يتم التحميل...

أفضل النّاس إيماناً المتصدّقون

زاد عاشوراء

بدأ تعالى بأداة الحصر وهي إنّما وقد قال العلّامة الطباطبائيّ في تفسير الميزان: ... تفيد تعريفهم (أي المؤمنين) بما ذكر من الأوصاف

عدد الزوار: 28

قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ1.


الجهاد بالمال امتحان صدق الإيمان:

في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ...2.

بدأ تعالى بأداة الحصر وهي إنّما وقد قال العلّامة الطباطبائيّ في تفسير الميزان: ... تفيد تعريفهم (أي المؤمنين) بما ذكر من الأوصاف (الإيمان بالله والرسول، وعدم الارتياب، والجهاد بالأموال والأنفس) تعريفاً جامعاً مانعاً، فمن اتّصف بها مؤمن حقّاً، كما أنّ من فقد شيئاً منها ليس بمؤمن حقّاً3.

فتعني الآية, على هذا, حصر الإيمان الصادق بمن حاز هذه الصفات، ثمّ تشهد الآية في آخرها بكونهم صادقين بمعنى أنّهم صادقو الإيمان.

وعليه فإنّ لنا أن نستنتج أنّ الجهاد بالمال، وإنفاقه في سبيل الله أحد أركان الشخصيّة الإيمانيّة ومقوّم من مقوّماتها.

ولذا فلا عجب أن تأتي الروايات لتخرج الشحيح عن زمرة أهل الإيمان, ومن هذه الروايات ما جاء عن الإمام عليّ عليه السلام: "ثلاث لا تكون في مؤمن، لا يكون جباناً، ولا حريصاً ولا شحيحاً"4. وعليه فيمكن أن نقول: إنّ أحد الأمور والاختبارات والامتحانات التي بها يمتحن إيمان الإنسان هو الإنفاق في سبيل الله, وبالمقابل فمن يخلص من صفة الشحّ هو من الناجين والناجحين كما قال تعالى: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ5.


الله يأمر بالإنفاق:

لقد اهتمّت النصوص الإسلاميّة من كتاب وسنّة، إضافة إلى الشرع الحنيف, بمسألة الإنفاق، لما لها من بركات وآثار في البناء الفرديّ للإنسان المؤمن, وكما ذكرنا فإنّها من مقوّمات الشخصيّة الإيمانيّة وكذلك في البعد الاجتماعيّ من نواحٍ اقتصاديّة بدواً ولكن في عمقها نفسيّة واجتماعيّة وإيمانيّة, فالإسلام معنيّ بالبناء الفرديّ للإنسان ومعنيّ بالبناء العامّ للاجتماع الإنسانيّ، فلا بدّ من التربية على كلّ خلق ذي أثر إيجابيّ في ترابط الجماعة واتّحادها الشعوريّ ووحدة كيانها وقوّتها ونقاوة وسلامة وصحّة اجتماعها.

وعن ذلك لِنُصْغِ لقوله تعالى: ﴿وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ6.

فمن جملة ما قالته الآية أنّ ترك سنّة الإنفاق في سبيل الله هو إلقاء بالأيدي إلى التهلكة. صحيح أنّ المورد هو الإنفاق الجهاديّ، لكن ندّعي أنّه غير مختصّ به, بل جاء الكلام فيه لأنّه أبرز المصاديق، فكما أنّ عدم الإنفاق في المجالات العسكريّة والأمنيّة سيؤدّي إلى سقوط الكيانات والدول والمجتمعات بيد الأعداء، فكذلك ترك الإنفاق في وجوه البرّ والمصالح العامّة سيؤدّي إلى بروز التفاوت والطبقيّة وتراكم الأضغان وتفكّك المجتمعات, وبالنتيجة سقوط الكيانات والدول أخلاقيّاً ثمّ عسكريّاً وأمنيّاً.


الشريعة والإنفاق:

في الشريعة أوامر بالإنفاق منها ما هو على نحو الوجوب, ومنها ما هو على نحو الاستحباب فمنها:
1- زكاة الفطرة وفلسفتها تأمين حاجات الفقراء ليلة العيد ليشاركوا المجتمع فرحة العيد ويعيشوا بهجته.
2- الكفّارات.
3- الخمس.
4- الصدقة: ولها فلسفتها الأخلاقيّة وكذلك الاجتماعيّة,


ففي القرآن الكريم قال تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ7.

فقد ذكرت الآية أموراً في النفقة، أن تكون في سبيل الله وأنّ دور المال أن يساعد مالكه على حسن المنزلة في الآخرة، وأن لا يقعد الإنسان عن طلب حظّه من المال، وأن لا يقتصر في النفقة على الواجب.


الحثّ على الإنفاق:

ورد الحثّ على الإنفاق في سبيل الله في كثير من النصوص الإسلاميّة كتاباً وسنّة ومنها:

1- الإنفاق في طاعة الله أعظم نعمة:
عن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّ إنفاق المال في طاعة الله أعظم نعمة..."8.

2- الصدقة من الباذل إلى يد الله:
قال الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله تبارك وتعالى يقول: ما من شيء إلّا وقد وكّلت بقبضه غيري إلّا الصدقة، فإنّي أتلقّفها بيدي تلقّفاً"9.

3- أنفق قبل الموت والقيامة:
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ10.

4- إنّما تنفق لنفسك:
قال الله تعالى: ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ11.

5- الله يعوِّض على المنفق:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "ينادي منادٍ كلّ ليلة جمعة: اللهمّ أعط كلّ منفق خلفاً وكلّ ممسك تلفاً"12.

6- تارك الصدقة ملعون:
فعن الإمام الصادق عليه السلام: "ملعون ملعون من وهب الله له مالاً فلم يتصدّق منه بشيء"13.

7- أخبار في مدح السخاء:
إضافة إلى ما ذكر ثمّة روايات كثيرة في مدح السخاء فمنها ما عن الإمام الكاظم عليه السلام أنّه قال: "أتى رجلٌ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيّ النّاس أفضلهم إيماناً؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أبسطهم كفّاً"14.

وكذلك ما جاء عن الإمام عليّ عليه السلام: "الجنّة دار الأسخياء"15.


خاتمة: من خُلُق الحسين عليه السلام السخاء:

روي أنّه: خرج الحسن عليه السلام إلى سفر فأضلّ طريقه ليلاً، فمرّ براعي غنم فنزل عنده فألطفه وبات عنده، فلمّا أصبح دلّه على الطريق فقال له الحسن عليه السلام: "إنّي ماضٍ إلى ضيعتي ثمّ أعود إلى المدينة" ووقّت له وقتاً وقال له: "تأتيني به".

فلمّا جاء الوقت شُغِل الحسن عليه السلام بشيء من أموره عند قدوم المدينة، فجاء الراعي وكان عبداً لرجل من أهل المدينة فصار إلى الحسين عليه السلام وهو يظنّه الحسن عليه السلام فقال: أنا العبد الذي بتّ عندي ليلة كذا، ووعدتني أن أصير إليك في هذا الوقت، وأراه علامات.

عرف الحسين عليه السلام أنّه الحسن، فقال الحسين عليه السلام له: "لمن أنت يا غلام؟"


فقال: لفلان.

فقال عليه السلام: "كم غنمك؟"

فقال: ثلاثمائة، فأرسل إلى الرجل فرغّبه حتّى باعه الغنم والعبد فأعتقه ووهب له الغنم مكافأة لما صنع مع أخيه، وقال عليه السلام: "إنّ الذي بات عندك أخي وقد كافأتك بفعلك معه"16.

* كتاب زاد عاشوراء، إعداد معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة الحجرات، الآية 15.
2- سورة الحجرات، الآية 15.
3- الميزان في تفسير القرآن، ج18، ص329.
4- عيون الحكم والمواعظ، الواسطي، ص203.
5- سورة الحشر، الآية 9.
6- سورة البقرة، الآية 195.
7- سورة القصص، الآية 77.
8- مستدرك الوسائل, ج 13, ص 20.
9- الكافي, ج 4, ص 47.
10- سورة البقرة، الآية 254.
11- سورة البقرة، الآية 272.
12- الكافي, ج 4, ص 68.
13- وسائل الشيعة, ج 16, ص 280.
14- الكافي، ج4، ص60.
15- مستدرك الوسائل, ج 7, ص 14.
16- مقتل الحسين، الخوارزميّ، ج1، ص153.

2016-10-27