يتم التحميل...

مراحل تربية الأبناء-3

كيف تجعل ولدك صالحاً؟

متابعة للتقسيم النبويّ الشريف لعمر الولد "الولد سيّد سبع سنين، وعبد سبع سنين، ووزير سبع سنين"، نتابع الحديث عن المرحلة الثالثة التي هي مرحلة صحبة الولد ووزارته.

عدد الزوار: 65

السنوات السبع الثالثة: 14 - 21

متابعة للتقسيم النبويّ الشريف لعمر الولد "الولد سيّد سبع سنين، وعبد سبع سنين، ووزير سبع سنين"65 ، نتابع الحديث عن المرحلة الثالثة التي هي مرحلة صحبة الولد ووزارته.

سيف ذو حدين

تعتبر هذه المرحلة من عمر الإنسان شديدة الحساسية إيجاباً وسلباً، فإمّا أن تُستثمر لتكون أهمّ فرصة يستفيد منها الإنسان، وإمّا أن تنجرف بصاحبها في أودية الرذيلة والفساد ولنا مثال على هاتين الحالتين.

فحالة الاستثمار الإيجابيّ نجدها في شبّان المقاومة الإسلاميّة في لبنان الذين أعادوا الكرامة للأمّة الإسلاميّة في حربهم مع العدوّ الصهيوني، وكثير منهم في هذه المرحلة من العمر.

وحالة الهوي في الرذيلة نجدها في التقرير التالي عن شبان أميركا: "إنّ حوادث الانتحار قد زادت لدى الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و34 عاماً، وإنّ عدد حالات الانتحار في الولايات المتحدة بلغت 28،500 ألف حالة خلال العام الماضي"66.

وقد أكّد أهل البيت عليهم السلام على كون هذه المرحلة سيفاً ذا حدّين فإما أن تُستثمر بالطاعة أو تهوي بالإنسان نحو المعصية، فها هو أمير المؤمنين عليه السلام يقول - في وصيته لابنه الحسن عليه السلام -: "... وإنما قلب الحَدَث كالأرض الخالية، ما أُلقي فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك..."67.

تغيُّرات هذه المرحلة

وفي هذه المرحلة يصيب الإنسان نوعان من التغير، الأوّل في جسده والآخر في وضعه النفسيّ.

التغيُّرات الجسديّة

أمّا في جسده فـ:
- تتوسّع الحنجرة، ويصبح طول الأوتار الصوتية لدى الذكور ضعفين ممّا يؤدي إلى ضخامة الصوت.
- يزداد طول الهيكل والعظام.
- يزداد وزن الإنسان بما يقارب 16 كيلو غرام خلال فترة عامين، (من 14 إلى 16 في الإناث ومن 16 إلى 18 في الذكور).
- ظهور الشعر في أجزاء من الجسم.
- ظهور الغريزة الجنسيّة68.

التوعية الجنسيّة

ومن أهمّ الأخطار في هذه المرحلة هو ما يتعلق بالغريزة الجنسية عند الشباب في هذه المرحلة. وهنا يأتي دور الأبوين في توعية أولادهما في هذه القضيّة الحسّاسة.

البلوغ

فلا بدّ للأب أو لمن يوكِّله الأب أن يعرِّف الابن بقضيّة البلوغ فيعرّفه على أمرين:

الأوّل: أنّ البلوغ ينقل الإنسان إلى دائرة المسؤوليّة الشرعيّة أمام الله تعالى، فمع حدوثه يبدأ قلم العقاب بالكتابة على لوح يلقاه يوم القيامة منشوراً.

الثاني: كيف يتحقّق البلوغ، وأنّ علاماته في الصبيّ ثلاثة:
1- بلوغ 15 سنة قمرية.
2- نبات الشعر الخشن على العانة (وهي المكان الواقع تحت آخر البطن).
3- خروج المني بالاحتلام ونحوه. وبهذا لا يتفاجأ الصبيّ حينما يستيقظ محتلماً، بل يتعرّف على المرحلة الجديدة التي لا بدّ فيها من المراقبة في حياته.

الجنسي اللّاشرعي

ومن الأمور المطلوبة من الوالد لتوعية ولده أن يعرّفه على الحرام الجنسيّ وخطورته كي لا يقع فيه، فيعرفه على خطورة الزنا ومساوئه في الدنيا والآخرة، ومن المستحسن أن يطلعه على أحاديث الشريعة في الزنا كحديث النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الذي ورد عنه: "في الزنا ستّ خصال، ثلاث منها في الدنيا، وثلاث منها في الآخرة:

أمّا التي في الدنيا وأمّا التي في الآخرة:
1- فيذهب بالبهاء             4- فسوء الحساب
2- ويعجّل الفناء               5- وسخط الرحمن
3- ويقطع الرزق              6- والخلود في النار"69.

ومن المستحسن أن يطلعه على الآيات التي وردت في الزنا، لا سيّما التي تبيِّن عقوبة الزاني كقوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ70.

ومن مهمات الابن أن يعرِّف ابنه على حرمة العادة السريّة (الاستمناء) وخُطورتها، وما أعدَّ الله لفاعلها في الدنيا والآخرة، لكونها من المحرَّمات الكبائر عند الله تعالى71.

ويعرِّفه كذلك على خطورة الشذوذ الجنسي الذي ورد أنّه يهزّ عرش الله تعالى72. وإن حدَّ اللائط والملوط فيه في الدنيا هو القتل. يقول الإمام الخمينيّ قدس سره في تحرير الوسيلة: "لو وطأ فاوقب ثبت عليه القتل وعلى المفعول إذا كان كلّ منهما بالغاً عاقلاً مختاراً". ثمّ يقول: "الحاكم مخيَّر في القتل بين ضرب عنقه بالسيف أو إلقائه من شاهق كجبل ونحوه، مشدود اليدين والرجلين، أو إحراقه بالنار، أو رجمه، وعلى قولٍ، أو إلقاء جدار عليه فاعلاً كان أو مفعولاً"73.

طريق الحرام الجنسيّ

ولا يكفي للأب أن ينبِّه ابنه على خطورة المحرَّم الجنسيّ وحرمته فحسب، بل لا بدَّ من تنبيهه على خطورة الطُّرُق التي تؤدي إلى ذلك ومن باب المثال نعرض بعض هذه الطرق.

1- الاغترار بالجمال:
فقد يكون اغترار الشاب بجماله هو السبب في وقوعه في الجنس المحرَّم، من هنا لفتت الروايات إلى هذا ففي الحديث: "يُجاء بالشاب الذي افتتن بجماله في الدنيا يوم القيامة (فيقول): يا رب لقد وهبتني جمالاً فافتتنت، فيُجاء بيوسف عليه السلام ويقال أنت أجمل أم هذا، لقد وهبناه جمالاً فلم يفتتن". وفي المقابل روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إنّ أحبَّ الخلائق إلى الله عزّ وجلّ شابّ حدث السنّ في صورة حسنة جعل شبابه وجماله لله وفي طاعة الله، ذلك الذي يباهي به الرحمنُ ملائكته، يقول: "هذا عبدي حقّاً".

2- النظر المحرَّم:
فالنظر إلى النساء بشهوة من الطرق التي قد تؤدي إلى الوقوع في الجنس المحرَّم، من هنا أمر الله تعالى بغضّ البصر، وورد في أحاديث أهل البيت عليهم السلام أنّ النظر إلى ما حرَّم الله هو زنا العين. قال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّاَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا74. وعنه عليه السلام: "ما من أحد إلاّ وهو يصيب خطأ من الزنى، فزناء العين النظر، وزناء الفم القبلة، وزنا اليد اللمس"75.

3- الرفاق:
إذ يلاحظ أنّ المراهقين قد يتناولون الحديث عن المسائل الجنسيّة والغراميّات بشكل كبير، ممّا يكون له تأثير في سلوك الفرد الجنسيّ، وهنا تأتي مراقبة الوالدين لنوعيّة الرفاق الذين يصاحبهم الولد، وأن يعمل ليكون رفاقه وجلساؤه من الصالحين. وقد نبَّه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم - في ما ورد عنه - على أثر الرفيق والجليس بتعبير لطيف حينما قال: "إنّما مَثَلُ الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير"76. فحامل المسك إمّا أن ينتقل مسكه إلى جليسه فيصبح مثله معطَّراً، وإمّا على الأقلّ أن يشمّ منه جليسه رائحة المسك، بينما الذي ينفخ الكير77 قد تُصيب ناره الإنسان فيحرقه, وإن لم يحصل فإنّه سيشمّ منه الرائحة الخبيثة.

الحلّ

وطرح الإسلام، للتخلّص من المشكلة الجنسيّة عند الشابّ، الزواج المبكّر الذي اعتبره حقّاً من حقوق الولد على والده. فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من حقّ الولد على والده ثلاثة: يحسِّن اسمه ويعلّمه الكتابة، ويزوِّجه إذا بلغ"78.

وقد أكَّدت نظريّة الإسلام هذه بعض المدارس التربويّة79 لمَّا رأت أنّ الحلّ الحقيقيّ لهذه المشكلة هي بالزواج المبكّر الذي يقف في وجه صراع كبير بين الشابّ والشيطان. من هنا ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "ما من شاب تزوَّج في حداثة سنِّه إلاّ عجَّ شيطانه، يا ويله يا ويله! عصم مني ثلثي دينه".

واستحباب الزواج المبكّر يشمل الذكر والأنثى ففي الخبر: "إنّ الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر إذا أدرك ثمارها فلم تجتن أفسدته الشمس ونثرته الرياح، وكذلك الأبكار إذا أدركن ما تدرك النساء فليس لهنّ دواء إلّا البعولة"80. وعن الصادق عليه السلام: "من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته"81.

التغيُّرات النفسيّة

وتبرز في الشابّ مع بداية هذه السنوات (من 14 إلى 21) حاجات نفسيّة يسعى جاهداً لملئها، نعرض منها:

1- الحاجة إلى الاستقلال
إنّ الشابّ مع بداية سنّ المراهقة وشعوره بالتغيير الجسديّ الذي طرأ عليه، يميل نحو حبِّ الاستقلال عن أبيه وأمِّه بل قد يسلك سلوك التمرُّد عليهما بعد أن عاش السنوات السابقة بإرادة تابعة لإرادتهما.

ويشعر الشاب بأنّ خروجه عن سلطة الأبوين يحقّق له رجولته وأنّه لم يعد طفلاً كما كان.

وجاء الإسلام في هذه المرحلة الحسّاسة ليخاطب الولد من جهة، والوالدين من جهة أخرى.

وأمّا خطابه للوالدين فهو أن يغيِّرا طريقة تعاملهما مع الولد فقد انتهت مرحلة "العبد" وأتت مرحلة "الوزير" فهو الآن "وزير سبع سنين".

والوزارة تعني إعطاء الولد نوعاً من الاستقلال، لكنّها لا تعني إعطاءه الاستقلال المطلق، بل أُريدَ من هذا التعبير أن يكون الوالدان هما المعرِّفين للولد على المجتمع وأوضاعه ومشاكله، فيستفيد الولد من تجاربهما ومعرفتهما لتُنَار له طريق الاستقلال عبرهما.

أمّا خطاب الإسلام للولد فهو التعامل الإيجابيّ الذي يجب أن لا تعكِّره كلمة "أفٍّ" في وجههما، بل ولا نظرة مقت إليهما، وإلاّ لم يقبل الله منه صلاة.

2- الحاجة إلى التقدير
فالشابّ، بعد بلوغه، يشعر بالحاجة ليكون له مكانة اجتماعيّة يقدِّره من خلالها المجتمع.

وأراد الإسلام أن تُملَأ هذه الحاجة من خلال الخطّ الإلهي ّالصحيح والنيَّة الخالصة لله.

والأحكام الإسلاميّة وتاريخ الإسلام شاهدان على منح المكانة الاجتماعية لشبّان في مقتبل أعمارهم.

فها هو أسامة بن زيد يعيّنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائداً على الجيش الإسلاميّ رغم حداثة سنِّه حتى اعترض بعض الناس وقالوا: "أمَّر غلاماً على جلّة المهاجرين والأنصار"82.

وقد قيل: إنّ عمره كان خمس عشرة سنة83.

وقد قرأنا في تاريخ كربلاء أسماء شبان من بني هاشم سجّلوا أروع ملاحم البطولة وهم في هذه السنوات كجعفر بن علي بن أبي طالب الذي كان عمره حينما استشهد تسع عشرة سنة84.

العبادة والتعلّم

نعم على الوالدين أن يوجِّهوا حاجة التقدير لدى الشابّ بالوجهة الصحيحة ليكون همُّه الأوّل والأساس هو نظرة الله تعالى إليه. وهذا يحصل عن طريق التعلُّم الذي حثَّ عليه الإسلام، لا سيَّما في فترة الشباب حتى قال الإمام الكاظم عليه السلام في ما ورد عنه: "لو وجدت شابّاً من شباب الشيعة لا يتفقَّه لضربته ضربة بالسيف"85.

والعلم هو الذي يوصله إلى العابد الحقيقيّ لله تعالى ليكون مثالاً للحديث الوارد عن نبيِّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم: "سبعة في ظلِّ عرش الله عزّ وجلّ يوم لا ظلَّ إلاّ ظلّه: إمام عادل، وشابّ نشأ في عبادة الله عزّ وجلّ"86.

أعان الله الآباء والأمـّهات على تربية أولادهم تربية إسلاميـّة ليكونوا أولاداً صالحين في الدنيا ورياحين الجنـّة في الآخرة، والحمد لله ربّ العالمين

 * كيف تجعل ولدك صالحاً، الشيخ أكرم بركات.


65- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص195.
66- انظر الزعبلاوي، تربية المراهق، منشورات مؤسسة الكتب الثقافية، الرياض، 1414هـ، ص434 نقله عن جريدة الأهرام.
67- بيضون، تصنيف نهج البلاغة، ص746.
68- القائمي، أسس التربية، منشورات دار النبلاء، بيروت، ص252 - 253.
69- الريشهري، ميزان الحكمة، منشورات الدار الإسلاميّة، ج4، ص240.
70- سورة النور، الآية 2.
71- انظر: الخوئي، مباني منهاج الصالحين، ج1، ص346.
72- دستغيب، الذنوب الكبيرة، ترجمة القبانجي، منشورات الدار الإسلاميّة، ج1، ص11.
73- المصدر السابق ص 428.
74- سورة النور، الآية 30 - 31.
75- دستغيب، الذنوب الكبيرة، ج1، ص211.
76- الزعبلاوين تربية المراهق، ص421.
77- الكير: الزق الذي ينفخ فيه الحداد، (آلة النفخ).
78- المجلسي، بحار الأنوار، ج104، ص92.
79- انظر القائمي، أسس التربية، ص258.
80- انظر: الإمام الخميني قدس سره ، تحرير الوسيلة، ج2، ص220.
81- المصدر السابق.
82- ابن هشام، سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، تحقيق عبد الحميد، منشورات دار الفكر، بيروت، ج4، ص328.
83- الزعبلاوي، تربية المراهق، ص411.
84- شمس الدين، أنصار الحسين عليه السلام ، منشورات الدار الإسلاميّة.
85- الريشهري، ميزان الحكمة، ج5، ص8.
86- المصدر السابق، ص9.

2013-02-01