يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه الشباب النخبة في البلاد

2010

العلم من أجل الإنسان: مقترحات وتوصيات لتطوير وتسريع الحركة العلمية

عدد الزوار: 18

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه الشباب النخبة في البلاد 06-10-2010

العلم من أجل الإنسان: مقترحات وتوصيات لتطوير وتسريع الحركة العلمية

العناوين الرئيسية
قضية العلم والتقنية أولوية أساسية
سرعة مشهودة في تقدمنا العلمي
تقدمنا العلمي على أهميته دون مستوى الطموح
لمنظومة علمية تتكامل في إطارها مختلف العلوم
- ضرورة تنمية المواهب والنخب
وجوب تحويل الأفكار إلى إستثمار تجاري
- لتأسيس شركات علمية تقنية
لتأسيس مراكز للبحث العلمي داخل الجامعات
ضرور التعامل مع ملاحظات النخبة بإيجابية
لإبتعاد المسؤولين عن البيروقراطية
الحاجة إلى رصد نتائج ألأعمال وتقويمها
العلم في الغرب أداة لسحق الشعوب ونهب خيراتها
- شواهد من جرائمهم في أسيا وأفريقيا
العلم في الإسلام وسيلة لخدمة الإنسان

بسم الله الرحمن الرحيم

أتقدم بالشكر الجزيل للإخوة والأخوات الأعزاء، سواء منظمو هذه الاجتماع الجيد جداً أو الإخوة والأخوات الذين ناقشوا المواضيع وأبدوا آراءهم. الاجتماع اجتماع جيد جداً، ولقد سررت واستفدت حقاً من اللقاء بكم اليوم ومن كلماتكم وآرائكم.

بالنسبة إلى هذه النقاط التي ذكرها الأعزاء.. لا أقول إنها قضايا صغيرة وقليلة الأهمية. كلا، بالتالي كل قضية وكل مسألة وأية مشكلة في أمور أي شخص لها أهميتها بحد ذاتها - لا شك في هذا - وأنا لا أحمل أي عتاب على أحد لطرحه هذه الأمور. كلا، ليس الأمر كذلك على الإطلاق. حتى لو قمتم واحداً واحداً وذكرتم آراء كم وقضاياكم لاستمعت إليكم ولفرحت بهذا الاستماع. ولكن يجب مراعاة الأولويات. هذا الاجتماع اجتماع القضايا العامة الكبرى، القضايا الخاصة بالجميع. إذا استطعنا ببركة هذا الاجتماع ومثل هذه الجلسات إيجاد مناخ وأفكار ومحفزات عامة في البيئة العامة للبلاد فسوف تعالج هذه المشكلات تدريجياً. وأتمنى أن يحصل هذا الشيء.

ضرورة رعاية الأولويات في توظيف الطاقات والإمكانات
الشيء المهم جداً في التخطيط لتنمية البلاد هو أن ننظر أين يجب تركيز أرصدتنا المادية والمعنوية الكبرى، إذ من البديهي أن الأرصدة المادية والمعنوية - أي الهمم والطاقات البشرية والمحفزات - ليست غير متناهية. إذا أردنا الوصول بالبلاد إلى حالة التنمية - التنمية بمعناها المنشود والذي نقصده نحن وليس بالضرورة التنمية بالمعنى الغربي الدارج - فيجب أن ننظر أين يتحتم علينا تركيز هذه الأرصدة أكثر.

قضية العلم والتقنية أولوية أساسية
أعتقد أننا إذا ركزنا أرصدتنا على قضايا العلم والتقنية وإعداد النخبة نكون قد عملنا بلا شك في إطار إحدى أهم الأولويات. التقدم العلمي وتبعاً لذلك التقدم التقني يمنح البلاد والشعب إمكانية وفرصة الاقتدار المادي والمعنوي. إذن، بنظرة استراتيجية يتميز العلم بمثل هذه الأهمية. وهذا هو ما نريد التوكؤ عليه. أما قضية ما هو الهدف من هذا العلم، فإذا كان ثمة وقت وتذكرت الأمر ربما ذكرت شيئاً عن الاتجاهات التي يجب أن تتخذها حركتنا العلمية.

وعليه، من أكثر الأعمال أولوية قضية العلم والتقنية الضرورية جداً في هذا البلد. إننا نعاني في هذا المجال من تأخر تاريخي مزمن وفاحش. والذنب في هذا التأخر يقع على عاتق الذين فرضوا مثل هذا الداء المزمن على مثل هذا الشعب الكبير بسبب سياساتهم وسلوكهم وأطماعهم وتساهلهم. ونريد الآن إنقاذ أنفسنا من هذه الأعباء ومن هذا الكابوس الثقيل. إذن، عليّ أنا وعليكم أنتم وعلى المسؤولين المعنيين ومسؤولي القطاعات المختلفة في البلاد وعلى كل إنسان شريف في هذا البلد يستطيع فعل شيء، أن نبذل مساعينا في هذا المجال.

كل إنسان بقدر استطاعته وإمكانيته. والجميع مسؤولون، ابتداء من الطالب الجامعي الذي التحق بالجامعة هذه السنة إلى الطلبة الجامعيين المتفوقين إلى الأساتذة ثم مسؤولي النظام التعليمي والعلمي في البلاد إلى القطاعات المختلفة في سلسلة المراتب الإدارية والعلمية في البلاد. كلنا يجب أن نبذل مساعينا ونعمل ونركض لنستطيع تعويض هذا التأخر التاريخي المفروض علينا. هذه مسألة جادة ومهمة.

سرعة مشهودة في تقدمنا العلمي
حسناً، أودّ أن أقول لكم إن السرعة والنجاح كانا مشهودين طوال هذه الأعوام الماضية. اعلموا - وربما كنتم تعلمون، ولدي طبعاً إحصائيات أكثر ومعلومات أوسع وأكثر تفصيلاً - أنه في الأعوام السبعة أو الثمانية أو العشرة الأخيرة قام البلد بتحرك هائل في هذه الميدان وأنجز أعمالاً كبيرة. طبعاً، ثمة بعض هنا وهناك في الجامعات وخارج الجامعات يبثون اليأس والقنوط والأفكار السلبية، لكنهم يكذبون ويتكلمون اعتباطاً. بعضهم يفعل ذلك عن غفلة، وبعض عمّا هو أسوأ من الغفلة. التحرك للإنصاف تحرك ناجح. تم إنجاز أعمال كبيرة في هذه الأعوام. ولقد أثبت الشعب والشباب والمنظومات العلمية والجامعات والمدراء العلميون أن هناك مواهب جيدة لهذا التحرك الذي سعينا إليه. وبالتالي فقد تقدمنا إلى الأمام.

وهذا التقدم يستدعي أن نواصل المسيرة بمزيد من التفاؤل. يعتقد عدد ملحوظ من الخبراء الإيرانيين وغير الإيرانيين أن بلادنا ستصل إلى الأهداف المرسومة لها في " الأفق " خلال عقدين من الزمان قبل الموعد المحدد، أي قبل سنة 1404هـ. ش (2025 م) المصادفة لنهاية دورة " أفق العشرين سنة " والهدف هو إحراز المرتبة العلمية الأولى بين البلدان الإسلامية. هذه هي التقديرات والتخمينات. والسبب يعود إلى السرعة التي نسير بها. إذن، يجب أن نكون متفائلين، ولا نفوّت اللحظات، وأن نعتمد على طاقاتنا ونواصل المسيرة بجد وتصميم وبالشروط اللازمة. هذه نقطة.

تقدمنا العلمي على أهميته دون مستوى الطموح
النقطة الثانية هي أنني ـ وكأي شخص مطلع في البلاد ـ أفخر بهذه الأعمال العلمية التي يتم إنجازها. كلنا نفخر بالتقدم العلمي في المجال النووي. وجميعنا نفخر بالتقدم الهام جداً والذي تحقق في مجال الخلايا الجذعية - وقد تحدثوا عنه - والأعمال العظيمة التي أُنجزت على هذا الصعيد. في مجال النانو وتقنيات البيئة وغير ذلك ، تحققت حالات تقدّم متطورة وجيدة وكلنا نفخر بها. هذه ليست بالأشياء الصغيرة، بل هي أمور كبيرة، لكنها ليست أموراً تقنعنا بأن البلاد حققت تقدماً منشوداً وكاملاً من الناحية العلمية.. مع أننا دخلنا إلى بعض هذه الحقول العلمية لتوّنا لكننا مع ذلك ضمن البلدان العشرة الأولى في هذا المجال. لكن هذا لا يكفي.

لمنظومة علمية تتكامل في أطارها مختلف العلوم
فما هو اللازم؟ اللازم في البلاد والذي بوسعه أن يصور لنا تقدم البلاد علمياً إلى مواقع مناسبة وباعثة على الفخر هو وجود دورة علمية كاملة في البلاد. لا بد أن توجد في جميع القطاعات دورة مترابطة ومهمة من مختلف العلوم التي يحتاجها البلد لتتكامل الجهود والعلوم وتمدّ لبعضها بعضاً يد العون. يجب ظهور منظومة علمية كاملة في البلاد. وهذا ما لم يحصل لحد الآن.

هذه الجزر يجب أن تترابط مع بعضها بعضاً تماماً وتشكل مجموعة واحدة يساعد بعضها بعضاً وتتعاون أجزاؤها على التقدم والتكامل وفتح الطرق للبحث وتشخيص المناطق العلمية الجديدة على سطح الكرة الأرضية الواسعة، ويجب أن تطرح الأسئلة وتجيب عنها. هذه كلها أمور لا بدّ منها.

كانت لدينا الكثير من الاستثمارات المؤقتة المستوعبة لمقطع من الزمان، وقد حققنا الكثير من التقدم القائم على الأشخاص والمجاميع الخاصة ضمن تلك الأوقات المحددة، وينبغي توسيع هذه الحالات لتشمل كافة القطاعات والفروع والحقول ليظهر تيار عام لا متناهٍ في مجال العلم وفي كل الفروع العلمية، ولا مندوحة من أن نشاهد هذه الظاهرة في جميع الحقول العلمية ابتداء من العلوم الإنسانية إلى العلوم التجريبية ومختلف أنواع العلوم. وهذا ما يحتاج إلى العمل والسعي، وهو ما سميته في أحد اجتماعاتي بالعلماء والجامعيين - وأظن أن ذلك كان في شهر رمضان - بالجهاد العلمي. لا بد من الجهاد.

- ضرورة تنمية المواهب والنخب
حسناً، إذا إردنا القيام بهذا الجهاد بنحو كامل فلا بد من الاهتمام بالجامعات على نحو خاص، إذ إن الجامعة هي بيئة حياة وتنامي المواهب والنخب. هنا تقع بعض الواجبات على "المركز الوطني للنخبة"، وتقع بعض الواجبات الأخرى على المدراء ورؤساء الجامعات والوزارات المختصة بالجامعات. نظرة المركز الوطني للنخبة إلى النخبة يجب أن لا تجعله غافلاً عن الجامعات، أي يجب أن تكون له نظرة صادرة عن لجان خاصة جامعيّة، ولا بد من تمتين العلاقة بين المركز الوطني للنخبة والجامعات. ومن جانب آخر لا بد من توفر نظرة متطلعة لتشخيص النخبة وإعدادهم وتربيتهم في الجامعات وفي مجمل العمل الطلابي والجامعي، وبالطبع فإن هذه الحالة ستكون أوضح في مجالات الدراسات العليا. هذه أيضاً نقطة.

حسناً، كيف يمكن دعم النخبة؟ وهذا التساؤل وجوابه أشاهده في الكلمات التي ألقاها الأعزاء. أرى أن أهم دعم يمكن تقديمه للنخبة هو توفير أرضية العمل ومقدماته لهم. ذهنية النخبة وأدمغتهم تنشد العمل والتعمق والإنتاج والإبداع وفتح الأبواب الجديدة والسير في الطرق الجديدة. ينبغي توفير الإمكانيات لهم. وفي بعض الحالات لا بد من توفير الإمكانيات التقنية ونحوها كالرقائق الالكترونية لهم ليستطيعوا العمل والسعي. طبعاً ينبغي أن يكون هذا السعي باتجاه احتياجات البلد. حسب ما قدموا لي من تقارير فإن الخارطة العلمية الشاملة أخذت بنظر الاعتبار جزء اً مهماً من هذه الاحتياجات. بالطبع لم يصلني لحد الآن تقرير نهائي عن الخارطة الشاملة، والأعزاء يتابعون الأمر بمنتهى الجد، وهناك آراء متنوعة وعديدة في هذا الخصوص.

إشادة باهتمام الشباب وطموحاتهم العلمية
وأتقدم هنا بالشكر لبعض الشباب الأعزاء الذين قالوا لنا في لقائنا بهم في شهر رمضان إننا رسمنا الخارطة العلمية الشاملة للبلاد بأنفسنا بشكل مستقل عن المسؤولين. وطلبت منهم أن يأتونا بهذه الخارطة فجاءونا بها. وطلبت أن تعدّ خلاصة لها لكي أستطيع الاطلاع عليها فأعدوا تلك الخلاصة وجاءونا بها. وبعثنا الخلاصة إلى الأمانة العامة للمجلس الأعلى للثورة الثقافية ليتابعوه هناك، لكنني يجب أن أطلع بنفسي على تلك الخلاصة ولم أوفق لحد الآن ولم تسنح لي الفرصة للاطلاع عليها.

إنني أرحب بهذا الاهتمام وهذه الآمال الطامحة لدى الشباب.. أن يجتمع عدد من الشباب حول بعضهم بعضاً ويقولون إننا نريد إعداد الخارطة العلمية الشاملة للبلاد على أساس نظرتنا الخاصة. طبعاً لا نضمن أن تكون تلك الخارطة هي ما يلبّي بالتأكيد احتياجنا إلى الخارطة الشاملة - قد تكون معلوماتهم محدودة - لكن هذه الجرأة والطموحات الرائعة والهمّة العالية والثقة بالنفس شيء محبذ ومنشود وجذاب جداً بالنسبة لنا. وعليه فهذه الدورة العلمية الكاملة ضرورية جداً.

وجوب تحويل الأفكار إلى إستثمار تجاري
بالإضافة إلى ذلك فإن هناك دورة أخرى ضرورية تبدأ من ظهور الفكرة في أذهان النخبة أو الفرد النابغة إلى تسليمها إلى مركز علمي وإجراء الأنشطة العلمية بخصوصها وتبديلها إلى فكرة أو علم أو فرع من علم إلى عبور هذه المرحلة والدخول في حقل التقنية وعمل التقنيين والصناعيين على هذا الإنجاز العلمي ومن ثم تحويلها إلى حالة تجارية - وهذا ما سوف أتطرق له أيضاً - هذه المراحل كلها تمثل دورة أخرى.

إذن، بالإضافة إلى ضرورة انبثاق دورة علمية تتكامل فيها العلوم وتتعاضد وتشكل منظومة، لا مندوحة من وجود دورة وسلسلة أخرى تبدأ من إنتاج الفكرة العلمية وتمتد إلى تشكيل منظومة علمية ذهنية ثم الانتقال إلى حقل التقنية والصناعة، ومن ثم السوق وتحويل الأمر إلى بضاعة. وهذا ما يستدعي بدوره هممكم، وأيضاً حسن إدارة الأجهزة المسؤولة. على الجميع المشاركة بمساعيهم وجهودهم لحصول هذا الأمر في البلاد.

قضية تحويل الأفكار إلى استثمار تجاري على جانب كبير من الأهمية. يجب أن يكون بمقدور الإنجازات العلمية والصناعية أن تنتج الثروة للبلاد. قام الإخوة المسؤولون في مكتبنا بحسابات معينة وكان من رأيهم أننا يجب أن نستطيع حتى عام 1404 هـ. ش تأمين ما لا يقل عن عشرين بالمائة من دخل البلاد عن طريق الصناعات، والأنشطة التجارية المتمحورة على العلم. أي من جدول بيع المنتوجات العلمية. هذا شيء يفترض أن لا يكون بعيد المنال جداً.

العلم مصدر لإنتاج الثروة. طبعاً بالشكل الصحيح والنظيف والنزيه، لا كما يستخدم العلم في العالم الغربي للحصول على الثروة. وهذا ما سوف أشير إليه لاحقاً على وجه الاختصار إن شاء الله.

- لتأسيس شركات علمية تقنية
طبعاً إذا كانت مسألة التحويل التجاري في ذهن الأجهزة المسؤولة فيجب أن نفكر في تفاصيلها منذ البداية، أي منذ البدء بالمشروع العلمي أو الصناعي، ولا ندع هذا التفكير والتخطيط لمرحلة ما بعد انتهاء العمل، حيث نبدأ بعد ذلك بالتفكير للتسويق. ينبغي التفكير بهذا الأمر وأخذه في الحسابات منذ البداية وهذا ما يرتبط طبعاً بالأجهزة المسؤولة في البلاد وينبغي عليها متابعته.

اقترَحوا - وقد سجلت هذا الاقتراح هنا - توفير الظروف لتأسيس نوع جديد من الشركات في البلاد وهي الشركات العلمية - التقنية. هناك كثيرون يرغبون في العمل والبحث العلمي الجماعي. هذه المساعدات التي تقدمها الحكومة والمسؤولون للتقدم العلمي والتقني يجب أن لا تنحصر في مساعدة الأشخاص بل يجب مساعدة الشركات. طبعاً يجب عدم الخلط بين هذه وبين الشركات التجارية التي تحصل على التسهيلات المصرفية الدارجة، إنما ينبغي تقديم مساعدات خاصة لهذه الشركات. أعتقد أن هذا الأمر لازم ومهم. الحكومة يجب أن تبدي عن نفسها في هذا المجال ، أداء إدارياً ذكياً.

لتأسيس مراكز للبحث العلمي داخل الجامعات
قضية أخرى على جانب كبير من الأهمية، وهي تأسيس مراكز البحث العلمي. إضافة إلى مراكز البحث المستقلة الموجودة ينبغي إيجاد مركز بحثي واحد على الأقل في كل جامعة.

على الجامعات نفسها الاهتمام بشؤون البحث العلمي في داخلها، ولتتجه نخبتنا نحو مراكز البحث العلمي، ولا أعني أن تنقطع صلاتهم بالعلم والتعليم والتعلم، بل أقصد أن يتجهوا نحو مراكز البحث ويمارسوا البحث العلمي هناك كما هي رغبتهم. وكما قلت سابقاً يتوجب وضع المراكز البحثية تحت تصرفهم ليستطيعوا القيام ببحوثهم. هذا هو ما يرضي النخبة ويقنعهم ويفجر مواهبهم ويفعّلها فيشعروا أن بمقدورهم العمل، ومن ناحية أخرى تتبدد الوساوس والإيحاء ات بعدم إمكانية العمل في البلاد، وهي إيحاء ات تزداد انتشاراً في البلاد يوماً بعد يوم.

تتوفر في هذه المراكز البحثية إمكانية الاستفادة من التجارب العلمية للأساتذة الجامعيين المتقاعدين بعد انتهاء دورات خدمتهم. وفي هذه الحالة سيكونون حلقة وصل بين الجيل الجديد من الباحثين - وهم هؤلاء الشباب - وأصحاب التجربة الذين أمضوا فترات طويلة في الجامعات.

ضرور التعامل مع ملاحظات النخبة بإيجابية
تم تقديم مساعدات كثيرة للنخبة. طبعاً توجد بعض حالات العتاب هنا وهناك وأنا أسمعها. ما عدا الأمور التي طرحت في هذه الجلسة يكتبون لي الرسائل والتقارير ويعتبون. إذن، يوجد مثل هذا العتاب وهو حق ويجب التعامل معه ومعالجة الأمور، لا شك في هذا. ولكن أنظروا أين كنا قبل خمسة أو ستة أعوام وأين وصلنا الآن. بخصوص مساعدة النخبة والاهتمام بهم كنا قبل خمسة أو ستة أعوام في نقطة الصفر إذ لم يكن ثمة شيء بهذا العنوان، أو عمل في هذا الاتجاه، أو تحرك على هذا الشكل. اليوم تم إنجاز الكثير من الأعمال.. الاهتمام بالنخبة وجمعهم والاستماع إلى كلامهم والاستفادة من أفكارهم وما ينقدح في أذهانهم، هذه حالات جديدة يجب أن نعرف قدرها ونشكرها. وينبغي عدم النظر فقط للجوانب السلبية.

من طباع الإنسان طلب المزيد. هذه السمة ليست سلبية. طلب المزيد كباقي خصوصيات الإنسان وغرائزه إذا استُخدمت في موضعها وفي اتجاهها الصحيح كانت من أسباب عروجه وتحليقه إلى الأعالي. في مجال المعنويات يجب أن يطلب الإنسان المزيد ما استطاع. والعمل العلمي والعمل الفكري والعمل البحثي جزء من المعنويات. إذن، يوجد في طبع الإنسان مثل هذا الجنوح نحو المزيد. ومهما كان عند الإنسان تبقى هناك نواقص أمامه، فهذه مسيرة لا تنتهي. يجب النظر إلى الأمور التي أُنجزت. تم إنجاز الكثير من الأمور.

لإبتعاد المسؤولين عن البيروقراطية تسهيلا لمبادرات النخبة
أريد أن أقول لكم: بهذه المساعدات الكثيرة التي تم تقديمها وبهذه الأعمال الجيدة التي يتم إنجازها وهي أعمال قيّمة حقاً وينبغي تقديم الشكر للمسؤولين عليها. ينبغي أن لا نسمح بتبديل حلاوة إنجاز هذه الأعمال إلى مرارة في نفوس النخبة عن طريق البيروقراطية والتعقيدات الإدارية.

هذا ما أوصي به المسؤولين المعنيين بكل جد. حاولوا أن تجدوا طرقاً مختصرة بعيداً عن هذه البيروقراطيات الدارجة والتعقيدات والالتفافات المتنوعة حتى يتسنى للنخبة التقدم بالأمور والمشاريع بسهولة أكبر.

طبعاً يجب من ناحية أخرى أن لا نجانب الإنصاف، ولا نتنكر للجميل، فقد تم العمل وتقديم الخدمة حقاً. وثمة نية لتقديم مزيد من الخدمة. وقد روي: "نيّة المؤمن خيرٌ من عمله"1، أي إن نية المؤمن دوماً أكثر من سعة عمله. القصد والنية كبيران جداً. وليس بوسع الإنسان القيام بكل ما في نيته على المستوى العملي. كل ما تقومون به من عمل يجب أن تكون نيتكم أضعافه.

هكذا هو المؤمن، فنيّته دائماً خير من عمله. والأجهزة المسؤولة في هذا المجال هكذا أيضاً، إذ إن النوايا أكبر حقاً، ولكن تعترضها على مستوى العمل بعض المشكلات طبعاً.

الحاجة إلى رصد نتائج ألأعمال وتقويمها
ثمة نقطة يجب أن لا تنسى هي أننا بحاجة إلى نظام رصد. يجب أن نرصد دائماً ونرى ما هي نتائج هذه الجهود التي تُبذل في مجال النخبة، وكم هي متناسبة مع الأرصدة المخصصة.

ولا يجوز أن نرصد ونسعى ونتعب ثم لا تكون هناك نتائج. وإذا كانت النتيجة قليلة أو غير متناسبة فمعنى هذا وجود إشكال في الأساليب وأن الأساليب خاطئة. وبالتالي لا بد من الرصد الدائم.والرصد بحد ذاته غير كاف، بل ينبغي رصد البلدان التي نريد ونعقد الهمم على سبقها والتقدم عليها.

ينبغي عدم التصور أن البلدان الأخرى بما في ذلك البلدان الجارة والبلدان الإسلامية تقف وتقول لنا تفضلوا وتقدموا علينا لنتقدم عليها. لا، فهي بدورها تبذل مساعيها.

هذا الرصد ضروري بدوره. إذا أردنا أن نتقدم ونسبق فعلينا معرفة ما حولنا ورصد سائر اللاعبين في هذه الساحة، وأن نعلم ما الذي يحصل وعندئذ نقارن حركتنا وسعينا ونعلم هل هي بالمستوى المطلوب أم لا.

سجلت عدة نقاط أخرى أغض الطرف عنها. إننا نؤكد على العلم، وهذا التأكيد جادّ وليس بالأمر المتعارف ولا هو نابع من شعور كاذب وموسمي، إنما هو وليد تشخيص عميق ومدروس.

العلم في الغرب أداة لسحق الشعوب ونهب خيراتها
منطق القوة والعسف كثير الانتشار في العالم. والعتاة والمتعسفون يعتمدون على قدراتهم، وتلك القدرات والثروة والإمكانيات قائمة على ما يمتلكونه من علوم. ولا يمكن المواجهة من دون حيازة العلم. ذات مرة قرأت الحديث القائل: "العلم سلطان".2 العلم اقتدار.. العلم بحد ذاته اقتدار.

كل من يمتلك هذا الاقتدار يمكنه أن يتحرك ويسير، وكل شخص أو شعب أو مجتمع لا يتوفر على العلم مضطر لاتباع اقتدار الآخرين. إذن، فهذه حسابات دقيقة.

حسناً، هذا العلم يمكن أن يكون له هدفان. أحد الهدفين هو الهدف الذي يحمله أصحاب العلم الحاليون في العالم وهو هدف غير نزيه وغير مقدس. لا تنظروا إلى الادعاء ات، فحقيقة القضية في التقدم العلمي الغربي حقيقة جد مريرة ومؤسفة.

حقيقة لا يمكن للإنسان السير نحوها مهما كان الثمن. التقدم العلمي في العالم الغربي سواء حينما بدأ التحرك العلمي الغربي - ويجب القول التحرك الفكري الذي كان مقدمة للتحرك العلمي - والذي بدأ في القرن السادس عشر للميلاد في إيطاليا وبريطانيا وأماكن أخرى، أو عندما انطلقت الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر في بريطانيا أولاً، وأنشئت المعامل الكبيرة والآلات الضخمة طوال عشرات الأعوام، ومن ثم جرى إنتاج الثروة عن هذا الطريق ــ ولا نتطرق الآن لما حصل في تلك البلدان من سحق للحقوق والفقراء من أجل إنتاج الثروة، والطبقة التي انبثقت عن هذه الآلات الكبيرة، والظلم الذي جرى على الناس - ومن ثم اتساع رقعة هذا العلم والتقنية بالتدريج وانتشارهما في سائر البلاد الأوربية، كان ثمنه سحق حرية العديد من الشعوب وتهديد هوية الكثير من الأمم وممارسة ظلم عظيم وعسف فظيع ضد الكثير من البلدان والشعوب.

شعر أولئك أنهم بحاجة إلى المواد الأولية وأسواق تصريف البضائع، وكان ذلك في بلدان أخرى، لذلك استخدموا هذا العلم وأنتجوا المدافع في مقابل السيوف والرماح، ثم سار البريطانيون والهولنديون والبرتغاليون والفرنسيون وغيرهم من الشعوب الأوربية إلى أطراف العالم، وارتكبوا من الفجائع في العالم بأدوات العلم والتقنية ما لو جُمع لكان موسوعة هائلة مبكية من عشرات المجلدات....3 ثم التحقت أمريكا بعد ذلك بهذا الركب.

شواهد من جرائمهم في أسيا وأفريقيا
لاحظوا ما الذي فعله هؤلاء في الهند وما الذي فعلوه في الصين. ارتكب الإنجليز في القرن التاسع عشر من الفجائع في الهند ما أنا على يقين من أنكم أيها الشباب لم تسمعوا بواحد من الألف منه في الإعلام والكلام هنا وهناك، وأنتم الشباب قل ما تهتمون للتاريخ وما شابه.

يكتب نهرو في كتابه أنهم جاءوا إلى الهند في الفترة التي - حسب تعبيره - لم تكن الثورة الصناعية قد انطلقت بعد، ولم يجر إنتاج الآلات الكبرى، وكانت شبه القارة الهندية من البلدان المتقدمة صناعياً في العالم. ومن أجل أن يمرّر أولئك نواياهم ومشاريعهم قضوا على الصناعة في الهند وسحقوا الطبقة المتوسطة هناك.

وأوقفوا انبثاق المسيرة نحو العلم والصناعة بمختلف الضغوط والتضييقات، وأوجدوا وزرعوا مرضاً مزمناً في جسد شعب من الشعوب، ولا يزال هذا الداء بغير علاج إلى الآن بعد مضي نحو مائة وخمسين عاماً على بدء تلك الأمور في الهند. وفعلوا مثل هذا في الصين أيضاً.

فارتكبوا الفجائع والويلات هناك ومارسوا مختلف أنواع الضغوط ضد الشعب الصيني.

كان هذا في القرن التاسع عشر. وفعلوا ما فعلوا في أفريقيا بأدوات العلم، وفي القارة الأمريكية نفسها ارتكبوا ما ارتكبوه من فجائع. وفي أفريقيا وأمريكا اللاتينية استعبدوا الناس الأحرار وشردوا الكثير من العوائل. هكذا استخدموا العلم.

وعليه فإن هذا الاتجاه في العلم كان عبارة عن الاتجاه نحو الثروة من دون مراعاة ذرة من الأخلاق والإيمان والمعنوية. وفي الوقت ذاته كان الأوربيون يدّعون التحضر، لكن سلوكهم كان أكثر وحشية حتى من أشرس القبائل.

وهذا الذي أقوله ليس شعارات إنما لكل منه وثائقه وأسناده الدقيقة الدالة على ما قاموا به، وليس هنا مجال للشرح والإيضاح.

لو ذكرت جانباً من ذلك لعلمتم ما الذي فعله هؤلاء الأوربيون والغربيون بأدوات العلم في آسيا الشرقية وفي أفريقيا وفي مناطق أخرى من العالم. فالهدف كان الثروة، لذلك لم يكن هناك أخلاق ولا دين ولا إله.

العلم في الإسلام وسيلة لخدمة الإنسان
إننا لا نروم مثل هذا العلم. حينما ينمو مثل هذا العلم ويصل إلى درجاته القصوى يصبح كالشيء الذي تمتلكه البلدان الغربية اليوم، يصبح قنبلة ذرية، ويصبح كل هذا الظلم والجور وسحق الديمقراطية في أكثر البلدان تبجحاً بالديمقراطية - أي أمريكا - ويصبح تباينات طبقية متفاقمة، ويصبح ملايين المتسولين ومن هم تحت خط الفقر في بلد ثري متقدم.

لا فائدة من هذا العلم ولسنا نسعى وراء هذا العلم، فلا تعاليم الأنبياء ولا تعاليم الإسلام ولا الضمير الإنساني يدعونا إلى مثل هذا الطريق الذي لا يخلق أي شوق ورغبة في الإنسان.

العلم الذي نطالب به مصحوب بالتزكية. هذه الآيات التي تليت في بداية الجلسة تشير إلى هذه النقطة: ﴿هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة﴾4. التزكية في البداية، وكذلك التربية الدينية والقرآنية والإسلامية.

لماذا كانت التزكية في البداية؟ لأنه ما لم تكن هناك التزكية انحرف العلم. العلم أداة وسلاح.

إذا وقع هذا السلاح بيد إنسان شرير أسود القلب خبيث قاتل لما كانت نتيجته سوى الفاجعة. ولكن يمكن أن يكون هذا السلاح بيد إنسان صالح كوسيلة للدفاع عن الناس وحقوقهم والدفاع عن العائلة. يجب الأخذ بهذا العلم حينما يترافق مع التزكية. هذه وصيتي لكم.

أنتم والحمد لله شباب وفقكم الله تعالى للتربية في بيئة دينية وإسلامية. هذه فرصة جيدة جداً. وهي تشبه ما قاله الإمام الحسين في دعاء عرفة حيث شكر الله تعالى على أن خلقه في زمن دولة الإسلام والرسول.

طبعاً الفرق بيننا وبينه كبير جداً، وهو كالفرق بين السماء والأرض، لكننا في نفس الاتجاه، وهذا توفيق بالنسبة لنا وبالنسبة لكم أيها الشباب.

علينا أن نكسب العلم من أجل الخدمة وكسب المعنويات والتقدم في الفضائل الإنسانية والدفاع الحقيقي عن حقوق الإنسان. الثروة الوطنية والاقتدار الوطني يجب أن يكون من أجل أن يستطيع هذا الشعب - وخلافاً للعرف الدارج في العالم - رفع راية العدالة. لا نتعسف مع أحد، ونعين المظلوم، ونواجه الظالم ونصدّه عن الظلم.

تصوروا في هذا العالم الذي يسوده الظلم والعسف والاستكبار والاستعمار واستغلال الشعوب، وكل من يضع قدميه في سبيل العلم والتقدم ينتهج هذا الطريق - بعض يتعسف ويجور وبعضهم يتقبل الظلم والجور ويخضع له، وهناك مهيمن وخاضع للهيمنة، مما يشكل على العموم نظام الهيمنة.

إذا نهض شعب وكان شعباً عالماً مقتدراً له رسالته وأفكاره، واستطاع إيصال صوته للعالم، وامتلك التقنيات المتطورة وأدوات الاتصال المتنوعة، وكانت له قدراته الإعلامية وطاقاته البشرية المتحلية بثقة عالية بالنفس، وجابه نظام الهيمنة هذا، وحينما يتعاضد الجميع لممارسة الظلم ضد شعب وسحقه تحت الأقدام.

يهبّ للدفاع عن ذلك الشعب المظلوم، لاحظوا أي حدث عجيب سيقع عندها في العالم، سوف يتغير وضع العالم.

اعملوا من أجل هذا الهدف، واكسبوا العلم لأجل هذا الهدف، واسعوا من أجل هذا الشيء فهو ضروري، وإلا لن تكون ميزة لنا إن وقفنا في آخر الطابور لنسير على نفس الطريق الذي سار فيه أصحاب العلم في العالم طوال الأعوام المائتين أو الثلاثمائة الماضية.

هذا ليس هدفاً ينفق الإنسان لأجله من روحه. علينا فتح طريق جديد، والطريق الجديد هو أن يرفع الشعب المتمكن من أدوات العلم والاقتدار العلمي - وهو اقتدار يستدعي كل شيء من بعده - راية الدوافع والقيم والأخلاق الإلهية. هذا هو ما نتوقعه منكم.

اللهم اهدِ وأعِن شبابنا الأعزاء في طريق الافتخار هذا أكثر فأكثر يوماً بعد يوم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


1- الكافي، ج 2، ص 84.
2- شرح نهج البلاغة، ج 20، ص 319.
3- شعار أحد الحضور: "الموت لأمريكا".
4- سورة الجمعة، الآية 2.

2017-02-14