يتم التحميل...

كلمته في لقاء المعلمين بمحافظة فارس

2008

كلمته في لقاء المعلمين بمحافظة فارس

عدد الزوار: 27

كلمته في لقاء المعلمين بمحافظة فارس 01/05/2008

بسم الله الرحمن الرحيم

يوم وأسبوع المعلم من الأيام والأسابيع الحافلة بالمعاني والمسؤولية بالنسبة لي.

وقد صادف هذه السنة أن أكون عند لقائي بالمعلمين في شيراز، وأن أوفق للقائكم أيها الإخوة والأخوات الأعزاء المعلمين من شيراز وفارس. هذه صدفة طيبة ويجب القول بحق إن محافظتكم ومدينتكم كان لها في كثير من الأحيان دور المعلم بالنسبة للآخرين. قلما نجد عالماً بارزاً لم ينتهل من فيض علماء شيراز ومعلميها سواء في الفقه، أو الفلسفة، أو الأدب، أوالشعر، أو الفن، أو بعض الفروع والعلوم والفنون الأخرى.

قيمة المعلم في هويته الجمعية
يوم المعلم هو يومكم، وهو - بمعنى من المعاني - يوم الشعب الإيراني كله. فالمعلم ما عدا هويته الشخصية، له هوية تعليمية ترتبط بكل الذين يمكنهم التعلم والاغتراف من معينه. للمعلم هوية جمعية. وقيمة المعلم ترجع إلى هويته التعليمية هذه. ويجب أن نعترف أننا قلما ركزنا جهودنا على هذه القضية، بل استسلمنا عملياً لتلك الثقافة والأجواء التي لا ترى للمعلم قيمة في غير الجانب المادي للقضية، أي القيمة المادية للدرس.

هذه هي ثقافة الحضارة المادية. معيار التقييم هو قابلية تحويل كل شيء إلى مال. والمعلم في تلك الثقافة محترم بمقدار ما يستطيع أن يجلب المال بنحو مباشر أو غير مباشر. لقد استسلمنا نحن في ثقافتنا الوطنية الإيرانية لتلك الثقافة الخاطئة، والحال أن القضية فوق ذلك في منطق الإسلام. قضية التربية والتعليم قضية بث الروح والحياة والولادة في الإنسان المتلقي. الإسلام ينظر للقضية من هذه الزاوية. ابذلوا جهودكم واسعوا لحفر أرض تبدو جافة لتفجروا فيها عين ماء، وازرعوا بذرة تبدو تافهة جداً في أرض خصبة واسقوها لتنبت منها غرسة خضراء. هذه هي المسألة، سواء كان ذلك قابلاً للتحويل إلى مال أو لم يكن. الإسلام ينظر بهذه العين لمهمة التربية والتعليم التي يضطلع بها المعلم. لا أريد تجاهل المطاليب المادية لمعلمي بلادنا في الحاضر والماضي؛ ليس الأمر كذلك. ثمة توقعات ومطالبات معظمها صحيح وهناك مسؤولون ينبغي توصيتهم بمتابعة هذه المطالبات.

الوزير المحترم الجديد الذي استمعتم لكلمته عنصر ناشط ومتابع ودؤوب كما رأيت وعلمت، ونتمنى أن يجري العمل بالواجب إن شاء الله. كلامي فوق هذه الأمور. ليس المعلمون هم المعنيون فقط بهذا الكلام. المعنيون هم أبناء الشعب الإيراني؛ منظومة الجماهير التي فتحتم لها دائرة التربية والتعليم ليدخلوها.

قيمة المعلم لم تعرف على حقيقتها في العصر الحاضر
للمعلم في الماضي قيمة وافرة وكرامه سامية
لابد من تقيييم ممارسة وعمل وهوية نعتقد أن قيمتها لم تعرف كما ينبغي في العصر الحاضر. في الماضي نعم. في الماضي وقبل أن تتطاول الثقافة الغربية على بلادنا بهذا النحو الواسع، أي منذ ألف ومائة سنة أو ألف ومائتي سنة بعد الإسلام حيث أقيمت محافل العلم والدراسة والتدريس في بلادنا حسب استيعاب الأزمنة المختلفة؛ بلى، كان للمعلم قيمة سامية من الناحية المعنوية. أسلوب التربية والتعليم في حيز الإسلام كان بحيث لم يلاحظ أن متعلماً مدَّ رجله أمام معلمه. وقد كنا كذلك نحن أيضاً. والمتعلمون عندنا أيضاً كانوا يتعاملون معنا بنفس الطريقة. كان للمعلم حيال المتعلم حرمة وكرامة حقيقية لا زالت إماراتها موجودة في الحوزات العلمية لأنها قلما تأثرت بالأساليب الثقافية الغربية. إذن، لا تزال تلك الأساليب موجودة في الحوزات العلمية والمعلم هناك يحظى بحرمة وكرامة وقيمة في نظر المتعلم. كانت له في قلب المتعلم هيبة ناجمة عن العظمة لا عن الخوف. وطبعاً، كان المتعلم يسجل إشكالاته حول الدرس. في دروسنا الحوزوية يشكل الطلبة على الأستاذ أكثر مما يشيع ذلك في الصفوف الجامعية. ولا حاجة لأن يستأذنوا ويقولوا: أستاذ، هل تسمح؟ لا، حين يتحدث الأستاذ ينبري أحد الطلبة لطرح أشكال معين ويستمع الأستاذ لإشكاله. وقد يحتد أحياناً، أي إن المتعلم يتحدث مع المعلم بجرأة وشدة حول المسألة العلمية. لكن هذا المتعلم نفسه يخضع ويخشع أمام المعلم ويقبّل يديه، ولا يمد رجليه أمامه، ولا يقول له "أنت". كانت علاقة المعلم بالمتعلم في بلادنا على هذه الشاكلة طوال ألف ومائتي سنة أو ألف وثلاثمائة سنة إلى أن وفدت إلينا الثقافة والقيم الغربية.

لاحظوا كم تعرض المعلم للضرب من قبل التلاميذ طوال هذه المدة. وكم تعرض للسخرية في الصف على أيدي التلاميذ. وكم سمع كلاماً شديداً. وكم من المعلمين قتلوا على يد الطلاب، لأن المعلم أعطاهم درجة قليلة. حصلت مثل هذه الأمور. وربما كانت هذه المعضلة أخف وطأة في بلدنا بما له من سابقة تاريخية. وكانت في بعض الأماكن أشد وأكثر وقاحة وعنفاً؛ في الأماكن التي مثلت مراكز للثقافة الغربية.

الذي يهمني هو يكون تقييم المعلم مطابقاً للتقييم الإسلامي. مجتمعنا بحاجة لاحترام المعلم وتكريمه. إذا احترم ولي أمر الطالب المعلم بالمعنى الحقيقي للكلمة، فسيكون هذا هو أيضاً شعور الطالب تجاه المعلم في الصف وبعد الصف. هذا ما نحتاج إليه.

هذا أسمى لكم من كل الامتيازات المادية. إمامنا الجليل كان رجلاً حكيماً. كان الإمام حكيماً بمعنى القرآني. الحكيم بمعنى الشخص الذي يشاهد حقائق تغفلها أعين الآخرين. كلماته قد تبدو بسيطة، لكنكم كلما محّصتموها وجدتم لها طبقات وأعماق أكثر. هكذا كان الإمام. انظروا إلى القرآن حين ترد فيه الحكمة : ( ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة )... انظروا ما هذه وستجدون أنها توصيات عادية في ظاهرها؛ من قبيل ما نقوله لبعضنا دائماً؛ لكنكم كلما سبرتم أغوارها وجدتم لها أبعاداً أعمق. احترام الوالدين على سبيل المثال إحدى الحكم. لا يمكن رصد حدود نهائية للمنافع والبركات التي يتضمنها احترام الوالدين. كلما تعمق فيها الإنسان وجدها أعمق؛ وهكذا هي الحكمة. الإمام الذي كان رجلاً حكيماً يقول" التعليم مهنة الأنبياء" هذه كلمة عظيمة جداً.

• التعليم مهنة الأنبياء
ما عدا آيات القرآن القائلة "يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة"والتي تكررت في عدة مواضع من القرآن، ثمة حديث عن الرسول الأكرم ينسب التعليم للرسول. يقول الحديث: "إن الله لم يبعثني معنِّتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسراً". بعثني الله معلماً ميسراً. أيسر الحياة بتعاليمي على طلابي والمتعلمين عندي وأسهل عليهم الأمور. هذا التسهيل يختلف عن التساهل بمعنى الإهمال. لست معنّتاً. لا أخوض في تعقيدات الحياة الصعبة، ولا أطلب ذلك من الناس. إنما أهدي الناس بتعليمي إلى الطريق السوي الصحيح المعبد، وإلى الصراط المستقيم. هذا هو معنى التسهيل. أحياناً يروم الإنسان الوصول إلى هدف معين لكنه لا يعرف الطريق، فتواجهه عقبات وعثرات وأحجار وأشواك ومرتفعات مجهدة يجب أن يصعدها وينـزلها دائماً، وبالتالي قد يصل وقد لا يصل. هذا هو العنت. وتارة يسير معه إنسان عارف عالم يقول له إذهب من هناك فالطريق سهل وقريب وستصل إلى غايتك دون شك.

هذا معنى "معلّماً ميسِّراً"، وهذا هو شأن المعلم.

ليكن تقديرنا للمعلم مطابقا لتقدير الإسلام له
هذه هي فكرتنا الرئيسية. أريد أن أقول هذا لكم أيها المعلمون لتعرفوا شأنكم وقدركم ومنـزلتكم جيداً، وللجماهير أيضاً. طبعاً أوجه كلامي للجماهير خاصةً، لأن المعلم يعرف قدر نفسه غالباً. المعلم الواعي وصاحب العلم الحقيقي الذي ينقله للآخرين يدرك ما الذي يقوم به. ثمة قفل له مفتاحه، والمعلم يمنح المتعلم هذا المفتاح ويقول له: ضع هذا المفتاح بهذه الطريقة في القفل. هذه هي مهمة التعليم. هذه معادلة لا يمكن حلها بأي ثمن وهذا هو طريق حلها. المعلم يدل التلميذ على طريق الحل. هذه مهمة المعلم في كل القطاعات والمجالات. لذلك يدرك المعلم - على اختلاف المراتب - ما الذي يفعله، لكنني أوجه الكلام خصوصاً لأبناء الشعب. أريد أن يكون شأن التربية والتعليم في مجتمعنا ذات الشأن الذي رسمه لنا الإسلام.

في الرواية: "من علمني حرفاً فقد صيّرني عبداً".أنا طبعاً لا أدري ما هو سند هذه الرواية وكم هي متقنة، لكن مضمونها صحيح. حينما يتعلم الإنسان شيئاً من شخص يكون قد تجاوز مرحلة معينة لذلك من المناسب أن يعتبر نفسه عبداً وخادماً لذلك الهادي والمرشد. هذا هو لب المسألة.

للتلميذ أيضا كرامته فليحاذر المعلمون إهانته
وثمة هاهنا نقطة أخرى لها هي أيضاً بعدها القيمي. أقول أيضاً - وهو خطاب لكم أيها المعلمون - كما أن للمعلم حرمته في نظر الإسلام ويجب أن يكرم فالمتعلم أيضاً يجب أن يكرم. التلميذ أيضاً يجب أن يكرم. ينبغي عدم إهانة التلميذ. هذا جانب تربوي عميق جداً. هنا أيضاً توجد رواية تقول: "تواضعوا لمن تعلّمون منه وتواضعوا لمن تعلّمونه، ولا تكونوا جبابرة العلماء". الجبابرة على نوعين: جبابرة سياسيون، وجبابرة علماء. فلا تكونوا جبابرة العلماء كفرعون. شاهدت مثل هذا الأستاذ في إحدى جامعات البلاد قبل نحو أربعين سنة أو خمس وأربعين سنة، كان كلامه وتعليمه وسلوكه مع تلاميذه فرعونياً، وليس من قبيل تعامل الأب مع أبنه. قد يحتد المعلم أحياناً، لكن الحدة غير الإهانة. ينبغي تكريم التلميذ. لكل واحد منكم بلا شك تجارب كثيرة عن تلاميذ كرَّمتموهم وكانت النتائج إيجابية؛ أي إن هذا التكريم سهّل عملية تربيتهم. السباب والإهانة وحتى الضرب ممارسات سلبية – و"الضرب للتأديب" من الكلمات التي ذاعت قديماً وعملوا بها ولكن ثبت لاحقاً أنها خاطئة وأن الضرب غير محبذ. وهذا هو رأيي. ينبغي التصرف بالتلميذ كالشمع في اليد ومنحه الشكل المناسب، ولكن بمرونة. هذا هو فن التعليم. وهذا جانب آخر من القضية القيمية في باب المعلم.

لا ضير من التتلمذ على الغربيين ... ولكن
قضايا التربية والتعليم كثيرة. وقد ذكرت في السنين الماضية بعض النقاط والقضايا بمناسبة اللقاء بالمعلمين، أو في لقاءاتي بالمجلس الأعلى للثورة الثقافية، أو في لقائي بوزارة التربية والتعليم، لم تكن تعبر عن ذوقي الشخصي ولها كلها تقريباً أرصدتها من البحث والتحقيق العلمي، وقد عاضدها العاملون في سلك التربية والتعليم أنفسهم. طالبنا بهذه الأمور، ولاحظت لحسن الحظ في التقرير الذي رفعه السيد الوزير الآن إشارات إلى البدء ببعض هذه الأعمال أو التقدم فيها، وهذا جيد طبعاً لكن لا يمكن الإكتفاء بهذا المقدار، فنحن بحاجة إلى أعمال جذرية في مضمار التربية والتعليم.

في لقائي بالمعلمين في طهران العام الماضي طرحت قضية التغيير الجذري في التربية والتعليم. ما معنى هذا التغيير الجذري؟ قلت مراراً إننا لا نخجل من التعلم من الغربيين وغيرهم من الأجانب.

أ ــ ضرورة تقييم ما عندهم في ضوء ما ينفعنا
لا نخجل أبداً من تعلم منهج، أو أسلوب تعليمي، أو علم معين، أو اختراع من البلدان الأخرى. ولا نتراجع عن ذلك، إنما نتابعه ونتتلمذ. ولكن ثمة هاهنا نقطتان إلى جانب هذا التتلمذ لم تجر مراعاتها للأسف خلال فترة الاستحالة الثقافية. أي الفترة البهلوية وهي فترة الاستحالة الثقافية في بلادنا. أغمضوا عيونهم وفتحوا أذرعهم وأخذوا كل ما جاءهم به هذا وذاك. إحدى النقطتين هي أن نقيّم ما نأخذه ونرى هل ينفعنا أم لا. إذا كان ينفعنا مائة بالمائة نأخذه مائة بالمائة. إذا كان يضرنا مائة بالمائة نرفضه مائة بالمائة. وإذا كان بين هذا وذاك نقبل منه بمقدار ما ينفعنا ونرفض الباقي. هذه هي النقطة الأولى.

ضربت مثالاً وقلت إن ثمة فرق بين شخص يرى جسماً أو فاكهة أو طعاماً أو دواءً، ويعرفه ويريد أكله بيديه ورغبته، وبين شخص يقيدون يديه ورجليه ويحقنون جسمه بشيء معين. هاتان حالتان مختلفتان. الحالة الأولى صائبة والحالة الثانية خاطئة. ينبغي أن لا يحقنونا، بل يجب أن نختار بأنفسنا. هذه نقطة أغفلت. يجب أن لا نكون أناساً ممددين بلا وعي ولا إحساس يحقنون أجسامهم أو يملأون أفواههم بكل ما شاءوا. خلال فترة الاستحالة الثقافية كنا ننتظر أن يضعوا المواد في أفواهنا.

ب ــ عدم الجمود على حالة التلمذة إلى الأبد
النقطة الثانية هي أن حالة "التلميذ – الأستاذ" هذه ينبغي أن لا تستمر إلى الأبد. نعم، نحن على استعداد للتتلمذ عند من يتقن الصنعة التي لا نتقنها؛ ولكن يجب أن لا يبقى الإنسان تلميذاً إلى الأبد. علينا أن نصبح أساتذة. هاتان النقطتان لم توليان الأهمية اللازمة.

من الأمور التي تعلمناها قضية التربية والتعليم. كان لديهم أساليب جيدة في التربية والتعليم وتعلمناها منهم. المدارس الابتدائية كانت أفضل من الكتاتيب؛ الابتدائية والثانوية وهذه التقسيمات كانت جيدة ومفيدة ونحن لا نرفضها؛ ولكن بأي مقدار وكيف وبأي توجه؟ هذا ما لم نتفطن إليه وأخذنا الأمور دون تمحيص. قالوا لتكن ستة صفوف بهذا النحو وستة صفوف بذاك النحو فأخذنا عنهم هذه الصيغة. بعد ذلك غيروا أسلوبهم فكان لديهم خمسة صفوف، فثلاثة، و... الخ فأخذنا عنهم هذا أيضاً. هذا غير صحيح. كانت لديهم كتب مدرسية قالوا اعتمدوها فاعتمدناها وتراكمت علينا. أسلوب تنظيم التربية والتعليم من حيث الشكل والمضمون أسلوب مقتبس تماماً. هذا غير صحيح. ينبغي أن ننظر ونرى ماذا نحتاج وأين هي مواطن النقص والخلل في هذا الأسلوب المعتمد. لهذا الأسلوب عيوبه ومنها محورية الذاكرة بدل محورية التفكير. نظام التربية والتعليم عندنا يعتمد محورية الذاكرة، وعلى الطلاب أن يحفظوا الأشياء دائماً.

وأقول لكم بين قوسين إن الذاكرة ليست سيئة للحفظ. لا إشكال أبداً أن يحفظ التلاميذ ويقرأوا الكتب بكثرة.. هذا شيء جيد لأن هذه المعلومات تبقى. طبعاً، قد لا يفهمون البعض منها. كنا نذهب لمدرسة ابتدائية تختلف مناهجها عن المناهج المألوفة في التربية والتعليم. كانوا يعلموننا هناك "كلستان". ولا أزال أتذكر بعض عبارات "كلستان"وأشعاره منذ ذلك الحين. حينما كنا نقرأ كلستان لم نكن نفهم معانيه، وبعد ذلك بدأنا تدريجياً نفهم معنى تلك الأشعار والجملات. هذه حالة جيدة. قد لا يفهم الإنسان بعض الأشياء بدقة، لكن هذه المحفوظات تمهد لنشاط الذهن. المحفوظات جيدة. لكن محورية الحفظ حالة سلبية. ينبغي أن يكون التفكير هو محور الجهد والسعي حتى لو ترافق مع الحفظ. هذا خلل كبير ينبغي إصلاحه.

من الذي سيصلح هذا إن لم نصلحه نحن اليوم؟ لقد ولت فترة الاستحالة الثقافية، وفترة التغريب على حد تعبير المرحوم آل أحمد، وفترة الحيرة والانبهار حيال مظاهر الحضارة الغربية. لقد ظهرت لنا ولكثير من سكان العالم اليوم بواطن ذلك الوجه الزاهي البراق المزين الممكيج بشدة؛ اتضحت لنا مواطن قبحه ونقصه ودمامته. نعلم اليوم أشياء كثيرة لم نكن نعلمها قبل خمسين سنة. الشعب الإيراني اليوم على معرفة بكثير من هذه الحقائق.

ينبغي أن نقوم بهذا اليوم. من الذي يجب أن يقوم به؟ المسؤول الرئيس هو التربية والتعليم. وأقول لكم طبعاً: صحيح أنهم شكلوا لجنة في التربية والتعليم ومن الضروري أن تنهض التربية والتعليم بذلك، ولكن - يا مسؤولي التربية والتعليم - الأصل هو نتائج بحوث الخبراء. لا تحرموا أنفسكم إطلاقاً من الخبراء في المجلس الأعلى للثورة الثقافية أو المؤسسات الأخرى. استفيدوا منهم وقدموا لشعب إيران وأجيال المستقبل مشروعاً مدروساً ناضجاً يكون لكم من الباقيات الصالحات. هذه نقطة أعتقد أنها مهمة جداً.

للإنتفاع من الإمكانات والخبرات الجامعية
القضية الأخرى المهمة جداً هي قضية المعلم والأستاذ في المراكز التعليمية في التربية والتعليم. أعتقد هنا أيضاً - ولوزارة التربية والتعليم اليوم ولحسن الحظ سعة كبيرة بخصوص تخريج المعلمين ينبغي استثمارها إلى أقصى الحدود - أنه ينبغي الانتفاع من الإمكانات والخبرات الجامعية. لا تغلقوا الباب على الخارج. استفيدوا من كل الإمكانات والفرص.

أحياناً قد لا يكون للشخص شهادة جامعية، لكنه خبير في فرع معين أو مهنة من المهن. كان لنا في مشهد عدد من أهل الأدب والشعر لم يصيبوا أية دراسة جامعية، بل كان مستوى بعضهم أقل من الجامعة، لكنهم أساتذة. خبراء في ناصر خسرو، أو مسعود سعد سلمان، أو سعدي، أو حافظ، أو صائب، وأفضل من كثير من الأساتذة الذين درسوا الأدب في الجامعات. نظير هذه الحالة قد تكون موجودة في فروع علمية أخرى، وينبغي أن لا نحرم أنفسنا من هؤلاء.

التعليم ليس مقدمة للجامعة بالضرورة: بلدنا يحتاج لشتى أنواع الكفاءات
وأريد أن أقول من جهة أخرى: كما أن التربية والتعليم مسؤولة عن تخريج أفراد متعلمين وكفوئين على كافة المستويات، فمن الخطأ التصور أن التربية والتعليم هي بالضرورة مقدمة للجامعة. لا؛ البعض يربطون دنياهم وآخرتهم بالدخول إلى الجامعة.

سمعتم أن بعض الشباب ممن يرسبون في امتحان قبول الجامعات قد يلحقون الأذى بأنفسهم، أو يصابون بالاكتئاب، أو يعنّفهم آباؤهم وأمهاتهم. لا يا سيدي: الجامعة طريق التنمية العلمية والبحث العلمي، حسناً جداً، هذا شيء ضروري للبلاد. تعلمون أنني من دعاة نشر العلوم وتعميقها ومن المصرِّين على هذا المعنى، لكن هذا لا يعني أننا لا نحتاج إلى بائع جيد، وسائق جيد، وكاسب جيد، وتقني جيد. نحتاج على كافة مستويات البلد إلى رجال ونساء لم يلتحقوا بالجامعات ضرورة، لكنهم بحاجة لتعليمات التربية والتعليم. إذن ليست التربية والتعليم مجرد مقدمة ينتقل منها الطلبة إلى الجامعة. لا، الجامعة مرحلة جيدة جداً وضرورية، بيد أن دائرة التربية والتعليم أوسع من الجامعة بكثير. ينبغي أن تتركز هممكم على تنشئة أشخاص في التربية والتعليم يتمتعون بالحد اللازم من الثقافة والعلم، ويكون للإنسان أينما عمل واشتغل هذا الحد من الثقافة والعلم. والبعض لديهم القابلية والشوق فيلتحقون بالجامعة، والبعض لا يلتحقون أو لا تتوفر لديهم الرغبة أو القابلية.

طبعاً هذا بمعزل عن قضية مراعاة العدالة. هناك ينبغي أن نتصرف بطريقة تكرس العدالة. بمعنى أنه لو كان ثمة شخص لديه الرغبة والاندفاع والموهبة لكنه لا يمتلك الإمكانات المادية، فعلينا مساعدته كي يستطيع الالتحاق بالدراسة. هذه هي العدالة. أي ينبغي توفير الفرص للجميع. ذات مرة قلت - على المألوف - لشاب لم ينه دراسته: لِمَ لم تنه دراستك وانتقلت للعمل والكسب؟ فرد بنحو مجمل غير واضح، لكنني أصررت عليه بعض الشيء - وقد كان يعمل في مهنة جيدة - فقال لي بلهجته المشهدية: إن هذه المهنة تجري في دمي. إذا كانت مهنة البيع في دمه فليذهب ويمارس البيع. ما الضرورة لأن يلتحق بالجامعة. ما معنى إصراري لو أصررت عليه أن يلتحق بالجامعة؟ هذه هي النظرة الصائبة للقضية.

ليعتني المعلمون بقضايا التربية عنايتهم بالتعليم
القضية الأخرى قضية الأنشطة التربوية التي أشرنا إليها. من أفضل التقاليد التي سُنَّت في هذا البلد بعد الثورة - كان المرحوم الشهيد باهنر رحمة الله ورضوانه عليه مؤسسها - هي المعاونية التربوية. وقد ألغاها البعض بذرائع معينة، ولا نريد النظر للقضية بظن سيئ، لكنه كان ذوقاً سيئاً على كل حال. ألغوا هذا المركز المختص بالأنشطة التربوية بحجة أن التربية يجب أن تتم من قبل المعلمين وبشكل متنوع في صفوف الدرس وليس بشكل منفصل. نعم، أنا أيضاً أرى هذا. أرى أنكم رغم كونكم معلمين تدرِّسون الفيزياء، أو الرياضيات، أو الهندسة، أو الأدب، أو العلوم الاجتماعية، أو أي شيء آخر، بوسعكم أن تكونوا أيضاً معلمي دين وأخلاق ومربين أخلاقيين لطلابكم. أحياناً قد يقول معلم الرياضيات أثناء حل جدول رياضي كلمةً تترك أثراً دائماً في أعماق فؤاد الطالب. هذا ما ينبغي أن يعتبره الجميع واجبهم. وأقول لكم أيها الأعزة الحاضرون هنا ولكل المعلمين مهما كنتم تدرِّسون: لا تغفلوا عن أن التربية أيضاً من واجبكم، وما أفضل من أن توظفوا نفوذ المعلم والتأثير الروحي للمعلم على المتعلم وتنوّروا قلوب طلابكم. كلمة عن الله، وكلمة عن الرسول، وكلمة عن القيامة، وكلمة عن المعنوية والسلوك إلى الله ومحبة الله إذا صدرت عنكم بوصفكم معلم رياضيات، أو معلم أدب، أو معلم الصف الأول أو الثاني الابتدائي، قد تمنح شخصية الطفل أو الحدث أو الشخص الذي يسمعكم شكلاً حسناً بتأثير أكبر بكثير من مائة ساعة من الكلام بأشكال أخرى. هذا شيء محفوظ في موضعه وهو واجب، لكنه لا ينفي أن يكون لنا في التربية والتعليم قسم يهتم بنحو ملتزم ومسؤول بقضايا التربية.

• التعليم من دون تربية ضياع للأجيال
لأننا نعلم أن التعليم من دون التربية لن يؤدي إلى النتيجة المرجوّة. التعليم من دون التربية تنـزل بالمجتمعات الإنسانية ذات الويلات التي بدأت المجتمعات الغربية الآن تشعر بها بعد مرور مائة أو مائة وخمسين سنة أو أكثر. هذه من الظواهر التي لا تتجلى تبعاتها بعد عشرة أعوام أو عشرين عاماً: تفتحون عيونكم فجأة فترون أن جيلاً بكامله قد سُحق ولا يمكن إنقاذه. لدي حول هذا الموضوع معلومات وافرة وإحصاءات مفزعة لا مجال لذكرها الآن، وقد ذكرتها في مناسبات معينة، اعترافات صريحة وحاسمة. لا يُظن أن هذا كلام نجلس هنا ونقوله عن بعد. لا،؛إنه كلامهم هم. تحذيرات يطلقونها هم لأنفسهم. لقد حدث هذا في الغرب وهو السيل الذي يهدم البيت من أساسه. هكذا هو العلم من دون التربية. حينما يتقدم العلم في مجتمع يفتقر إلى التربية، ستكون النقطة الأساسية ضياع الجيل الإنساني، ناهيك عن القنبلة الذرية، والأكدار السياسية المتنوعة، وصنوف الكذب والدجل، والأنانيات الاقتصادية للكارتلات والطبقات، فلكل هذه الظواهر حكايتها المستقلة الناجمة بدورها عن هذا السبب. إذن قضية الأمور التربوية مهمة جداً، وعلى شكل معاونية ومؤسسة قوية ورصينة وكفوءة.

وجوب محو الأمية في البلاد
أ ــ لجعل الدراسة الابتدائية إلزامية للجميع
ومن القضايا أيضاً قضية محو الأمية حيث يجب علينا بالتالي أن نقضي على الأمية في البلاد. أولاً يلاحظ في بعض مناطق البلاد أن الأطفال في أعمار الالتحاق بالمدرسة لا يلتحقون بالمدرسة، وهذه حالة خطيرة وسيئة جداً. ينبغي اتخاذ إجراءات لجعل الدراسة الابتدائية إلزامية للجميع، وأن تكون بطاقة المرحلة الابتدائية على الأقل شيئاً واجباً لازماً كبطاقة الهوية، أو ترخيص قيادة السيارات؛ يجب أن يمتلكها الجميع. هذه نقطة مهمة جداً لا يجري الاهتمام بها. وعدم الاهتمام هذا يؤدي أحياناً إلى حالات استغلال في بعض أنحاء البلد. يجب أن ينخرط الأطفال في عملية التربية والتعليم ويجتازوا مرحلة الابتدائية. ولوضعهم اللاحق بحث آخر؛ لكن هذه المرحلة يجب أن تكون إلزامية.

ب ــ ضرورة خروج غير المتعلمين جميعا من حالة الأمية
ينبغي أن تجتمع التربية والتعليم ونهضة محو الأمية ويعيّنوا حداً معيناً. الأفراد في الخمسين سنة مثلاً، أو الخمس وخمسين، أو الستين، تحدد لهم مدة معينة- خمسة أعوام مثلاً - يجب أن يخرج خلالها جميع من في البلاد من حالة الأمية. أما من هم فوق تلك السنة فتعالج حالتهم باهتمام وإلزام أقل، لا أن يتركوا نهائياً. أما الذين هم دون الخمسين أو الخامسة والخمسين من رجال ونساء فيجب أن يتعلموا، لكيلا يكون لدينا في البلاد أمّيون بالمعنى الحقيقي للكلمة.

شعبنا قادر على الإبداع في شتى ميادين الحياة: القضية النووية نموذجا
طيب، ذكرت لكم غالبية القضايا التي دارت في ذهني. ونعتقد أن الجيل الحالي في البلاد، الجيل الذي أدرك الثورة وفترة الدفاع المقدس، وشعر بعضهم بأجواء تلك الفترة - لم نبتعد كثيراً عن تلك الأجواء - لديه قدرات ومؤهلات لا نهائية، وبوسعه القيام بالكثير من المهام. لا نـزال نحتفظ بأنفاس الإمام الخميني الدافئة في أعمالنا ومشاريعنا. تلك الإرادة الصلبة والعزيمة الراسخة والنظرة الإلهية الحكيمة لأمور البلاد والمجتمع لا تزال حية بيننا. بمعنى من المعاني يمكن القول إن الإمام حي.

ينبغي عدم نسيان بيعتنا للإمام والثورة. الذين ينكثون بيعتهم للإمام والثورة والجمهورية الإسلامية إنما يضرون أنفسهم: "فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً". علينا صيانة هذه البيعة وحفظها. وبفضل بيعة الجيل الحالي- وبلادنا والحمد لله زاخرة بالشباب وحيوية الشباب - نستطيع القيام بالكثير من الأعمال الكبرى. من نماذج ذلك قضية الطاقة النووية حيث تلاحظون أن الشعب الإيراني لفت أنظار العالم إليه. صحيح أن الساسة والإعلاميين يشتمون، ولكن أعلموا أن الشعوب تمدح وتثني. وحتى أولئك الساسة يثنون على إيران في دخيلتهم. يأتوننا بالمفاوضات المختلفة - سواء في الوكالة الذرية، أو في بعض الأروقة السياسية- فنرى أنهم يثنون على الشعب الإيراني وينبهرون به بسبب صبره وشوقه للعلم وإصراره على صيانة كبريائه العلمي والوطني. كل التقارير التي لدينا تدل على هذا.

لو قال أحد قبل عشرين سنة في هذا البلد أن الشباب الإيراني سيستطيع يوماً أن يصنع بنفسه ومن دون أن يتتلمذ في مكان معين، بل بفضل دراساته المتفرقة وأنشطته وابتكاراته الذهنية الخاصة، أن يصنع أجهزة طرد مركزية، ويضع اليورانيوم في سياق عملية التخصيب فيستخرج منه طاقة كهربائية، لما صدّق هذا الكلام حتى شخص واحد من بين كل ألف شخص. ولكان المتخصصون والمتعلمون أول من يرفض هذا الكلام. لقالوا: هذا مستحيل، وهل مثل هذا الشيء ممكن؟! وهل هو لعب أطفال؟! لكن الشعب الإيراني أثبت أنه قادر. وكذا الحال على كافة الصعد. لكن هذه القضية برزت إلى السطح أكثر. واشتهرت في العالم. لهذا الشعب، مثل هذه المواهب في كافة الفروع. ولديه الشوق والرغبة، مضافاً إلى الجرأة والشجاعة على اقتحام هذه الميادين... هذا واضح جداً، واللعنة على من ينكره.

الكثير من الأمور الأخرى أيضاً؛ حق أكيد من حقوقكم.1
هذا هو معنى الإبداع الذي تحدثنا عنه. ينبغي لشعبنا، وشبابنا ومفكرينا ومبدعينا، ومنهم أنتم المعلمين أن يتقدموا إلى الإمام بوحي من الأفكار الإبداعية، والسبل الإبداعية، والعزيمة على الإبداع وسوف يمن الله بعونه إن شاء الله.

اللهم، أنزل مددك وتوفيقك على هذا الشعب. اللهم اجعل سلوكنا، ونوايانا، وأعمالنا، وخطواتنا مرضيةً في خاطر الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه). اللهم زد من حيوية وتوثب الشعب الإيراني يوماً بعد يوم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


1 -قالها تعليقاً على شعار الجماهير: الطاقة الذرية حقنا الأكيد.


 

2017-03-09