يتم التحميل...

سورة الهُمَزَة

في كنف الوحي

وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ, الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ, يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ, َلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ, وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ, نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ, الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ, إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ, في عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ.

عدد الزوار: 54

بسم اللَّه الرحمن الرحيم‏
﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) َلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (8) في عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ (9).

1- شرح المفردات
1- الهمزة: الذي يعيبك بظهر الغيب.
2- اللمزة: الذي يعيبك في وجهك.
3- لينبذن: ليقذفن.
4- الحطمة: اسم من أسماء جهنم.
5- الأفئدة: القلوب.
6- مؤصدة: مطبقة.

2- هوية السورة
وهي تسع آيات، وقد نزلت هذه السورة في مكة المكرمة.

محتوى السورة وفضيلتها
هذه السورة، وهي من السور المكية، تتحدث عن أناس كرّسوا كل همهم لجمع المال، وحصروا كل قيم الإنسان الوجودية في هذا الجمع، ثم هم يسخرون من الذين لا يملكون المال وبهم يستهزئون، ومنهم الوليد بن المغيرة، والأخنس بن شريق، وأمية بن خلف.

هؤلاء الأثرياء المستكبرون والمغرورون المحتالون أسكرهم الطغيان فراحوا يستهينون بالآخرين ويعيبونهم ويتلذذون بما يفعلون من غيبة واستهزاء.

السورة تتحدث في النهاية عن المصير المؤلم الذي ينتظر هؤلاء، وكيف أنهم يلقون في جهنم صاغرين، وأن نار جهنم تتجه بلظاها أولاً إلى قلوبهم المليئة بالكبر والغرور، وتحرقها بالنار، بنار مستمرة.

وفي فضيلة هذه السورة ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:"من قرأ سورة الهمزة أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من استهزأ بمحمد وأصحابه"1.

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال:"من قرأ ويل لكل همزة في فريضة من فرائض، نفت عنه الفقر وجلبت عليه الرزق وتدفع عنه ميتة السوء"2.
 

في كنف السورة
السورة المباركة تورد صفات عديدة لصنف من الناس، هذه الصفات مذمومة لما لها من آثار سلبية على الفرد والمجتمع.

1- الهمز واللمز
قال في مجمع البيان:"الهمزة: الكثير الطعن على غيره بغير حق العائب له بما ليس بعيب... واللمز: العيب أيضاً، والهمزة واللمزة بمعنى (واحد).

وقد قيل: بينهما فرق فإن الهمزة: الذي يعيبك بظهر الغيب، واللمزة: الذي يعيبك في وجهك...

وقيل: الهمزة: الذي يؤذي جليسه بسوء لفظه، واللمزة الذي يكسر عينه على جليسه ويشير برأسه ويومي بعينه..."3.

ومن مجموع آراء اللغويين في الكلمتين يستفاد أنهما بمعنى واحد، ولهما مفهوم واسع يشمل كل ألوان إلصاق العيوب بالناس وغيبتهم والطعن والبهتان والاستهزاء بهم والذم لهم والنميمة والفتنة، باللسان أو الإشارة.

وفي الحقيقة إن هاتين الصفتين (التي قلنا أنهما بمعنى واحد) أكثر ما تنبثقان من اللسان، الذي إذا أُسي‏ء استعماله أدّى بالإنسان الفرد والمجتمع إلى عواقب وخيمة.

وهذا ما حذّر منه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، حيث حمَّل اللسان من الأوزار والعذاب ما لم يحمِّله لغيره من جوارح البدن فقال صلى الله عليه وآله وسلم:"يعذِّب اللَّه اللسان بعذاب لا يُعذّب به شيئاً من الجوارح فيقول: أي رب عذبتني بعذاب لم تعذب به شيئاً؟ فيقال له: خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الأرض ومغاربها، فسُفك بها الدم الحرام وانتهب المال الحرام وانتهك بها الفرج الحرام، وعزتي وجلالي لأعذبنك بعذاب لا أعذب به شيئاً من الجوارح..."4.

ولخطورة موقع اللسان في حياة الإنسان فرداً ومجتمعاً، وردت الوصاية الكثيرة الإسلامية، لتهذِّب هذا اللسان.

فهذا القرآن الكريم يقارن بين الكلمة الطيبة والخبيثة قائلاً:﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء *تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ(إبراهيم:24-26).

وهذا الإمام زين العابدين عليه السلام يقول في رسالة الحقوق حول حق اللسان:"وأما حقّ‏ُ اللسان فإكرامه عن الخنى5 وتعويده على الخير وحمله على الأدب وإجمامه6 إلا لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدُّنيا وإعفاؤه عن الفضول الشنعة القليلة الفائدة التي لا يُؤمن ضررها مع قلّة عائدتها وبعدُ شاهد العقل والدليل عليه وتزيّن العامل بعقله حسن سيرته في لسانه ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم"7.

وللسان قبائح منها
أ- الفحش وبذاءة اللسان

عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: "إن الفحش والبذاءة والسلاطة من النفاق"8.

وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن من أشر عباد اللَّه من تكره مجالسته لفحشه"9.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا رأيتم الرجل لا يبالي ما قال ولا ما قيل له فهو شرك شيطان"10.

وفي حديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم:"إن اللَّه حرّم الجنّة على كل فحّاش بذي‏ء اللسان، قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل له، فإنك إذا فتشته لم تجده إلا لغية أو شرك شيطان، قيل يا رسول اللَّه وفي الناس شرك شيطان؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: أما تقرأ قول اللَّه عزَّ وجلّ‏َ: ﴿.. وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ ...(الإسراء:64)11.

ب- الغيبة
وهي ذكرك أخاك بما يكره في غيبته، وقد ورد الكثير من النصوص الإسلامية حول قبحه، ويكفيك قول اللَّه تعالى:﴿... وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ(الحجرات:12).

ج- البهتان
وهو ذكرك أخاك بما ليس فيه، وهو أشد قبحاً من الغيبة.

د- الاستهزاء
قول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(الحجرات:11).

هـ- النميمة والفتنة
وهي أن تخبر شخصاً خبر لتفسد علاقته مع أخيه أو صديقه.

و- الكذب
وهو الإخبار بغير الواقع.

2- حب المال
الصفة الثانية التي ذكرتها الآية الكريمة، حب المال، وهنا نقف قليلاً حول هذه الصفة.

فبشأن المال والثروة، اختلفت وجهات نظر الناس بين إفراط وتفريط، بعضهم أسبغ على المال أهميَّة فائقة فجعله مفتاح حل كل المشاكل، وإلى ذلك ذهب الشاعر في قوله:

فصاحة سليمان وخط ابن مقلة          وحكمة لقمان وزهد ابن أدهم‏
إذا اجتمعت في المرء والمرء مفلس       فليس له قدر بمقدار درهم‏


ولذلك فإن دأب هؤلاء الأفراد جمع المال، ولا يدخرون وسعاً على هذا الطريق، ولا يتقيّدون بقيد، ولا يهتمون بحلال أو حرام، بهمز أو بلمز، بكذب أو بهتان، المهم عندهم تعداد الأموال وهذه الصفة أكثر ما توجد في الكافرين. ومقابل هذه المجموعة هناك من لا يعير أية أهمية للمال والثروة، يمتدحون الفقر، ويشيدون به، ويرون في المال عائقاً للتقوى والقرب الإلهي، كبعض المتصوِّفة ومن سلك مسلك الرهبانية.

وإزاء ذاك الإفراط وهذا التفريط، يقف الإسلام وسطاً ويبيّن أن المال مطلوب ولكن بشروط:

أولها: أن يكون وسيلة لا غاية.

ثانيها: أن لا يكون الإنسان له أسيراً، بل أن يكون عليه أميراً.

ثالثها: أن يأتي بالطرق المشروعة (لا بالكذب والبهتان، والغش والخداع) وأن ينفق في سبيل رضا اللَّه تعالى.

فالرغبة في هذا المال، ليست دائماً دليلاً على حب الدنيا.

3- توهم باطل
من الصفات التي ذكرتها الآية الكريمة، أن هذا الصنف من الناس يعيش الأوهام الباطلة، لا الحقائق الناصعة، فيحسب أن المال الذي يجمعه هو الذي سيخلده في الدنيا.

هذا الصنف من الناس حيث لم يلجأ إلى ركن وثيق، إلى خالق الكون، رب العالمين، فإنه يتمسَّك بأي شي‏ء ليوهم نفسه أنه سيعيش إلى الأبد، وما هو بمزحزحه من العذاب:( كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (8)فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ (9)).

*في كنف الوحي، إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية، طـ1 ،ايلول2004م ، ص67-77.


1- مجمع البيان، ج‏10، ص‏536.
2- مجمع البيان، ج‏10، ص‏536.
3- نقله عن المجمع، تفسير الميزان، ج‏20، ص‏358.
4- بحار الأنوار، ج‏68، ص‏304.
5- الخنى: الفحش في الكلام.
6- إجمامه: إراحته.
7- رسالة الحقوق: حق الإنسان.
8- وسائل الشيعة، ج‏11، كتاب الجهاد، باب 71 من أبواب جهاد النفس، حديث 3.
9- ن.م.ب، ح‏8.

2009-08-17