يتم التحميل...

خطوات البحث العلمي (1) ماهيّة مشكلة البحث ومصادر تحصيلها

قواعد الكتابة

يختلف العلماء والمهتمّون في ميدان البحث العلمي حول تحديد خطوات إعداد البحث العلمي وإجراءات تنفيذه، كما يختلفون حول أولويّات الخطوات في إجرائها وتسلسلها

عدد الزوار: 18

خطوات إعداد البحث
يختلف العلماء والمهتمّون في ميدان البحث العلمي حول تحديد خطوات إعداد البحث العلمي وإجراءات تنفيذه، كما يختلفون حول أولويّات الخطوات في إجرائها وتسلسلها، تبعاً لاختلاف رؤيتهم واجتهاداتهم في مثل تلك الخطوات. ويمكن عموماً تحديد خطوات إعداد البحث العلمي كالآتي:
أوّلاً: اختيار مشكلة البحث وتحديدها.
ثانياً: مراجعة المصادر والأدب النظري والدراسات السابقة ذات الصلة بموضوع الدراسة.
ثالثاً: اشتقاق فرضيات البحث وصياغتها.
رابعاً: تصميم مخطّط البحث.
خامساً: كتابة البحث.

وفيما يأتي عرض لكلّ خطوة من هذه الخطوات.

اختيار مشكلة البحث
يمثّل اختيار وتحديد مشكلة البحث الخطوة الأولى من خطوات السير على طريق النجاح لإنجاز البحث العلمي في إطار أيّ ميدان معرفي، فلسفي، فقهي، طبّي، فيزيائي، تاريخي...، واختيار المشكلة مهمّة تحتاج إلى بذل جهد وسعي حثيث من قبل الطالب. فما هي مشكلة البحث؟ ومن أيّ مصادر نستمدّها؟

تعريف مشكلة البحث العلمي
هناك عدّة تعريفات لمشكلة البحث العلمي، والنقطة الجامعة هي:
إنّ مشكلة البحث عبارة عن سؤال مركزي ومحوري له علاقة بقضية أو موضوع معيّن، ينبثق منه مجموعة أسئلة فرعية، يحاول الباحث إيجاد إجابة علمية لها، أو موقف غامض يحتاج إلى تفسير يسعى الباحث للحصول عليه.

ويمكن عرض مشكلة البحث بشكل تفصيلي، وفق النقاط الآتية:

1- سؤال يحتاج إلى إجابة:
يواجه الإنسان الباحث أثناء رحلته العلمية والدراسية وحياته العملية عدداً من التساؤلات الأساسية والمحورية، التي تحتاج إلى الإجابة عنها، فيشكّل ذلك التساؤل المركزي مشكلة بحثية، وكنماذج لذلك:

أ- ما هو دور المنهج العرفاني في حركة الاستنهاض السياسي عند الإمام الخميني؟

ب- ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه المنهج الاستقرائي في عملية الاستدلال الفقهي؟

ج- ما هي المعالم العامّة للتجديد الكلامي عند السيّد محمد باقر الصدر؟

د- هل يعتمد القضاء الإسلامي على معطيات وبيانات تحليل الـ DNA في إثبات النسب؟

هـ- إلى مدى يصحّ توظيف النظريات العلمية التجريبية المعاصرة في فهم النصّ القرآني؟

و- ما هي الرؤية الإسلامية في استعمال أسلوب العقوبة البدنية في العمليات التربوية؟

2- موقف غامض يحتاج إلى تفسير:
لا شكّ في أنّ الباحث يلاحظ أثناء حياته العلمية والعملية العديد من المواقف الغامضة التي تحتاج إلى تفسير وتوضيح، فتشكّل تلك المواقف حافزاً له لإيجاد تفسيرات وشروحات لها. نماذج لذلك:

- مشاركة الأحزاب الدينية في السلطة داخل مؤسّسات الدولة العلمانية.

- خلق الله تعالى للتشوّهات الخلقية التي تصيب الطفل بسبب سوء خيارات والديه وليست اختياراته هو، في ضوء العدالة والرحمة الإلهية.

- بناء الشخصية القيمية للطالب في المؤسّسات التعليمية الإسلامية في ضوء مناهج التعليم والتدريس الغربية في مضمونها وأفكارها.

- ظاهرة لجوء المحجّبات إلى الأطباء (الذكور) في إجراء عمليات التجميل.

- ظاهرة لجوء الشباب المتديّن إلى القروض السكنية الربوية.

- اعتماد النظام الإدراي المنطلق من الفلسفة البيروقراطية في المؤسّسات الدينية.

3- حاجة لم تُلبَّ أو تُشبع، أو توجد عقبة أو عقبات أمام إشباعها:
يحتاج الإنسان في حياته إلى إشباع حاجاته بنحو فطري، وقد يلاحظ الباحث عدم سعي بعض الناس في مجتمع ما إلى تلبية تلك الحاجات، فينطلق في دراسة أسباب ظاهرة عدم إشباع الحاجات أو النتائج المترتّبة عليها، مثال ذلك:

- ما هي أسباب عزوف الشباب في المجتمع الشيعي في لبنان عن الزواج المبكر؟

- ما هي أسباب تحديد النسل والإنجاب عند الأسرة الإيرانية بعد نجاح الثورة الإسلامية؟

- ما هي الآثار التي يتركها خروج المرأة المتزوّجة إلى سوق العمل على تربية الأطفال؟

- هل تجذب برامج الإعلام الديني المشاهدين إلى التعرّف على معالم الدين؟

مصادر الحصول على مشكلة البحث
هناك مصادر متعدِّدة لحصول الطالب على مشكلة بحثه، ويمكن تلخيصها بالآتي:

1- محيط العيش أو العمل:
يستطيع الباحث من خلال خبرته الشخصية في المحيط الذي يعيش فيه، أو المؤسّسة التي يعمل فيها، أن يستكشف بعض المواقف والمشكلات المناسبة للبحث. فالشخص الذي يعيش في مجتمع متديّن أو مجتمع قبلي أو مجتمع قروي أو مدني... أو الشخص الذي يدرس في الجامعة أو الحوزة، أو يعمل في مؤسّسة صحّية أو إعلامية أو تعليمية أو مصرفية... أو ينتسب إلى جمعية رياضية أو كشفية أو سياسية أو اجتماعية... يواجه عدداً من المواقف والحالات التي تعكس مشكلات قابلة للبحث والدراسة.

2- سؤال أهل الخبرة والاختصاص:
إنّ أهل الخبرة والاختصاص قد واجهوا أثناء رحلتهم العلمية ومسيرتهم الشخصية العديد من المشكلات التي تحتاج إلى إيجاد الحلول المناسبة، فاستشارة الطالب لهم هو من أهمّ أبواب الحصول على المشكلة الصالحة لتسليط الضوء عليها بحثياً، حيث قد يرشدونه نتيجة خبرتهم الطويلة إلى اختيار مشكلة بحثية لم يتمّ التطرّق لها من قبل، أو عولجت بطريقة ناقصة تحتاج إلى تتميم.

3- مراجعة المصادر والقراءات الواسعة:
ينبغي على الطالب أن يكون قارئاً نهماً حتى يكون باحثاً ناجحاً، فمن خلال قراءاته ومطالعاته المتعمّقة يواجه سيلاً من الأسئلة والإشكالات والمواقف الغامضة التي تحتاج إلى إجابات وشروحات وتفسير، مثلاً قد يكون لدى الطالب الشاب تمرّس وخبرة واطّلاعات واسعة في مجال التكنولوجيا، فيثير في نفسه التساؤل حول مدى إمكانية الاستفادة من الوسائل التكنولوجية الحديثة في المؤسّسات التعليمية الحوزوية والجامعية وأثرها على التحصيل الدراسي.

وفي هذا السياق، عليه أن يقوم بعملية مسح نسبي للمصادر والمراجع التي يرغب في معالجة موضوع ما في ميدانها المعرفي، ويتأمّل وينظر ما هو العنوان الإشكالي الذي لم يعالج بشكل وافٍ، أو يمكن أن يقدّم فيه نتائج جديدة تستحقّ بذل الجهد في البحث.

4- البحوث والدراسات السابقة:
إنّ العديد من الباحثين عند معالجة مشكلة بحثية معيّنة، تواجههم بعض الصعوبات والتحدّيات والمشكلات، ولا يجدوا إجابات أو مصادر قد تعرّضت وبحثت عن تلك الأسئلة والمواقف، مع خروج الجواب عن تلك المشكلة عن موضوع بحثهم، أو حاجة تلك المشكلة إلى تفصيل وتعميق، فيضمنون دراساتهم أو يختمونها ببعض التوصيات التي تسلّط الضوء على موضوعات ومشكلات تشكّل عناوين مهمّة صالحة لاختيار الطالب لها كمشكلة للبحث.

5- تكليف من جهة معيّنة:
تقوم أحياناً بعض الجامعات والمؤسّسات التعليمية بتكليف طلبتها بإجراء دراسات وبحوث تتناول مشكلات تحدّدها لهم مسبقاً، وفقاً لخطّة واسعة تغطّى خلال مدّة زمنية معينة.

وكذلك قد تقوم جهة رسمية أو غير رسمية، كالدوائر والمؤسّسات الإنتاجية والخدمية، بتكليف باحث أو أكثر لمعالجة مشكلة معيّنة، أو ظواهر تتطلّب الدراسة وإيجاد الحلول المناسبة لها، بعد تشخيص دقيق وعلمي لأسبابها، وغالباً ما يكون هذا النوع من البحوث له طابع الدراسات التطبيقية.

التشاور مع المشرف
أهمّ نقطة ينبغي الالتفات إليها فيما يتعلّق باختيار الطالب لمشكلة بحثه هي التشاور بين الطالب الباحث والأستاذ المشرف. وكلّما كان اختيار الطالب لمشكلة بحثه معتمداً على المعايير العلمية -ستأتي في الدرس التالي- لاختيار المشكلة، كلّما كان متمكّناً من إقناع المشرف بمشكلة البحث، وإذا اقتنع الأستاذ المشرف بأهمّية الموضوع ومؤهّلات الطالب العلمية وقدرته على البحث، تصبح موافقته مضمونة بالنسبة لخيار الطالب. وإذا لم يقتنع، فإنّ الطالب سيواجه صعوبة في إعادة العمل على اختيار مشكلة بحثية جديدة بعد أن يرشده المشرف نحو تعديل موضوعه بنحو ينال رضاه وموافقته.


* كتاب البحث العلمي - قواعده ومناهجه، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

2017-02-23