يتم التحميل...

مقام العبوديّة وأثره

السيد مصطفى الخميني

فعليك يا أخي وعزيزي أن تكون من المعتبرين والمتوجّهين إلى أنّه لا جزاف، فإذا تمكّنت من أن تحصّل العبوديّة المطلقة للذّات الأحديّة الإلهيّة والواحديّة الجمعيّة، يتنزّل عليك القرآن وأعظم منه، وإذا تمكّنت من نيل مقام العبوديّة المقاربة

عدد الزوار: 17

وبالجملة: من الخلق من ينال الرّتبة العليا، مرتبة ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى1 في الحركة الجوهريّة الذّاتيّة، ومن النّاس متوسّطون بين تلك وتلك، فعليك يا أخي وعزيزي أن تكون من المعتبرين والمتوجّهين إلى أنّه لا جزاف، فإذا تمكّنت من أن تحصّل العبوديّة المطلقة للذّات الأحديّة الإلهيّة والواحديّة الجمعيّة، يتنزّل عليك القرآن وأعظم منه، وإذا تمكّنت من نيل مقام العبوديّة المقاربة لتلك العبوديّة الذّاتيّة، يحصل لك من الحقائق ما ينطق به لسانك، ويتنزّل إلى سمعك أمثال "نهج البلاغة" و"الصّحيفة السّجّاديّة"... وهكذا، فكلّ الأمور المتأخّرة معلولة الأمور المتقدّمة، وجميع الشّرائط المتقدّمة معلولة المجاهدات النّفسانيّة والرّياضات البدنيّة، ومسبّبةُ عن تحمّل المشقّات الدّنيويّة والتّضحية والفداء في طريق الحقّ ولنيل العشق المطلق. وأمّا الاشتغال بالتّفريح والتفرّج، والانغماس في حياض اللّذّات الحيوانيّة، والانغمار في الشّهوات النّفسانيّة، والتّوغّل في المشتهيات الشّيطانيّة، فلا يستتبع إلا طبقات الآلام الأخرويّة والعقبات الجحيميّة، وقد مرّ في هذا الكتاب مراراً الإشارة إلى تلك المواعظ، وإلى هذه الأمور اللّازمة جدّاً، إلّا أنّ راقم هذه الأسطر وقارئها في نومة الغافلين، وفي غفلة المشتغلين بالدّنيا عن الآخرة والدّين، وفي الذّهول عن الحقائق والمسيرة الاستقباليّة في البرازخ والقيامة، فأعاذنا الله تعالى منها، وأذن الله أن يشفع لنا الشّافعون. اللّهمّ آمين يا ربّ العالمين1.

فإذا كنت تقرأ هاتين الآيتين2، أفلا تخاف من أن تكون تلك الحجارة الواقعة في قعر الجحيم عند الموت، ولا تخشى من أن تكون وقود النّار المشتعل على غيرك من الأناسيّ والعباد، فيحترق غيرك بك، فتكون عليك لعائن الله والنّاس المتأذّين بنارك وإيقادك. إلهي أنت أعلم بي منّي، وأنت تعلم أنّي قد أفنيت عمري في شرّة السّهو عنك، وأبليت شبابي في سكرة التّباعد منك، وقد دعوتك ليلاً ونهاراً خفاتاً وجهاراً، ولا أظنّك تردّني في حاجةٍ أفنيتُ عمري في طلبها منك، ما هكذا الظنّ بك، ولا المعروف من فضلك، ولا مشبهٌ لما عاملت به الموحّدين من برّك، فيا إلهي ويا سيّدي، إنّي وإن كنت ذاهلاً وغافلاً عنك، ولكن سترك عليّ يوثبني على محارمك، ويجرّئني على اقتراف معاصيك وذنوبك، فلا تخيّبني يا رحمن الدّنيا والآخرة، وخذ بيدي ونجّني وأهلي وشيعة الأمير عليه السلام من القوم الظّالمين، ومن أحزاب الشّياطين، وقنا من النّار الّتي وقودها النّاس والحجارة أعدّت للكافرين3.

* من كتاب بصر الهدى، سلسلة وصايا العلماء، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة النجم، الآية 9.
2- يعني الآيتين 23- 24 من سورة البقرة.
3- الخمينيّ، الشّهيد السّيّد مصطفى، تفسير القرآن الكريم، ج 4، ص 545 -548.

2014-02-18