معاهدة الصلح وأهداف الإمام الحسن عليه السلام
ولادة الإمام المجتبى(ع)
عندما ارتأى الإمام الحسن أنّ الحرب تتعارض مع المصالح العليا للمجتمع الإسلامي والحفاظ على كيان الإسلام ودخل في السلم اضطراراً للظروف العصيبة التي أُشير إليها تفصيلاً مسبقاً، بذل قصارى جهده لضمان تحقيق أهدافه العليا والمقدّسة بأقصى ما يمكن من خلال هذا الصلح بطريقة سلمية.
عدد الزوار: 364
عندما ارتأى الإمام الحسن أنّ الحرب تتعارض مع المصالح العليا للمجتمع الإسلامي
والحفاظ على كيان الإسلام ودخل في السلم اضطراراً للظروف العصيبة التي أُشير إليها
تفصيلاً مسبقاً، بذل قصارى جهده لضمان تحقيق أهدافه العليا والمقدّسة بأقصى ما يمكن
من خلال هذا الصلح بطريقة سلمية.
ومن ناحية أُخرى ولأنّ معاوية كان مستعدّاً لأن يُقدّم أي نوع من الامتيازات
والتنازلات للدخول في السلم وتسلم السلطة، لدرجة أنّه أرسل صحيفة بيضاء مختومة إلى
الإمام كتب فيها: أن اشترط في هذه الصحيفة ما شئت فهي لك1، استغل الإمام
هذه الفرصة فكتب في معاهدة الصلح جميع القضايا الهامة والحسّاسة ذات الأولوية التي
تمثّل مبادئه الكبيرة، وطلب من معاوية الالتزام بما جاء فيها.
ويمكننا حصر نص المعاهدة في خمسة بنود:
البند الأوّل: تسليم الأمر ـ الخلافة ـ إلى
معاوية على أن يعمل بكتاب الله وسنّة رسوله.
البند الثاني: أن تكون للحسن الخلافة من بعده،
فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين، وليس لمعاوية أن يعهد بها إلى أحد.
البند الثالث: أن يترك سبّ أمير المؤمنين
والقنوت عليه في الصلاة، وأن لا يذكر علياً إلاّ بخير.
البند الرابع: استثناء ما في بيت مال الكوفة
وهو خمسة ملايين درهم وتكون بحوزة الإمام الحسن، وأن يفضّل بني هاشم في العطاء
والصلات على بني أُمية، وأن يفرّق في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين يوم الجمل
وصفين مليون درهم، وأن يجعل ذلك من خراج دار أبجرد2.
البند الخامس: الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم
وحجازهم ويمنهم، وأن يؤمن الأسود والأحمر، وأن يحتمل معاوية ما صدر من هفواتهم، وأن
لا يتبع أحداً بما مضى، وأن لا يأخذ أهل العراق بأحنة وحقد، وعلى أمان أصحاب علي
حيث كانوا، وأن لا ينال أحداً من شيعة علي بمكروه، وأنّ أصحاب علي وشيعته آمنون على
أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وأن لا يتعقّب عليهم شيئاً ولا يتعرّض لأحد منهم
بسوء، ويوصل إلى كلّ ذي حقّ حقّه، وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين
ولا لأحد من أهل بيت الرسول غائلة سراً ولا جهراً، ولا يخيف أحداً منهم في أُفق من
الآفاق.
فكتب معاوية جميع ذلك بخطّه وختمه بخاتمه، وبذل عليه العهود المؤكّدة والأيمان
المغلّظة، وأشهد على ذلك جميع رؤساء أهل الشام3.
وهكذا تتحقّق نبوءة نبي الإسلام التي أطلقها عندما شاهد الحسن بن علي وهو لم يزل
طفلاً من على منبره وقال: "هذا ابني سيد، ولعلّ الله يصلح به بين فئتين عظيمتين
من المسلمين"4.
الاجتماع في الكوفة:
دخل الجانبان الكوفة بقواتهما بعد
إبرام معاهدة الصلح، واجتمعوا في مسجدها الكبير. والناس كانوا ينتظرون أن يتم
التأكيد على بنود المعاهدة من خلال خطب قائدي الفريقين بمرأى ومسمع منهم حتى لا
يبقى مجال للشك والترديد في تطبيقها. ولم يكن هذا التوقّع في غير محلّه فإنّ إيراد
الخطبة كان جزءاً من الصلح، ولذلك ارتقى معاوية المنبر وخطب خطبة غير أنّه ليس فقط
لم يؤكد على بنود المعاهدة، بل قال مستخفّاً ومستهتزئاً: أتروني قاتلتكم على الصلاة
والزكاة والحج وقد علمت أنّكم تصلّون وتزكّون وتحجّون! ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر
عليكم وألي رقابكم. ثمّ قال: ألا وإنّ كلّ شرط وشيء أعطيت الحسن بن علي تحت قدمي
هاتين5. وهكذا داس معاوية كلّ ما تعهد به وشرطه ونقض معاهدة الصلح
علانية.
جرائم معاوية:
وتبعاً لهذه السياسة لم يكتف معاوية
بعدم إجراء تعديل على طريقته هذه في التعامل فقط، بل ازداد طغياناً وإجراماً أكثر
من السابق، فقد أشاع بدعة سب أمير المؤمنين وهتك حرمة ساحته المقدّسة أكثر ممّا مضى،
وضيّق الخناق على الشيعة وأصحاب علي الكبار الأوفياء لدرجة كبيرة، وقتل شخصية بارزة
كحجر بن عدي وجماعة آخرين من الشخصيات الإسلامية الكبيرة، وتصاعد القتل والتنكيل
والاضطهاد لشيعة علي حتى أصبح الشيعة بشكل عام إمّا سجناء أو مفقودين أو مشرّدين
بعيداً يعيشون في أجواء يسودها الرعب والخوف.
أسباب الصلح في الروايات
إنّ الروايات التي تعرّضت لصلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية قد نستفيد من أكثرها أنّ هذه الخطوة الدقيقة والخطيرة التي قام بها الإمام عليه السلام لم تكن واضحة لدى أذهان أكثر الناس ما شكلّ ضبابيّة في فهم موقفه عليه السلام. وهذه الروايات يمكن تقسيمها إلى قسمين:
الأوّل: روايات تؤكّد على أنّ
الصلح له مصلحة عظيمة ومهمّة من دون ذكر الأسباب أو الدّواعي لهذا الصُّلح.
منها: الرِّواية عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "يا سدير اذكر لنا أمرك الذي
أنت عليه فإنّ كان فيه إغراق كففناك عنه، وإن كان مقصّراً أرشدناك".
إلى أن قال عليه السلام: "أمسك حتّى أكفيك، إنّ العلم، الذي وضع رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم عند عليّ عليه السلام، من عرفه كان مؤمناً ومن جحده كان كافراً
ثمّ كان من بعده الحسن عليه السلام قلت: كيف يكون بتلك المنزلة، وقد كان منه ما كان
دفعها إلى معاوية؟ فقال: اسكت فإنّه أعلم بما صنع، لولا ما صنع لكان أمر عظيم"6.
الثاني: روايات تؤكّد على أهمّية الصلح وتذكر الأسباب الداعية إليه.
منها: الرواية المرويّة عن نفس الإمام المجتبى عليه السلام عن أبي سعيد قال: قلت
للحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام: يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
لمَ داهنت معاوية وصالحته، وقد علمت أنّ الحقّ لك دونه وأن معاوية ضالّ باغٍ؟
فقال عليه السلام: "سخطتم عليّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه ولولا ما أتيت لما تُرك
من شيعتنا على وجه الأرض أحدٌ إلا قُتل"7.
* كتاب في رحاب سيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام، نشر جمعية
المعارف الإسلامية الثقافية.
1- ابن الأثير، الكامل في
التاريخ، ج 3، ص 405, ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب ـ في هامش ابن حجر،
الإصابة، ج 1، ص 371 , تاريخ الطبري، ج 6، ص 93.
2- دار ابجرد هي إحدى المدن الخمس في ولاية فارس قديماً (لغتنامه دهخدا، كلمة دار
أبجرد). ولعلّ اختيار خراج دار ابجرد كان بسبب ـ ووفقاً للوثائق التاريخية ـ انّ
أهلها استسلموا طوعاً بلا قتال للجيش الإسلامي وصالحوه ويختص خراجها كما أمر
الإسلام بالرسول وأهل بيته واليتامى والمساكين وابن السبيل، لذلك شرط الإمام أن
يدفع إلى عوائل شهداء الجمل وصفين من خراج هذه المدينة، لأنّ دخلها يختص بالإمام،
مضافاً إلى ذلك انّ الفقراء من عوائل الشهداء كانوا المستحقين لهذا الخراج، العلامة
المجلسي، بحار الأنوار، ج 44، ص 10.
3- يراجع تفصيل معاهدة الصلح في: الشيخ راضي آل ياسين، صلح الحسن عليه السلام، ص
259 - 261.
4- وقد روى هذا الخبر باختلاف يسير عن النبي في الكتب التالية: سبط ابن الجوزي،
تذكرة الخواص، ص 194, ابن الأثير، أُسد الغابة، ج 2، ص 12, الشبلنجي الشافعي، نور
الأبصار، ص 121, ابن الصباغ، الفصول المهمة، ص 158, ابن حجر، الإصابة، ج 1، ص 330,
ابن حجر، تهذيب التهذيب، ج 2، ص 298, ابن حجر العسقلاني، الصواعق المحرقة، ص 82,
ابن كثير، البداية والنهاية: ج 8، ص 36
5- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 16، ص 15, أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل
الطالبيين، ص 45, الشيخ المفيد، الإرشاد، ص 191. قال أبو الفرج: خطب هذه الخطبة قبل
دخول الكوفة.
6- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 44، ص 1.
7- م. ن.