يتم التحميل...

أنواع الذكر

هكذا تكون سعيداً

فالعقل حينما يذكر الله تعالى باستحضار أسمائه وصفاته، يحلُّ بهذا الذكر كثيراً من الأسئلة المقلقة المرتبطة بالعقيدة والفكر، فيسكن العقل ويطمئن لأجوبة الذكر، ليكتب سكينته وطمأنينته على لوح القلب، فينتقل الإنسان إلى ذكر آخر هو:

عدد الزوار: 59

1- الذكر بالعقل
فالعقل حينما يذكر الله تعالى باستحضار أسمائه وصفاته، يحلُّ بهذا الذكر كثيراً من الأسئلة المقلقة المرتبطة بالعقيدة والفكر، فيسكن العقل ويطمئن لأجوبة الذكر، ليكتب سكينته وطمأنينته على لوح القلب، فينتقل الإنسان إلى ذكر آخر هو:

2- الذكر بالقلب

فالقلبُ بذكره الله تعالى أسماءً وصفات ينجذب إلى الكمال المطلق محلِّقاً في حبل وصاله الأسرع وهو صراطه المستقيم الذي تذوب فيه ألِفُ العذاب، فيدوم وصف العذب في كلِّ مذاقه.

3- الذكر باللسان

حينما يعشق القلبُ الله تعالى ينجذب اللسان باللهج بكلماته وأسمائه وصفاته وكما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "من أحبَّ شيئاً لهج بذكره"1
لذا ترى الذاكر لله تعالى يقرأ القرآن الكريم مستأنساً به ملبِّياً دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "عليك بتلاوة القرآن وذكر الله كثير، فإنه ذكرٌ لك في السماء ونور لك في الأرض"2.

ويتفنَّن بالدعاء إلى الله تعالى بفنون الدعوات، متغنِّياً بصفات الله تعالى مؤكِّداً علاقته به من خلال تعزيز معرفته به كما ورد في دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام: "لحمد الله الأول بلا أول كان قبله، والآخر بلا آخر يكون بعده، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين. ابتدع بقدرته الخلق ابتداعاً، واخترعهم على مشيته اختراعا، ثم سلك بهم طريق إرادته، وبعثهم في سبيل محبته لا يملكون تأخيراً عما قدَّمهم إليه، ولا يستطيعون تقدماً إلى ما أخَّرهم عنه".

ويحبُّ أن يطيل ذكر الله تعالى على لسانه تأسياً بكليم الله موسى الذي سأله ربه: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى3.

فالملاحظ أنّ سؤال الله تعالى يقتصر على تسمية ما في يده، ويكفي في الجواب أن يقول عص، لكن لماذا عقّب موسى عليه السلام بأنه يتوكأ عليها وأنه يهش بها على غنمه وأنه له فيها مآرب أخرى؟ قالوا: لأن موسى عرف أنَّه يتحدّث مع الحبيب فأحبَّ أن يطيل الحديث معه.

4- الذكر بالعين

وحينما يعشق القلب تنجذب العين إلى المعشوق.

فالعين تسعد برؤية المعشوق إن كان يرى، بل تسعد بكلِّ ما يتعلّق به، فتراها دامعةً إن شاهدت صورته، وفرحةً إن قرأت رسالته، ومنجذبةً إلى آثاره، كحال قيس حينما مرَّ على منزل عشيقته ليلى فأنشد قائلاً:
أمرُّ على الديار ديار ليلى     أقبِّل ذا الجدار وذا الجدار
وما حبُّ الديار شغفن قلبي    ولكن حبّ من سكن الديار

من هنا فإن عشق قلب ذاكر الله تعالى يجري في عشق عينيه حينما يرى الله تعالى وهو الذي لا يُرى بالبصر- ببصيرة قلبه في كل شيء تبصره عينه أو قبله أو معه، كما عبَّر أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً- في ما ورد عنه-: "لم أعبد رباً لم أره، ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه أو قبله أو معه"4.

لذا يغمر العين السعادة:
أ- حينما تنظر إلى كتاب الله تعالى تلك النظرة التي يُحبّها الله تعالى حتى اعتبرها عبادة في الحديث النبوي: "النظر إلى القرآن...عبادة"5.
رحم الله الإمام الخميني قدس سره حينما طلب منه الطبيب بعد عملية جراحية في أواخر عمره الشريف أن لا يقرأ حتى القرآن الكريم، وذلك لمعرفة الطبيب بمواظبة الإمام قدس سره على قراءة الكتاب العزيز، فإذا بالإمام الخميني قدس سره يجيبه: "أنا لم أقبل الخضوع لهذه العملية إلا لأقرأ القرآن".

ب- وحينما تدمع من خشية الله تعالى الدمعة التي ورد فيها سؤال الكليم عليه السلام وجواب الله تعالى له حينما سأل النبي موسى عليه السلام ربَّه: "يا إلهي، ما جزاء من دمعت عيناه من خشيتك؟ قال تعالى: أقِ وجهه من حرِّ النار، وأؤمِّنه من الفزع الأكبر"6

ج- وحينما تسهر في سبيل الله تعالى السهر الذي ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "حرّمت النار على عين سهرت في سبيل الله"7.
إنّ الذاكر لله تعالى العاشق له يبتعد بعينه عمّا يبغض الله تعالى، حتى لا تكون من العيون المحرّمة عن النار، والتي ورد فيها في الحديث النبوي الشريف: "حرّمت النار على عين غضّت عن محارم الله"8.

لذا فإنه يلتفت إليها حتى لا تشغله عن ذكر الله تعالى بالنظر إلى المحرّمات كالنظر إلى النساء الأجنبيات بشهوة، وإلى محطات الفساد الفضائية، ومواقع الانترنت المفسدة، فتكون بذلك شاغلة عن ذكر الله تعالى، وهذا ما حذّر منه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: "ليس من الجوارح أقل شكراً من العين، فلا تعطوها سؤلها فتشغلكم عن ذكر الله"9.

5- الذكر بالأذن
يُحكى أنّ الشاعر أبا نُؤاس سمع صبيين يتحاوران فقال أحدهما للآخر: أتدري ما قصد أبو نؤاس بقوله
ألا فاسقني خمراً وقل لي: هي الخمرُ   ولا تسقني سرّاً إذا أمكنَ الجهرُ

فقال صاحبه: إنّ الخمر حينما يراها الإنسان تلتذ بها عينه، وحينما يلمس كأسها تلتذ بها يده، وحينما يشمّها يلتذ بها أنفه، وحينما يشربها يلتذ بها لسانه، فبقيت أذنه فقال: وقل لي هي الخمرُ.

والخمر في مصطلح العرفاء هي منبع التذوّق الذي هو الإدراك الحضوري للذات من خلال المكاشفة.

وعليه فحينما يعشق القلب الله تعالى تستأنس الأذن بسماع كلماته وأسمائه وصفاته، فيكون سماع الأذن ذكراً ينص أمير المؤمنين عليه السلام بالحديث الوارد عنه: "سامع ذكر الله ذاكرٌ".

6- الذكر بالصلاة
إنّ كل العبادات هي ذكر لله تعالى، لكن الكتاب العزيز خصّص الصلاة بقوله عزّ وجل: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي10. وخصوصية الصلاة للذاكر لله تعالى ترتبط بما للصلاة من ميزة بتطهير القلب وتنقيته من كل الشوائب. وهذا ما يظهر في الرواية التالية:
ورد أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أقبل على الناس فقال عليه السلام: أيُّ آية في كتاب الله أرجى عندكم؟
فقال بعضهم: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء11.
قال: حسنة وليست إياها،
فقال بعضهم: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ12.
قال عليه السلام: حسنة وليست إياها،
وقال بعضهم: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ13.

قال عليه السلام: حسنة وليست إياها. ثم أحجم الناس، فقال عليه السلام: ما لكم يا معشر المسلمين؟ قالوا: لا والله ما عندنا شيء، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أرجى آية في كتاب الله ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ14 وقرأ الآية كلها، وقال: يا علي، والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيرا إن أحدكم ليقوم إلى وضوئه فتساقط عن جوارحه الذنوب، فإذا استقبل (الله) بوجهه وقلبه لم ينفتل عن صلاته وعليه من ذنوبه شيء كما ولدته أمه، فإن أصاب شيئاً بين الصلاتين كان له مثل ذلك، حتى عدَّ الصلوات الخمس، ثم قال: يا علي، إنما منزلة الصلوات الخمس لأمتي كنهر جار على باب أحدكم، فما ظن أحدكم لو كان في جسده درن ثم اغتسل في ذلك النهر خمس مرات في اليوم، أكان يبقى في جسده درن؟ فكذلك والله الصلوات الخمس لأمتي15.

إذاً الفرق بين التوبة والصلاة أن التوبة تستر الذنوب، والصلاة تمحوها.
وبلحاظ أهمية الصلاة أكَّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على دور الاهتمام بالصلاة برفع الهمّ والحزن عن الإنسان فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من عبد اهتَّم بمواقيت الصلاة ومواضع الشمس، إلا ضمنت له الروح عند الموت، وانقطاع الهموم والأحزان، والنجاة من النار"16.

والتأكيد على الاهتمام بمواقيت الصلاة؛ لأن الذاكر لله تعالى يقدِّم الله على كل شي، فإذا جاء وقت الصلاة، فإنَّه لا يشغله عنها أيُّ شيء. فالله تعالى عنده دائماً هو الأوَّل على كل شيء.
من هنا ورد عن الإمام الصادق عليه السلام وهو يبيِّن التوازن في شخصية المؤمن في علاقته الخاصة بالله تعالى وعمله في المجتمع: "خصلتان من كانتا فيه وإلا فاعزب، ثم أعزب، ثم أعزب! قيل: وما هما؟ قال?: الصلاة في مواقيتها، والمحافظة عليها والمواساة"17.

ولذا كان أداء الصلاة في أول وقتها بنداً أساسياً في برنامج السالك إلى الله تعالى المريد وصولاً إلى الحقيقة وهو برنامج من ثلاثة عناوين:
1- فعل الواجبات وترك المحرّمات.
2- الإخلاص في العمل.
3- الصلاة في أول الوقت.

* كتاب هكذا تكون سعيداً، سماحة الشيخ أكرم بركات.


1- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج1، ص 498.
2- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج92، ص 198.
3- سورة طه، الآيتان 17،18.
4- الريشهري، محمد، موسوعة العقائد الإسلامية، ط1، قم، دار الحديث، 1425ه، ج3، ص 76.
5- الشاهرودي، علي النمازي، مستدرك سفينة البحار، تحقيق حسن بن علي النمازي، (ل،ط)، قم، مؤسسة الناشر الإسلامي، 1419ه، ح10، ص 86.
6- الطبرسي، مكارم الأخلاق، ط6، قم، منشورات الشريف الرضي، 1972م، ص 316.
7- ابن طاووس، الأمان من أخطار الأسفار، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط1، قم، 1409ه، ص 135.
8- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج22، ص 117.
9- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج3، ص 430.
10- سورة طه، الآية 14.
11- سورة النساء، الآية 48.
12- سورة الزمر، الآية 53.
13- سورة آل عمران، الآية 135.
14- سورة هود، الآية 114.
15- الريشهري، محمد، الصلاة في الكتاب والسنة، تحقيق دار الحديث، ط1، دار الحديث، (ل،ت)، ص 144.
16- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج80، ص 9.
17- المصدر السابق، ص 391.

2014-04-16