يتم التحميل...

التدبّر في الآيات

السيد مصطفى الخميني

اعلم يا أخي ويا قرّة عيني: أنّ اللازم على السّالك في سبل الخيرات، والمسافر إلى الله بعين الحقيقة للتّعيّن بالأسماء والصّفات، أن يلاحظ الآيات بعين التّدبّر والتّفكّر، ويقرؤها على قلبه في نهاية الدّقّة والتّأمّل،

عدد الزوار: 12

اعلم يا أخي ويا قرّة عيني: أنّ اللازم على السّالك في سبل الخيرات، والمسافر إلى الله بعين الحقيقة للتّعيّن بالأسماء والصّفات، أن يلاحظ الآيات بعين التّدبّر والتّفكّر، ويقرؤها على قلبه في نهاية الدّقّة والتّأمّل، حتّى يتوجّه إلى مقاصد الكتاب، ويهتدي بهداه. وأنّ الأخذ في تبويب المسائل العلميّة والشّروع في ترتيب البحوث الفنّيّة، ربّما يكون من الأعمال الشّيطانيّة ومن القوى النّفسانيّة، الرّاجعة إلى الدّنيا وكدورتها، وإلى الطّبيعة وباطنها، فيصير السّالك فيها والمغامر في أبحارها هالكاً وباقياً في العمى، ﴿وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى1، فلا تغترّ بما في هذه الوريقات من الدّقائق العلميّة والحقائق العرفانيّة، فإنّ راقمها من القاطنين في سجون الطّبيعة المظلمة، وكاتبها من المنغمسين في الشّهوات الرّذيلة.. بل تدبّر في الكتاب الإلهيّ حتّى تصير مظهراً له ومصاحبه، وتتجلّى فيك صفاته وخصوصيّاته، حتّى تنجو من المهالك الآتية، والعقبات الّتي تنتظرك من قريبٍ وإن تظنّها - نعوذنّ بالله - بعيدةً. وتفكّر في آياته، وانظر كيف يهديك في نهاية اللّطف، وكيف يقوم بهدايتك في غاية الإعزاز والتّكريم، فيقول في صورة الأدب ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ2، أي هم إذا استشعروا يتوجّهون إلى لزوم ذلك، من غير احتياجهم إلى الأمر، فيؤمنون بالغيب، ويهذّبون ذواتهم وفطرتهم المخمورة بالإيمان بالغيب، وبعقد القلب على تركيز الغيب في قلوبهم، ثم يقومون لترسيخ ذلك بإقامة الصّلاة والأعمال البدنيّة، وتهذيب البدن ومزاجه الطّبيعي بالصّلاة، الّتي هي الحركات المعتدلة المناسبة للمحافظة على مزاجه وعلى صحّته، فإنّ الصّلاة مرقاة أهل القلوب، وميدان أرباب الصّراع، فهي أسّ كلّ شيءٍ، إن قبلت قبل ما سواها، وإن ردّت ردّ ما سواها. ثمّ بعد الفراغ من التّهذيبين- التّهذيب الرّوحانيّ القلبيّ والتّهذيب المادّيّ البدنيّ - يشرع في تهذيب غيره, بإنفاق ما عنده، فإنّ رحى الاجتماع تدور عليهم، ومسؤولية عائلة البشر متوجّهة إلى هؤلاء السّالكين المهذّبين، فعليهم تنظيم الأمور بمقدار الميسور، فينفقون ما عندهم حتّى يتمكّنوا من أن يعيشوا في ظلّ ذلك الإنفاق والإعطاء. فالأمر بالإنفاق من غير نظرٍ إلى خصوصيّةٍ في كيفيّةٍ من كيفيّاته، ليس إلّا لأجل أنّ الإنفاق - من كلّ شيءٍ على كلّ شخصٍ في كلّ حالٍ وزمانٍ - من الأمور الحياتيّة ومن المصالح الاجتماعيّة، التي بمراعاتها تبقى الحياة الفرديّة، ويحصل التّهذيب الفردانيّ، ويتمكّن الإنسان من القيام بالعيش الوحدانيّ، فما ترى من العمومات والإطلاقات المختصّة بهذه الكريمة- أي بقوله تعالى: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ3- ليس إلّا لأجل أهمّيّة الإنفاق في أساس الاجتماع.

* من كتاب بصر الهدى، سلسلة وصايا العلماء، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة الإسراء، الآية 72.
2- سورة البقرة، الآية 3.
3- سورة البقرة، الآية 3.
2013-12-02