يتم التحميل...

ما هي البيئة وكيف ينظر إليها الشرع ؟

المجتمع والبيئة

يقول تعالى في كتابه العزيز:... هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا... أي طلب إليكم أن تعمروها. وبحسب تعبير العلامة الطباطبائي في تفسير الاية أنه تعالى هو الذي أوجد على المواد الأرضية هذه الموجود المسمى بالإنسان، ثم كملها بالتربية شيئاً فشيئاً وفطره على أن يتصرف في الأرض بتحويلها...

عدد الزوار: 30

يقول تعالى في كتابه العزيز: ﴿... هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا...(هود:61).

أي طلب إليكم أن تعمروها. وبحسب تعبير العلامة الطباطبائي في تفسير الاية أنه تعالى هو الذي أوجد على المواد الأرضية هذا الموجود المسمى بالإنسان، ثم كملها بالتربية شيئاً فشيئاً وفطره على أن يتصرف في الأرض بتحويلها إلى حال ينتفع بها في حياته، أي فطره على أن يسعى في طلب إعمارها فعمارة الأرض هي من فطرة اللَّه في خلقه.

وعمارة الأرض تقتضي حمايتها وحظر الافساد فيها بتخريب عامرها وتلويث طاهرها وإهلاك أحياءها واتلاف طيباتها.

كما أن الإنسان أنيط به خلافة الأرض: ﴿... إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً...(البقرة:30).

ومعنى الاستخلاف هو أن الإنسان وصيّ على هذه البيئة (الأرض) ومستخلف على إدارتها وإعمارها وأمين عليها، ومقتضى هذه الأمانة أن يتصرف فيما استخلف فيه تصرّف الأمين عليها من حسن استغلالها وصيانتها والمحافظة عليها.

والدين من خلال اهتمامه بالإنسان باعتباره محور هذا الوجود وكل ما فيه مسخّر لأجله، كان لا بدّ من أن ينعكس هذا الاهتمام على كل ما له علاقة به، ومن ضمنها الطبيعة التي هي المحور الاخر لعلاقة الإنسان بعد علاقته بأخيه الإنسان، وكل واحد من المحورين له تأثير في الآخر كما ربما يظهر من الآية الكريمة: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ...(الروم:41).

وقبل الدخول في تفاصيل ذلك لا بد من تعريف البيئة وتحديد موضوعها وموردها ومن ثم بيان بعض الآيات الكريمة التي تسلط الضوء على عمق علاقة الإنسان بمحيطه وبيئته.

تعريف البيئة
قد تكون كلمة بيئة في اللغة العربية مشتقة من فعل بوّأ، فتأتي بمعنى الإنزال والإسكان كما في قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء...(يوسف:56).

أي ينزل فيها حيث يشاء ويريد. والاسم (البيئة) أي المنزل.

وعلى هذا يمكن تعريف البيئة على أنها الإطار الذي يعيش فيه الإنسان ويحصل منه على مقوّمات حياته من غذاء وكساء ودواء، أي كل ما يحيط بالإنسان ويؤثر فيه ويتأثر به سلباً أو ايجاباً فتشمل جميع الموجودات التي تحيط بالإنسان من يابسة وماء وسماء ومخلوقات حيّة وغير حيّة من حيوان ونبات ومناخ وتربة، كما أن مفهوم البيئة اليوم لم يعد قاصراً على الجوانب الطبيعية وإنما اتسع ليشمل النواحي الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية التي صنعها الإنسان وعلى هذا نخلص إلى نموذجين للبيئة وهما:

البيئة الطبيعية: وهي التي ليس للإنسان دخل في وجودها.
والبيئة البشرية: وهي بيئة من صنع الإنسان وتعدّ انعكاساً لطبيعة التفاعل بين الإنسان وبيئته أي سلوك الإنسان وإنجازاته داخل بيئته الطبيعية.

وقد أشار القرآن الكريم إلى عمق ارتباط الإنسان ببيئته في الكثير من آياته الشريفة، ومن هذه الآيات: ﴿اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ* وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ(إبراهيم:32-34).

﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ(الرحمن:10).

﴿وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ(الذاريات:48).

﴿... هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ(هود:61).

﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(الجاثية:13).

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ(الروم:20).

﴿وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ * وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ(النحل:80-81).

البيئة في المنظور الإسلامي
1-البيئة خلقت بدقة بالغة ومتوازنة
خلق اللَّه سبحانه وتعالى البيئة وأحكم صنعها بدقة بالغة من حيث الكم والنوع والخصائص والوظيفة.

قال تعالى: ﴿... صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ...(النمل:88).

فكل عنصر من عناصر البيئة بهذا القدر وبهذه الصفات كما حددها تعالى يكفل لهذه العناصر أن تؤدي دورها المحدد والمرسوم لها من قبل الخالق القدير، في المشاركة البنّاءة في الحياة في توافقية وانسجامية غاية في الدقة والتوازن: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ(القمر:49).
﴿... وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا(الفرقان:2).

هذا التقدير البالغ الدقة الذي هو من صنع حكيم خبير هو الذي يعطي لكل عنصر أو مكوّن من مكوّنات البيئة طبيعته الكمية والنوعية ووظيفته وعلاقته بالمكونات الأخرى.

2- البيئة خلقت مسخّرة لخدمة الإنسان:
خلق اللَّه البيئة وذللها سبحانه وتعالى وسخّرها لخدمة الإنسان: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ(الملك:15).

﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً...(لقمان:20).

فالبيئة وفق هذه الايات وغيرها، بأرضها وسمائها ومائها وهوائها وجمادها ونباتها وحيواناتها، كل ذلك قد خلقه الحق تبارك وتعالى مسخّراً مذلّلاً للإنسان.

3- البيئة يحفظها اللَّه تعالى
فالبيئة التي خلقها تعالى لتفي بكل متطلبات الإنسان، قد حفظها اللَّه تعالى وحماها من مخاطر كثيرة كالإشعاعات الكونية الفضائية والشهب والنيازك.

قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ(الانبياء:30).

فاللَّه تعالى أتقن صنع البيئة وأحاطها بدروع واقية من الأخطار القادمة من الفضاء، هذه البيئة هي نعمة مهداة من اللَّه تعالى يجب شكرها ومقتضى شكرها أن نسعى إلى حمايتها والمحافظة عليها، لذا حذّر تعالى كل من يسيئ استخدامها أو يفسدها أو يبدلها بالعقاب الشديد: ﴿... وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(البقرة:211).

*البيئة، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، أيار 2004م، ص7-15.

2013-01-16