بالبلاد إلى حدّ الاكتفاء وعدم الحاجة على صعيد الثروة الوطنية فلابدّ من إشراك الجميع في الاستثمار والنشاطات الاقتصادية وتنمية الثروات؛ حتى يتمكن الجميع من المساهمة في هذه الأعمال، ولابدّ من الدعم الحكومي والقانوني.

إنّ من الضروري أن يأخذ شبابنا ومثقّفونا ومدراؤنا الماهرون ـ وهم كُثر والحمد لله ـ بزمام الأمور في تفعيل المشاريع الاقتصادية والإنتاجية الكبرى، وأن ينهضوا بالبلاد على صعيد الموارد المادية والمصادر البشرية، والى هنا فلا أعتقد أنّ باستطاعة أحد التقدم برأي مخالف انطلاقاً من وجهات النظر الإسلامية.

وفي تقديري فإن واضعي الدستور، والمادة 44 كانوا أذكياء ومنصفين.

لقد عملنا مع أكثرهم عن قرب، وكانت النتيجة التوصّل إلى المادتين 43 و44 وما إلى ذلك؛ وهو ما يدلّ بوضوح على أنهم كانوا على علم من وجهة نظرهم العامة بالخط الفاصل بين الاقتصاد الرأسمالي والاقتصاد الاشتراكي، وهو ما أدخلوه في المادة 44 على شكل محاور الملكية الثلاثة الأساسية، وهي ملكية الدولة، والملكية التعاونية، والملكية الخصوصية، ثم ذيّلوها بشروط خاصة.

ومن هذه الشروط أنّ هذا التقسيم ـ بتلك المصاديق التي ذكرتها ـ لابدّ وأن يؤدي إلى التنمية الاقتصادية، دون أن يلحقه أضرار أو خسائر. وهذا يعني أنه إذا ما رأى المسؤولون في يوم ما أنّ هذا التقسيم من شأنه أن يلحق أضرار وليس من شأنه أن يطوّر الاقتصاد وينمّيه فإنهم سيقومون بإلغاء هذا القانون في نفس اليوم، ويطوّرونه بما يتطابق مع المصلحة العامة، وهو ما يدل على ذكائهم وإنصافهم.

لقد قمنا ببعض الإجراءات في العقد الأول للثورة؛ وذلك بسبب انشغالنا بأيام الدفاع المقدس والحرب، ومسائل أخرى كالحصار الاقتصادي المشدّد، وما إلى ذلك من مختلف القضايا، وكانت نتيجة هذه الإجراءات ازدياد الملكية الحكومية أكثر مما ذكر في تلك المادة من الدستور؛ مما أثار جدلاً شديداً آنذاك.

وفي ذلك الوقت كنتُ رئيساً للجمهورية، وكانت لي مناقشات متعددة مع المسؤولين الاقتصاديين ورئيس الحكومة، سوى أنّ الضرورات فرضت تلك الإجراءات على المسؤولين وعلى البلاد، ووسّعت رقعة الملكية الحكومية أكثر مما جاء في المادة 44، ولكن في العقدين الثاني والثالث لانتصار الثورة، أي منذ أن وضعت الحرب أوزارها وحتى الآن، لم يكن ينبغي لنا أن نوافق على اتّساع نفوذ الشركات الحكومية غير الضرورية، وهي تعدّ بالآلاف، وبعضها لا حاجة لنا به، بمعنى أنّ تأسيس الحكومة لتلك الشركات، أو عدم تحويل المؤسسات الملحقة بالمادة 44 للشعب، لم يكن منسجماً مع المصلحة العامة.

إنّ أحد الواجبات التي تمّ اعتمادها في المادة 44، وطبقاً للقانون الذي وقّعناه في مجلس الثورة، كان ينصّ على ضرورة تحويل ملكية كافة المؤسسات التي لا يشملها صدر المادة 44 بصورة كاملة إلى الشعب.

وكان ثمّة تصويب وقانون يشتمل على البنود(أ) و(ب) و(ج) و(د). وكان البند (ج) متعلقاً بالمؤسسات والشركات التي كانت مدينةً للحكومة منذ النظام السابق، وكان ينصّ على منحهم الشركات إذا ما سددوا ديونهم، ولكن هذا لم يحدث.

وأتذكّر الآن أنني عندما كنتُ رئيساً للجمهورية عارضت القائلين بإدراج شركات البند(ج) تحت البند(ب)، وهو بند ينص على عدد من الشركات التي كان يجب أن تكون ملكيتها حكومية، وكان اعتراضي انطلاقاً من مواد الدستور.

وإذا ما كانت الظروف والضرورات قد فرضت علينا ذلك الأمر في تلك الفترة الزمنية فإنه لم يكن من اللازم الإبقاء على مثل هذا الإجراء في العقدين الثاني والثالث لانتصار الثورة، أي بعد انتهاء الحرب، ولم يكن من الضروري تأسيس شركات لا حاجة لنا بها، ولم يكن ينبغي التمّهل في تحويل ملكية الشركات الحكومية إلى الملكية الخاصة، كما صرّح بذلك الدستور.

لقد كان من الضروري الإسراع في تقليص الملكية الحكومية، ولكن ذلك لم يحدث، بل حدث العكس تماماً!... وكانت النتيجة إنفاق كمية كبيرة من الدخل على أمور لا أهمية لها، كبعض النشاطات التي تُنمّ عن الإسراف وبعض البنايات الجزافية، بينما كان من اللازم إنفاق تلك الكمية من الدخل على المشاريع الإنتاجية واستخدام النقد وسيولته بشكل صحيح في المجتمع، وهذا ما أضرّ بالاقتصاد.

وعلى أية حال فإن ما حدث في العقدين الثاني والثالث لم يكن ينبغي أن يحدث. وأما حقيقة الوضع الحالي فهي نشوء ازدياد بالغ في الملكية الحكومية بما لا يتناسب مع نص المادة 44، لدرجة أنّ بعضها مخالف لهذه المادة، والكثير منها يتعارض مع ذلك الشرط المنصوص عليه تذييلاً للمادة 44.

لقد حدد السند المنظور بعض الأهداف، ولكننا وجدنا أنه لا يمكن بلوغ هذه الأهداف مع وجود الأوضاع الراهنة. وطبقاً لِما أنجزوه من محاسبات فإن بعض رؤوس الأموال لابد وأن تستثمر، مما سيدرّ عليها أرباحاً تصل إلى اثني عشر بالمئة تقريباً، وهي زيادة ستكون مرتفعة.

وطبقاً لِما قاموا به من محاسبات فإن علينا أن نستثمر مئة وسبعين مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة، وذلك فقط في مجال النفط، أي بمعدل سبعة عشر مليار دولار سنوياً.

فهل تستطيع الدولة القيام بذلك؟ إنه أمر يتجاوز طاقتها. وعلاوة على كل ذلك فإن الدولة تتحمّل مسؤوليات جساماً على صعيد النشاطات المؤثرة والحديثة، ولديها استثمارات ضخمة في مجال التقنيات المتطورة.

إنّ على الدولة القيام بالأعمال التي يعجز عنها القطاع الخاص، والتي يتوقف عليها مستقبل البلاد كالنشاط النووي.

ومن ناحية أخرى فإننا نشعر بالقلق إزاء ما يتعلق بقضية العدالة الاجتماعية، من قبيل مكافحة الفقر والحرمان، وسواها من المسائل التي أشرنا إليها آنفاً.

ولاشك أنكم تعلمون من خلال متابعاتكم الإعلامية أنّ الأجانب ينحون باللائمة على الحكومة الحالية، وهو ما يبدو جليّاً من خلال حواراتهم السياسية والدبلوماسية؛ وهذا خطأ، وهو يجانب الواقع؛ لأنه ما من أحد كان يُضمر السوء خلال الأعوام المنصرمة، بل إنّ الطريقة لم تكن صحيحة؛ وهو ما أدى إلى النتائج الراهنة.

لقد حدا بنا كل هذا إلى أن نمعن النظر في مسألة السياسات المنبثقة عن المادة 44، ولقد مرّت عدة سنوات منذ طلبتُ من مجمع تشخيص مصلحة النظام العمل على هذه القضية، وكان ذلك ما بين الأعوام 77 أو 78 إلى 83 أو 84 هـ.ش.

وهذه هي البنود المنبثقة عن المادة 44 بإيجاز: بند(أ)، بند(ب)، بند(ج)، بند(د) وبند(هـ).

وبعض هذه البنود ينقسم إلى قسمين، كما في البندين(أ) و(د)،

وخلاصة هذه السياسات تتمحور حول عدم انشغال الحكومة بالنشاطات الاقتصادية غير الضرورية، وتمهيد الطريق أمام الحضور الفاعل لأصحاب رؤوس الأموال في الساحة الاقتصادية الوطنية، والاعتماد على الشركات التعاونية التي ينبغي أن تولي دعمها الواسع للطبقات الشعبية المحرومة، وتفرّغ الحكومة لأداء دورها في الحاكمية بما لها من آداب وقواعد وسنّ السياسات التنفيذية والنظر في كيفية التصرف في الدخل الناشئ عن إسناد وتحويل هذه النشاطات للقطاعات المذكورة، ومن ثم قيام الحكومة بما عليها من التزامات في هذا الصدد.

فهذه هي خلاصة السياسات المنبثقة عن المادة 44 والتي تمّ إبلاغها للجهات المعنية.

لقد عبّرنا عن شعورنا بالغبطة إزاء موضوع سهام العدالة، حيث إنّ عُشري الطبقة الفقيرة على الأقل ستعمّها الفائدة العائدة من أحد سهام هذه الاستثمارات؛ وذلك من خلال العثور على فرص العمل والإنتاج والتمتع بالدخل المالي، وهذه فرصة ثمينة ومهمة. ولقد أوصينا بمنح هذه السهام مع مراعاة التخفيضات اللازمة وإعطاء المهلة الكافية للتسديد.

ولا يعني هذا بالطبع أنّ هذه السياسات هي بمثابة عرض الثروة الحكومة في المزاد، فنحن لا نرغب في ذلك إطلاقاً، ولن نسمح أبداً بعرض الثروة الحكومة للمزاد؛ لأنها تخصّ الشعب، كما أننا لا ننوي تعريضها للتلف والضياع، وإنما نريد تحويلها من شيء لا يدرّ سوى النفع والربح اليسير إلى شيء مزدهر ومؤثر في الارتفاع بالمستوى الاقتصادي للبلاد، مع تحويل مسار الثروات العامة، أي بيت المال، حتى يكون في صالح الطبقات المحرومة.

لقد أثاروا وما زالوا يثيرون العديد من التساؤلات والإبهامات حول الكثير من الأقسام المختلفة، حتى أنّ بعضهم تحدّث معي قائلاً: إنّ مثل هذه السياسات سيؤدي إلى ظهور أفراد فاحشي الثراء والغنى عن طريق تلك النشاطات الاقتصادية، فأجبتهم قائلاً: إنّ الحصول على الثراء بالطرق القانونية والمشروعة ليس ممنوعاً في الإسلام، ولم نقل أبداً أنّ الشرع يعارض النشاطات القانونية والمشروعة التي تدرّ الثراء والربح، فهذا ما لا يعتقد به أحد ممن هم على علم بالدين والقرآن.

إنه لا ينبغي الخلط بين أمرين، أحدهما إنتاج الثروة، أي ذلك الذي يعمل بصورة صحيحة ويحصل على الثراء. فالمهم هو كيفية الإنتاج وأسلوب الاستفادة من الثروة، حيث إنه لا إشكال في أصل الموضوع؛ لأن كل ثروة يتمّ إنتاجها في المجتمع ستعود عليه جميعاً بالغنى والثراء. وأما الأمر الثاني: فهو من الحساسية بمكان، وهو كيفية التصرّف في الأموال والثروات، وألا تكون من مصدر غير قانوني، وليست ناتجة عن التزوير وتقلبات السوق، وأن تُنفق في مجالات لا يعارضها الشرع، وأن تضخّ الحياة في شريان المجتمع، وألا تذهب هَدْراً في الفساد.

لاحظوا هذه الآية الشريفة من سورة القصص مع باقي الآيات التي تتحدث حول قارون، الذي كان نموذجاً صارخاً للثراء غير المشروع من وجهة نظر الدين والإسلام والقرآن، حيث قال له قومه وهم من كبار العظماء والمتدينين من بني إسرائيل، أو موسى عليه السلام? وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة?1.

وهو على غرار ما عندنا في الروايات(نِعْمَ العون الدنيا على الآخرة)، فهذه نصيحة، وأما نصيحتهم الثانية فهي ? ولا تنسى نصيبك من الدنيا?2، والثالثة هي ? وأحسن كما أحسن الله إليك?3، والنصيحة الرابعة? ولا تبغ الفساد في الأرض?4.

إنّ آفة الثروة، الفساد والترف. فَهُم لا يقولون له لا تجمع المال والثروة، أو لا تنمّي ما لديك من موارد مالية، أو لا تستخدمها في الإنتاج والإعمار والتجارة، بل إنهم يقولون له إياك أن تُسيء استغلالها، بل عليك استخدامها بالصورة الصحيحة، وأفضل طريق لذلك الاستفادة منها لإعمار الآخرة دون أن تنسى نصيبك من الدنيا. وهذا هو منطلق الإسلام.

لقد قرأتم في الكتب وسمعتم من الخطباء على المنابر أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) كان يملك أوقافاً كثيرة. وكان يقول (لا وقف إلا في ملك) فمن لا يملك لا يستطيع أن يُوقِف.

فهذه الأوقاف كانت أملاكاً لأمير المؤمنين، ولم يحصل عليها من الإرث بل حصل عليها بعرق جبينه، ففي تلك الأوضاع حيث كانوا يعانون من قلّة المياه كان أمير المؤمنين يحفر الآبار ويستخرج ماءها وينشئ المزارع والحقول ويسقيها، ثم يقوم بوقفها. لقد ظلت بعض أوقاف أمير المؤمنين باقية لعدة قرون؛ مما يدل على أصالتها وأهميتها. وعلى أية حال فإن الحصول على الثروة يعدّ من الأمور الحسنة. وإذا كان الهدف من ذلك هو إنفاقها في سبل الخير وتطوير البلاد وإعانة المحرمين فإن لذلك أجراً حسناً وثواباً.

وإذا ما سألني أحدهم أيهما أفضل: إنقاذ عشرين شخصاً أو مئة شخص من الحرمان والفقر أو التبرّع مثلاً لخمسين شخصاً بزيارة الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام)، فهل هذا أفضل أو الذهاب للعمرة عشر سنوات متتالية، فإنني أفضّل الأمر الأول بكل تأكيد، ولا داعي للذهاب للعمرة كل عام.

إنّ الحصول على الثروة أمر ممدوح في حدّ ذاته؛ وذلك إذا كان بقصد مساعدة المحتاجين، وعند ذلك ستكون هناك حسنة إلهية وأجر إلهي وأخروي.

إنّ مواطنينا هم من أهل الخير، ولا ينبغي تجاهل هذه الحقيقة، وهي ظاهرة قديمة وليست حديثة، ولربّما غدت أكثر بروزاً في العصر الحاضر.

إنّ نهضة بناء المدارس كشفت عن عدد كبير من أهل الخير الذين هبّوا لتقديم العون وبذل المال، وكذلك النهضة الصحية وبناء المستشفيات التي بدأت في مشهد قبل الثورة، ولعل أفضل المستشفيات في مشهد تلك التي ساهم أهل الخير في إنشائها.

وكذلك هو الحال في المدن الأخرى. لقد استقبلتُ بعض الذين جاءوا إلينا من شيراز من الناشطين في الميدان الصحي والطبي، وكانت لهم إنجازات قيمّة ومفيدة، حتى أنني أوصيت بنقل هذه التجربة إلى الأماكن الأخرى. وهكذا هم أبناء الشعب من الأغنياء وأصحاب الأموال، فهم القادرون على تقديم العون والتبرّعات.

لقد كان جرحى التظاهرات إبّان الثورة الإسلامية يهرعون إلى أحد المستشفيات هنا في طهران، وهي مستشفى التجار الذي أنشأه عدد من أهل الخير من مواطنينا الطيّبين.

إنّ هذه الأوقاف الموجودة اليوم وكل تلك الأعمال الخيرية كانت نتيجة الحصول السليم على الثروة؛ وهو ما لا نعارضه، فلماذا يثار في الخارج أنّ النظام الإسلامي والمسؤولين في إيران يبغضون ثراء المواطنين ويعارضون الحصول على الثروة والمال؟

إنّ هذا يجانب الحقيقة والواقع. إنّ هذا الإشكال ليس وارداً في اعتقادنا.

لقد أخبرني أحد أصدقاءنا المقربّين والطيبّين جداً بأنهم يقولون: إنّ تلك السياسات المنبثقة عن تنفيذ المادة 44 ستؤدي إلى ثراء الأشخاص ودخول أصحاب رؤوس الأموال إلى الساحة، فقلت له: إنّ هذا هو هدفنا الأصلي من كل هذه الإجراءات، فليتفضّلوا بنزول إلى الميدان والقيام بالاستثمارات والنشاطات الاقتصادية، ونحن نودّ ذلك ونسعى إليه.

وأما البعض الآخر فيتساءلون قائلين: لماذا تقومون اليوم بكل هذه الإجراءات مع معارضتكم للفساد الاقتصادي، ومع كل ما أصدرتموه من قرارات وقوانين نُفّذ بعضها وبقي البعض الآخر بلا تنفيذ؟

وهنا أجيبهم قائلاً: أيها الأصدقاء، إنّ مكافحة الفساد الاقتصادي ستكون خطوة مهمة للغاية في سبيل الارتقاء بالأوضاع الاقتصادية إذا ما تمّ القيام بها بجدّية وصرامة وبالشكل الذي ذكرته، فهذان الأمران أحدهما مكمّل للآخر.

وللحيلولة دون تسرّب الفساد إلى هذه البيئة فإنني سأشير باختصار إلى بعض الالتزامات التي تقع على عاتق الحكومة والبرلمان والسلطة القضائية:

إنّ عليهم أن يصدروا قرارات شفافة، وأن يتّبعوا أقصر الطرق، وأن يبتعدوا عن الروتين الإداري.

إنّ أشد صدمة يمكن أن يلاقيها هذا الأمر هو وضع زمام النشاطات الاقتصادية بِيَد موظف إداري يجلس خلف طاولته في إحدى المؤسسات أو الدوائر ثم يقرر مصير الاقتصاد بكلمة تخرج من بين شفتيه سلباً أو إيجاباً.

إنّ مثل هذا الموظف معرّض للخطر والاهتزاز، فلابدّ من الحيلولة دون ذلك. كما أنه لابدّ من إصلاح الأسس والقوانين والأساليب حتى تكون مطابقة للواقع الجديد.

كما أودّ أن أؤكّد لكم أيها الأصدقاء: أنّ تنفيذ هذه السياسات المتعلقة بهذا الموضوع له أعداءٌ ومعارضون، ولهذا فإن الجِد في إنجاز هذه القرارات يعدّ نوعاً من الجهاد.

إنّ كل سعي في مواجهة الأعداء يعتبر كفاحاً ويسمّى جهاداً في العرف الإسلامي فيما لو قمنا به بدقّة وإخلاص.

فمن هم هؤلاء الأعداء؟

إنّ بعض هؤلاء المعارضين لا يروق لهم أن تكون هذه السياسات سبيلاً لحلّ ما نعانيه من معضلات. وإنهم لا يرغبون أساساً في أن يتمتع النظام الإسلامي بذلك الإزدهار والتطور والنمو الاقتصادي المطلوب.

لقد أعدّوا خططاً لممارسة الضغوط الاقتصادية على بلادنا، كما هو شأن الأجانب.

والآن فإنهم يتربّصون تربّص الذئب الجائع المفترس حتى تحين لهم الفرصة للإنقضاض على الأوضاع الاقتصادية.

إنهم يرجّحون الضغوط الاقتصادية ويسعون دائماً لتشديدها بعد يأسهم من أية تدابير عسكرية واجتماعية، وهم يعترفون بذلك.

وإنّ تنفيذ هذه السياسات الاقتصادية الجديدة يعتبر من العوامل التي يمكن لها أن تخفف من وقع تلك الضغوط أو التقليل من شأنها وتأثيرها، ولهذا فإنهم لا يرغبون في تنفيذها.

كما أنه من الممكن أن يكون لدينا في الداخل موافقون ومؤيّدون لهذه القرارات. والبعض هنا في الداخل له مصالحه الخاصة في ظل الأوضاع الراهنة فلا يحبّذون تغييرها.

إنّ بعض المدراء أو المسؤولين في السلطة التنفيذية أو القضائية أو التشريعية يجدون أنّ بمقدورهم اتخاذ العديد من الإجراءات بجرّة قلم؛ ولهذا فإنهم لا يرغبون في تضييع هذه الفرصة الثمينة. وبهذا فإننا نعدّهم من المعارضين. وهناك ربما من لا يريدون تحمّل هذه المسؤولية الجسيمة وهذا العمل العظيم الذي تقوم به الحكومة الحالية. وهذا ما لم نتأكد منه، بل إنه مجرد احتمال.

2017-02-24