يتم التحميل...

التكليف الشرعي

أبحاث في الولاية

قال اللَّه تعالى في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ امَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً النساء:59. الهدف من خلق الإنسان...

عدد الزوار: 29

قال اللَّه تعالى في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ امَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً(النساء:59).

الهدف من خلق الإنسان

إن اللَّه سبحانه وتعالى لم يخلق الإنسان عبثاً بل خلقه لهدف وغاية وهي معرفته تعالى وعبادته، كما ورد في الحديث القدسي "كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف"1. وإذا عرف العبد اللَّه سبحانه وتعالى وعرف عظمته وقدرته وسلطانه وتفكر في عظيم صنعه أدى ذلك إلى عبادته، كما أوضح سبحانه وتعالى هذه الغاية في كتابه الكريم حيث قال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ‏َ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون(الذاريات:56) فالمعرفة والعبادة وأداء حق الطاعة والالتزام بالتكاليف الإلهية بالنسبة للإنسان هي الهدف الحقيقي من الخلق لأن الإنسان هو محل الاختبار بهذه التكاليف لما خصّه اللَّه تعالى من إيجاد نعمة العقل عنده الذي يميز فيه بين الحق والباطل وبين المصالح والمفاسد ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً(الأحزاب:72) لذلك كان النداء من اللَّه سبحانه وتعالى للناس بل وللذين امنوا أن يؤمنوا باللَّه، وأن يلتزموا بتعاليم اللَّه من خلال الإلتزام بما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله.

ما هو التكليف؟
التكليف هو الأوامر والنواهي الإلهية، أي: أن التزام التكليف هو إلالتزام بما يأمر اللَّه تعالى والإنتهاء عما ينهى عنه.

ما هو مصدر التكليف؟
اللَّه سبحانه وتعالى خلق الإنسان إجتماعياً بطبعه، فيسير نحو التكامل بالتعاون مع بني جنسه؛ لأن كل ما يحتاجه الإنسان من أموره الصناعية والأغذية والملبوسات وغيرها إنما يحتاج إلى غيره، وكذلك غيره يحتاج إليه فيما هو من إختصاصه وعمله، ولكن الناس مع إجتماعهم وتباين رغباتهم وتغاير أمزجتهم واختلاف حاجاتهم وقواهم وأذواقهم وشهواتهم فإنه قد يحصل بينهم التنازع والفتن، وعليه فلا بد من قانون عادل يقنن حياتهم وينضوون تحته، وهذا القانون لا يمكن أن يكون من صنعهم لما بيّناه من إختلاف أمزجتهم ورغباتهم، وتصارع الأمم وسيطرة القوي على الضعيف لهو خير دليل على فساد هذه الأنظمة الوضعية، فلزم أن يستند صنع هذا القانون إلى من لا حاجة عنده ولا ميول شخصية، وعنده معرفة بتفاصيل الإنسان وحاجاته وميوله وقدراته، وهذه الصفات غير متحققة سوى في اللَّه سبحانه وتعالى، الذي وضع التكاليف وأرسل الرسل بها، وآخرهم رسول البشرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم لينقاد الناس إليه ويطيعوه مؤيداً ذلك بمعجزات تدل على أنه من عند اللَّه تعالى ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى(النجم:3).

وهكذا بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كان اللَّه ليترك الأمة دون راع يحدد لها تكليفها ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلّ‏ِ قَوْمٍ هَاد(الرعد:7) فكان الأئمة عليهم السلام، وحيث أننا في زمن الغيبة ويتعذر أخذ التكليف من الإمام عجل الله فرجه مباشرة، فلم يترك الإمام الأمة دون تكليف بل أرجعهم إلى الفقيه العادل الكفوء "فارجعوا بها إلى رواة حديثنا"، ليكون الولي الفقيه مصداقاً لقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُور(الحج:41).

الناس والتكليف
الإنسان لو تُرك وفطرته لعبد اللَّه سبحانه وتعالى وأدى ما عليه من تكاليف لأن الإنسان يولد على الفطرة ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ(الروم:30) ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه"2 ولكن حياة الدنيا بمظاهرها المادية وأجوائها التي يعيشها الإنسان قد تتسبب بغفلته وتلوث فطرته بأدران الذنوب والمعاصي ويحصل عنده صراع داخلي بين جنود الرحمان وزمر الشيطان، فإن كان مؤمناً غلبت جنود الرحمان واختار الطاعة ولو غلبته شقوته غلبت زمر الشيطان واختار المعصية.

التسليم والإنقياد
على الإنسان أن يلتزم بالتكليف ويؤديه على أكمل وجه لأن فيه المصلحة لنفس الإنسان وذاته وان اللَّه تعالى "لا تنفعه طاعة من أطاعه ولا تضره معصية من عصاه"3 ولا يؤدي الإنسان حق العبودية حتى يسلم إلى اللَّه تعالى ورسوله وأولي الأمر في التكاليف وينقاد إليه الإنقياد التام ويقول تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمّ‏َ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا( النساء:65).

ففي هذه الاية قد أقسم اللَّه تعالى بأن الناس لا يمكن أن يمتلكوا إيماناً واقعياً إلا إذا تحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقضائه، ولا يتحاكموا إليه فقط بل ليرضوا بحكمه على كل حال، وأن لا يشعروا بأي حرج في نفوسهم فضلاً على أن لا يعترضوا ويسلموا  لحكمه  تسليماً، ويصل الإنسان إلى هذه الحالة من خلال التربية الخلقية المستمرة حيث يحصل عند الإنسان روح الإنقياد والتسليم أمام الحق جلّ شأنه، خصوصاً إذا كان الامر والحاكم منصبّاً من قبل اللَّه تعالى كشخص رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم الذي اعترفت كل البشرية بفضله ودان الأحرار بدينه.

كما بيّنت الآية الكريمة علامات الإيمان الراسخ وتكون في ثلاث مراحل:

الأولى: التحاكم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن حكمه هو حكم اللَّه.

الثانية: عدم الشعور بالإنزعاج من حكمه.

الثالثة: تطبيق هذه الأحكام تطبيقاً تاماً ويسلموا أمام الحق كاملاً.

وفي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام التي يستدل فيها على ولاية الفقيه: "فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكم فلم يُقبل منه فإنما بحكم اللَّه استُخف وعلينا رد، والراد علينا كالراد على اللَّه...".

* دروس في ولاية الفقيه, إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية, ط1, تشرين الأول 2005م, ص 71-76.


1- شرح أصول الكافي، ص‏22.
2- منتهى المطلب، الحلي، ج‏2، ص‏931.
3- بحار الأنوار، ج‏65، ص‏193.

2009-08-03