يتم التحميل...

حديث المنزلة وحديث يوم الدار

إثبات إمامة علي (ع)

يورد كثير من كبار مفسري أهل السنة والشيعة حديث "المنزلة" عند تفسير الآية 142 من سورة الأعراف، والتي تتعلق بذهاب موسى عليه السلام اربعين ليلة الى ميعاد الله وخلافة هارون له. مضمون الحديث كما يلي: تحرك رسول الله صلى الله عليه وآله نحو تبوك "وهي تقع في شمال جزيرة العرب...

عدد الزوار: 70

يورد كثير من كبار مفسري أهل السنة والشيعة حديث "المنزلة" عند تفسير الآية 142 من سورة الأعراف، والتي تتعلق بذهاب موسى عليه السلام اربعين ليلة الى ميعاد الله وخلافة هارون له.

مضمون الحديث كما يلي: تحرك رسول الله صلى الله عليه وآله نحو تبوك "وهي تقع في شمال جزيرة العرب على مقربة من امبراطورية الروم". كان النبي صلى الله عليه وآله قد أخبر بأنَّ امبراطور الرّوم قد جاء بجيش عظيم يريد به أنْ يهاجم الحجاز ومكة والمدينة، لكي يخنق الثورة الاسلامية في مهدها قبل أنْ يصل برنامجها الانساني والتحرري الى تلك المنطقة. فتحرك النّبي صلى الله عليه وآله الى تبوك، تاركاً علياً في مكانه فقال علي عليه السلام: "أتتركني بين النساء والاطفال، ولا تسمح لي بالاشتراك في الجهاد معك؟"

فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: "ألا ترضى أنْ تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنَّه لا نبيّ بعدي؟".

هذه العبارة مذكورة في اشهر كتب الحديث عند أهل السنة، مثل صحيح البخارى وصحيح مسلم، إنَّما الاختلاف بينهما هو أنَّ صحيح البخارى يورد الحديث كله، بينما صحيح مسلم يورد الحديث كله مرة، ويورد عبارة "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنَّه لانبيّ بعدى" مرّة اُخرى، كتعبير عام وكلي1.

كما جاء هذا الحديث في عدد كبير من كتب اهل السنة، منها "سنن ابن ماجة" و "سنن الترمذي" و "مسند احمد" وغيرها. والذين يروون الحديث عن الصحابة يزيد عددهم على العشرين، منهم (جابر بن عبد الله الانصاري) و(أبو سعيد الخدري) و(عبد الله بن مسعود) و(معاوية).

ينقل (أبو بكر البغدادي) صاحب "تاريخ بغداد" عن "عمر بن الخطاب": إنَّه راى رجلاً يشتم علياً عليه السلام، فقال له عمر: لا أراك إلاّ من المنافقين، فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله: "إنّما علي منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنَّه لا نبيّ بعدي"2.

وممّا يستلفت النظر في أشهر كتب الحديث المعتبرة أنَّ هذا الكلام لم يقله رسول الله صلى الله عليه وآله بمناسبة غزوة (تبوك) فقط، بل إنَّه كرره سبع مرات في سبع مناسبات مختلفة، مما يدل على مفهومه العام ومن تلك المناسبات:

1 - "يوم المؤاخاة" الأولى في مكة، أي في اليوم الذي عقد فيه عهد الأخوة بين أصحابه، واختار علياً عليه السلام لإخوته، وذكر هذه العبارة نفسها.
2 - "يوم المؤاخاة" الثانية بين المهاجرين والأنصار بالمدينة، اذ تكررت الحالة وكرر رسول الله صلى الله عليه وآله تلك العبارة.
3 - في اليوم الذي أمر فيه رسول الله صلى الله عليه وآله بغلق أبواب البيوت التي كانت تفتح على مسجد الرسول، واستثنى باب بيت علي عليه السلام، مكرراً هذه العبارة نفسها.
4 - في غزوة تبوك، كما سبق.

وفي ثلاث مناسبات اُخرى تذكرها كتب أهل السنة أيضاً. وبناء على ذلك، لا يبقى مجال للشك في صحة ورود حديث المنزلة لا في أسانيده، ولا في مفهومه العام.

محتوى حديث المنزلة
إذا نظرنا الى الحديث المذكور نظرة عابرة، وأغفلنا أحكامنا السابقة، أمكننا أن نستنتج أن جميع المناصب التي كانت لهارون في بني اسرائيل من جانب موسى، باستثناء النّبوة، كان لعلي عليه السلام مثلها، وذلك لانَّه ليس في الحديث أي قيد ولا شرط.

وعليه يمكن أنْ نصل الى النّتائج التّالية:

1- كان علي عليه السلام أفضل الاُمّة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، مثلما كان هارون في بني اسرائيل.

2- كان علي عليه السلام وزير رسول الله صلى الله عليه وآله ومعاونه الخاص، وشريكه في قيادته الأمة، إذ إنَّ القرآن الكريم أثبت هذه المناصب لهارون (طه:29-32).

3- كان علي عليه السلام خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله حتى في حياته، ولم يكن أي شخص آخر قادراً على الاضطلاع بتلك المهمة، وهكذا كان مقام هارون بالنسبة لموسى عليهما السلام.

حديث يوم الدّار
جاء في كتب التاريخ الاسلامي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أمر باعلان دعوته السّرية في السنة الثالثة من البعثة، كما جاء في الآية 214 من سورة الشعراء:﴿وَأنْذِرْ عَشَيرَتَكَ الأقْرَبِينَ.

فدعا الرّسول صلى الله عليه وآله أقرباءه الى بيت عمّه أبي طالب. وبعد تناول الطّعام، قال: "يا بني عبد المطلب إِّني أنا النّذير إليكم من الله عزّ وجلّ والبشير فاسلموا وأطيعوني تهتدوا".

ثمّ قال: "من يؤاخيني ويؤازرني ويكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي في أهلي ويقضي ديني؟" فسكت القوم، فأعادها ثلاثا. كل ذلك يسكت القوم، ويقول علي: أنا. فقال في المرّة الثالثة: "أنت". فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمّره عليك.

وروي عن أبي رافع: أنَّه جمعهم في الشعب فصنع لهم رجل شاة فأكلوا حتى تضلعوا "أي شبعوا" وسقاهم عسّاً فشربوا كلهم حتى رووا. ثم قال: إنَّ الله أمرني أنْ أنذر عشيرتك الاقربين وأنتم عشيرتي ورهطي وإنَّ الله لم يبعث نبيّاً إلاّ جعل له من أهله أخا ووزيراً ووارثاً ووصياً وخليفة في أهلي، فأيّكم يقوم فيبايعني على أنَّه أخي ووارثي ووزيرى ووصيي ويكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنَّه لا نبيّ بعدي؟ فسكت القوم. فقال: ليقومن قائمكم أوليكونن من غيركم ثم لتندمن. ثم أعاد الكلام ثلاث مرّات. فقام علي عليه السلام فبايعه فأجابه، ثم قال: اُدن منّي. فدنا منه ففتح فاه ومج في فيه من ريقه وتفل بين كتفيه وثدييه، فقال أبو لهب: بئس ما حبوت به إبن عمّك أن أجابك فملأت فاه ووجهه بزاقاً. فقال النّبي صلى الله عليه وآله ملأته حكماً وعلماً".

هذا الحديث يعرف باسم "حديث الدّار"، وهو واضح في دلالته بما يكفي. أمّا من حيث أسانيد الحديث، فقد ذكره كثيرون من علماء اهل السنة، مثل "ابن أبي جرير" و"ابن أبي حاتم" و"ابن مردويه" و"أبي نعيم" و"البيهقي" و"الثعلبي" و"الطبرى" و"ابن الأثير" و"أبي الفداء" وغيرهم.

ولو أنَّنا نظرنا الى هذا الحديث نظرة عابرة أيضاً لتبينت لنا حقائق ولاية علي عليه السلام وخلافته، لانَّه صريح في هذا الموضوع.


*سلسلة دروس في العقائد الاسلامية،آية الله مكارم الشيرازي . مؤسسة البعثة،ط2 ، ص180-186


1- صحيح بخاري، ج 6، ص 3 وصحيح مسلم، ج 1، ص 44 و ج 4، ص 187.
2- تاريخ بغداد، ج 7، ص 452.

2009-07-25