يتم التحميل...

التفاني في سبيل الحق

الهجرة النبوية والمؤاخاة

ان النقطة المهمة في هذه الصفحة من التاريخ هي ما قام به علي عليه السلام من تفان في سبيل الحق، والحقيقة. إِن التفاني في سبيل الحق من شيمة الرجال الذين أحبّوا الحق وعشقوه بكل وجودهم وكيانهم.

عدد الزوار: 43

ان النقطة المهمة في هذه الصفحة من التاريخ هي ما قام به علي عليه السلام من تفان في سبيل الحق، والحقيقة.

إِن التفاني في سبيل الحق من شيمة الرجال الذين أحبّوا الحق وعشقوه بكل وجودهم وكيانهم.

إِن الذين يغضون نظرهم عن كلّ شيء من أشياء الدنيا ويضحُّون بالنفس والمال والشخصية، ويستخدمون كل طاقاتهم المادية والمعنوية في سبيل خدمة الحق، واحيائه، واقامته هم ولا شك من عشاق الحق والحقيقة الصادقين.

انهم يرون كمالهم وسعادتهم في هدفهم، وهذا هو الذي يدفعهم إلى أن يصرفوا النظر عن الحياة العابرة، والعيش الموقت، ويلتحقوا بركب الحياة الواقعيّة الأبدية.

إِنّ مبيت عليّ عليه السلام في فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في تلك الليلة الرهيبة لنموذج بارز من هذا الحبّ الحقيقيّ للحق، والعشق الصادق للحقيقة، فان الدافع وراء التطوّع لمثل هذه المهمة الخطيرة لم يكن إلا حبّ "عليّ" لبقاء الاسلام الذي يكفل سعادة المجتمع، ويضمن ازدهار الحياة، لا غير.

إِن لهذه التضحية والتفاني من القيمة العظمى بحيث مدحها اللّه تعالى في كتابه العظيم، ووصفها بأنها كانت تضحية صادقة لكسب مرضاة اللّه، فان الآية التالية نزلت- حسب رواية اكثر المفسرين- في هذا المورد:﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ.1

ان عظمة هذه الفضيلة واهمية هذا العمل التضحويّ العظيم دفعت بكبار علماء الاسلام إِلى اعتبارها واحدة من أكبر فضائل الامام علي عليه السلام وإِلى أن يَصِفُوا بها علياً بالفداء والبذل والايثار، وإِلى ان يعتبروا نزول الآية المذكورة في شأنه من المسلّمات كلّما بلغ الحديث في التفسير والتاريخ اليها.2

إِنّ هذه الحقيقة مما لا ينسى أبداً فانه من الممكن اخفاء وجه الواقع والتعتيم عليه بعض الوقت إِلا أنه سرعان ما تمزق أشعةُ الحقيقة الساطعة حجب الاوهام، وتخرج شمس الحقيقة من وراء الغيوم.

إِنّ معاداة معاوية لأهل بيت النبوة وبخاصة للامام أمير المؤمنين علي عليه السلام مما لا يمكن النقاش فيه.

فقد أراد هذا الطاغية من خلال تطميع بعض صحابة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله أن يلوّث صفحات التاريخ اللامعة ويخفي حقائقه بوضع الاكاذيب، ولكنه لم يحرز في هذا السبيل نجاحاً.

فقد عمد "سمرة بن جندب" الذي ادرك عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ثم انضمّ بعد وفاته صلّى اللّه عليه وآله إِلى بلاط معاوية بالشام، عمد إِلى تحريف الحقائق لقاء اموال أخذها من الجهاز الأموي، الحاقد على أهل البيت.

فقد طلب منه معاوية باصرار أن يرقى المنبر ويكذّب نزول هذه الآية في شأن علي عليه السلام، ويقول للناس أنها نزلت في حق قاتل عليّ (أي عبد الرحمن بن ملجم المرادي)، ويأخذ في مقابل هذه الاكذوبة الكبرى، وهذا الاختلاق الفظيع الذي أهلك به دينه مائة ألف درهم.

فلم يقبل "سمرة" بهذا العرض ولكن معاوية زاد له في المبلغ حتى بلغ اربعمائة ألف درهم، فقبل الرجل بذلك فقام بتحريف الحقائق الثابتة، مسوداً بذلك صفحته السوداء اكثر من ذي قبل وذلك عندما رقي المنبر وفعل ما طلب منه معاوية.3

وقبل السامعون البسطاء قوله، ولم يخطر ببال أحد منهم أبداً ان (عبد الرحمن بن ملجم) اليمنيّ لم يكن يوم نزول الآية في الحجاز بل لعلّه لم يكن قد وُلِد بعد آنذاك. فكيف يصح؟!

ولكن الحقيقة لا يمكن ان تخفى بمثل هذه الحجب الواهية، ولا يمكن ان تنسى بمثل هذه المحاولات العنكبوتية الرخيصة.

فقد تعرّضت حكومة معاوية وتعرض أهلها وانصارها للحوادث، واندثرت آثار الاختلاق والافتعال الذي وقع في عهده المشؤوم، وطلعت شمس الحقيقة والواقع من وراء حُجُب الجهل والافتراء مرة اُخرى، واعترف اغلبُ المفسرين الأجلّة 4 والمحدّثين الافاضل- في العصور والادوار المختلفة، بأن الآية المذكورة نزلت في "ليلة المبيت" في بذل علي عليه السلام ومفاداته النبيّ صلّى اللّه عليه وآله بنفسه.5


1- البقرة: 207.
2- مسند احمد: ج 1 ص 87، وكنز العمال: ج 6 ص 407، وقد نقل كتاب الغدير: ج 2 ص 47- 49 طبعة لبنان مصادر نزول هذه الآية في شأن عليّ عليه السلام على نحو التفصيل، فراجع.
3- شرح نهج البلاغة: ج 13 ص 262، ولقد أعطى ابن أبي الحديد حقّ الكلام حول هذه الفضيلة.
4- سمرة بن جندب من العناصر المجرمة في الحكومة الاموية، ولم يكتف سمرة بتحريف الحقائق وقلبها بما ذكرناه، بل أضاف الى ذلك- حسب رواية ابن ابي الحديد- أمراً آخر أيضاً اذ قال: ونزل في شأن "عليّ" قول اللّه: (ومِن النّاس من يُعجِبُك قولُهُ في الحياةِ الدُنيا ويشهدُ اللّه على ما في قلبِه وهُو ألَدُّ الخِصام)(البقرة: 204).
5- سيد المرسلين / المحقق السبحاني ج 2_ التفاني.

2012-01-24