يتم التحميل...

قد يكون العلم حجاباً

السيد مصطفى الخميني

فيا أخي وشقيقي: لا تظنّ اختصاص هذه الآيات وتلك الأمثال بفئة المنافقين وجماعة الكافرين، فإنّك من زمرتهم وعدّتهم، فربّ إنسانٍ بلغ في سيره العلميّ إلى قصواه، وأدرك في طريقه التّعليميّ مناه وحظّه الأوفر ونصيبه الأكثر،

عدد الزوار: 26

فيا أخي وشقيقي: لا تظنّ اختصاص هذه الآيات وتلك الأمثال بفئة المنافقين وجماعة الكافرين، فإنّك من زمرتهم وعدّتهم، فربّ إنسانٍ بلغ في سيره العلميّ إلى قصواه، وأدرك في طريقه التّعليميّ مناه وحظّه الأوفر ونصيبه الأكثر، ولكن قلوبهم خاليةٌ عن نصيبها وحظّها، وما ذاق منها ما ينتفع بها ويتوجّه إليها، بل هو بعد خامدٌ ونارٌ طافئةٌ، فإنّ تلك المفاهيم بمنزلة النّار المستوقدة التي يستضيء بها الّذي استوقدها في مرحلة الابتداء وفي المنزل الأوّل، وأضاءت ما حوله من السّطوح النّفسانيّة والأقشار البدويّة، ﴿ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ1 ولم تؤثّر تلك النّار فيما كان ينبغي أن تؤثّر فيه، ولم ينتفع المستضيء، إلا بحسب الميول الوهميّة، واللّذات الخياليّة، والكمالات الأوّليّة.

وبالجملة: جميع المتعلّمين من أهل الظّاهر والباطن، وكافّة المشتغلين بعلومٍ حقيقيّة وغير حقيقيّةٍ ليسوا مأمونين عن الانسلاك في هذه الآيات، وعن الاندراج تحت هذه التّحذيرات والإيقاظات، ولا يخصّ بذلك بعضهم دون بعض، كما توهّمه صاحب "الحكمة المتعالية" قدس سره2، فإنّ مجرّد الاشتغال بالعلوم العقليّة غير كافٍ للهداية إلى تلك السّبل والمنازل، بل ربّما تكون العلوم العقليّة أغلظ حجاباً من غيرها، لمكان كونها أسرع مركباً وأحسن سبيلاً وأعلى درجةً، فعلى كلّ الطّالبين، وعلى زمرة المحصّلين المتوجّهين نحو الدّار الآخرة والجنّة العالية، التوجّه إلى هذه العواصف والأرياح الّتي تذهب بالنيران وضوئها، وتمنع عن اتّصال القلب بربّه، وعن اشتعال نار الحقيقة للوصول إلى أصله. الّلهم يا إلهي نوّر قلوبنا بنور الإيمان والمعرفة، ولا تذهب نيراننا فتهلكنا بما فعل المبطلون، ولا تتركنا في ظلمات لا يبصرون. آمين يا ربّ العالمين3.

* من كتاب بصر الهدى، سلسلة وصايا العلماء، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة البقرة، الآية 17.
2- راجع: صدر المتألهين، تفسير القرآن الكريم، ج 1، ص 420 - 421.
3- الخمينيّ، الشّهيّد السّيّد مصطفى، تفسير القرآن الكريم، ج 4، ص 93- 94.

2014-02-05