يتم التحميل...

ظهور العرفان في الاسلام

إضاءات إسلامية

ظهور العرفان في الاسلام

عدد الزوار: 11


من بين صحابة النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) (وقد جاء ذكر ما يقارب من اثنى عشر الفا منهم في كتب الرجال) يـنـفـرد الامام علي (عليه السلام) ببيانه البليغ عن حقائق العرفان، ومراحل الحياة المعنوية، اذ يحتوي على ذخائر جمة، ولم نجد مثيله في الاثار التي بأيدينا من بقية الصحابة، واشهر اصحاب الامام علي (عليه السلام) وتـلاميذه "سلمان الفارسي" و"اويس القرني" و"كميل بن زياد" و"رشيد الهجري" و"ميثم التمار" والعرفانيون عامة في الاسلام يجعلون هؤلاء ائمة وهداة لهم .

وهـنـاك طائفة اخرى تأتي في الدرجة الثانية، وهم "طاووس اليماني" و"مالك بن دينار" و"ابراهيم الادهم" و"شقيق البلخي" الذين ظهروا في القرن الثاني الهجري، وكانوا يعرفون بـالـزهـاد واولـيـا اللّه الصالحين، دون ان يتظاهروا بالعرفان والتصوف، وعلى اية حال، فانهم لم ينكروا ارتباطهم ومدى تأثرهم بالطائفة الاولى.

وهـنـاك طـائفـة ثـالـثة ظهرت في اواخر القرن الثاني واوائل القرن الثالث للهجرة مثل "بايزيد الـبـسـطـانـي" و"المعروف الكرخي" و"جنيد البغدادي" وغيرهم، الذين سلكوا طريق العرفان، وتظاهروا بالعرفان والتصوف، ولهم اقوال تدل على مدى المكاشفة والمشاهدة لديهم، وان كانت هذه الاقوال تتصف بظاهرها اللاذع، إلا انها قد اثارت عليهم الفقهاء والمتكلمين في ذلك العصر، وسـبـبـت الـمـشاكل والفتن فأدت إلى ان يزج ببعضهم في السجون ويقدم بعضهم الاخر الى أعواد المشانق.

مـع هذا الوصف، ابدوا التعصب لطريقتهم امام المخالفين، فبهذا كانت الطريقة تتسع وتنتشر يوما بعد يوم، ونجدها قد وصلت الى ذروتها في القدرة والانتشار، في القرنين السابع والثامن الهجريين، حيث كـانـت تتسم بالرفعة والعلو تارة، والسقوط والانحطاط تارة اخرى، ولا تزال تمارس حياتها حتى اليوم .

والـظاهر ان اكثر مشايخ العرفان الذين جاء ذكرهم في كتب العرفان، كانوا على مذهب اهل التسنن، والـطـريقة التي نشاهدها اليوم (والتي تشتمل على مجموعة من عادات وتقاليد، لم نجد في الكتاب والسنة اساسا لها) تذكرنا بتلك الايام، وان كان بعض من تلك العادات والتقاليد انتقلت الى الشيعة.

وكـما يقال، ان هؤلا كانوا يعتقدون ان الاسلام يعوزه منهج للسير والسلوك، والمسلمون استطاعوا ان يـصـلـوا الـى طريقة معرفة النفس، وهي مقبولة لدى الباري عزوجل، مثل ما في الرهبانية عند المسيحيين، اذ لم يوجد اساس له في الدعوة المسيحية، فاوجدها النصارى وحبذها جمع وانتهجها.

ويـستنتج مما ذكر، ان كلا من مشايخ الطريقة، جعل كل ما رآه صلاحا من عادات وتقاليد، في منهج سيره وسلوكه وامر متبعيه بذلك، وبمرور الزمن اصبح منهاجا وسيعا مستقلا، مثل مراسم الخصوع والـخشوع، وتلقين الذكر والخرقة والاستفادة من الموسيقى والغناء عند اقامة مراسم الذكر، حتى آل الامـر فـي بعض الفرق منها الى ان تجعل الشريعة في جانب، والطريقة في جانب آخر، والتحق مـتـبـعو هذه الطريقة بنهج الباطنية، ولكن المعايير للنظرية الشيعية، استنادا على مصادر اساسية لـلاسـلام (الـكـتـاب والسنة) تقر خلاف ذلك، ومن المستحيل ان النصوص الدينية قد تغافلت عن هذه الحقيقة، او انها اهملت جانبا من جوانب هذا النهج والطريق، ويستحيل عليها ايضا ان تغض النظر عن شخص (اي كان) من واجبات او محرمات.


السيد محمد حسين الطباطبائي (قدس سره)

2018-10-29