يتم التحميل...

هل البيعة أساس الحكم؟

الإمامة والخلافة

البيعة مصدر بايع، لأنّ المبايع يجعل حياته وأمواله. بالبيعة، تحت اختيار من يبايعه، ويتعهد المبايع بالفتح في المقابل على أن يسعى في إصلاح حال المبايع بالكسر وتدبير شؤونه بصورة صحيحة، وكأنّهما يقومان بعملية تجارية، إذ يتعهد كل واحد منهما تجاه الآخر بعمل شيء للآخر...

عدد الزوار: 22

البيعة مصدر بايع، لأنّ المبايع يجعل حياته وأمواله. بالبيعة، تحت اختيار من يبايعه، ويتعهد المبايع (بالفتح) "في المقابل" على أن يسعى في إصلاح حال المبايع (بالكسر) وتدبير شؤونه بصورة صحيحة، وكأنّهما يقومان بعملية تجارية، إذ يتعهد كل واحد منهما تجاه الآخر بعمل شيء للآخر، قال ابن خلدون: "إنّ البيعة هي العهد على الطاعة، كأنّ البايع يعاهد أميره على أن يسلم له النظر في أموره وأمور المسلمين، ويطيعه فيما يكلفه، وكانوا إذا بايعوا الأمير، جعلوا أيديهم في يده تأكيداً، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري.

البيعة قبل الإسلام وبعده

كانت البيعة من تقاليد العرب قبل الإسلام وسنتهم، وليس من مبتكراته، بل أمضاها وجعلها من العقود اللازمة التي يجب العمل بها، ويحرم نقضها. فقد بايع أهل المدينة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في السنة الحادية عشر، والثانية عشر من البعثة، في العقبة، بمنى1، بايعوه على عادتهم قبل الإسلام، حيث كانوا يبايعون زعماءهم.

وأمّا بعد الهجرة، فمرّة بايعه في غزوة الحديبية، وسميت بَيْعة الرضوان، لقوله سبحانه: ﴿لَقَدْ رَضِىَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً(الفتح:18).

وأخرى بايعته الصحابيات في مكة المكرمة بعد فتحها، وعنه يحكي قوله سبحانه: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ(الممتحنة:12).

إذا عرفت ذلك فلنعطف نظر الباحث إلى نكات:

الأولى: إنّ بيعة المسلمين للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، لم تعن الإعتراف بزعامة الرسول ورئاسته، فضلاً عن نصبه وتعيينه، بل إنّ المبايعين، بعد أن آمنوا بنبوة النبي واعترفوا بقيادته وزعامته، وأرادوا أن يصبّوا ما يلازم ذلك الإيمان، من الإلتزام النفسي بأوامر النبي، بعد الإقرار بنبوته، وزعامته. فكأنّ النبي الأكرم يقول: "فإن آمنتم بي فبايعوني على أن تطيعوني، وتصلّوا وتزكّوا، وأن تدفعوا عني العدو حتى الموت، ولا تفروا من الحرب".

والهدف عندئذ من البيعة لم يكن هو الإعتراف بمنصب المبايع، وانتخابه وتعيينه لمقام الحكومة والولاية، بل كانت لأجل التأكيد العملي على الالتزام بلوازم الإيمان السابق عليه، وهذا بارز في البيعة الثانية للانصار في منى، وبيعة الصحابة في غزوة الحديبية.

الثانية: إنّ البيعة ميثاق بين شخصين، تندرج تحت قوله سبحانه: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً(الإسراء:34).

وعقد بين المبايعين، فتندرج تحت قوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ(المائدة:1).

يقول الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السَّلام، من الحث على البيعة: "و أمّا حقي عليكم، فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد، والمغيب، الإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم"2.

الثالثة: إنّه ليس هناك دليل شرعي على أنّ مجرّد البيعة، بغضّ النظر عن المواصفات والضوابط الآتية، طريق إلى تعيين الخليفة والإمام، وإنّما يتعيّن بها، إذا كان المبايع، واجداً للصفات اللازمة في الامام.

الرابعة: الظاهر أنّ البيعة ليست طريقاً لتعيين الحاكم وانتخاب القائد، وإنّما يتعين الحاكم بالمقاولة وتصويت الجماعة الحاضرين، ثم يُصبّ ذلك الإنتخاب في قالب الحسّ بالبيعة والصفق، وكأنّ البيعة تأكيد لما التزموا، وتجسيد لما أضمروه أو تقاولوه. وعلى فرض كونها طريقاً لتعيين الحاكم، فهي إحدى الطرق لا الطريق الوحيد، فلو علم رضا الأمّة بحكومة فرد وزعامة شخص عن غير طريق البيعة، وأبرزت رضاها بطريق من الطرق، لكفى ذلك في كونه قائداً لازم الطاعة، لأنّه أشبه بالعقد والعهد.

الخامسة: إنّ التصويت الشعبي أو بيعة الجماعة الحاضرين إنّما يعدّ طريقاً لتعيين الحاكم إذا لم يكن هناك نصّ من الرسول على تنصيب شخص للزعامة، وإلاّ تكون البيعة رفضاً للنّص، واجتهاداً في مقابله.

السادسة: إنّ البَيْعة الكاملة من الصحابة الحاضرين في المدينة، لم تتحقق في واحد من الخلفاء الأربعة، إلاّ في علي، فقد بايعه المهاجرون الأنصار، إلاّ نفر قليل لا يتجاوز خمسة أشخاص، هم سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وحسّان بن ثابت، وأسامة بن زيد ومحمد بن مسلمة، والباقون أصفقوا على يده بالبيعة والطاعة، وإن نكث من نكث، ونقض من نقض، فيما بعد، وشقّ عصا الأمّة.


* الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني.مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ج4،ص62-65


1- لاحظ سيرة ابن هشام، ج 1 ص 431 و438.
2- نهج البلاغة، الخطبة 34.

2009-07-23