يتم التحميل...

الإنسان روحي ومادي

فلسفات أخلاقية

لكل فرد من أفراد الإنسان شخصيتان: مادية، وهي جسمه الذي يُرى ويقاس ويوزن، وتناله يد التشريح والتحليل. وشخصيته المعنوية اللامادية،

عدد الزوار: 18

بين الشخصية المعنوية والمادية

لكل فرد من أفراد الإنسان شخصيتان: مادية، وهي جسمه الذي يُرى ويقاس ويوزن، وتناله يد التشريح والتحليل. وشخصيته المعنوية اللامادية، وهي نفسه وطبيعته التي تُعرف بالأثر لا بالعين، وبالفعل لا بالقياس والوزن، وأيضاً هي ماء الجسم وحياته، بها يحس الإنسان ويعقل، ويرى ويسمع، ويحزن ويفرح، ويحب ويكره، ويقسو ويرحم الخ، واليها يشير بكلمة (أنا وأنت) واليها وحدها يوجه الكلام والخطاب.

وفي كتاب صوان الحكمة أن أبا نفيس كان يخطب الناس ويقول فيما يقول: ((ما خبر البدن الحامل للروح؟ وما حديث الروح المحرك للبدن؟ وما حد كل منهما؟ وما هذه الوحدة والامتزاج بينهما؟ وكيف تباعدا بعد هذا الاختلاط؟)).

خصائص الشخصيتين

وتنفرد كل من الشخصية المعنوية والمادية في الإنسان الفرد ـ بخصائص لا يوجد لها من نظير في غيرها على الإطلاق لا في الكائنات الأخرى ولا في الأشخاص الآخرين من أبناء جنسه.. وقد يكون للفرد أشباه ونظائر في طوله ولونه، وفي عرضه ووزنه، ولا يكون ولن يكون له شبه ونظير في ملامح وجهه وبصمة بنانه وصفة صوته ونطقه، وأيضاً قد يوجد للإنسان الفرد أشباه ونظائر إلى حد ما وبقدر معين في ذكائه أو بلادته وفي جوده أو بخله، وما إلى ذلك من صفات النفس والشخصية اللامادية، أما التشابه الكامل في جميع خصائصها فمحال لأنه يتميز ببعض الخصائص عن جميع الأفراد حتى عن أمه وأبيه تماماً كما تميز عنهما وعن كل الناس ببصمة الابهام وملامح الوجه. ويضاف إلى ذلك الجهل بالكثير من صفات النفس، إنها تتوارى حتى عمن هي كامنة في أعماقه، ولا تظهر له ولا لغيره إلا أن يمر بأحداث دامية وتجارب قاسية وقد تبقى طي الغيب والكتمان حتى الممات.

وأهم الفروق بين الشخصيتين أن الشخصية اللامادية هي وحدها ذات الأهلية والقابلية للدين والأخلاق لأنها تدرك ـ دون الشخصية المادية ـ أسرار الكون، وتشعر بقيمة الفعل والسلوك خيراً كان أو شراً.. ومن ينكر الشخصية اللامادية أيضاً ينكر الأديان والأخلاق بحكم البديهة القاضية بأن الفرع يسقط حتماً بسقوط الأصل، وسنتحدث عن الماديين الذين قالوا: المادة هي الموجود الوحيد في الكون كله.

ومهما اختلفت الفروق بين الشخصيتين كماً وكيفاً فان كلا منهما مكلمة للثانية، ولا غنى لاحداهما عن الأخرى.

بين الإنسان والحيوان

وأيضاً للحيوان شخصيتان: نفسية بها ينمو ويحس، وأيضاً يقبل التغيرُ والتعلم واستخدام الآلة في مضمار محدود. وشخصية مادية تشترك مع المادية الإنسانية في العديد من الصفات، منها القياس والوزن والتحليل والتشريح، ومنها المعدة والحركة وما أشبه، وتختلف هاتان الشخصيتان الماديتان في قدرة الإنسان على المشي منتصباً وتحرر اليدين واستخدامهما في أشق الأعمال وأدقها. أما الحد الفاصل بين الإنسان والحيوان في النفس والشخصية اللامادية ـ فمن وجوه منها:

1 ـ ان الإنسان مهما بلغ من العلو والرقي في مستوى العلم أو العيش فانه يتطلع ـ دون الحيوان ـ إلى ما هو أعلى وأرقى.
2 ـ ان الإنسان يستطيع العلم بالماضي السحيق، والتنبؤ عن المستقبل البعيد، والحيوان لا يعرف إلا الحاضر الملموس.
3 ـ ان الإنسان ـ دون الحيوان ـ ليخترع آلات تنوب عنه في الاعمال العضلية كالمصانع والذهنية كالآلة الحاسبة. بالإضافة إلى بناء الأسرة والحضارة وقواعد السلوك.
4 ـ قال أبو بكر الرازي في كتاب الطب الروحاني: ((الحيوان يُروّث أو يتناول ما يتغذى به مع حضوره وحاجته إليه، أما الإنسان فيترك ذلك، ويقهر طبعه عليه لمعانٍ عقلية تدعوه إلى ذلك)).

2016-03-09