يتم التحميل...

حقوق المرأة في الأسرة

دور الأم في الأسرة والمجتمع

تتعرَّض المرأة في عصرنا الحاضر للظلم من المجتمع ومن زوجها، ولا يقتصر ظلمها على زمننا بل هي أيضاً كانت قد تعرَّضت للظلم في ماضي الإنسانية. ولو أردنا أن نستقرأ التاريخ لطال بنا المقام إلا أننا نأتي بشواهد قليلة من التاريخ...

عدد الزوار: 43

ظلم المرأة من المجتمع ومن الزوج‏

تتعرَّض المرأة في عصرنا الحاضر للظلم من المجتمع ومن زوجها، ولا يقتصر ظلمها على زمننا بل هي أيضاً كانت قد تعرَّضت للظلم في ماضي الإنسانية. ولو أردنا أن نستقرأ التاريخ لطال بنا المقام إلا أننا نأتي بشواهد قليلة من التاريخ لنرى مدى فداحة ما وقع على المرأة المسكينة. ... ففي سفر الجامعة من التوراة المحرَّفة : "درتُ أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلاً، ولأعرف الشَّر أنه جهالة، والحماقة أنها جنون، فوجدت أمرَّ من الموت المرأة التي هي شباك، وقلبها أشراك، ويداها قيود، إلى أن قال: رجلاً واحداً بين ألف وجدتُ أمَّا امرأة فبين كل أولئك لم أجد. وقد كانت أكثر الأمم القديمة لا ترى قبول عملها عند اللَّه سبحانه، وكانت تسمَّى في اليونان رجساً من عمل الشيطان، وكانت ترى الروم وبعض اليونان أن ليس لها نفس مع كون الرجل ذا نفس مجردة إنسانية. وقرَّر مجمع فرنسا سنة 586م بعد البحث الكثير في أمرها أنَّها إنسان لكنَّها مخلوقة لخدمة الرجل. وكانت في انجلترا قبل مائة سنة تقريباً لا تعدّ جزء المجتمع الإنساني، فارجع في ذلك إلى كتب الاراء والعقائد واداب الملل تجد فيها عجائب من ارائهم"1 .

كانت المرأة العربية في الجاهلية، أحط من أي سلعة فهي لا ترث وليس لها حق المطالبة، لأنها لا تذود عن الحمى في الحرب، وزواجها يرجع إلى أمر وليها، وليس لها حق الاعتراض ولا المشورة حتى أن الولد يمنع أرملة أبيه من الزواج حتى تعطيه جميع ما أخذت من ميراث أبيه، هذا إذا لم يضع ثوبه عليها قائلاً: ورثتها كما ورثت مال أبي!

فإذا أراد أن يتزوجها تزوجها هو بغير مهر، أو زوجها لغيره وتسلَّم هو مهرها... ولقد اشتهر عندهم وأد البنات... وقد أشار اللَّه تعالى إلى ذلك بقوله: ﴿وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ2 .

كانت المرأة المصرية بغاية الاضطهاد والهوان، وكانت تعامل معاملة ازدراء واحتقار كالخدم، وهي لا تصلح إلا لتدبير شؤون البيت، وتربية الأطفال! ... كان الرجل المصري يفرح إذا بُشِّر بالمولود الذكر، ويكفهر وجهه إذا علم أنّ‏َ زوجته وضعت أنثى 3 .

ولم تكن المرأة عند اليونان بأفضل حال، فليست هي عندهم إلا خلقاً من الدرك الأسفل، في غاية المهانة والذل، في كل جانب من جوانب الحياة الاجتماعية، وأما منازل العز والكرامة في المجتمع، فكانت كلها مختصة بالرجل 4 .

ما في الهند القديمة، فكانت المرأة تعتبر مملوكة الرجل... ثم إنهم كانوا يقدِّمونها ضحية على نيران زوجها المتوفى أي إذا مات عنها زوجها، يحرقونها معه بالنار وهي حيَّة 5 .

لم يقتصر الظلم على ظلم المجتمعات، بل إن بعض الفلاسفة، ظلموا المرأة بارائهم، يقول بردون الفيلسوف الإشتراكي... إن وجدان المرأة أضعف من وجداننا، بقدر ضعف عقلها عن عقلنا. وقال الفيلسوف روسُّو : إن المرأة لم تخلق للعلم ولا للحكمة ولا للتفكير ولا للفن ولا للسياسة، وإنما خلقت لتكون أمَّاً تغذي أطفالها بلبنها...

هذا هو ظلم المجتمع القديم وظلم بعض الفلاسفة، أما ظلم المجتمع الحديث للمرأة فإنَّه أخطر لأنه ينطلي تحت عناوين برَّاقة، المساواة، الحريَّة، العدالة، وحقوق الإنسان.

يقول سماحة الإمام دام ظله عن الظلم الحديث: "إن العالم الاستكباري الغارق في الجاهلية يخطى‏ء عندما يتصوَّر أن قيمة واعتبار المرأة هو في تجمُّلها أمام الرجل حتى تنظر إليها العيون الطائشة وتتمتَّع برؤيتها وتصفِّق لها. وهذا الذي يطرح اليوم من قبل الثقافة الغربية المنحطّة بعنوان حريَّة المرأة قائم على هذا الأساس؛ وهو جعل المرأة معرَّضة لأنظار الرجل حتى يتمتع بها الرجل.. فتكون النساء وسيلة لالتذاذ الرجال، ويسمُّون هذه حرية المرأة. فهل هذه هي حريَّة المرأة؟

إن الذين يدَّعون حماية حقوق الإنسان وحقوق المرأة في العالم الغربي الجاهل والغافل والمنحرف هم في الحقيقة يظلمون المرأة.
إن عليكم أن تنظروا إلى المرأة نظرة إنسان رفيع حتى يتضِّح ما هو حقُّها وحريَّتها وكمالها؟ انظروا إلى المرأة وكيف هي حريَّتها. انظروا للمرأة على أنَّها عنصر أساسي في تشكيل الأسرة.

... إن الظلم الذي تعرَّضت له المرأة في الثقافة الغربية والفهم الخاطي‏ء للمرأة في الثقافة والأدب الغربيين ليس له نظير في كل عصور التاريخ. فقد تعرَّضت المرأة سابقاً إلى الظلم ولكن الظلم العام والشامل يختص بالفترة الأخيرة وهو ناجم عن الحضارة الغربية، حيث اعتبروا المرأة وسيلة لالتذاذ الرجال وأطلقوا على ذلك اسم حريَّة المرأة...

هل هناك اهتمام بالجوانب الايجابية والقيم الرفيعة الموجودة في المرأة؟ هل هناك اهتمام بالعواطف الرقيقة والرأفة والطبع الرؤوف الذي أودعه اللَّه تعالى في المرأة، طبع الأمومة وروحية المحافظة على الطفل وتربية الأولاد... ".

هذا كلُّه في ظلم المجتمع أما عن ظلم الرجل لزوجته في داخل الأسرة فيقول سماحة القائد دام ظله : "... فأولئك لا يقولون إن المرأة مظلومة في المجال الاجتماعي، ذلك لأن الظلم الأساس الذي يلحق المرأة إنما يحصل داخل الأسرة وعلى يد الزوج. ولعلّ‏َ 90% من هذا الظلم يرتكبه الزوج. لا بد من التفكير بحلّ‏ٍ للأمر وإصلاحه، أما الظلم الذي يصدر عن الأخ والأخت والوالد وأمثالهم فليس كبيراً، وهو نادر جدَّاً... لكن الأهم هي العلاقات الأسرية... العلاقة بين المرأة والرجل والتعلُّقات الأخرى الموجودة التي تنتهي بظلم المرأة ".

الحقوق المتبادلة بين الرجل والمرأة

تحتل مسألة الحقوق في الإسلام مساحة واسعة وتحظى بأهميَّة فائقة، وقد سُئل الإمام الرضا عليه السلام عن حقّ‏ٍ المؤمن على المؤمن، فقال: إن من حقّ‏ِ المؤمن على المؤمن المودَّة في صدره، والمواساة في ماله، ولا يقول له أفّ‏ٍ، فإذا قال له أف فليس بينهما ولاية، وإذا قال له أنت عدوِّي فقد كفَّر أحدهما صاحبه، وإذا اتهمه إنماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء " 6.

وإذا كان لمسألة الحقوق كل هذه الأهميَّة فإن أهميتها الكبرى تتجلَّى في الحياة العائلية الزوجية .حيث يتعيَّن على إنسانين العيش معاً مدى حياتهما تحت سقف واحد؛ ولذا يتعيَّن على الرجل والمرأة الإحاطة بشكل عام بالواجبات والحقوق المتبادلة بينهما من أجل إرساء حياة هادئة مفعمة بالحب والسلام والأمان.

يقول سماحة السيد القائد دام ظله في هذا المجال: "إن هدف الإسلام من الدفاع عن حقوق المرأة حسبما صرَّح به هو أن لا تتعرَّض المرأة للظلم، وأن لا يعتبر الرجل نفسه حاكماً على المرأة، ففي الأسرة هناك حدود وحقوق. للرجل حقوق وللمرأة حقوق أيضاً، وتلك الحقوق رتِّبت بعدالة وتوازن شديدين.

أما ما يطرح باسم الإسلام وهو خطأ، فإننا لا نطرح ذلك ولا ندافع عنه. ما يريده الإسلام هي بيِّنات الإسلام ومسلَّماته. وهي الأمور التي توازن بين حقوق المرأة والرجل داخل الأسرة.

... لا بد من إعطاء الأهميَّة لمسؤولية المرأة والرجل تجاه بعضهما البعض، فلكلّ‏ٍ منهما مسؤوليته في تشكيل الأسرة، فسعادة المرأة والرجل في ذلك.

... لقد وقف الإسلام في وجه الظلم الذي كانت الجاهلية ترتكبه بحق المرأة، لقد حدَّد الإسلام قيمة المرأة وحقوقها في ساحة المعنويات والفكر والقيم الإسلامية، وفي ساحة الحضور السياسي، وأهم من كل ذلك في ساحة الأسرة. ولا مفر للرجل والمرأة من تشكيل المجتمع الصغير المسمَّى بالأسرة، وإذا شكِّلت الأسرة في مجتمع لم يحدِّد القيم بشكل صحيح، فإن محيط الأسرة سيكون النقطة الأولى التي تتلقى المرأة فيها الظلم.

... إن الأحكام والتعاليم الإسلامية في مجال العلاقات بين الرجل والمرأة داخل الأسرة دقيقة جدَّاً. واللَّه سبحانه وتعالى قد عيَّن تلك الأحكام على أساس مصلحة الرجل والمرأة وحسب طبيعة الرجل والمرأة، وبناءاً لمصالح المجتمع الإسلامي.

يحق للرجل أن يأمر زوجته وعليها أن تطيعه في ذلك في موارد ثلاثة فقط، أذكر أحدها بشكل صريح، وأعرض عن الباقي، وهو: أن يمنع زوجته من الخروج من بيتها دون إذنه، طبعاً إلا إذا كان هناك شرط مذكور في عقد الزواج يلغي هذا الحق. فإن لم يكن هناك شرط يحق للرجل منعها.

وهذا الأمر من الأسرار الدقيقة للأحكام الإلهية، ولم يعط هذا الحق إلا للزوج، ولم يعط حتى للأب، فليس من حق الأب، أن يفرض على ابنته استئذانه كلَّما أرادت الخروج، وليس من حق الأخ تجاه أخته، أما الزوج فله ذلك تجاه زوجته. طبعاً يحق للنساء أن يدرجن شروطاً لصالحهن خلال العقد، وعلى الرجل والمرأة أن يلتزما بتلك الشروط، لهذا إذا اشترطت شيئاً فذلك بحث اخر ".

المرأة ليست خادمة ولا مملوكة بل هي ريحانة

كثير من الرجال يعتبرون المرأة خادمة لهم، عليها أن تؤمر فتطيع، ولا حقّ‏َ لها في أن تقول لا ، وإذا قالت لا غضب عليها زوجها وأسمعها الكلمات الغلاظ الشِّداد، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تعدَّاه إلى أن يركلها ضرباً وضرباً حتى تكون كالحيوان بل أقل مرتبة! هذا الظلم لم يقبل به الإسلام العظيم، وليس هذا الظلم لا كظلم الجاهليَّة الأولى.

الإمام الخامنئي دام ظله أشار إلى هذا الموضوع قائلاً: ... يقول الرسول صلى الله عليه و آله : "المرأة ريحانة وليست قهرمانة ... فالقهرمانة لا تعني القوَّة والبطولة كما هي في اللغة الفارسية، بل إنه تعبير عربي مأخوذ من الفارسية، وبشكل موجز تعني الذي يباشر الأمور. أي لا تعتبروا المرأة هي التي تباشر أموركم في البيت، لا تظنُّوا أنَّكم رؤساء عليهنّ‏َ، وأنَّكم قد سلَّمتم أعمال البيت والأطفال لعامل وهو المرأة.

كلا... الأمر ليس كذلك مطلقاً، إن التعامل الحقيقي والصحيح هو الذي يلاحظ طبيعة المرأة،... الإسلام كلَّف الرجل أن يحافظ على المرأة داخل الأسرة كالوردة: "المرأة ريحانة" وهذا الأمر لا يرتبط بالساحات السياسية والاجتماعية وتحصيل العلم والمواجهات الاجتماعية والسياسية المختلفة بل إنه مرتبط بداخل الأسرة، حيث المرأة ريحانة وليست قهرمانة نظرة النبي صلى الله عليه و آله هذه تخطِّى‏ء نظرة من يظن أن من واجب المرأة أن تكتفي بتقديم الخدمات داخل البيت.

فالمرأة برأيه وردة بحاجة لعناية، وبهذا المنظار يجب النظر إلى هذا الموجود ذو اللطافة الروحية والجسدية، هذا هو رأي الإسلام.  ليس من حق أحد أن يظلم غيره أو يجبره على أمر ما أو يستخدمه. فبعض الرجال يطنُّون أن من واجب المرأة أن تؤدي كلّ‏َ أعمالهم. نعم عندما يطغى الحب في المحيط الأسري بين الرجل والمرأة، فإن كلّ‏َ واحد منهما يقدِّم الخدمات للاخر عن رغبة وشوق، لكن أداء أيَّة خدمة عن رغبة وشوق تختلف عن اعتبار المرأة كالخادمة لتخدم زوجها، فليس في الإسلام مثل ذلك ".

*دور المرأة في الأسرة, سلسلة في رحاب الولي الخامنئي, نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1- ميزان الحكمة، ج‏4، ص‏2868.
2- سورة التكوير، الايتان: 9 8.
3- المرأة في ظل الإسلام، ص‏27.
4- أبو علي المودودي، كتاب الحجاب، ص‏29.
5- المرأة في ظل الإسلام، ص‏31.
6- بحار الأنوار، ج‏4، ص‏333.

2013-02-13