يتم التحميل...

الارث حق طبيعي

إضاءات قرآنية

قد يتصور كثيرون أنّ من الأفضل أن تعود أموال الشخص بعد وفاته إِلى الملكية العامّة، وأن تضاف إِلى بيت مال المسلمين، ولكن الإِمعان في هذا العمل يكشف لنا عن كونه خلاف العدل، لأن مسألة الإِرث

عدد الزوار: 16

قد يتصور كثيرون أنّ من الأفضل أن تعود أموال الشخص بعد وفاته إِلى الملكية العامّة، وأن تضاف إِلى بيت مال المسلمين، ولكن الإِمعان في هذا العمل يكشف لنا عن كونه خلاف العدل، لأن مسألة الإِرث والتوارث مسألة طبيعية منطقية جداً، فكما أن الأباء والأمهات ينقلون قسماً من صفاتهم الجسمية والروحية إِلى أبنائهم حسب قانون الوراثة الطبيعي فلماذا يستثنى من ذلك أموالهم فلا تنتقل إِلى أبنائهم؟

هذا مضافاً إِلى أنّ الأموال المشروعة هي نتاج جهود الإِنسان المضنية، ومساعيه وأتعابه فهي في الحقيقة طاقاته المتجسدة في صورة المال وهيئة الثروة، ولهذا لابدّ من الإِعتراف بأن كل شخص هو المالك الطبيعي لحاصل

جهوده وثمرة أتعابه، وهذا هو حكم فطري.

وعلى هذا، فعندما يمتنع أن يتصرف الشخص في أمواله بعد وفاته ويحال بينه وبين ثروته بسبب الموت، تصبح هذه الأموال من حق أقرب الناس إِليه، والذين يعتبرون في الحقيقة بشخصيتهم ووجودهم امتداداً لشخصيته ووجوده.

على هذا الأساس نجد الكثيرين لا يتركون الكد والعمل، والكسب والتجارة حتى آخر لحظة من حياتهم رغم ما يملكون من ثراء طائل، وذلك لبغية أن يوفروا لأبنائهم مستقبلا زاهراً ويقيموا لهم حياة سعيدة بعدهم، وهذا يعني أن الإِرث وقانون التوريث قادر على إعطاء العجلة الإِقتصادية دفعة قوية ويزيد من حركتها ودورانها ونشاطها، وأمّا إِذا عرف الشخص أنّ أمواله بعد موته، وامتناع تصرفه في تلك الأموال بسبب الوفاة تعود إِلى الملكية العامة، فإِنّه قد يفقد قسطاً كبيراً من نشاطه الإِقتصادي، ويصاب بالفتور والكسل.

ويشهد بهذا الأمر ما وقع في فرنسا قبل حين، عندما أقدم مجلس النواب الفرنسي كما قيل على إِلغاء قانون الإِرث قبل مدّة وأقرّ بدل ذلك إِلحاق أموال الأشخاص بعد موتهم إِلى خزانة الدولة، وصيرورتها أموالا عامّة، فتؤخذ من قبل الدولة وتصرف في المصارف العامّة بحيث لا يحصل ورثة الميت على أي شيء من التركة، فكان لهذا القانون أثر سيء وظاهر على الحركة الإِقتصادية، فقد لوحظ اختلال كبير في أوضاع التصدير والإِستيراد، كما خف النشاط الإِقتصادي هناك بشكل ملحوظ، فأقلق ذلك بال الحكومة، وكان السبب الوحيد وراء هذه الحالة هو «إِلغاء قانون الإِرث» ممّا دفع بالدولة إِلى إِعادة النظر في هذا القرار.

وعلى هذا لا يمكن إِنكار أن قانون الإِرث ومبدأ التوريث مضافاً إِلى كونه قانوناً طبيعياً فطرياً، له أثر قوي وعميق في تنشيط الحركة الأقتصادية.


* المؤلف: ناصر مكارم الشيرازي، الكتاب أو المصدر: تفسير الامثل، الجزء والصفحة: ج3، ص46-47.

2015-12-20