يتم التحميل...

ضرورة الجد والاجتهاد وعدم اليأس

السيد مصطفى الخميني

وإذ قد تبيّن لك هذه الآية، بسعتها، واتّضح شمولها، فليتنبّه كلّ مؤمن ومسلم إلى أن يتخلّص عن مضمونها، ولا يكون في سلك الكفّار واليهود والمشركين. وإنّي إذا أمرّ على حالاتي الشّخصيّة وعلى أحوال الخواصّ ألمس يأساً شديداً،

عدد الزوار: 97

وإذ قد تبيّن لك هذه الآية، بسعتها، واتّضح شمولها، فليتنبّه كلّ مؤمن ومسلم إلى أن يتخلّص عن مضمونها، ولا يكون في سلك الكفّار واليهود والمشركين. وإنّي إذا أمرّ على حالاتي الشّخصيّة وعلى أحوال الخواصّ ألمس يأساً شديداً، وأظنّ أنّ التخلّص من هذه المشكلات وتلك المعضلات - في هذه الأعصار وتلك الأمصار- ممّا لا يمكن عادةً، ولا سيّما مع كثرة المهلكات والموبقات، وقلّة المنجيات وأسباب الهداية. ولكن لمّا كان القنوط واليأس من جنود الجهل، وضدّ الفطرة السليمة والطّينة المخمورة، ومن  توابع الفطرة المحجوبة، وربما يعدّ من المعاصي الكبيرة، ومن الموانع عن الاهتداء، وسدّاً عن السّعادة والسّيادة، ولَمّا كان الإنسان ذا طبيعةٍ مصحوبةٍ بالمادّة والإمكانات الاستعداديّة، وذا سجيّةٍ كامنةٍ فيها قوة الوصول إلى الخيرات والسعادات الدنيويّة والأخرويّة في جميع الأحيان والأزمان، ولا تحتجب المادّة الحاملة للصّورة الإنسانيّة عن جلوات الحقّ وتجليّات الربّ، فلا بدّ، ويجب عليه السّعي البليغ، والاجتهاد الواسع، والقيام القاطع، لنيل تلك السّعادة، ودرك المعارف الحقّة، والوصول إلى حمام الصّلح وعنقاء الوجود1، بتوسيط الأسباب الخاصّة وتسبيب المعدّات الممكنة، وبالرّجوع إلى أرباب الأنفس القدسيّة، ومزاولة النّفوس الرّاقية المرشدة، والأولياء الكملين والأذكياء والأبرياء، مع تطبيق القواعد الشرعيّة الإلهيّة، والوظائف التّكليفيّة الإسلاميّة على أقواله وأفعاله وأعماله، راجين- في عين الجدّ والانتهاض - من الله العزيز الإمداد الغيبيّ، والإعانة السّرمديّة، والعون الأحمديّ والمحمديّ، والإعداد العلويّ، ومتوجّهين إلى الوسائل الزّاكية بالإخلاص والتّقوى، ومتعوّذين بالله تعالى من شرّ الشّيطان الرّجيم اللّئيم، ومن كلّ دابّةٍ هو آخذ بناصيتها، مترنّمين بالآيات الرّحمانيّة، والأشعار العرفانيّة، والمدائح الإيمانيّة. وبالجملة: إذا غلبته الشّقوة من كلّ جانب، فعليه أن يطوف حول السّعادة حتى تحيط به، ويحول حول الخيرات حتّى يصير خيراً، فإنّ جنود العقل والخير، وإن تكن أحياناً مغلوبةً، إلا أنّها لأجل ورود الموائد الملكوتيّة والأغذية الرّوحانيّة الجبروتيّة، تقتدر على هضمها وجبرانها، وتتمكّن من قطعها وحرمانها فيصبح- إن شاء الله تعالى- مرآةً تامةً ومجلًى عامّاً، ويكون مؤمناً صريحاً بعونه وتوفيقه2.

* من كتاب بصر الهدى، سلسلة وصايا العلماء، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- وهو ملك روحانيٌّ يسمّى بذلك عند العرفاء على سبيل الرمز والإشارة. انظر الأسفار الأربعة لصدر المتألهين، ج5، ص 144.
2- الخمينيّ، الشّهيد السّيّد مصطفى، تفسير القرآن الكريم، ج 3، ص 273- 276.

 

2014-01-25