يتم التحميل...

الإجمَاع

تعرّف على الشيعة

نشأ الاجماع عند المسلمين في المدينة المنورة، وبعد الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وسلم، وبين الصحابة خاصة، ففي عهد الرسول لا مرجع سواه في الأمور الدينية،

عدد الزوار: 11

الإجمَاع *

نشأ الاجماع عند المسلمين في المدينة المنورة، وبعد الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وسلم، وبين الصحابة خاصة، ففي عهد الرسول لا مرجع سواه في الأمور الدينية، وفي عهد الصحابة لا فقه ولا فقهاء إلا في المدينة أو منها، فكان من السهل معرفة آراء المجمعين من ذوي القول، لقلتهم والعلم بمكانهم ومكانتهم، وبعد أن اتسعت البلاد الإسلامية، وصار في كل بلد حلقات للدرس، وأقطاب للشرع أصبح الحصول على الإجماع متعذراً أو متعسراً، خاصة أن التأليف والتدوين لم يكن معروفاً ولا مألوفاً في الصدر الأول.

وللإجماع أقسام عديدة، ولكل قسم فروع، ونخص الكلام - هنا - عن أهم الأقسام التي تصلح أصلاً للشرع، ودليلاً للفقيه، وينقسم الإجماع باعتبار الزمان إلى ثلاثة أقسام.

إجماع الصحابة
1- إِجماع الصحابة بأن تتفق كلمة الأصحاب جميعاً على حكم شرعي، وقد أوجب السنة والشيعة الأخذ بهذا الإجماع، واعتباره أصلاً من أصول الشريعة، ولكنهم اختلفوا في الدليل الدال على اعتباره ولزوم الأخذ به، فقال الشيعة : هو حجة، لوجود الإمام مع الصحابة، وقال السنة هو حجة لحديث "ما اجتمعت أمتي على ضلالة" وعلى أي الأحوال فإن النتيجة واحدة، وهي العمل بإجماع الأصحاب عند جميع المذاهب.

إجماع أحد الصحابة
أجمع المذاهب الأربعة على العمل بقول أحد الصحابة إذا لم يقم على خلافه دليل من الكتاب أو السنة النبوية، لأنه اعلم بمراد النبي صلى اللّه عليه وسلم بفضل رفقته له، ومشاهدته لعصر التنزيل، فاجتهاده يقدم على اجتهاد المتأخر عنه1.

وذهب الغزالي والآمدي والشوكاني إلى أن قول الصحابي ليس بحجة لأن الصحابة أنفسهم اتفقوا على جواز مخالفة كل واحد منهم للآخر في الاجتهاد، وإذا كان قول الصحابي غير حجة عند الصحابة أنفسهم، فكيف يكون حجة بالقياس إلى غيرهم ! وهذا يتفق مع ما عليه الشيعة فتوى ودليلاً.

اجماع العلماء في عصر الصحابة

2- اتفاق العلماء في جميع الأمكنة والبلدان الإسلامية في عصر غير عصر الصحابة، والخلفاء الراشدين. أما الإجماع الإقليمي، أي اتفاق خاص، كإِجماع أهل العراق أو أهل الحجاز، فليس موضوعاً للبحث لأنه ليس إِجماعاً في واقع الأمر.

واتفاق علماء عصر واحد أو عصرين في كل مكان هو المراد - في الغالب - من لفظ الإجماع الموجود في كتب الفقه ومحاورة الفقهاء. ويقع الكلام عن هذا الإجماع في جهتين، الأولى في إمكان الاطلاع على فتوى كل عالم بالذات، والجهة الثانية في دليل هذا الاجماع، وحجة اعتباره.

أما الجهة الأولى، وهي الاطلاع على جميع أقوال علماء عصر من العصور في جميع الأمصار فعسير جداً، وخاصة في العصور الأولى، حيث لم يكن التأليف والتصنيف معروفاً، وبعد أن عرف التأليف لم تكن وسائل النشر متوافرة، هذا وليس كل عالم مؤلفاً، على أن التأليف كان مقصوراً على جمع الأحاديث ونقل الروايات من غير فتوى، وابداء رأي المؤلف، ورب فقيه كبير لم يعلم مكانه، وفقيه عرف واشتهر، ولكن لم يعرف رأيه في مسألة خاصة.

مدعي الإجماع

ومن ادعى أو يدعي أنه استقصى أقوال جميع فقهاء عصره أو عصر من تقدم عليه، وأنه اطلع على أقوالهم واحداً فواحداً، من ادعى ذلك فإنه لا يستند في دعواه إلا على الحدس والتخمين، رأى قول بعض العلماء فظن أنه قول الجميع قياساً للغائب على الشاهد، والمجهول على المعلوم، وقد رأيت كثيراً من الفقهاء يسألهم السائل عن حكم قضية هي من صميم الحياة تتصل بالدماء والأموال والأعراض، فيرجعون إلى كتاب من كتب فروع الفقه التي ذكرت الفرع من غير أصله "ولم يسنده المؤلف إلى دليله، ثم يحكم بقول صاحب الكتاب، كأنه كتاب اللّه المنزل، أو سنة نبيه المرسل، وإذا سألته عن الدليل اكتفى بدعوى الإجماع، والذي يظهر للمتتبع أن هذه الطريقة مألوفة عند المتقدمين أيضاً، فقد طعن العلماء على إِجماعات ابن إدريس، وابن زهرة، والشيخ الطوسي، وغيرهم، وقد جمع الشهيد الثاني أربعين مسألة "ادعى فيها الشيخ الإجماع، وهي مورد الخلاف، بل الشيخ نفسه خالف في أكثرها في موارد أخرى وقال العلامة المجلسي في كتاب الصلاة من كتاب البحار "ان الفقهاء لما رجعوا إلى الفروع نسوا ما أسسوه في الأصول فادعوا الإجماع في أكثر المسائل، سواء أظهر فيها الخلاف أم لا، وافق الروايات المنقولة أم لا، حتى أن السيد وأضرابه كثيراً ما يدعون الإجماع فيما يتفردون به" وقال الميرزا حسين النائيني في تقريرات الخراساني "إذا كان الحاكي للإجماع من المتقدمين على العلامة والمحقق والشهيد فلا عبرة بحكايته" والخلاصة أن الإجماع المنقول بلسان أحد العلماء لا يكون دليلاً لحكم شرعي، وإن كان الناقل شيخ الأولين والآخرين، لأن دين اللّه لا يصاب بحدس فقيه وبما يختلج في خياله.

دليل الإجماع

الجهة الثانية : وهي دليل الإجماع استدل السنة على أن الإجماع أصل من أصول الشريعة بحديث من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة مات ميتة جاهلية، وبحديث لا تجتمع أمتي على ضلالة أو على خطأ. فالإجماع عندهم أصل مستقل بنفسه، مثل الكتاب والسنة.

ويلاحظ عليهم أولاً: أن الاطلاع على أقوال جميع علماء العصر متعذر، كما أسلفنا، ثانياً : وفي حالة إِمكان الاطلاع على أقوالهم جميعاً نتساءل : لو اتفق علماء عصر واحد على خلاف من تقدم عليهم ممن يعتد بقوله، فهل يسمى اتفاقهم هذا إِجماعاً لأمة محمد ؟ كلا. إن إِجماع الأمة معناه إجماع العلماء في جميع الأعصار والأمصار، وإِجماع علماء الأمة في كل عصر ومصر لا يرتاب في حجته عاقل، كما يأتي :
أما الشيعة فلم تثق بحديث لا تجتمع أمتي على خطأ، وقالوا : يكون الإجماع حجة إذا كشف عن رأي المعصوم، وعليه لا يكون الإجماع دليلاً مستقلاً، بل يدخل في السنة، أي أن السنة تثبت بالإجماع كما تثبت بقول الثقا من الرواة.

ويلاحظ على قول الشيعة أن الإجماع إِذا حصل في زمن المعصوم يمكن أن يكشف عن قوله، ولكن لا يكون الإجماع هو الدليل، بل الدليل قول المعصوم، وفي زمن غيابه لا يمكن أن يكشف الإجماع عن قول المعصوم بحال، إِذن لا يكون الإجماع دليلاً في كلتا الحالتين، ولذا قال الشيخ الأنصاري في كتابه المعروف بالرسائل "ان السنة هم الأصل للإجماع، وهو الأصل لهم"، ومعنى هذا أن الشيعة لا تعترف بمثل هذا الإجماع.

وحاول بعض العلماء أن يجعل الإجماع أصلاً شرعياً بما قرره من أن اتفاق العلماء، وخاصة المتقدمين القريبين من عصر الأئمة إِذا اتفقوا على حكم ديني مع اختلافهم في كثير من الأحكام وثقتنا بدينهم وعلمهم.. أن اتفاقهم - والحالة هذه - يدل دلالة واضحة أن هناك دليلاً صحيحاً معتبراً قد اطلعوا عليه، وخفي علينا، ويرد هذا القول انه يعتمد على الحدس والتخمين والأحكام الشرعية لا تصاب بالحدس.
وبعد هذا البيان يتضح أن الحكم الديني الذي اتفق عليه أهل عصر واحد أو عصرين هو محل للاجتهاد والجدال والنقاش، سواء أقلنا بقول الشيعة أم السنة، وان من خالف مثل هذا الإجماع لا يكون خارجاً على الأصول الشرعية الإسلامية.

إِجماع العلماء في جميع الأعصار والأمصار

إِذا أجمعت علماء المذاهب الإسلامية في جميع الأعصار والأمصار من عهد الرسول الأعظم إلى يومنا هذا على أمر فلا يسوغ مخالفتهم بحال، حيث يصبح الحكم ضرورة دينية حتمية، ومن يخالفه يخرج عن الأصول الإسلامية. أما إِذا أجمع علماء مذهب يكون الحكم ضرورة مذهبية، ومن يخالفه يخرج عن الأصول المذهبية لا الإسلامية.

العاملون بخلاف الإجماع

خالف بعض العلماء المراجع القسم الثاني من الإجماع، أي اتفاق علماء عصر أو أكثر : منهم السيد كاظم صاحب العروة الوثقى، قال في كتاب الملحقات باب الوقف : ان ظاهر إجماع الإمامية على أن الوقف لا يتم إلا مع الصيغة اللفظية الدالة عليه صراحة، لأن لفظ وقفت، وتصدقت ورد في حديث أهل البيت، ومع اعتراف السيد بصحة النص، ووجود الإجماع افتى بعدم وجوب الصيغة في الوقف، إستناداً إلى سيرة الناس وعاداتهم، فإنهم يوقفون بلا صيغة، بل بالمعاطاة، ويكون ذلك وقفاً عندهم، فيكون وقفاً في الشرع أيضاً.

ومنهم المرزا حسين النائيني وغيره من العلماء المتأخرين خالفوا إجماع المتقدمين على أن العقود لا يجوز أن تكون معلقة على شيء، فالوكالة باطلة، إذا قلت لإنسان : أنت وكيلي يوم الجمعة في بيع داري، قال النائيني في تقريرات الخونساري "ليس هذا الإجماع تعبدياً - أي لا يجب العمل به - لأن العلماء أبطلوا هذه العقود لتوهم اعتبار التنجيز أو مانعية التعليق".

ومنهم السيد أبو الحسن، حيث قال في الوسيلة الكبرى "إذا قال أحد أهالي السواد جوزت بدل زوجت صح" مخالفاً في ذلك إجماع العلماء على أن صيغة الزواج يجب أن تكون على العربية الفصحى، وكذلك خالف علماء هذا العصر إجماع المتقدمين على اشتراط العربية في صيغ البيع، كما خالف من قبلهم الإجماع على منزوحات البئر.

وممن خالف الإجماع السيد المرتضى وابن زهرة قالا : إذا طلقت اليائس، والصبية المدخول بها التي لم تبلغ التاسعة فعليهما العدة2، ومنهم الصدوق والشيخ الطوسي والعلامة ونجيب الدين بن سعيد قالوا : إذا مات الزوج، ولم يكن هناك وارث إلا الزوجة ترث الربع بالفرض ويرد الباقي عليها مع غيبة الإمام3، ومنهم الشيخ محمد رضا آل يس قال في كتاب بلغة الراغبين "باب الإرث" : لا عدة على المتوفى عنها زوجها إذا جرى العقد في مرضه الذي مات فيه، ولم يدخل، ومنهم ابن أبي عقيل وابن الجنيد والصدوق قالوا : تحل ذبيحة أهل الكتاب4.

والخلاصة أن إجماع علماء عصر أو عصرين لا يجعل الحكم قطعياً، وضرورة دينية أو مذهبية، بل يكون اجتهادياً ظنياً يقبل الجدال والنقاش، ومن خالفه لا يكون خارجاً عن الأصول الشرعية. والإجماع الذي يجب العمل به، ولا يكون محلاً للاجتهاد هو إجماع الأمة في كل عصر ومصر من عهد الرسول صلى اللّه عليه وسلّم إلى هذا العهد، وعليه يكون الحكم ضرورة من ضرورات الدين.


* - نشر في العرفان عدد شباط 1952.
1- كتاب المدخل إلى أصول علم الفقه، للدكتور الدواليبي ص 252 و253 و255.
2- كتاب المسالك للشهيد الثاني "باب الطلاق".
3- نفس المصدر "باب الارث".
4- نفس المصدر "باب الصيدوالذباحة".

 

2016-03-08