يتم التحميل...

الْأَمَانَاتِ

المسلك القرآني

قيل في المعنى بهذه الآية أقوال ( أحدها ) أنها في كل من اوتمن أمانة من الأمانات وأمانات الله أوامره ونواهيه وأمانات عباده فيما يأتمن بعضهم بعضا من المال وغيره عن ابن عباس وأبي بن كعب وابن مسعود والحسن

عدد الزوار: 27

قال تعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرً[النساء : 58]

أمر سبحانه بأداء الأمانة فقال ﴿ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها  قيل في المعنى بهذه الآية أقوال ( أحدها ) أنها في كل من اوتمن أمانة من الأمانات وأمانات الله أوامره ونواهيه وأمانات عباده فيما يأتمن بعضهم بعضا من المال وغيره عن ابن عباس وأبي بن كعب وابن مسعود والحسن وقتادة وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) ( وثانيها ) إن المراد به ولاة الأمر أمرهم الله أن يقوموا برعاية الرعية وحملهم على موجب الدين والشريعة عن زيد بن أسلم ومكحول وشهر بن حوشب وهو اختيار الجبائي ورواه أصحابنا عن أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق قالا أمر الله تعالى كل واحد من الأئمة أن يسلم الأمر إلى من بعده، ويعضده أنه سبحانه أمر الرعية بعد هذا بطاعة ولاة الأمر وروي عنهم أنهم قالوا آيتان إحداهما لنا والأخرى لكم قال الله ﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها  الآية ثم قال ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ  [النساء: 59] الآية وهذا القول داخل في القول الأول لأنه من جملة ما ائتمن الله عليه الأئمة الصادقين ولذلك قال أبو جعفر (عليه السلام) إن أداء الصلاة والزكاة والصوم والحج من الأمانة ويكون من جملتها الأمر لولاة الأمر بقسم الصدقات والغنائم وغير ذلك مما يتعلق به حق الرعية وقد عظم الله سبحانه أمر الأمانة بقوله ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ [غافر: 19] وقوله ﴿ لا تخونوا الله والرسول  وقوله ﴿ و من أهل الكتاب من أن تأمنه بقنطار يؤده إليك  الآية ﴿لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ [الأنفال: 27] إنه خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) برد مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة حين قبض منه المفتاح يوم فتح مكة وأراد أن يدفعه إلى العباس لتكون له الحجابة والسقاية عن ابن جريج والمعول على ما تقدم وإن صح القول الأخير والرواية فيه فقد دل الدليل على أن الأمر إذا ورد على سبب لا يجب قصره عليه بل يكون على عمومه ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء: 58] أمر الله الولاة والحكام أن يحكموا بالعدل والنصفة ونظيره قوله ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ  [ص: 26] وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لعلي: "سو بين الخصمين في لحظك ولفظك" وورد في الآثار أن الصبيين ارتفعا إلى الحسن بن علي في خط كتباه وحكماه في ذلك ليحكم أي الخطين أجود فبصر به علي فقال يا بني أنظر كيف تحكم فإن هذا حكم والله سائلك عنه يوم القيامة ﴿إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ [النساء: 58] أي نعم الشيء ما يعظكم به من الأمر برد الأمانة والنهي عن الخيانة والحكم بالعدل ومعنى الوعظ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقيل هو الأمر بالخير والنهي عن الشر ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا  [النساء: 58] بجميع المسموعات و « بصيرا » بجميع المبصرات وقيل معناه عالم بأقوالكم وأفعالكم وأدخل (كان) تنبيها على أن هذه الصفة واجبة له فيما لم يزل.


* أمين الاسلام الفضل بن الحسن الطبرسي، الكتاب والمصدر: تفسير مجمع البيان، الجزء والصفحة: ج3 ، ص112-113

2016-01-26