يتم التحميل...

المجاهدون

أهل الفضل

للكلام عن المجاهدين والشهداء قد يحتاج المرء إلى عمر بأكمله حتى يبلغ مدحتهم ومغناهم ولعله لا يبلغ المرام، فالكلمة لها أفق محدود قد لا ترقى لمستوى أن تحاكي مقام الجهاد والشهادة، فإن المداد وإن كان صانعا للشهداء إلا أنه لن يفي المديح بحقهم ولذا يعجز البيان وتقصر العبارة وتشح المعاني أمام من كتب بالدماء حقيقة الولاء.

عدد الزوار: 48

عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: "خير الناس رجل حبس نفسه في سبيل الله يجاهد أعدائه يلتمس الموت أو القتل في مصافّه"

مقدمة
للكلام عن المجاهدين والشهداء قد يحتاج المرء إلى عمر بأكمله حتى يبلغ مدحتهم ومغناهم ولعله لا يبلغ المرام، فالكلمة لها أفق محدود قد لا ترقى لمستوى أن تحاكي مقام الجهاد والشهادة، فإن المداد وإن كان صانعا للشهداء إلا أنه لن يفي المديح بحقهم ولذا يعجز البيان وتقصر العبارة وتشح المعاني أمام من كتب بالدماء حقيقة الولاء، وروعة الإباء، وقصة الفداء، ولكن نحاول أن نتحدث بما قدرنا الله عليه من بيان عن فضيلة من سلك طريق ذات الشوكة وطلب اللقاء من الله فمنّ الله عليه بالكرامة السابغة وقربه إليه زلفى وجعل في مماته الحياة...

وقد قال الله تعالى: ﴿لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ...(النساء:95).

ففضل المجاهدين على القاعدين ورفع من شأنهم وعظم أجرهم، فإن بلغوا مقام الشهادة جعل الحياة الخالدة لهم فكانوا الأحياء الحقيقيين.

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ(آل عمران:169).

تمهيد في معنى الجهاد وأهميته‏
عرَّف أمير المؤمنين عليه السلام الجهاد بأروع تعريف حيث قال في نهج البلاغة: "فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه وهو درع الله الحصينة وجنته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل وشمله البلاء"1.

فالجهاد أمان أهل الإسلام عند هجوم المستكبرين عليهم ولذا عبر الإمام عليه السلام بأن من تركه ألبسه الله ثوب الذل وهو فريضة أوجبها الله علينا لما تتضمنه من منافع وآثار في الدنيا والآخرة واختبار لإرادة الإنسان ولما تحتويه من معاني الصبر والإيثار والفداء والتضحية التي لا يضاهيها شي‏ء.

كما قال الشاعر

أسمى غاية الجود     هوالجود بالنفس

منزلة المجاهد
لقد خصَّت الشريعة الغراء المجاهد بأرفع الأوسمة فقد وردت الروايات من كل باب منها تذكر المجاهد وترفعه إلى المقامات العلية وفيما يلي نستعرض بعض الروايات التي باهت بالمجاهد وعلقت على صدره المدائح وساما محفورا على مدى التاريخ.

1- طوبى لهم
عن الإمام علي عليه السلام: "فطوبى للمجاهدين في سبيله والمقتولين في طاعته"2.

أراد أمير المؤمنين عليه السلام أن يقول أن المجاهدين لهم (طوبى) وهو مكان خصصّه اللّه تعالى لهم ثواباً منه وتقديراً على ما قدّموا من تضحيات، وقد يكون المقصود من طوبى لهم معنى هنيئا لهم فيكون بذلك قد هنأهم بهذا التوفيق الإلهي وأي من المعنيين عنى عليه السلام فهو وسام لهم على كل حال.

2- خير الناس‏
أن تكون من خير الناس، أو يقول عنك أهل البيت‏ عليهم السلام أنك من خير الناس ليس بالأمر السهل أو البسيط بل ذلك إنما يكون لمن قدم في سبيل ذلك أغلى شي‏ء وأثمن.

فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "خير الناس رجل حبس نفسه في سبيل الله يجاهد أعدائه يلتمس الموت أو القتل في مصافّه"3.

3- يغضب الله لغضبه ويستجيب دعاءه‏
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اتقوا أذى المجاهدين فإن الله يغضب لهم كما يغضب للرسل ويستجيب لهم كما يستجيب لهم"4.

وهو إن دل على شي‏ء فإنه يدل على مقام القرب منه سبحانه وتعالى ومقدار الاهتمام والرعاية منه تعالى لشأنهم عنده...

وفي الحديث الآخر عن الإمام الصادق عليه السلام: "ثلاثة دعوتهم مستجابة...الغازي في سبيل الله فانظروا كيف تخلفونه"5.

4- باب للمجاهدين في الجنة
كما فضّل تعالى المجاهدين في الدنيا على القاعدين، كذلك خصّهم في الآخرة بميزة يتمايزون عن سائر الناس فيها وهو أن يدخلوا الجنة من باب قد أعد لهم خصيصاً.

ففي الحديث الشريف: "للجنة باب يقال له باب المجاهدين يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلدون سيوفهم والجمع في الموقف والملائكة ترحب بهم"6.

ويمكنك أن تتصور بعقلك صورة ذلك وقد أقبل الناس فيه للحساب يتدافعون في زحمة فزعين خائفين والعرق يتصبب منهم في حلة من الرعب والفزع وقد اصطفوا للحساب وبينما هم كذلك وإذ بباب المجاهدين قد فتح فيدخل منه المجاهدون والملائكة على بابه مصطفة ترحب بهم فأي كرامة بعد هذا؟

5- الأقرب من درجة النبوة ويباهي الله بهم الملائكة
ورد في الحديث الشريف: "اقرب الناس من منزلة النبوة أهل العلم والجهاد"7.

وفي الحديث الآخر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله يباهي بالمتقلد سيفه ملائكته"8.

وما تلك المباهاة إلا لأن عملهم لا يقاس بأعمال العباد ففي الحديث الآخر: "ما أعمال العباد كلهم عند المجاهدين في سبيل الله إلا كمثل خطاف أخذ بمنقاره من ماء البحر"9.

وكم يستطيع طير الخطاف أن يأخذ من ماء البحر؟ نقطة أو نقطتين وما قدر النقطتين أمام البحر...

6- مضاعفة أجره وثوابه‏
إن المجاهد غالبا ما يكون في طاعة الله فهو إن كان حارسا مراقبا فعمله لله وإن كان مرابطا فعمله لله وإن كان مقاتلا فقتاله في سبيل اللّ‏ّ أيضا وقد ضاعف الله ثوابه.

ورد في الحديث الشريف عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "صلاة الرجل متقلدا بسيفه تفضل على صلاته غير متقلد بسبعمائة ضعف"10.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن صلاة المرابط تعدل خمسمائة صلاة"11.

أجر المرابطة في سبيل الله‏
بعد أن استعرضنا بشكل عام بعض الأوسمة التي علقها الله على صدور المجاهدين المؤمنين نذكر الأجر الذي كتبه الله (عزَّ وجلّ) للمرابط، فبمجرد أن يكون الإنسان مرابطا لله بنية مخلصة استحق الأجر الذي ذكرته الروايات الشريفة.

فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها"12.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "رباط يوم خير من صيام شهر وقيامه"13.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: " كل عمل منقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمى له عمله ويجري عليه رزقه إلى يوم القيامة"14.

أجر الحراسة في سبيل الله‏
تعرضت روايات أهل البيت عليهم السلام لمسألة الحراسة وأشارت إلى أهميتها وثوابها والأجر المترتب عليها عند الله حيث عدتها إحدى الروايات أفضل من ألف ليلة.

فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "حرس ليلة في سبيل الله (عزَّ وجلّ) أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها"15.

وفي رواية أخرى عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "لأن أحرس ثلاث ليال مرابطا من وراء بيضة المسلمين أحب إلي من أن تصيبني ليلة القدر في أحد المسجدين المدينة أو بيت المقدس"16.

حتى أن عين الحارس التي لاقت عتمة الليل طمعاً في طاعة الله جزاها الله أن لا تمسها النار يوم القيامة.

فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله"17.

فهنيئا لتلك العيون التي أتعبها السهر على أمن عباد الله وفي سبيل الله (عزَّ وجلّ).

حق المجاهدين‏
للمجاهدين الذين يذرون عيالهم وأموالهم ويهاجرون إلى الله حقوقا علينا لا بد لنا من أن نؤديها إليهم.

وقد ورد الكثير من الروايات الشريفة التي تدّل على حقوقهم نذكر بعضا منها:

1- معاونتهم وتجهيزهم‏
قد لا يقدر كل شخص على الجهاد فهناك النساء وهناك المعذورون من الرجال وهناك العجزة، وقد فتح الله لهم طريقا يجعلهم شركاء للمجاهدين في جهادهم فينالون أجر الجهاد رغم عدم حملهم للسلاح وذلك من خلال تجهيز المجاهد ومعاونته فمعاونة المجاهد في سبيل الله ذات أجر كبير وقد حثت الروايات عليها بشكل كبير.

ورد في الحديث الشريف: "من جهز غازيا بسلك أو إبرة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر"18.

فحتى الإبرة الصغيرة جعل الله بتجهيز المجاهد بها غفران الذنوب فما بالك بما هو أكبر...

وفي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "من جبن عن الجهاد فليجهز بالجهاد رجلا يجاهد في سبيل الله، والمجاهد في سبيل الله إن جهز بمال غيره فله فضل الجهاد ولمن جهزه فضل النفقة في سبيل الله وكلاهما فضل،والجود بالنفس أفضل في سبيل الله من الجود بالمال"19.

ولا ينبغي أن يقول الإنسان أني غير قادر على دعم المجاهدين فإن الدعم ولو بالقليل له الأثر في الدنيا والآخرة.

2- حفظهم في غيبتهم‏
إن المجاهد يتوجه إلى الجهاد تاركا خلفه ماله وعياله فما هو تكليفنا اتجاهه في غيبته؟

إن حفظ أمانته من أقل الحقوق التي ينبغي الإلتفات إليها فعلينا أن نخلفه في أهله وماله خيرا، بأن نحفظهم ونرعاهم وكذلك نحفظه معنويا بين الناس فلا نغتابه أو نؤذيه وقد وردت الروايات في هذا المعنى.

فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من اغتاب غازيا أو آذاه أو خلفه في أهله بخلافة سوء نصب الله له يوم القيامة علم فيستفرغ بحسناته ويركس في النار"20.

وعلى كل حال فإن أذية المؤمن من الكبائر فكيف بالمؤمن المجاهد؟

فعن رسول الله‏ صلى الله عليه وآله وسلم: "قال الله تعالى: من أهان لي وليا فقد أرصد لمحاربتي"21.

وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحزن مؤمنا ثم أعطاه الدنيا لم يكن ذلك كفارته ولم يؤجر عليه"22.

3- إبلاغ رسالتهم‏
للجهاد رسالة كما أن لكل التضحيات رسالة وهدف ولكي لا يكون المجتمع بعيدا عن فهم عطاءات المجاهدين، لذا فإنه يتوجب علينا أن نبلّغ ونحفظ رسالتهم التي فدوها بأنفسهم وقدموا دماءهم في سبيلها وحملوا أرواحهم على أكفهم لأجلها حتى يكتب لنا أجر مثلهم في الجهاد ويتعلم الناس معنى العطاء فيستلهمونه نموذجا يحتذى به وتستكمل المسيرة سيرها نحو أهدافها المرجوة.

*أهل الفضل، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، شباط 2004م، ص41-55.


1- نهج البلاغة ج‏1، الخطبة 27.
2- ميزان الحكمة، ح 2681.
3- ميزان الحكمة، ح 2682.
4- ميزان الحكمة، ح 2695.
5- وسائل الشيعة، ج‏11، ص‏1213.
6- ميزان الحكمة، ح 2679.
7- المحجة البيضاء، ج‏1، ص‏14.
8- ميزان الحكمة، ج‏1، ص‏448.
9- ميزان الحكمة، ج‏1، ص‏445.
10- ميزان الحكمة، ج‏1، ص‏448.
11- ميزان الحكمة، ح 2715.
12- ميزان الحكمة، ح 2712.
13- ميزان الحكمة، ح 2713.
14- ميزان الحكمة، ح 2714.
15- ميزان الحكمة، ح 2716.
16- ميزان الحكمة، ح 2717.
17- ميزان الحكمة، ح 2719.
18- ميزان الحكمة، ح 2691.
19- ميزان الحكمة، ح 2692.
20- ميزان الحكمة، ح 2690.
21- بحار الأنوار ج‏19، ص‏54.
22- ميزان الحكمة، ح 459.

 

2011-11-10