يتم التحميل...

التَّواضُعُ حَلاوَةُ العِبادَة

ذو القعدة

التَّواضُعُ حَلاوَةُ العِبادَة

عدد الزوار: 48



عنِ الحسنِ بنِ الجهمِ قالَ: سألتُ الرضا (عليه السلام): فما حدُّ التواضعِ؟ قال: أنْ تُعطيَ الناسَ من نفسِكَ ما تُحبُّ أنْ يعطوكَ مثلَه، قالَ: قلتُ: جُعلتُ فداكَ أشتهي أنْ أعلمَ كيف أنا عندكَ، قال (عليه السلام): «انظرْ كيفَ أنا عندَك».

التواضعُ من الصفاتِ البارزةِ لأهلِ التقوى، وقد وردَ في خطبةِ المتقينَ من كلامِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) وصفُهم بذلك، قال (عليه السلام): «فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ: مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ، ومَلْبَسُهُمُ الاقْتِصَادُ، ومَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ».

وهذه الصفةُ هي صفةُ الأنبياءِ التي انعكستْ في سلوكِهم في حياتِهم، ولذا يصفُهم أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) بها فيقول: «فَلَوْ رَخَّصَ اللَّهُ فِي الْكِبْرِ لأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ لَرَخَّصَ فِيهِ لِخَاصَّةِ أَنْبِيَائِهِ وأَوْلِيَائِهِ ولَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَرَّهَ إِلَيْهِمُ التَّكَابُرَ، ورَضِيَ لَهُمُ التَّوَاضُعَ، فَأَلْصَقُوا بِالأَرْضِ خُدُودَهُمْ، وعَفَّرُوا فِي التُّرَابِ وُجُوهَهُمْ، وخَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ، وكَانُوا قَوْماً مُسْتَضْعَفِينَ».

والطريقُ الصحيحُ الموصلُ للتواضعِ أنْ يُدرِكَ الإنسانُ حقيقةَ نفسِه وعظمةَ خالقِه فعن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «وإِنَّه لَا يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَ عَظَمَةَ اللَّهِ أَنْ يَتَعَظَّمَ، فَإِنَّ رِفْعَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا عَظَمَتُه أَنْ يَتَوَاضَعُوا لَه».

ونظراً لكونِ السلطةِ والمنصبِ وكونِ الإنسانِ يَأمرُ فيُطاعُ من مسبِّباتِ التكبُّرِ كان على أهلِ المناصبِ الحذرُ من ذلك، ويوصي أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) مالكَ الأشترِ في عهدِه له لمَّا ولّاهُ مصرَ: «وإِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيه مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً أَوْ مَخِيلَةً، فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ الله فَوْقَكَ وقُدْرَتِه مِنْكَ عَلَى مَا لاَ تَقْدِرُ عَلَيْه مِنْ نَفْسِكَ».

بل إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ جعلَ من حكمةِ العباداتِ -ومن أهمِّها الحجُّ- أنْ يزرعَ التواضعَ في نفوسِ عبادِه، وقد وردَ في نهجِ البلاغة: «وعَنْ ذَلِكَ مَا حَرَسَ اللَّهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّلَوَاتِ والزَّكَوَاتِ، ومُجَاهَدَةِ الصِّيَامِ فِي الأَيَّامِ الْمَفْرُوضَاتِ، تَسْكِيناً لأَطْرَافِهِمْ، وتَخْشِيعاً لأَبْصَارِهِمْ، وتَذْلِيلاً لِنُفُوسِهِمْ، وتَخْفِيضاً لِقُلُوبِهِمْ، وإِذْهَاباً لِلْخُيَلاءِ عَنْهُمْ، ولِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْفِيرِ عِتَاقِ الْوُجُوهِ بِالتُّرَابِ تَوَاضُعاً، والْتِصَاقِ كَرَائِمِ الْجَوَارِحِ بِالأَرْضِ تَصَاغُراً».

ولذا العبادةُ الصحيحةُ تظهرُ على الإنسانِ بصفةٍ جميلةٍ تُزيّنُ الإنسانُ المتحلّي بها ولذا يُعبِّرُ عنها رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) بأنَّها حلاوةٌ، فقد وردَ عنه (صلى الله عليه وآله): «ما لي لا أرى عليكم حلاوةَ العبادةِ؟ قالوا: وما حلاوةُ العبادةِ؟ قال: التواضع».

والتواضعُ ممَّا يُتقرَّبُ به إلى اللهِ عزَّ وجلَّ إذا كان ذلك عن نيّةٍ خالصةٍ، ولذا وردَ مدحُ من يتّصفُ به، فقد وردَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «ما أحسنَ تواضعُ الأغنياءِ للفقراءِ طلباً لما عندَ اللهِ، وأحسنَ منه تيهُ الفقراءِ على الأغنياءِ اتّكالاً على اللهِ».

وفي الحادي عشرَ من شهرِ ذي القعدةِ كانت الولادةُ الميمونةُ لثامنِ أئمّةِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) الإمامِ عليٍّ بنِ موسى الرضا عليه آلافُ التحيّةِ والثناءِ، ونباركُ لوليِّ أمرِ المسلمينَ وللمجاهدينَ جميعاً هذه المناسبةَ.

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين

2019-07-09