يتم التحميل...

كيف أصون الأمانة؟

صدى الآيات

من صفات المؤمنين البارزة التي ذكرها القرآن، المحافظة على الأمانة، وتعني الأمانة بمفهومها الواسع أمانة اللَّه ورسوله أي الولاية، إضافة إلى أمانات الناس، وكذلك ما أنعم اللَّه على خلقه، وما سخّر لهم من المقدّرات والأرزاق العامة أو الخاصة، وتضمّ الأموال والأبناء والمناصب التي بيد البشر، حيث يسعى المؤمنون في أدائها إلى أهلها ورعاية حقها،

عدد الزوار: 18

 

﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ1.

أ- في كنف الآية:

من صفات المؤمنين البارزة التي ذكرها القرآن، المحافظة على الأمانة، وتعني الأمانة بمفهومها الواسع أمانة اللَّه ورسوله أي الولاية، إضافة إلى أمانات الناس، وكذلك ما أنعم اللَّه على خلقه، وما سخّر لهم من المقدّرات والأرزاق العامة أو الخاصة، وتضمّ الأموال والأبناء والمناصب التي بيد البشر، حيث يسعى المؤمنون في أدائها إلى أهلها ورعاية حقها، ويحرسونها ما داموا أحياءً، ويربّون أجيالهم على ذلك، بما يتسع له هذا المعنى الشامل للأمانة لأنها محافظة على الحقوق التي أمر اللَّه بها، ولا تقتصر المحافظة على الأموال، بل على كل شي‏ء يؤتمنون عليه.

يقول الصادق عليه السلام: "لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده، فإن ذلك شي‏ء اعتاده، فلو تركه استوحش لذلك، ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء الأمانة"2.

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من خان أمانة في الدنيا ولم يردّها إلى أهلها ثم أدركه الموت مات على غير ملتي، ويلقى اللَّه وهو عليه غضبان"3.


ب- الأمانة أفضل الإيمان:

كثيراً ما يحاول الشيطان إغراء الإنسان كي يمدّ يده إلى مال كان أميناً عليه سواء في مركز عمله أو في مكان آخر حيث تكون الأمانة المالية خاصة، ويظن أنه من خلال هذا التعدي يمكنه أن يسدّ حاجة عرضت له في أمرٍ ما، أو يصبح غنياً عن طريق غير مشروع، لكن سرعان ما يصل إلى نهاية مؤسفة كانت بدايتها تمثّل له خروجاً عن ركب المؤمنين، وتلطّخ تاريخه بصورة بشعة لا يحب أن يتذكرها، ويؤدي ذلك إلى عذاب ضميري إن هو عاد عن الخيانة، وتاب مما سوّلت له نفسه، وهو يسمع ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أفضل الإيمان الأمانة، أقبح الخلق الخيانة"4.

وفي الحديث: "الأمانة تجلب الغناء، والخيانة تجلب الفقر5 ولا إيمان لمن لا أمانة له"6 فالذي يريد أن يكون غنياً عما في أيدي الناس عليه أن يكون أميناً صدوقاً، يؤدي إلى كل ذي حق حقه، حتى وإن كان بينهما عداوة وشقاق يقول الصادق عليه السلام: "اتقوا اللَّه وعليكم بأداء الأمانة إلى من ائتمنكم، فلو أن قاتل أمير المؤمنين عليه السلام ائتمنني على أمانة لأديتها إليه"7.

من هنا نعرف أن وجوب أداء الأمانة ليس مقيداً، وليس بالإمكان لأي فردٍ أن يتوقف عن ايصالها إلى ذويها باختلاق مبررات ما أنزل اللَّه بها من سلطان وما نسمعه من تشديد وتأكيد من العترة الطاهرة عليه السلام في المحافظة عليها قلّ نظيره في الأبواب الأخرى إلى حد أنه ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: اقسم لسمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول لي قبل وفاته بساعة مراراً ثلاثاً: "يا أبا الحسن أدّ الأمانة إلى البرّ والفاجر فيما قلّ وجلّ، حتى في الخيط والمخيط"8.

وعنه عليه السلام: "أدوا الأمانة ولو إلى قتلة أولاد الأنبياء"9.

فعليه ليس من الصواب أن يعتذر حامل الأمانة، بأن صاحبها منحرف العقائد والمسلك فإن الواجب أداؤها إليه كيفما كان.


ج- آثار الأمانة:

1- الصدق في القول والعمل:

في الحديث: "إذا قويت الأمانة كثر الصدق10، الأمانة والوفاء صدق الأفعال"11.

2- السلامة في الدنيا والآخرة:

من وصايا لقمان: "يا بنيّ أدِّ الأمانة، تسلم لك دنياك وآخرتك وكن أميناً تكن غنياً"12.

3- الرزق:

عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الأمانة تجرّ الرزق، والخيانة تجرّ الفقر"13.


د- لا تأمن هؤلاء:

لقد كان الحديث فيما تقدم عن وجوب الحفاظ على الأمانة وأدائها إلى صاحبها، ونتكلم الآن عن أوصاف مجموعة من الناس نهانا الإسلام عن وضع الأمانات لديهم وحذّرنا منهم محدداً بذلك المكان المناسب والشخص الذي ينبغي ائتمانه وإلا كان الخلل من الطرفين أي من صاحب الأمانة، ومن حاملها حين يأتمن الإنسان شخصاً مع علمه بأنه لا أمانة له، وليس محلاً لها، فمن هم هؤلاء؟

إنهم كما حدثنا أهل البيت عليه السلام:

1- شارب الخمر:

في الحديث: "من إئتمن شارب الخمر على اللَّه أمانة بعد علمه، فليس له على اللَّه ضمان، ولا أجر له ولا خلف"14.

2- الكذّاب:

عن الباقر عليه السلام: "من عرف من عبد من عبيد اللَّه كذباً إذا حدّث وخيانة إذا ائتمن، ثم ائتمنه على أمانة اللَّه، كان حقاً على اللَّه عزّ وجلّ أن يبتليه فيها، ثم لا يخلف عليه ولا يأجره"15.

3- الخائن:

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس لك أن تتهم من ائتمنته، ولا تأتمن الخائن وقد جرّبته"16.

وعن الصادق عليه السلام: "لم يخنك الأمين، ولكن ائتمنت الخائن"17.


هـ- لا تؤخّر الأمانة:

ربما لا يعتدي الإنسان بالتصرف في مال مودع عنده، غير أنه يؤخّر إيصاله إلى صاحبه، استهانة منه، وتثاقلاً من خلال ما تحدّثه به نفسه وجرّاء التسويف والكسل، فإن هذا أيضاً يعتبر تعدياً لأنه يدخل في دائرة تأخير الحقوق عن ذويها، وربما يؤدي ذلك إلى تلف الأمانة إذا كانت مما يتلف وتنقص قيمته بمرور الزمن عليه، يقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ليس منّا من يحقّر الأمانة حتى يستهلكها إذا استودعها"18.

*صدى الآيات، سلسلة الدروس الثقافية، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، أيلول 2002م، ص63-69.


1- المؤمنون:8.
2- البحار، ج‏75.
3- البحار، ج‏75.
4- غرر الحكم.
5- البحار، ج‏75.
6- ميزان الحكمة، حديث 1502.
7- أمالي الصدوق البحار، ج‏72.
8- ميزان الحكمة، الحديث 1498.
9- م. ن، الحديث 1495.
10- م. ن، الحديث 1507.
11- م. ن، الحديث 1508.
12- م. ن، الحديث 1511.
13- م. ن، الحديث 1509.
14- وسائل الشيعة، ج‏13 ميزان الحكمة، حديث 1517.
15- م. ن، 1516.
16- م. ن، 1514.
17- م. ن، 1515.
18- م. ن، 1504.

2011-01-25