يتم التحميل...

التخلّص من النفاق

السيد مصطفى الخميني

اعلم يا عزيزي في الله وقرّة عيني، أنّ اختلاف حالات النّاس في الجلوة والخلوة1 من الأمراض العامّة والأسقام السّارية، وقلّما يتّفق لأوحديٍّ من الكمّلين والخواصّ من المؤمنين، أن يتخلّص من جميع مراتب النّفاق،

عدد الزوار: 12

اعلم يا عزيزي في الله وقرّة عيني، أنّ اختلاف حالات النّاس في الجلوة والخلوة1 من الأمراض العامّة والأسقام السّارية، وقلّما يتّفق لأوحديٍّ من الكمّلين والخواصّ من المؤمنين، أن يتخلّص من جميع مراتب النّفاق، ويتخلّى عن التّغطية والتّغشية. وهذا مرضٌ يسري وينمو ويزداد من مرتبته الدّنيا إلى مراتبه العليا، حتّى يهلك صاحبه، ويصير من المنافقين الشّياطين أو أسوأ حالاً، فإيّاك وهذه الرّذيلة المهلكة الموبقة، وعليك أن تحذر عنها وتجدّ في دفعها وقلعها، وقلع مادّتها، وهي  - كما تحرّر في محلّه - حبّ الدّنيا، وامتلاء القلب من شؤونها وأحكامها، وفي مقابله الشّرّة والنّسيان والغفلة عن الله والآخرة وأحكامها. وكما أنّ الكفّار فيهم المنافق، وفيهم الصّريح المعاند، كذلك المؤمنون فيهم المنافق، وفيهم الخالص الخاصّ، والصّريح البارز، وقد يتّفق أحياناً أنّ نفاق المؤمن أشدّ ضرّاً من نفاق الكافر، فإنّ البذر السَّيئ في الأرض المحتلّة باحتلال الشّيطان، لا يثمر ثمره، بخلاف عكسه، لأنّه بذلك ربّما تصير الأرض ومحطّ القلوب والنّفوس ظلمانيّةً شيطانيّةً تدريجاً. وقد عرفت فيما مضى أنّ الإيمان المستودع من النّفاق ومن الحجب الغليظة، فإنّه يظهر إيمانه ويشتهر بما لا يستمرّ ويستقرّ فيه، فإنّ المنافق الذي يقول عند لقاء المؤمنين آمنّا وصدّقنا وإنّا معكم، ليس منافقاً إلا لأن الإيمان ليس في قلبه، وفي حكمه المؤمن بالإيمان المستودع، فإنّه أيضاً لَمّا يدخل الإيمان في قلبه.

اللّهم يا إلهي إليك أبتهل، وإليك أتضرّع، وأرجو منك أن تعينني على طاعتك وعبادتك بحسن حالك وكرامة وجهك. يا إلهي وسيدي، احفظني بحفظك عن النّفاق، كثيره وقليله عظيمه وصغيره، واكلأني بكلاءتك عن هذه الصّفة المشؤومة، والرّذيلة المذمومة، التي توجب استحقاقي لسخطك وغضبك، بل واستهزائك. يا إلهي وهذا ممّا لا تقوم له السّماوات والأرض. اللهم إليك الأمر وعليك التّوكّل، فلا تكلني إلى غيرك يا الله2.

كن مع الله

... يا أخي في الله، ويا نفسي الّتي بين جنبيّ! خفِ الله قبل كلّ شيءٍ، واحذروا فإنّ الطّريق صعبٌ والسّدود كثيرةٌ، وإذا ترى ضعفاً في جهدك، وفتوراً في قواك، فهل إلى النّجاة ترى من سبيلٍ، وإلى الجنّة تجد الصّراط المستقيم؟ وهل بالفرار من المصائب تكون الرّجعة، وإلى العدم والوراء يمكن 3؟ كلّا ثمّ كلّا، فكن مع الله في جميع الحالات ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ4، ولا تيأس من روح الله، فإنّه لا ييأس من روح الله إلا القوم الفاسقون، وكن على بصيرةٍ من أمرك، فإنّ الإنعامات الإلهيّة والعنايات الرّبانيّة- في جميع الآنات الزّمانيّة والدّهريّة - تعشق المربوبات، وتفي بالشّرائط والمقتضيات، إلا أن منها ما هو بأمرك وتحت اختيارك، وهي إرادتك في الأمور وعزمك على الحوادث في الدّهور، حتّى لا تضمحلّ قدمك ولا يتدكدك رأيك. فإنّ الرّحمة الواسعة الكليّة والقدرة الجامعة البسيطة، ربما تشمل العبد في حالٍ من الحالات حتى يفيء إلى أمر الله، ويفنى في فنائه، ويحشر يوم القيامة مع المتّقين، ويكون في الجنّة مع المقرّبين والتّوّابين، "ألا وإنّ لله في أيّام دهركم نفحاتٍ ألا فتعرّضوا لها"5.

* من كتاب بصر الهدى، سلسلة وصايا العلماء، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- الجلوة: ما يظهر من نعوت الحقّ تعالى على السالك، والخلوة: محادثة السرّ مع الحقّ تعالى..
2- الخمينيّ، الشّهيد السّيّد مصطفى، تفسير القرآن الكريم، ج 3، ص 511 -512.
3- أي الأخذ.
4- سورة هود، الآية 114.
5- المجلسي، بحار الأنوار ج 68، ص 221.

2013-11-27