يتم التحميل...

الاثنَا عشريَّة وَأهل البيَت عليهم السلام

تعرّف على الشيعة

الاثنا عشرية نعت يطلق على الشيعة الإمامية القائلة باثني عشر إماماً تعيّنهم بأسمائهم.

عدد الزوار: 13

الاثنَا عشريَّة
الاثنا عشرية نعت يطلق على الشيعة الإمامية القائلة باثني عشر إماماً تعيّنهم بأسمائهم.

تمهيد: واجه الإسلام ما واجهته سائر الأديان من التقسيم إلى فرق، ثم تقسيم كل فرقة، على مرّ الّزمن، إلى فرق... وفي التاريخ العديد من الشواهد على ذلك ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (هود - 118) ولا يقف هذا الاختلاف على الطوائف وأهل الأديان بعضها مع بعض.

بل يتعداها إلى اتباع الدين الواحد. ولا نعرف أهل دين أجمعوا على عقيدة واحدة من جميع جهاتها، دون أن يتفرّقوا شيَعاً وأحزاباً. ورغم هذا الشتات والنزاع - وربما الحرب والصراع - فإن بين الفرق من كل طائفة قاسماً مشتركاً يجمع شملها.

ويربطها بالدّين الأصيل، وإلا لم تكن فرقاً لدين واحد، فلا بد لكل فرقة أن تأخذ بنصيب من دينها، أمّا مقدار هذا النصيب، وأيّ الفرق أكثر ملاءمة للأصل والمصدر فلا يعرف من كثرة الأتباع وقوّتهم، وسلطانهم.

الفرق الإسلامية

والذي نراه ونرجّحه أن أسباب الإختلاف والتعدّد في الفرق الإسلامية، على ما بينها من رابط قويّ أو ضعيف، هي واحدة تتّحد مفهوماً، وتختلف مصداقاً. ومن هذه الأسباب أن الذين انتموا إلى الدّين، عند بدايته، منهم من انتمى إليه حقاً وصدقاً، ومنهم من انتمى إليه شكلاً وظاهراً ابتغاء ما يجنيه من وراء هذا الانتماء، تماماً كما ينتمي كثيرون إلى حزب من الأحزاب لمنافع شخصية.

ومنها أن التعاليم التي أتى بها النبيّ لم تطبق بكاملها في عهده وحياته. ولمّا جاء دور تطبيقها والعمل بها، نظر إليها كلّ من زاويته الخاصّة، وواقع بيئته، ومنطق عقله. هذا وإنّ كثيراً من التعاليم المنسوبة إلى النبيّ لم ينطق بها صراحة، وإنّما استنبطها الأتباع من إيماءة أو تصرّف، أو من شيء لا يمتّ إليه بسبب. بل اختلفوا في الأحكام التي طبقها النبي، وعمل بها. فلقد توضأ مئات المرات أمام ألوف من المسلمين، ومع هذا اختلف السنّة والشيعة في صورة الوضوء، وادعت كل فرقة أنها هي التي تتوضأ بوضوئه دون غيرها.

ومنها أن فئة من الأتباع قد تثق برجل ثقة عمياء، وتواليه ولاء دين وعقيدة وأخرى تتّهمه وتهاجمه.

الخلافة

لهذه الأسباب ولغيرها افترق المسلمون إلى فرق وشيع. وقامت بينهم حدود وحواجز، وأهمّها مسألة الخلافة وما يتّصل بها، بخاصة الطريق الذي يعين الخليفة بعد الرسول، وهل هو النصّ من الرسول، أو اختيار الوجهاء والأعيان ؟ قال الشيعة بالأول، وقال السنة بالثاني. وآمن كل بما رأى، وأصبح إيمانه هذا جزءاً من عقيدته ونظامها. وهذا - كما ترى - اختلاف في المنهج والطريق المثبت للخلافة، لا في أصل الخلافة: فالقول بأنها من عقيدة الشيعة خطأ. ما دام الكلّ متفقين على أصل الفكرة، وأنها تستند إلى الدين باعتبارها رئاسة عامة في الدين والدنيا نيابة عن الرسول باتفاق الجميع، إذن ليست الخلافة، من حيث الفكرة، شيعيّة فقط، أو سنّية فقط وإنما هي عقيدة لجميع المسلمين.

أجل، إن فكرة النص من النبي على الخليفة شيعية لأن السنّة لا يقولون بها، كما أن فكرة الانتخاب سنّية لأن الشيعة لا يقولون بها.

وبعد أن أناط السنّة تعيين الخليفة بانتخاب الوجهاء خاصة، وهم الذين عبّروا عنهم "بأهل الحلّ والعقد" قالوا مبرّرين رأيهم هذا إن الجماعة - أي الوجهاء - منزّهون ومعصومون عن الخطأ، وإن اللّه يهديهم إلى الحقّ والصواب، لحديث "لا تجتمع أمتي على ضلالة" ولما رواه البخاري في "صحيحه" (9: كتاب الأحكام) من أن النبيّ قال: "من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنّه ما أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية".

وردّ الشيعة هذا الحديث، وكلّ حديث يتضمّن عصمة الجماعة، لأنَّها قد تخطئ بل جاء في الآية 187 من "الأعراف" "ولكن أكثر الناس لا يعلمون" فبالأولى القلّة وإن كانوا "أهل الحلّ والعقد".

هذا، إلى أن السنّة والشيعة متفقون قولاً واحداً على أن أيّ حديث يأتي من الرّسول يجب أن يعرض أولاً على "كتاب اللّه" فإن تناقض معنى أحدهما مع معنى الآخر، وجب طرح الحديث وإهماله. وليس من شك أنّ بين قوله: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ وبين حديث عصمة الجماعة تناقضاً ظاهراً، فيجب طرحه وإهماله.

وأيضاً: بعد أن أناط الشِّيعة تعيين الخليفة بنصّ النبيّ عليه اسماً وعيناً قالوا مستدلين على ذلك: "إن محمداً نصّ على علي بن أبي طالب عليه السلام باسمه وعينه ونسبه، وعقد له الخلافة على المسلمين من بعده، وأمرهم بالسمع والطاعة له، وأعلمهم أن طاعته طاعة اللّه ورسوله" ونقل الشيعة عن ج 1 من "مسند" الإمام أحمد بن حنبل وج 2 من "تاريخ" الطبري، وجلد 2 من "تاريخ" ابن الأثير، وج 3 من "مستدرك" "الصحيحين" للنيسابوري ومن "السيرة الحلبية" نقلوا عن هذه الكتب وغيرها.

إن محمداً صلى الله عليه وآله حين نزلت عليه هذه الآية: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 26 (الشعراء) (214)، جمع عشيرته في بيته. وبعد أن أكلوا من مائدته، قال لهم مشيراً إلى علي عليه السلام: هذا أخي ووصيّي وخليفّتي فيكم، فاسمعوا له، وأطيعوا. وعلّق الأستاذ محمد عبد اللّه عنان المصري، في كتابه على ذلك "تاريخ الجمعيّات السريّة": فقال: من الخطأ أن يقال إن الشيعة إنما ظهروا لأول مرّة عند انشقاق الخوارج، بل كان بدء الشيعة وظهورهم في عصر الرّسول، حين أمر بإنذار عشيرته بهذه الآية: "وأنذر عشيرتك الأقربين" ثم ساق الحديث إلى نهايته.

ووضع علماء الشيعة الاثني عشرية العديد من الكتب في النصّ على علي عليه السَّلام، وجمعوا فيها الآيات والأحاديث من طرق السنة والشيعة.

من هذه الكتب "الشافي" للمرتضى، "ونهج الحق" للعلامة الحلّي، والجزء الثاني "من دلائل الصدق" للمظفّر، "ونقض الوشيعة" والجزء الأول من "أعيان الشيعة" للسيّد الأمين، و"المراجعات" لشرف الدّين، "والغدير" للأميني.

وممّا قدّمناه نستخلص:
أولاً - إن فكرة العصمة لم يقل بها الشيعة وحدهم، فإن السنّة يقولون بها أيضاً، والاختلاف بينهم في التطبيق فقط. فالسنّة يجعلونها للجماعة، والشيعة للإمام المنصوص عليه، فنسبة الفكرة من حيث هي إلى الشيعة دون السنّة خطأ واشتباه، تماماً كما هي الحال في فكرة الخلافة من حيث هي، ونسبتها إلى الشيعة دون غيرهم.

ثانياً - إنّ فكرة النصّ على علي عليه السَّلام بالذات هي فكرة دينية إسلامية تستند إلى الكتاب والسنة، وليست فكرة سياسية - كما قيل - ترتكز على حق الوراثة في الحكم، ولا فكرة عاطفية صرف، لا مصدر لها إلا قرابة النسب والسبب بين محمد صلى اللّه عليه وآله.

ثالثاً - إن مبدأ النص على علي عليه السلام بالخلافة فارق أساسي، وحاجز منيع بين السنة والشيعة. وقد كان له المقام الأول في الإيمان والعقيدة، وتعدد الفرق الإسلامية، والتأثير البالغ في السياسة، والفلسفة، وعلم الكلام، وفي الفقه، وفي التفسير والحديث، والتصوف، والأدب الإسلامي في جميع مراحله، بل والأساطير التي يبرأ منها الكتاب والرسول صلى الله عليه وآله ، وعلي وأبناؤه عليهم السلام، والمحقون من شيعتهم. قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "ما شيعتنا إلا من يقول علينا حقّاً".

بدء التشيع:

قال الشيعة: إن رسول اللّه هو الذي غرس بذرة التشيع لعلي عليه السلام بالنص عليه، وبالمدح والثناء بما لم يثن به على غيره من الأصحاب.

كقوله: "يا علي، لا يحبّك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق" وقوله: "علي مع الحق، والحق مع علي" بل هو الذي أطلق على أتباع علي عليه السلام لفظ الشيعة، وأسماهم بهذا الاسم، حيث قال له: "يا أبا الحسن أنت وشيعتك في الجنة" وقال: "تأتي أنت وشيعتك راضين مرضيين" نقل الشيعة هذا الحديث عن كتاب "الصواعق المحرقة" لابن حجر الشافعي.

وظهرت هذه البذرة أوّل ما ظهرت حين توفي النبي صلى اللّه عليه وآله، وبويع أبو بكر بالخلافة، حيث امتنع علي عليه السلام، ومعه شيعته وأنصاره، واستمرّوا ممتنعين عن البيعة ستة أشهر كاملة. ذكر هذا المؤرخون والكتّاب القدامى والجدد.

وآخرهم الكاتب المصري أحمد عباس صالح، فقد نشر مقالاً متسلسلاً بعنوان "اليمين والثورة" في مجلة الكاتب القاهرية. وممّا قاله في عدد يناير "كانون الثاني" 1965: إنّ غالبية المسلمين حين توفي النبي صلى اللّه عليه وآله، كانوا مع الاتجاه الذي يمثله علي بن أبي طالب عليه السلام وأصحابه. لأنّ النبي صلى اللّه عليه وآله كان زعيم هذا الاتجاه، وواضع مبادئه الأساسية وقال في عدد فبراير "شباط" 1965: "كان حزب كبير من أحزاب المسلمين يعتقدون أن علياً عليه السلام كان أولى بالخلافة من أبي بكر وعمر".

وأخذت بذرة التشيع تنمو وتعلو، وتواصل نموها وعلوها مع الزمن، والحركات الاجتماعية الإصلاحية في الإسلام، حتى أصبحت عقيدة الأصحاب والرواد الأول، والصالحين والمخلصين. ذلك أن علياً كان يسير على الطريق التي رسمها الرسول. قال المسعودي في مروج الذهب: كان مع علي في صفين تسعون ألفاً، فيهم ألفان وثمانمائة من أصحاب الرسول صلى اللّه عليه وآله.

الخلفاء الاثنا عشر

روى السنة والشيعة عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله أنه قال: إن الخلافة في قريش وإن عدد الخلفاء اثنا عشر خليفة، فقد جاء في صحيح البخاري ج 9 كتاب الأحكام ما نصه بالحرف: "قال رسول اللّه: لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان... ويكون اثنا عشر أميراً". وقال ابن حجر العسقلاني، وهو يشرح هذا الحديث في كتاب فتح الباري ج 13 ص 183 طبعة 1301 هجري: "كم يملك هذه الأمة من خليفة؟. فقال: اثنا عشر، كعدة نقباء بني إسرائيل".

ولم يخالف في ذلك إلا الخوارج، فإنهم قالوا: ليست الخلافة في قريش، بل الناس فيها سواء.

وبعد أن اتفق السنة والشيعة على أن الخلافة لا تكون إلا في قريش، قال الشيعة وأفضل قريش بنو هاشم، لما رواه مسلم في صحيحه ج 2 بعنوان كتاب الفضائل أن النبي قال: "إن اللّه اصطفى كنانة من إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم". وأيضاً روى مسلم في الكتاب المذكور بعنوان فضائل علي بن أبي طالب أن النبي "قال: أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي، فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب اللّه، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب اللّه، واستمسكوا به، وأهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي" كررها ثلاثاً.

وقال الشيعة: فإذا جمعنا بين الأحاديث الثلاثة، في قريش، "والاصطفاء، والثقلين" وعطفنا بعضها على بعض جاءت النتيجة أن الخلافة في أهل بيت رسول اللّه، وهم علي وبنوه.

فالسنة يتفقون مع الشيعة في أن الخلافة لا بد منها، وأنها في قريش دون غيرهم وأن عدد الأئمة اثنا عشر إماماً ويختلفون معهم في أمرين: الأول في حصر الخلافة بالهاشميين، وبصورة أخص بعلي وبنيه. الثاني في تعيين الأئمة الاثني عشر بأسمائهم وأنسابهم، يختلفون في هذين، أما أصل فكرة الاثني عشرية فمحل وفاق بين السنة والشيعة الاثني عشرية، وعلى هذا تكون فكرة إسلامية تعم الطرفين، لا سنية فقط، ولا شيعية فقط، تماماً كفكرة العصمة وفكرة الخلافة من حيث المبدأ والقاعدة.

أما السبب لتسمية هذه الفرقة من الشيعة بالاثني عشرية دون غيرها، مع العلم بأن السنة يؤمنون بالأئمة ال 12 فهو أن هذه الفرقة قد أجمعت على تعيين ال 12 بأسمائهم وأعيانهم، واختلف السنة في ذلك.. فمنهم من قال: إن ال 12 لم يخلقوا بعد، وسيخلقون، ويملكون بعد ظهور المهدي المنتظر ووفاته، ومنهم من قال: "إن المراد بال 12 غير أصحاب الرسول لأن حكم أصحابه يرتبط بحكمه.. إذن، كل الأئمة الاثني عشر من بني أمية ما عدا عثمان ومروان، لأنهما صحابيان.. وعليه يكون أول الأئمة الذين عناهم النبي يزيد بن معاوية، ثم ابنه معاوية، ثم عبد الملك، وأولاده الأربعة: الوليد، وسليمان، ويزيد، وهشام وعمر بن عبد العزيز، والوليد بن يزيد، ويزيد بن الوليد، وأخوه إبراهيم، ومروان الحمار.. ومنهم من قال: هم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومعاوية، وولده يزيد، وعبد الملك، وأولاده الأربعة، وعمر بن عبد العزيز.. ومنهم من قال: المراد وجود 12 إماماً في مدة الإسلام، حتى يوم القيامة، وإن لم تتوال أيامهم إلى غير ذلك (فتح الباري للعسقلاني ج 13 ص 183 وما بعدها طبعة سنة 1301 هجري).

الفرقة الاثنا عشرية

قدمنا أن بذرة التشيع غرست في عهد الرسول، وظهرت حين بويع أبو بكر، ونمت وعلت يوم صفين، ففرقة علي هي أولى الفرق الإسلامية على الإطلاق، تكونت في حياته، وبقيت ثابتة على ولائه إلى أن قتل، فافترقت بعده إلى فرق، وباد أكثر هذه الفرق، وذهب مع الزمن، ومنها ما هي ثابتة قائمة، حتى اليوم، وستبقى إلى آخر يوم، رغم الحملات والمحاولات لمحوها وإبادتها وهكذا جميع الفرق، أية فرق تنطبق عليها قاعدة تنازع البقاء، وبقاء الأصلح، تماماً كأغصان الشجرة، تتفرع عن أصل واحد، فينمو، ويمتد في النمو، ويحمل من الأزهار والثمار ما يصلح للبقاء والاستمرار، والذي لا يصلح لها يذبل ويجف وينتهي إلى السقوط والضياع.

ومن فرق الشيعة البائدة فرقة قالت: إن علياً لم يقتل ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلاً.

وفرقة قالت بإمامة ولده محمد بن الحنفية من بعده وهم المعروفون بالكيسانية.

ومن الفرق الباقية حتى اليوم الاثنا عشرية التي لزمت القول بإمامة الحسن بن علي بعد أبيه، لأن النبي نص عليه، وعلى أخيه الحسين بقوله: "ولداي هذان إمامان قاما أو قعدا" وبهذا النص انتقلت الإمامة بعد الحسن إلى أخيه الحسين، ثم اوصى بها الحسين إلى ولده علي زين العابدين، وأوصى هو إلى ولده محمد الباقر، وأوصى الباقر إلى ولده جعفر الصادق، ثم أوصى الصادق إلى ولده موسى الكاظم ، ثم أوصى الكاظم إلى ولده علي الرضا، ثم أوصى الرضا إلى ولده محمد الجواد، ثم أوصى الجواد إلي ولده علي الهادي، هو أوصى إلى ولده الحسن العسكري ومنه انتقلت الإمامة بالوصية إلى ولده محمد بن الحسن، وهو المهدي المنتظر الذي اختفى بعد موت أبيه، وكان ذلك سنة 256 هجري.

وقد وضعت كتاباً مستقلاً، اسمه "المهدي المنتظر والعقل" وقربت الفكرة من وجهة عقلية، وذكرت جملة من مؤلفات السنة والشيعة في المهدي، ثم أدرجت كتاب المهدي في كتاب "الإسلام والعقل".

وهذا التسلسل في الوصية من إمام إلى إمام هو من صلب عقيدة الاثني عشرية، لأن الإمام عندهم لا يكون إلا بنص النبي عليه مباشرة، أو بواسطة إمام منصوص عليه، ومن هنا كانت الإمامة منصباً إلهيّاً، يأتي في الدرجة الثانية من النبوة، فالنبي يبلغ عن اللّه، والإمام يبلغ عن النبي.

هؤلاء هم الأئمة الاثنا عشر للفرقة الاثني عشرية التي مضى على وجودها أكثر من ألف عام، رغم ما لاقته من الظلم والاضطهاد.

عقيدتهم

يستطيع أي إنسان يحسن القراءة أن يعطي صورة واضحة الملامح عن عقيدة الاثني عشرية، يستخلصها من أوثق المصادر، وأصفى المراجع.. ذلك أن علماءهم قديماً وحديثاً قد وضعوا العديد من الكتب في هذا الموضوع، منها - على سبيل المثال - اعتقادات الصدوق وشرحها للشيخ المفيد، وأوائل المقالات للشيخ المفيد أيضاً، وقواعد العقائد للخواجة نصير الطوسي، وشرحها للعلامة الحلي، وشرح الباب الحادي عشر للمقداد، ونقض الوشيعة للسيد محسن الأمين وأصل الشيعة وأصولها للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، وعقيدة الشيعة الإمامية للسيد هاشم معروف، وعقائد الإمامية للشيخ المظفر، والشيعة والتشيع ومع الشيعة الإمامية للكاتب.

ولست أدري كيف يقطع في الخطأ والالتباس من يعرض عقيدة هذه الفرقة، مع كثرة المصادر، وانتشارها... ومهما يكن، فإن الاثني عشرية يعتقدون: بالتوحيد، والعدل، والنبوة، والمعاد، وبوجوب الصوم والصلاة، والحج

والخمس والزكاة، وبكل ما جاء في القرآن الكريم، وثبت عن الرسول العظيم بالتواتر أو بنقل الثقات. ويعتقدون بوجوب تأويل النقل بما يتفق مع العقل، وبأن القرآن هو هذا الذي بين أيدي الناس لا زيادة فيه، ولا نقصان، ويعتقدون بفتح باب الاجتهاد، لأهل المعرفة والكفاءة، وبتقليد الجاهل للعالم في الأمور الشرعية الفرعية، وبوجوب طلب العلم على كل إنسان كفاية لا عيناً، وبعصمة جميع الأنبياء، وأئمتهم الاثني عشر، وبالتقية، مع خوف الضرر، وقد ذكرنا العصمة والتقية بصورة مفصلة في كتاب الشيعة والتشيع، ويعتقدون بأن الإمامة أصل من أصول المذهب، لا من أصول الإسلام، وأن من أنكرها فهو مسلم، له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم، إذا اعتقد بالتوحيد والنبوة والمعاد، ولكنه ليس إمامياً.

و يعتقدون بأن الغلو بأي إنسان فهو كفر سواء أكان من أهل البيت، أم من غيرهم، لقول الإمام علي: "سيهلك فيّ صنفان: محب مفرط، يذهب به الحب إلى غير الحق، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق، وخير الناس في هذا النمط الأوسط فالزموه".

وروى الاثنا عشرية عن إمامهم الخامس محمد الباقر أنه قال: واللّه ما شيعتنا إلا من اتقى اللّه... ليس بين اللّه وبين أحد قرابة.. ولسنا نتقرب إلى اللّه إلا بالطاعة، فمن كان للّه مطيعاً فهو ولينا، ومن كان للّه عاصياً فهو عدونا، ولا تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع.

ورووا عن إمامهم السادس جعفر الصادق أنه قال: لا تقولوا علينا إلا الحق.

وقال: إنما شيعة جعفر من عف بطنه وفرجه، واشتد جهاده، وعمل بخالقه، ورجا ثوابه وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فهم شيعة جعفر.

وقال بعض شعرائهم يصف الصادقين في إيمانهم وعقيدتهم من هذه الفرقة:
إن ينطقوا ذكروا أو يسكتوا فكروا      أو يغضبوا غفروا أو يقطعوا وصلوا
أو يظلموا صفحوا أو يوزنوا رجحوا    أو يسألوا سمحوا أو يحكموا عدلوا


المهدي المنتظر

أما المهدي المنتظر فإنه فكرة إسلامية يعتنقها السنة والشيعة، فلقد روى السنة أخباره عن النبي، ودونوها في الصحاح من كتب الحديث، وبلغت لكثرتها حد التواتر منها ما جاء في سنن ابن ماجة ج 2 الحديث رقم 4083 أن رسول اللّه قال: يكون في أمتي المهدي، تنعم به أمتي نعمة لم تنعم مثلها قط. وفي حديث آخر أنه يملؤها قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً. ومنها ما في سنن أبي داود السجستاني ج 2 ص 422 طبعة سنة 1952 وصحيح الترمذي ج 9 ص 74 طبعة سنة 1934 أن رسول اللّه قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول اللّه ذلك اليوم، حتى يبعث رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً". ونقل صاحب أعيان الشيعة في الجزء الرابع عن فوائد السمطين لمحمد بن إبراهيم الحموي الشافعي أن النبي قال: من نكر خروج المهدي فقد كفر بما أنزل على محمد.

ووضع علماء السنة كتباً خاصة بالمهدي نذكر منها على سبيل المثال: كتاب صفة المهدي، لأبي نعيم الأصفهاني والبيان في أخبار صاحب الزمان، للكنجي الشافعي، والبرهان في علامات مهدي آخر الزمان، لملا علي المتقي، وأخبار المهدي، لعباد الرواجني، والعرف الوردي في أخبار المهدي، للسيوطي، والقول المختصر في علامات المهدي المنتظر، لابن حجر، وعقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر، لجلال الدين يوسف الدمشقي نقلاً عن منتخب الأثر للطف اللّه الصافي.

أما علماء السنة الذين أفردوا لأخبار المهدي باباً خاصاً في مؤلفاتهم فلا يبلغهم الإحصاء، وقد جرأت هذه الأحاديث والمقالات والكتب الكثيرين من أهل السنة أن ينتحلوا المهدوية ويدعوها لأنفسهم، وهذا يثبت ما قلناه من أن فكرة المهدي المنتظر يقول بها السنة والشيعة على السواء، تماماً كفكرة الخلافة والاثني عشرية، من حيث المبدأ، ولا اختلاف إلا في اتجاه الفهم وتطبيقه.

وكما اتفق الطرفان على فكرة المهدي المنتظر فقد اتفقوا أيضاً على اسمه ونسبه، وكنيته ولقبه، وأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وأما الجهة التي اختلفوا فيها فهي: هل ولد المهدي أو لم يولد حتى الآن.

أهم الفروق بين الشيعة والسنة

وبالإضافة إلى ما تقدم فإن الشيعة الاثني عشرية تختلف مع السنة في أشياء. بعضها يرجع إلى العقيدة، وبعضها يرجع إلى الأحكام، نلخص أهمها فيما يلي:
معرفة اللّه:

قال السنة: تجب معرفة اللّه بالسمع لا بالعقل، أي أن اللّه وحده هو الذي أوجب على الناس أن يعرفوه. (المواقف للأيجي: (المتوفى 756 هجري - 1355) 1 -: 251 ، مطبعة السعادة بمصر سنة 1325 هجري).

وقال الشيعة: إن معرفة اللّه تجب بالعقل لا بالسمع، أي أن العقل هو الذي أوجب على الإنسان أن يعرف خالقه، لأن معرفة الإيجاب تتوقف على معرفة الموجب، فلا بد أن نعرف اللّه أولاً بطريق العقل، ثم ننظر فيما أوجب، وما لم يُوجب ومحال أن نعرف أحكامه دون أن نعرف شيئاً عنه،.. أما ما جاء في السمع من هذا الباب كقوله تعالى: "فاعلموا أن لا إله إلا هو" فهو بيان وتأكيد وتقرير لحكم العقل، وليس تأسيساً جديداً من الشارع، وقال السنة: اللّه يصح أن يرى (المواقف للأيجي 8: 115). وقال الشيعة: ان رؤية اللّه محالة وغير ممكنة في الدنيا والآخرة: وأولوا الآيات الدالة بظاهرها على إمكان الرؤية، أولوها بالعقل والبصيرة لا بالعين والبصر (وقال السنة: إن صفات اللّه زائدة على ذاته).

وقال الشيعة بل هي عينها، وإلا لزم تعدد القديم.

كلام اللّه: هل هناك شيء آخر وراء ألفاظ التوراة والإنجيل، الأصليّين والقرآن يسمى كلام اللّه، أو أن كلامه تعالى هو هذا اللفظ الموجود في الكتب السماوية؟

قال السنة: إن الكلام الموجود في الكتب السماوية ليس بكلام اللّه حقيقة، بل إن كلامه قديم قائم بذاته، تماماً كالعلم والقدرة والإرادة، وهذه الكلمات المسطورة التي نتلفظ بها، وننسبها إليه سبحانه تعبر عن كلامه القائم بذاته.

كما يعبر قولنا "علْم اللّه وإرادة اللّه" عن علمه وإرادته القائمين بذاته.

وقال الشيعة: إن كل من يوجد كلاماً فكلامه يدل على معنى ما نطق به. وعلى هذا يكون كلام اللّه هو الكلمات نفسها الموجودة في التوراة، والإنجيل، والقرآن.

وهي حادثة، ومخلوقة. ولا يلزم من القول بحدوثها أن يكون اللّه محلاً للحوادث، لأنه سبحانه يخلق الكلام، كما يخلق سائر الكائنات.

أفعال اللّه: قال السنة: لا يجوز تعليل أفعال اللّه بشيء من الأغراض والعلل الغائية، لأنه لا يجب عليه شيء، ولا يقبح منه شيء. (المواقف 8: 202) وفي كتاب "المذاهب الإسلامية" للشيخ أبي زهرة (فصل وحدانية التكوين: فقرة تعليل الأفعال) ما نصّه بالحرف "قال الأشاعرة أي السنة: إن اللّه سبحانه وتعالى خلق الأشياء لا لعلة ولا لباعث لأن ذلك يقيّد إرادة اللّه".

وقال الشيعة: إن جميع أفعاله عزّ وجل معلّلة بمصالح تعود على الناس، أو تتعلق بنظام الكون، كما هو شأن العليم الحكيم.

الأمر والإرادة: قال السنة: لا تلازم بين ما يأمر به اللّه وما يريد، ولا بين ما ينهى عنه وما يكره، فقد يأمر بما يكره، وينهى عما يحب. (المواقف 8: 176) وقال الشيعة: إن أمر اللّه بالشيء يدل على إرادته له، وإن نهيه عنه يدل على كرهه له، ومحال أن يأمر بما يكره، وينهى عما يحب.

عقاب الطائع وثواب العاصي: قال السنة: إن العقل يجيز على اللّه أن يعاقب الطائع، ويثيب العاصي، لأن المطيع لا يستحق ثواباً بطاعته، والعاصي لا يستحق عقاباً بمعصيته، وأيضاً يجيز العقل على اللّه أن يخلف وعده. (المواقف 8: المقصد الخامس والسادس من المرصد الثاني في المعاد)، والمذاهب الإسلامية لأبي زهرة، فصل بعنوان "منهاجه وآراؤه" رقم 104. وقال الشيعة: إن العقل لا يجيز على الله أن يعاقب المطيع، ويجيز عليه أن يتفضّل على العاصي، تماماً كما لك أن تتفضّل على من أساء إليك، ولا يجوز أن تسيء إلى من أحسن.

الجبر والاختيار: قال السنة: أفعال العباد كلها خيرها وشرها، من اللّه، وليس لقدرتهم تأثير فيها، وإن التكليف بما لا يطاق جائز على اللّه، لأنه خالق كل شيء، ولا يجب عليه شيء، ولا يقبح منه شيء. (المواقف 8: المقصد الأول والثاني، والسابع من المرصد السادس في أفعاله تعالى).

وقال الشيعة: إن الإنسان مخير لا مسير وإن اللّه لا يكلف نفساً إلا وسعها، وإن أفعال العباد خيرها من اللّه، لأنه أرادها وأمر بها ومن العبد أيضاً لأنها صدرت منه باختياره وإرادته.

أما شرها فمن العبد فقط، لأنه فاعلها بمشيئته، وليست من اللّه لأنه نهي عنها.

الحسن والقبح: قال السنة: إن العقل لا يدرك حسناً ولا قبحاً، وإنما الحسن ما أمر به الشرع، والقبيح ما نهى عنه. ولو أمر بما نهى عنه، لصار حسناً بعد أن كان قبيحاً أو نهى عما أمر به لصار قبيحاً بعد أن كان حسناً. ويقولون هذا حسن لأن اللّه أمر به، وهذا قبيح لأن اللّه نهى عنه (المواقف 8: المقصد الخامس في الحسن والقبح من المرصد السادس في أفعاله تعالى).

قال الشيعة: العقل يدرك الحسن والقبح مستقلاً عن الشرع ويقولون إن اللّه أمر بهذا لأنه حسن، ونهى عن ذلك لأنه قبيح.

الأسباب والمسببات: قال السنة: إن المسببات لا تجري على أسبابها، وإن جميع الممكنات مستندة إليه تعالى بلا واسطة ولا علاقة بين الحوادث المتعاقبة إلا بإجراء العادة بخلق بعضها عقب بعض، كالإحراق عقب مماسة النار والري بعد شرب الماء فكل من الإحراق والري يستند إلى اللّه مباشرة، ولا مدخل إطلاقاً للمماسة والشرب. (المواقف 8: 148و203 - 204).

وقال الشيعة إن جميع المسببات ترتبط بأسبابها، فالماء هو الذي يروي والنار هي التي تحرق.

وقال السنة: لا يجب على اللّه أن يبعث أنبياء يبينون للناس موارد الخير والشر، ويجوز أن يتركهم بلا هادٍ ولا مرشد، لأنه لا يجب عليه شيء، ولا يقبح منه شيء.

وقال الشيعة: بل تجب بعثة الأنبياء من باب اللطف الذي يقرب الناس من الطاعة ويبتعد بهم عن المعصية.

عصمة الأنبياء قال السنة: تجوز الذنوب على الأنبياء الكبائر منها والصغائر قبل البعثة، أما بعد البعثة، فتجوز الصغائر عمداً وسهواً والكبائر سهواً، لا عمداً.

وقال الشيعة: الأنبياء معصومون من الذنوب كبيرها وصغيرها، قبل البعثة وبعد البعثة ولا يصدر عنهم ما يشين لا عمداً ولا سهواً كما أنهم منزهون عن دناءة الآباء، وعهر الأمهات وأن اللّه سبحانه نقلهم من أصلاب طاهرة إلى أرحام مطهرة منذ آدم إلى حين ولادتهم.

الصحابة: قال أكثر السنة: إن أصحاب رسول اللّه جميعهم عدول لا تطلب تزكيتهم (كتاب مسلم: الثبوت وشرحه، وكتاب "أصول الفقه" للخضري).

وقال الشيعة: إن الصحابة كغيرهم، فيهم الطيب، والخبيث، والعادل، والفاسق، واستدلوا بالآية 102 من سورة التوبة "من أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين".

وقالوا: بل أنزل اللّه على نبيه سورة خاصة بالمنافقين افتتحها بقوله: "إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول اللّه، واللّه يعلم إنك لرسوله، واللّه يشهد إن المنافقين لكاذبون".

الاجتهاد: للاجتهاد معنيان: الأول أن يستخرج الفقيه الحكم الشرعي فما يرتئيه هو ويستحسنه، دون أن يعتمد على آية قرآنية، أو سنة نبوية، أو إجماع قائم، أو مبدأ ثبت بحكم العقل والبديهة، وتسالم على صحته جميع العقلاء.. وهذا النوع من الاجتهاد يعبر عنه بالرأي، وهو جائز عند السنة.

أما عند الشيعة فمحرم، ويستدلون على تحريمه بأنه يعتمد على مجرد الظن والترجيحات الشخصية.

المعنى الثاني: ان يجتهد الفقيه في سند الحديث من حيث الصحة والضعف، وفي تفسير النص كتاباً وسنّة، وفي استخراج الحكم من أقوال المجمعين، ومبدأ العقل الثابت بالبديهة كمبدأ قبح العقاب بلا بيان، ومبدأ المشروط عدم عند عدم شرطه، وما إلى ذلك من أحكام العقل التي لاتقبل الشك، ولا يختلف فيها اثنان... وقد أجاز الشيعة هذا الاجتهاد لكل فقيه يجمع الشروط المقررة للمجتهد، ولم يقيدوا اجتهاده بقول إمام من أئمة السلف أو الخلف.

وحرم السنة هذا النوع من الاجتهاد واقفلوا بابه منذ القرن الرابع الهجري، وحجروا على الفقيه أن يصحح أو يضعف حديثاً من أحاديث الآحاد أو يعمل بما يفهمه من النص، أو يستخرج حكماً من مبادئ العقل. إلا إذا وافق رأيه قول إمام من أئمة السلف.

التعصيب: قال السنة: إذا كان للميت بنت وأخ، وليس له ابن ولا أب فتركته مناصفة بين الأخ والبنت، وإذا كان له بنتان فأكثر فلأخيه الثلث، والباقي للبنتين أو البنات... وهذي إحدى مسائل التعصيب الذي عقد الفقهاء له فصلاً خاصاً في باب الميراث.

وقال الشيعة: التعصيب باطل من الأساس بشتى فروعه ومسائله، وإن التركة بكاملها للبنت أو البنات، وليس للأخ شيء لأن الولد ذكراً كان أو أنثى يأتي في الدرجة الأولى نسباً والأخ في الدرجة الثانية، والعم في الدرجة الثالثة.

العول: القاعدة في الإرث أن فرض الزوجة من ميراث زوجها الثُّمن إن كان له ولد ذكراً كان أو أنثى، وللأبوين معاً الثلث وللبنتين الثلثان إذا لم يكن للميت ابن فإذا افترض أن كان للميت زوجة وأبوان وبنتان، ولا ابن له اجتمع على تركته من له الثمن، ومن له الثلث، ومن له الثلثان وبديهة أن التركة لا تتسع للثلث والثلثين والثمن، فإذا أخذ الأبوان الثلث، والبنتان الثلثين، لم يبق للزوجة شيء. وإذا أخذت الزوجة الثمن، دخل النقص على الأبوين أو البنتين، فماذا نصنع. وهذي إحدى مسائل العول الذي أطال الفقهاء الكلام عنه في باب الميراث، ومعنى العول هنا زيادة السهام على التركة. قال السنة: يدخل النقص على كل واحد بقدر سهمه، تماماً كأرباب الديون إذا ضاق مال المديون عن دينهم.

وقال الشيعة: يدخل النقص على البنتين فقط.

المتعة: من معاني المتعة الزواج إلى أجل، وقد اتفق المسلمون قولاً واحداً السنة منهم والشيعة على أن الإسلام شرعها، ورسول اللّه أباحها، واستدلوا بالآية 34 من سورة النساء "فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة".

وجاء في "صحيح البخاري" (7: كتاب النكاح): إن رسول اللّه قال لأصحابه في بعض حروبه: "قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا.. إيما رجل أو امرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليالٍ، فإن أحبّا أن يتزايدا أو يتتاركا تركا".

وفي "صحيح مسلم" (2: باب نكاح المتعة ص 623 - طبعة 1348 هجري) عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري أنه قال: "استمتعنا على عهد رسول اللّه، وأبي بَكر، وعمر" وفي الصفحة نفسها حديث عن جابر، قال فيه: "ثم نهانا عنه عمر".

وبعد أن اتفق المسلمون على شرعيتها وإباحتها في عهد رسول اللّه، اختلفوا في نسخها: وهل صارت حراماً بعد أن أحلها اللّه؟.

ذهب السنة إلى أنها نسخت، وحرمت بعد الإذن بها قال ابن حجر العسقلاني في كتاب "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" (11: 70 طبعة 1959) "وردت عدة أحاديث صحيحة وصريحة بالنهي عن المتعة بعد الإذن بها" وجاء في الجزء السادس من كتاب "المغني" لابن قدامة ص 645، طبعة ثالثة، ما نصه بالحرف: قال الشافعي: "لا أعلم شيئاً أحله اللّه، ثم حرمه، ثم أحله ثم حرمه، إلا المتعة".

وقال الشيعة: أجمع المسلمون على إباحة المتعة، واختلفوا فينسخها. وما ثبت باليقين لا يزول بمجرد الشك والظن. وأيضاً استدلوا على عدم النسخ بأن الإمام الصادق سئل: "هل نسخ آية المتعة شيء قال: لا ولولا ما نهى عنها عمر، ما زنى إلا شقي" وأن كثيراً من الناس يحسبون المتعة ضرباً من الزنا والفجور، جهلاً بحقيقتها، ويعتقدون أن ابن المتعة، عند الشيعة، لا نصيب له من ميراث أبيه، وأن المتمتع بها لا عدة لها وأنها تستطيع أن تنتقل من رجل إلى رجل إن شاءت.. ومن أجل هذا استقبحوا المتعة، واستنكروها وشنعوا على من أباحها.

والواقع أن المتعة عند الشيعة الاثني عشرية كالزواج الدائم، لا تتمُ إلا بالعقد الدال على قصد الزواج صراحة، وأن المتمتع بها يجب أن تكون خالية من جميع الموانع، وأن ولدها كالولد من الدائمة في وجوب التوارث، والإنفاق وسائر الحقوق المادية والأدبية وأن عليها أن تعتد بعد انتهاء الأجل مع الدخول بها، وإذا مات زوجها وهي في عصمته، اعتدت كالدائمة من غير تفاوت إلى غير ذلك من الآثار والأحكام.
وقال الشيعة: تجب الصلاة على النبي وآله في الصلاة ومن لا يصلي عليه وعليهم فيها فلا صلاة له، واستدلوا بالآية 56 من سورة الأحزاب: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا معطوفاً عليها الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه ج 8، كتاب الدعوات، باب الصلاة على النبي وهذا نصه بالحرف: "كيف نصلي عليك - يا رسول اللّه - فقال: قولوا: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد".

وقال السنة: لا تجب الصلاة على آل محمد في الصلاة وبالأولى في غيرها. أما الصلاة على محمد دون آله فهي فرض عند الشافعية والحنابلة، وتبطل الصلاة بتركها، وهي سنة راجحة عند الحنفية والمالكية، وتصح الصلاة بتركها. ج 1 ميزان الشعراني، باب صفة الصلاة. و ج 1 المغني لابن قدامى، مسألة التشهد.

تاريخهم السياسي

إن الارتباط وثيق جداً بين تاريخهم السياسي، وبين ملوك بني بويه، والأمراء الحمدانيين، وملوك إيران من عهد الصفويين إلى اليوم، وذكرنا ما يتصل بذلك في كتاب "الشيعة والتشيع" أما الفاطميون فقد كانوا من الإسماعيلية لا من الاثني عشرية.

ولا بد للمؤرخ لهذه الفرقة أن يدخل في حسابه الإمارات المستقلة - غير أمراء الأقطاع - كإمارة بني عمار الذين حكموا طرابلس الشام من أواسط القرن الخامس الهجري إلى سنة 502 حين أخذها منهم الصليبيون.

وأيضاً عليه أن ينظر إلى من تولى الوزارة من هذه الفرقة لدول غير شيعية، كالعلقمي وزير المستعصم العباسي، وابن الفرات وزير المقتدر.

وأيضاً ينبغي أن يقف طويلاً عند الحوادث والحركات الثورية التي قام بها الشيعة الاثنا عشرية، للانتفاض على السلطة الحاكمة طلباً للحرية والعدالة، كثورة العراقيين ضد الإنكليز سنة 1920 م وموقف علمائهم من حكام الجور.

تاريخهم الثقافي

أما آثارهم الثقافية فيستطيع الباحث أن يعرفها بالحس واليقين، لا بالحدس والتخمين، فهذه المكتبة الإسلامية العربية منها، وغير العربية تغص في مؤلفاتهم من كل فن، وقد ذكرنا طرفاً منها في كلمتنا عن آل البيت، أما منهجهم في البحث والتأليف فهو الاجتهاد ومنطق العقل، قال الدكتور توفيق الطويل المصري في كتاب "أسس الفلسفة" ص 390 طبعة 1955: ورأي كارادي فو "أن التشيع رد فعل لفكر حر طليق كان يقاوم جموداً عقلياً بدا في مذهب أهل السنة" وفي ص 391: "كان للشيعة فضل ملحوظ في إغناء المضمون الروحي للإسلام، فبمثل حركاتهم الجامعة تأمن الأديان التحجر في قوالب جامدة".

وقال الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الأزهر في كتاب تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية ص 202 طبعة 1959: "إن النزوع إلى تدوين الفقه كان أسرع إلى الشيعة من سائر المسلمين" وقدمنا أن الذهن يتجه عند سماع لفظة الشيعة إلى الاثني عشرية.

وقال الأديب أحمد أمين المصري في كتاب "يوم الإسلام" ص 89 طبعة 1958: "وكان الطوسي - أي الخواجا نصير - أسبق من أينشتين في فهم الزمنية".

وفي مجلة المجلة المصرية عدد تشرين الثاني سنة 1964 مقال بعنوان "نظرة جديدة في الفلسفة الإسلامية" جاء فيه "صدر في هذه السنة الجزء الأول من تاريخ الفلسفة الإسلامية تأليف "هنري كوربان" الأستاذ بالمدرسة العلمية للدراسات العليا في كلية الآداب بالسوربون، وقد أعطى المؤلف الشيعة نصيب الأسد في تطور الفلسفة الإسلامية، والكثير من آرائها واتجاهاتها.. وكذلك أعطى أهمية كبرى لميرداماد، وملا محسن الفيض، وعبد الرزاق هيجي، وقاضي سعيد القمي، وصدر الدين الشيرازي، وسيد حيدر آملي، والجلال الرواني، وابن كمونه، ومحمود شبسري".

بلدانهم وعددهم

إن إحصاء البلدان والنفوس من الموضوعات العلمية التي تعتمد على الاستقراء والمشاهدات، ولا نعرف أحداً أحصى بلدان هذه الفرقة وعددهم على هذا الأساس لنعتمد عليه، وننقل عنه ولكن الذي لا شك فيه أنهم من الفرق الكبرى في الإسلام، ويأتون بعد السنة من حيث العدد بلا فصل، وأن العراق وإيران والبحرين والأحساء والقطيف أكثرهم منهم.

وهم في لبنان من الطوائف الأولى، ويشعرون فيه بحريتهم وكرامتهم، لأن لبنان من حيث هو بلد الحرية والكرامة، ولهم في هذا البلد تاريخ مجيد، ويعيش العدد الكبير من الاثني عشرية في أكثر البلاد الإسلامية كسورية والحجاز، واليمن، وقطر، ومسقط، وعمان، والكويت ومنهم نواب في المجلس بتركيا، ومنهم الآن نائبان ويذهب إليهم بين الحين والحين بعض علماء النجف وإيران للهداية والإرشاد.

ولا يخلو مكان منهم في أفغانستان، وبعثات الأفغانيين الدينية إلى النجف الأشرف مستمرة منذ القديم. وقال لي أديب أندنوسي اثنا عشري، وعالم من علماء النجف أقام أمداً غير قصير في أندنوسيا، قالا: إن عدد الاثني عشرية هناك يبلغ نحواً من خمسة ملايين.

ويوجد منهم عدد غير قليل في البانيا، أما الصين فقال الشيخ المظفر في تاريخ الشيعة: إن فيها 11 مليوناً، وفي روسيا 10 ملايين، وقال صاحب أعيان الشيعة: إنهم في الهند 30 مليونا. وفي الجزء الأول من دائرة المعارف الإسلامية الشيعية التي يصدرها الأستاذ الكبير السيد حسن الأمين باللغة الإنكليزية - إن عدد الشيعة اليوم يبلغ حوالي مائة وخمسين مليوناً يقيمون في شرق الأرض وغربها.

وقال الشيخ محمد أبو زهرة المصري في آخر كتاب الإمام جعفر الصادق: لقد نما المذهب الجعفري، وانتشر لأسباب:
1- إن باب الإجتهاد مفتوح عند أهله1.
2- إن المذهب الجعفري قد انتشر في أقاليم مختلفة الألوان من الصين إلى بحر الظلمات، حيث أوروبا و ما حولها، وتفريق الأقاليم التي تتباين عاداتهم وتفكيرهم وبيئاتهم الطبيعية والاقتصادية والاجتّماعية والنفسية. إن هذا يجعل المذهب كالنهر الجاري في الأرضين المختلفة الألوان يحمل في سيره ألوانها وأشكالها من غير أن تتغير في الجملة عذوبته.
3- كثرة علماء المذهب الذين يتصدون للبحث والدراسة وعلاج المشاكل المختلفة، وقد آتى اللّه ذلك المذهب من هؤلاء العلماء عدداً وفيراً عكفوا على دراسته، وعلاج المشاكل على مقتضاه.


1 - تكلمنا مفصلاً عن الاجتهاد في المجلد السابع من دائرة المعارف، وآخر الجزء السادس من فقه الإمام الصادق.
 

2016-03-08