يتم التحميل...

الإمَام

تعرّف على الشيعة

لأي صفة يتسع هذا المقام إذا حاولت التعبير عن بعض صفات الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب! ألزهده وعدله، أو لعقله وعلمه، أو لشجاعته وكرمه، أو لتواضعه وعفوه، أو لتضحيته وخدماته، أو لفصاحته وبلاغته!.

عدد الزوار: 8

لأي صفة يتسع هذا المقام إذا حاولت التعبير عن بعض صفات الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب! ألزهده وعدله، أو لعقله وعلمه، أو لشجاعته وكرمه، أو لتواضعه وعفوه، أو لتضحيته وخدماته، أو لفصاحته وبلاغته!.

وهل يحتاج الكاتب عن هذه الشخصية إلى الاستشهاد بقول مستشرق غربي، أو مؤرخ شرقي!. هل يحتاج إلى نقل الرواة ثقة عن ثقة، ويبحث في سند الرواية ونصوصها، ثم يجهد الفكر في الاستنباط والتأويل والتخريج!. كلا، ليس الكاتب بحاجة إلى شيء من هذا، فلا مدعي ومنكر، كي نلجأ إلى طرق الاثبات والاقناع، ولا اجتهاد وتقليد، كي يفحص المجتهد عن الدليل، والمقلد عمن يوثق بقوله.

نشأ الإمام في محيط يعبد الاصنام، وما سجد لصنم، وافتتح حياته بالجهاد ضد الشرك والالحاد، والبغي والاستبداد، بات على فراش النبي صلى الله عليه وآله معرضاً نفسه للقتل فداء للرسول الأعظم، وقتل يوم بدر صناديد قريش، منهم الوليد وحنظلة بن أبي سفيان والعاص بن سعيد، وحقق اللّه على يد الرسول ويده أول عز للإسلام والمسلمين، وقتل يوم اُحد جماعة من الأعداء، منهم طلحة بن طلحة وبني عبد الدار أصحاب الراية، وقتل في وقعة خيبر مرحبا بطل اليهود، ويوم الخندق عمرو بن ود الذي كان يقوم بألف رجل، قاتل وقتل هؤلاء وغيرهم لا لسلطان ولا لمال ولا أخذاً بثأر، قاتلهم بعد أن جحدوا إِله العالمين، واستعلوا على البائسين، واستعبدوا المستضعفين، قاتلهم بعد أن دعاهم إلى الحق فرفضوه، فلم ير لهم دواء إلا السيف فأعمله في رقابهم، وشفى صدور قوم مؤمنين، وأذهب غيظ قلوبهم.

وقد اعتاد الناس أن يقولوا: أنت كريم لمن سرق ألفاً، وبذل منه واحداً، بل اعتادوا أن يلقبوه بالمحسن الكبير. إِذن بأي لفظ نعبر عمن بذل حياته وجميع ما يملك للناس، بقي الإمام هو وزوجته بنت الرسول، وولداه الحسنان ثلاثة أيام لا يذوقون شيئاً، حيث آثروا بطعامهم على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، وباع حديقة لا يملك غيرها باثني عشر ألف درهم وزعها على المحتاجين، ولم يبق لأهله درهماً واحداً، وهم أحوج من يكون إلى المال.

واعتاد الناس أن يقولوا للرئيس: أنت عادل، وإن عاش في النعمة والترف، وشعبه في البؤس والشقاء، إذن بأي لفظ نعبر عن الإمام، وقد أبى أن ينزل القصر الأبيض في الكوفة، وسكن في كوخ مع الفقراء، وهو خليفة المسلمين، وامتنع عن أكل الطيبات، لأن في أطراف مملكته من لا عهد له بالشبع، ولا طمع له بالقرص.

قال له العلاء الحارثي: يا أمير المؤمنين أشكو إليك أخي عاصماً. قال: ماله؟ قال: لبس العباءة وتخلى عن الدنيا. قال: عليّ به، فلما جاء قال: يا عدو نفسه، لقد استهام بك الخبيث، أما رحمت أهلك وولدك، أترى اللّه أحل لك الطيبات، وهو يكره أن تأخذها!. أنت أهون على اللّه من ذلك. قال: يا أمير المؤمنين هذا أنت في خشونة ملبسك، وجشوبة مأكلك. قال: ويحك، إِني لست كأنت، إن اللّه فرض على أئمة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس.

بهذا القياس، بالشعب بالضعفاء والمساكين والفقراء قاس الإمام، وهو الحاكم المطلق، نفسه وأخاه عقيلاً وولديه حسناً وحسيناً، فلقد شمل عدله القريب والبعيد، والعدو والصديق، كما شمل الغيث المؤمن والملحد، بل شمل عدله الحيوان كما شمل الإنسان، فكان يوصي من في يده إِبل الصدقة أن لا يحول بين ناقة وبين فصيلها، وأن لا يبالغ في حلبها خشية أن يضر ذلك بولدها، وأن لا يركب ناقة ويدع غيرها، بل يعدل بينها في الركوب، وبين صواحباتها، فيا للعدالة المساواة تشمل الأحياء جميعاً، مساواة بين أفراد الحيوان، فضلاً عن أبناء الإنسان.

أما العفو فهو فوق العدل، وعفو الإمام فوق كل عفو، قد يعفو الإنسان عمن يسيء إليه بكلمة نابية، أو يعتدي على بعض ما يملك، أما الإمام فقد ظفر بألد أعدائه مروان بن الحكم وعمرو بن العاص فعفا عنهما، وكل واحد منهما أخطر عليه من جيش بخاصة ابن العاص، وحال جند معاوية بينه وبين الماء في صفين، وقالوا له: لن تذوق الماء حتى تموت عطشاً، فأجلاهم عنه، وسقاهم منه، وأوصى بقاتله ابن ملجم خيراً، وقال لأهله: اعفوا هو أقرب للتقوى.

أما علمه فقد ملأت أقواله كتب اللغة بشتى فروعها، وكتب الفلسفة والأخلاق والفقه بخاصة القضاء، وهو أول رجل في الإسلام، وربما في العالم وضع العلماء كتباً مستقلة في قضائه، وقوله الفصل والحجة القاطعة في ذلك كله، وبكلمة متى ثبت القول عن علي فلا يسأل عن قول سواه، لأنه ينطق بلسان الرسول الأعظم الذي لا ينطق عن الهوى. وأجمع وأروع كلمة قيلت في وصف الإمام هي كلمة صاحبه ضرار، حيث قال له معاوية: صف لي علياً، فقال: كان بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من لسانه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحدته، كان واللّه عزيز الدمعة، طويل الفكرة، يقلب كفيه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويبتدئنا إذا أتيناه، ونحن واللّه مع تقريبه لنا، ودنوه منا لا نكلمه لهيبته، ولا نبتدئه لعظمته، وإن تبسم فعن اللؤلؤ المنظوم، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد باللّه لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني الآن أسمعه، وهو يقول: يا دنيا اليَّ تعرضت، أم إليَّ تشوقت: هيهات هيهات غري غيري، لا حين حينك، فقد طلقتك ثلاثاً، لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطبك كبير، آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق1.

وبالتالي فلا أريد مما قدمت أن أمهد لذكر فضائل الإمام ومناقبه، وإنما غرضي الوحيد أن أبين أن الولاء للإمام هو ولاء للإنسانية والحق والعدالة، ولا استدل على ذلك بنص ولا أصل ولا إجماع، وإنما أحيل من يطالبني بالدليل إلى سيرة الإمام وتاريخه، ثم يحكم بما يوحيه عقله وضميره، بل أحيله إلى سيرة الأمويين مع الإمام، وسيعلم من حقدهم عليه، واغراقهم في بغضه مكانته من الحق، لأنهم أعداؤه الألداء، وخصومه الأشداء.

قيل لمعاوية: قد بلغت ما أملت، فلو كففت عن هذا الرجل، فقال: لا واللّه، حتى يربو عليها الصغير، ويهرم الكبير، هذا قول من وصف بالحلم الذي ورثه عن أمه هند، فكيف بغير الحليم منهم!.


1- كتاب حديقة الأفراح، لأحمد الشرواني ص 43 طبعة سنة 1298 هجرية.

2016-03-08